صفحات ثقافية

‘الخارطة الشعرية للأغنية الرحبانية’ جهد توثيقي نادر.. ورؤية نقدية أصيلة

null
كشف النقاب عن أربع مسرحيات مجهولة للأخوين رحباني وعن شعراء غنت لهم فيروز وأُهملت قصائدهم
لندن- ‘القدس العربي’: عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع بدمشق، صدر مؤخراً للزميل الناقد محمد منصور، كتاب (الخارطة الشعرية في الأغنية الرحبانية)، الذي يجسد فيه مؤلفه اهتمامه الجاد والمعمق بالفن الرحباني، الذي طالما ترجمه على صفحات ‘القدس العربي’ بالعديد من الدراسات الهامة، فضلا عن أنه كان أصدر قبل خمس سنوات كتاب: (فيروز والفن الرحباني: الحلم المتمرد والفردوس المفقود) الذي حقق أصداء نقدية واسعة لدى عشاق صوت السيدة فيروز، والمهتمين بالتراث الرحباني على امتداد الوطن العربي.
مسرحيات مجهولة!
في كتابه الجديد ثمة أكثر من مفاجأة أو كشف جديد… لعل أبرزها إماطة اللثام على أربع مسرحيات شعرية مجهولة للأخوين رحباني كانت قد طبعت في مطابع الإدارة السياسية في دمشق عام 1985، وكان مقرراً أن تتحول إلى سلسلة تلفزيونية تتناول سيرة حياة بعض فحول شعراء العربية: (امرؤ القيس- جميل بثنية – أبو تمام – ولادة وابن زيدون)، إلا أن المشروع الذي كان ينوي التلفزيون السوري إنتاجه بالتعاون مع الإدارة السياسية في الجيش والقوات المسلحة لم ير النور، رغم تكليف المخرج هيثم حقي بإخراجه… وطويت صفحته تماماً برحيل عاصي الرحباني (1986) ثم منصور الرحباني (2009)، وقد قدم الزميل محمد منصور قراءة نقدية في النصوص المسرحية الأربعة، والتي كتبت على طريقة (المسرح التلفزيوني) مبرزاً خصوصية العمل الإبداعي الذي قام به الأخوين رحباني في قراءة سير شعراء العربية، وتقديم قصة حياتهم بالتوازي مع تقاطعاتها الشعرية والإبداعية… كما سعى للتعريف بمضامينها واختزال أبرز تحولاتها الدرامية.
شعراء فيروز!
وإذا كانت هذه المسرحيات تمثل جزءا من الخارطة الشعرية العربية المترامية الأطراف التي استلهمها الأخوين رحباني في تجربتهما الفنية الفريدة، فإن الكتاب يقوم أساساً على فكرة تتبع هوية الشعراء الذين غنت فيروز قصائدهم، حيث نقرأ في كلمة الغلاف الأخير: (من هم الشعراء الذين غنت السيدة فيروز قصائدهم وأشعارهم؟ إلى أي عصر من عصور الشعر العربي ينتمون؟! على أي رقعة جغرافية يتوزعون؟! ما هي أبرز قصائدهم المغناة؟ وكيف اختار (الأخوين رحباني) هذه القصائد، وما هي المعايير التي صاغت انتقائها؟! كل هذه الأسئلة وسواها، يجيب عليها الناقد محمد منصور في هذا الكتاب الذي استغرق إنجازه سنوات من البحث والتدقيق واللهاث وراء التسجيلات النادرة، والذي سعى من خلاله لتقديم الخارطة الشعرية الكاملة للأغنية الرحبانية بكثير من الدقة والشمولية، متتبعاً مصادرها، وبداية تشكلها، ومصححاً الكثير من الأخطاء الشائعة حول نسبة بعض القصائد لغير أصحابها أو إغفال أسماء شعرائها، ومقارناً بين الصياغات الأصلية وبين التعديلات التي أدخلها (الأخوين رحباني) على كثير من القصائد لضرورات فنية، ورابطاً كل هذا بالتوجه العام الذي طبع المدرسة الرحبانية، والذي شكل محور اختياراتها).
الأخوين رحباني والتناص الأدبي!
وفي سياق البحث عن الشعراء الذين غنت لهم فيروز، يقدم الزميل محمد منصور الكثير من الاكتشافات شبه المجهولة، والتي لا يعرفها سوى قلة من المهتمين بالفن الرحباني… فينشر موشحات لأبي خليل القباني وقصائد لعمر أبي ريشة، وبدوي الجبل وميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي وإلياس أبو شبكة وأبي سلمى وهارون هاشم رشيد ومرسي جميل عزيز غنتها فيروز وأهملت فلم تطرح في ألبوماتها المتداولة تجارياً التي أعاد الأخوين رحباني إصدارها في فترات مختلفة من مسيرتهما، ويتتبع قبل ذلك مصادر كل قصيدة أو مقطع أو حتى بيت شعري غنته فيروز لشعراء من العصر الجاهلي أو الأموي أو العباسي أو الموشحات الأندلسية، مما كان ينسب في البيبلوغرافيا الرحبانية بأنه (من الشعر القديم)، ويكشف في هذا السياق حالة تناص بين إحدى قصائد الأخوين رحباني، وبين مطلع قصيدة لشاعر الغزل الأموي عمر بن أبي ربيعة، الذي قال في إحدى قصائده:
كتبتُ إليكِ من بلدي
كتاب موّله كمـــــد
فكتب الأخوين رحباني في مطلع قصيدتهما (نجمة الكتب) على المنوال نفسه:
كتبتُ إليكِ من عتبِ
رسالة عاشق تعــب
وإلى جانب دراسته التوثيقية والنقدية في الخارطة الشعرية للأغنية الرحبانية والتي أفرد لها الباب الأول من الكتاب، ينشر الناقد منصور، في ثلاثة ملاحق القصائد والأبيات التي اختارها الأخوين رحباني من الشعر القديم والموشحات الأندلسية، ثم ينشر في الملحق الثاني ثلاث وعشرين قصيدة من القصائد التي غنتها فيروز لكبار الشعراء المعاصرين بنصوص الكاملة، ويخصص الملحق الثالث ليختار أجمل عشر قصائد بالفصحى من شعر الأخوين رحباني.
مختارات شعرية بذائقة رفيعة!
ويخلص الزميل منصور إلى استنتاجات هامة وطريفة في دراسته هذه، لعل أبرزها أن الخارطة الشعرية الرحبانية كانت خارطة ذكورية مئة بالمئة فهي تخلو من أي صوت شعري أنثوي، إذ لم يقدم الرحابنة أي قصيدة لشاعرة أنثى بصوت فيروز… لا في العصور القديمة ولا في العصر الحديث. لا في اختياراتهم من الشعر الفصيح ولا من الشعر المحكي.
كما يؤكد استناداً إلى رؤية نقدية تستجلي أسرار الفن والأدب معاً، أن الأخوين رحباني قدما من خلال مجمل القصائد التي اختاراها لتغنيها السيدة فيروز، أفضل مختارات شعرية، تمثل صورة الشعر العربي في مختلف عصوره… وأن هذه المختارات الصادرة تنم عن ذائقة أدبية رفيعة تمتع بها الأخوين رحباني في قراءاتهما، تستحق أن تدّرس لكل عشاق الشعر العربي أو المهتمين بالتعرف عليه.
يذكر أخيراً أن كتاب (الخارطة الشعرية في الأغنية الرحبانية) يقع في (250) صفحة من القطع الوسط، وهو يضم دراسات أخرى عن الفن الرحباني منها: (قيم الحداثة والخلود في الفن الرحباني) و(فيروز في السينما) ويهدي المؤلف كتابه إلى اثنين من أعلام الفن السوري ممن دعموا مسيرة الأخوين رحباني والسيدة فيروز:
الأول: مدير إذاعة دمشق في الخمسينيات الصحافي الدمشقي اللامع أحمد عسة الذي فتح أبواب الإذاعة أمام التجربة الرحبانية في الخمسينيات.
الثاني: المنتج السينمائي السوري المهندس نادر أتاسي الذي فتح أبواب السينما أمام فيروز والرحابنة في الستينات.
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى