صفحات ثقافيةمحمد ديبو

هو الحب.. بين “ربمات” اليقين و”حيثمات” المستحيل

null
محمد ديبو
فجأة يأتيك..دون سابق إنذار, يخلخل توازن روحك الهشة من فرط توازن الحياة الهش, ويقودك نحو معارج الشك المثقلة بهواء الريح.
يأتيك بعد أن تكون يئست من قلبك المدلل بأسبرين”محمود درويش” (تكفيه حبة أسبرين لكي يلين ويستكين), ليأخذك في رحلة العدم والموت اللذيذ..
يأتيك فيما كنت تعتقد أنها شؤون حياتك الخاصة, لتكتشف بعدها أنك كنت مشغولا بكل شيء إلا أناك, بما تعنيه “الأنا” من الانتحار على بوابة “آخر” لاتستمر أناك دون أناه المعجونة بك حد الهوس..
هو الحب.. المعقد بكامل بساطته والسهل بكامل تعقيده, الواضح بكل غموضه والغامض بكل وضوحه, الفاضح بعتمة تستره والمتستر بضوء فضيحته, الجنون بريح تعقله والعقل بجموح جنونه..سيد الأضداد, المتربع على عرش التناقضات والمتضادات التي تأخذك كل ثانية إلى اتجاه أكثر جنونا وأكثر تناقضا مما سبقه..
هو الحب الذي يكشف دواخلنا المخبأة, وجمال روحنا المغبرة من تعب السنين واحتمالات النسيان, فيذهب بنا إلى حدود الطفولة بكامل براءتها ونزقها وأحلامها المشتهاة, ليغدو الحب طفولة نعيشها بكامل وعينا, لنصبح أمام فرصة نادرة قد لا تتكرر, وهي أن تعيش طفولتك وأنت تعيها, بعد أن تكون عشت طفولتك الاولى دون أن تعيها..
هو الحب..حين يأتي يغير موازين الفصول, ومواقيت الازمنة ومواعيد الزمن لتغدو دقة القلوب وارتجافها لحظة اقتراب الحبيب هي المعيار الوحيد الذي تضبط عليه ساعات يومنا المليء بمواعيد كثيرة لشخص واحد : هو هو.
هو الحب..وحده, من يبدل الأدوار والانماط التي نمطت شخصيات سجنت داخل سجن صفاتها..
وحده الحب, يجعل الطفل شابا حين يعابث طفلة الجيران, ويجعل الحكيم مجنونا تاركا حكمته تدوسها  مراهقة تفتح صدرها للريح, هو الذي كان يرجم كل من يقترب من حكمته برصاص الكلام..
هو الحب..وحده, يجعل الرجل في الستين من عمره شابا تعلو البسمة وجهه, بعد أن كان ينتظر شيخوخة هادئة بين أحفاده..
هو الحب, وحده,  من يجدد اللغة, فيغدو الجمع مفردا, والممنوع من الصرف صرفا بحتا, ويغدو لـ”ربما” جمع هو “ربمات”, ولــ”حيثما” “حيثمات”.. ويوما بعد يوم يتسع معجم العشاق بلغتهم الخاصة, لتغتني اللغة ويزاد بهاؤها في “ربمات” العشق و”حيثمات” المستحيل.
ما أنت ياحب؟
من أنت؟
كيف تجيء؟
من أين تولد؟
نعرف كل شيء عنك ونجهلك, نقرأك كل ليلة ونراك لا نعرف أين تبيت؟ وأين تنام؟ هل من امرأة تغطيك في آخر الليل أم تنام عاريا مثل عشاقك!!
وحده الحب يبرر الجنون, يبرر فواتيرنا العالية, ومصروفنا الفائق الحد, لأن مانصرفه هنا
قليل
قليل
قليل
أمام حجم فرح مشتهى يأخذنا إلى موتنا المشتهى بعيدا عن “أسبرين” درويش وقلبه المستكين!

شوكوماكو- 31-3-2010

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى