صفحات ثقافية

دور المثقفين في مجتمعاتنا العربية

null
عبلة أبو علبة
تعكس مرآتنا الداخلية صورة شديدة القتامة والتعقيد، عن الواقع الذي أعيد تشكيله منذ بداية التسعينيات، وعلى غفلة من الشعوب العربية وقواها المنظمة.
فالتغييرات الهائلة التي استوعبت فك وتركيب أنظمة سياسية واجتماعية بكاملها في العالم العربي، لم تستقر حتى الآن، ولم تسفر سوى عن إنتاج كم هائل من التحديات التي يتوجب التعامل معها. بجهد عام يومي، كبير ومنظم وقائم على أساس وحدة ووضوح الرؤية.
المثقفون العرب، لا يمكن الحديث عنهم في إطار إجمالي واحد، ولكن المتنورين منهم، والذين يعرفون حقاً طرق الخلاص، ويملكون القدرة على تقديم تفسير علمي للتحولات الجارية، وينتمون للمصالح العليا للشعب والوطن، ولم يغادروا القيم الإنسانية والأخلاقية الرفيعة، هؤلاء هم الذين يجب ان يشار لهم دائما بالبنان.
لدينا أسماء كثيرة نعتز بها في مشرق الوطن العربي ومغربه، ومساهمات فذة قدمت الكثير في الفترة الزمنية منذ وقوع التغيرات حتى يومنا…ولكن معظم هذه الإسهامات تقع خارج نطاق التأثير المباشر على صانع القرار.
وفي حدود المسؤولية الخاصة بهؤلاء المثقفين لانهم لا يتحملون وحدهم المسؤولية عن هذه الظاهرة نقول: كم هو ضروري ان تفتح بل تشرع الأبواب أمام إعادة النظر في عدد من القضايا، فلعل الإسهامات بحاجة الى إعادة تدوير وابتكارات من نمط يتواءم مع طبيعة هذه المتغيرات بعلاقاتها المعقدة:
-1 اعتقد انه يجب علينا عدم اللحاق بمقولات التضليل التي تصور ان عنوان التغيير بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر هو المواجهة بين الارهاب والعالم المتحضر، والعنوان كما في الواقع، وليس في الاجتهاد وحده ان المواجهة بين القوى الرأسمالية العالمية..والشعوب الفقيرة، وتستخدم والحالة هذه كل المحرمات في سبيل تحييد قوى اجتماعية بل شعوب بكاملها عن مصدر الخطر الرئيسي على مستقبلها وحقوقها الإنسانية.
لقد اسُتهلك النص العربي، كما لم يحدث في أي فترة في التاريخ، وهو يقدم التبريرات تلو التبريرات حول إرهاب الدولة والحق في مقاومة الظلم، ومهاجمة قيم الغرب الاستعمارية المتوحشة، واستحضر التاريخ قبل مئات بل آلاف السنين، وتم تحشيد خبراء حقوق الإنسان.. وبعثت من جديد في هذا السياق القيم العصبوية والعنصرية شديدة الخطورة على مستقبل أي شعب؛ تحت عنوان مواجهة التهم بالإرهاب والتخلف واحتقار القيم الحضارية المتقدمة.. وهكذا فنحن كمن يبحث عن الحل في تاريخ الأسلاف بينما الحل قريب جداً، بل هو في قلب البيت.. التنمية الاقتصادية واستقلال القرار الوطني والمشاركة الشعبية.. اذ لو اعتمدت هذه الإستراتيجية لما وصلنا الى ما نحن عليه الان.
بالطبع فهذه التصورات ليست بعيدة عن رؤية وإدراك المثقفين العرب، الذين كتبوا حولها طويلاً، ولكنها قدمت كأبحاث دراسية او صيغت بمقالات مطولة، لا يقرأها الا النخب السياسية..أغامر بالقول ان ما قدم على هذا الصعيد لم يصل حد الاشتباك المباشر مع السياسات الرسمية للدول.
2 -الرؤية الثاقبة للتناقضات والتعارضات في الجبهات العالمية المعادية للشعوب –والفقيرة منها على وجه الخصوص– ثم بدء تنامي قوى عالمية اخرى مثل الصين وروسيا.. فقد عاد الخطاب مرة اخرى لتمجيد هذه القوى، بل والمبالغة في تصوير قدرتها على تحدي القوى الغربية المهيمنة على العالم سياسيا واقتصادياً.. ويبدو ان نسياناً لا يغتفر قد وقع.. بالأمس القريب كانت المنظومة الاشتراكية، وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي، تقف في مواجهة الرأسمالية الغربية الصاعدة… وشكلت على امتداد تاريخها –67 عاماً– سنداًَ مادياًَ وسياسياً كبيراً لبلداننا وشعوبنا وبلدان وشعوب العالم الثالث عموماً.
وقد شهدناً مع انهيار المنظومة الاشتراكية، تدهوراً موازياً في توازن انحاء العالم.. وبصورة اكثر حدة في بلداننا العربية..
لان الإستراتيجية الناقصة –غير المتوازنة- هي التي اعتمدت في برنامجها على الآخر، وتجاهلت عن سابق عمد وإصرار تقوية مناعة الجبهة الداخلية.
الان عودة مرة أخرى للحلم القديم: الاعتماد على الاخر وتجاهل العامل الذاتي الداخلي.
ان نظرة متفحصة للمقال والبحث والدراسة مجال الاهتمام على هذا الصعيد، تشير الى التمسك بأداة الخلاص خارج الحدود الوطنية والقومية.. فهل هذا هو الدرس الذي تعلمناه من التاريخ القريب؟
بالتأكيد فان الدولة الوطنية مطالبة بالاستفادة من كل التطورات الايجابية التي تحدث في العالم والتعامل معها وفق برنامج واضح ومحدد، وبأقصى قدر تسمح به هذه التطورات، انما الأهم هو إعادة تشكيل الوعي العام على أساس ان خشبة الخلاص هي في الداخل اولاً.
ان أقلام المثقفين وعقولهم يجب ان تتجه صوب الخطر الرئيسي الذي يهدد عالمنا العربي في الظرف الراهن الى حد الاختناق.. فالشعوب التي لا تساعد نفسها لن تجد من يمد لها يد العون.
مثقفونا الآن، وتحديداً الديمقراطيون منهم، هم في حالة المواجهة النظرية مع التحديات الكبرى القائمة.. ولم يصل إنتاجهم حد التفاعل الشعبي الخلاق والقدرة على صياغة رؤى التغيير واستشراف المستقبل.
ايها المثقفون العرب.. نحن بحاجة لكم.. فلتغادروا أماكنكم العلوية.. وتأكدوا حينها أنكم ستكونون في سويداء القلوب.. وفي النقطة المركزية للمستقبل الأفضل لشعوبنا والإنسانية جمعاء.
كاتبة من الأردن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى