صفحات سوريةمعتز حيسو

لن نكون طائفيين ولن نتشبه بهم

null
معتز حيسو
إن ميل المجتمعات العربية عموماً إلى مزيد من التوضعات الإثنية والمذهبية والطائفية والعشائرية والعقائدية السياسية الجامدة، يعكس حجم المعاناة من واقع سياسي عربي يزداد ركوداً وتأسناً مع تقادم الزمن، إذ يكفي أن ترميه بحجر……
وإذا كان الواقع اللبناني يعاني من المحاصصة الطائفية في ممارسته السياسية، فالبنان يستقر سياسياً واجتماعياً واقتصادياً .. بفعل التوازن الطائفي الذي يشكل نموذجاً لأداء سياسي يعكس الواقع الاجتماعي المستمر في تطوره الوجودي، على قاعدة الوعي المذهبي الذي يشكل القاع المعرفي والثقافة الاجتماعية التي تقوم عليه الممارسة السياسية الطائفية.
وإذا كان لبنان واضح في طائفيته، فإن الواقع السياسي العربي عموماً يقع في مطب الطائفية بشكل أو بآخر. والطامة الكبرى إن كثيراً من السياسات الرسمية تتقاطع مع الإستراتيجية الأمريكية التي تعمل على تكريس الطائفية، العشائرية،الإثنية … ؟؟؟ والمستغرب أن تسارع بعض النخب الثقافية والسياسية لتبرير المشاريع الطائفية، ويدّعون بأنها تعبيراً عن الواقع الاجتماعي والثقافي العربي. وبدل أن يتحول التنوع الثقافي العربي إلى مصدراً للقوة والإثراء المعرفي، فإنه يتحول إلى مصدراً للتوتر والتصارع البيني.
وإذا كانت الممارسة السياسية الرسمية ترى في تعميق الانقسامات المذهبية مصدراً لاستمرار هيمنتها، فماذا تستفيد بعض النخب السياسية والثقافية العلمانية باختلاف توضعاتها السياسية من العمل على تبرير بقاء التكتلات المذهبية … هل استقرار مجتمعاتنا يكمن في نكوصه للتخلف ؟؟
إن ظواهر الإرتكاس إلى الوعي الديني / المذهبي الذي يتجسد ويتعيّن في أشكال الممارسة السياسية، يؤكد بأن الوعي العربي عموماً لم يصل حتى اللحظة عتبة العقل العلمي وآليات التحليل المنطقي. ويدلل على المستويين الرسمي وغير الرسمي افتقادنا لمبدأ المشاركة والحوار الذي يفترض عقلاً منفتحاً يشكل الأساس الموضوعي لتكريس الديمقراطية، لنرى بأن السائد على المستوى الثقافي والسياسي هو لغة القوة والإقصاء والاستبداد القائمة على ثقافة أحادية هاجسها الأساس الاحتواء والهيمنة وفرض الطاعة، و هدر الإنسان بكافة الأشكال والمستويات يشكّل الأساس الموضوعي لاستمرار الهيمنة.
ومن الواضح حتى اللحظة بأن الثقافة السائدة تقوم على المنوية المتجسدة في قمع الاختلاف والتنوع، أي أنها فاقدة للجذر الأساس الذي تتشّكل على أساسه الديمقراطية.
ويكفي أن نلاحظ كيف حولنا: الفكر الماركسي إلى مذاهب وعقائد جامدة تعتمد لغة التكفير والتخوين بديلاً عن لغة الحوار. و(الاشتراكية)إلى وصائية واستبداد شمولي.والديمقراطية إلى عصبيات وعقائد متناحرة… لقد تحول فكرنا إلى لغة للقمع، والسياسية إلى ممارسة طائفية، والدين إلى لغة للإقصاء والقتل بتهم التكفير والردة … ليتحول تراثنا الثقافي إلى حاوية وجمّاعة لمفردات ومصطلحات تعمل على تأبيد أشد عهود التخلف، ليرُجم بها كل (زنديق متمنطق….) وتغيب عنها مفاهيم الحوار والتسامح والتحليل المنطقي .. التي لا ندري هل هي أصيلة في تراثنا أم أننا حاولنا تقمصها.
بداهة، بلداننا حتى اللحظة لم ترتقي لمستوى مفهوم دولة المواطنة. إن التنوع الإثنوغرافي الذي تتمتع به بنيتنا الاجتماعية يتحول في ظل سيادة ثقافة التخلف والتجهيل إلى وعي طائفي وممارسة سياسية طائفية، ليتقاطع تخلف الوعي مع الاستبداد السياسي المعتمد على الأصوليات الدينية والمذهبية في سياق الممارسة السياسية الناكصة والمرتكسة إلى أشد مراحل وعينا الاجتماعي تخلفاً، لتعيد إنتاج وتوظيف الطوائف والعشائر والمذاهب…. سياسياً، إذ لم نعد نكتفي بوعينا الاجتماعي المتخلف، بل يتم نبش المتخلف من وعينا وتمكينه من الهيمنة السياسية والثقافية والإعلامية والتربوية….. وفي هذا الإطار تتوضح أهداف ممارسة الضغوط والحصار والملاحقة التي يتعرض لها الوطنيين العلمانيين وتحديداً اليساريين. ويتم في ذات السياق محاصرة ومنع وقمع تجليات ممارساتهم السياسية والمدنية ( أحزاب، جمعيات ،ندوات ،مؤتمرات ، ورشات عمل…). إن كافة أشكال محاربة العلمانية والعلمانيين تتم في سياق تحفيز وتمكين الجمعيات والتجمعات والأحزاب … ذات الطابع الديني والمذهبي والطوئفي الذي سرعان ما يتحول إلى أشكال ومستويات من المحاصصة السياسية الطائفية، ويتم تسهيل توسع وتنامي تأثير الظواهر الطائفية عبر تمكين رموزها من الوصول إلى أوسع الفئات الاجتماعية عبر الوسائل الإعلامية والمنابر الدينية.
وإن يكن واقعنا السياسي والاجتماعي يعاني التخلف والتناقض والتقوقع والركود، فحري بنا التمسك بما تبقى لدينا من وعي علماني ديمقراطي وطني يمكن أن يشكل رافعة لنهضة ثقافية واجتماعية وسياسية تقينا من الخروج ليس فقط من التاريخ الإنساني، بل من الجغرافية في سياق تحولنا إلى مستحاثات تاريخية .
ـــ وحتى لو كنا في هذه اللحظة أشلاء من تجارب ماضية، أو ظواهر صوتية أو تحت صوتية، لكن يفترض بنا ألا نترك مستقبلنا ومستقبل أبنائنا يتحكم بهما ويحددهما عقول الظلام والتكفير … ولنا في تاريخنا أمثلة ناصعة لمن قضى شهيداً ومنهم من يقاوم لإعلاء حرية الفكر والكلمة من مهدي عامل إلى حسين مروة إلى سمير القصير إلى جورج حاوي، نصر حامد أبو زيد، نوال السعداوي، صادق جلال العظم … وكل المثقفين والمفكرين والمبدعين من أصحاب الكلمة والرأي الحر، الذين كانوا وما زالوا هدافاً لقمع وظلم المستبدين والسلفيين الرافعين لواء الدفاع عن الوطن والدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى