ثائر الناشفصفحات سورية

طائفية السلطة ومدنية المجتمع في سورية

null
ثائر الناشف
لا تبدو الطائفية السياسية قرينة المجتمع , رغم ما يبدو أحياناً من تطابق ظاهري بينهما , باعتبار أن المجتمع بشرائحه المتعددة , هو عصب الطوائف التي تلتقي حوله وتتفرع منه , وقد يكون ذلك منطقياً في بعض الحالات , ولكن ليس دائماً , أن يغدو المجتمع متساوقاً مع الطائفية .
فالحالة السورية لها خصوصيتها , التي تحتم مدنية المجتمع , رغم اكتمال نصابه بناء على توليفة طوائفية , أهم ما يميزها أن لها خصوصياتها من طائفة لأخرى , وهي خصوصيات مرتبطة بالتاريخ والثقافة والتراث , وتلتقي جميعها على أرضية واحدة , أرضية المجتمع , وبالتالي فإن التشبث بتك الخصوصيات , أدى على الدوام إلى زيادة مدنية المجتمع , من خلال احتفاظ كل طائفة بخصوصياتها , وبما لا يتعارض مع خصوصيات الطوائف الأخرى.
وفي مقابل هذا التشبث وذلك الاحتفاظ بتلك الخصوصيات , ازداد تشدق السلطة بالطائفية , بما يتناقض بالكامل مع مدنية المجتمع , فكل منهما يسير في اتجاه معاكس لاتجاه الآخر , فالمجتمع يسير في اتجاه المدنية , وهو اتجاه مغاير تماماً لاتجاه السلطة , والأعقد من ذلك , أنهما ليسا في وارد التنازل عن موقعهما الراهن.
فلا السلطة التي انحرفت بسياستها, تقبل أن تتخلى عن طائفيتها , ولا المجتمع يتزحزح قيد أنملة عن مدنيته , رغم أن الصورة قد تبدو معكوسة أحياناً بما يتماشى مع أهواء السلطة ونزواتها التي تحرص أشد الحرص على الظهور بمظهر المدنية , وأنها المنقذ الوحيد الذي يحول دون غرق المجتمع في وحول الطائفية.
غير أن الواقع, يؤكد مرة بعد أخرى , على المدى الذي غرقت فيه السلطة في مستنقع الطائفية, لأن في ذلك إغراقاً للمجتمع في تهمة “الطائفية” وهو بريء منها.
إن تمركز السلطة حول مصالحها , من دون الالتفات لمصالح المجتمع , أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تطيف السلطة , من خلال الاعتماد المباشر على استخدام طائفتها إلى جانب الاعتماد على بعض الطوائف الأخرى في سبيل إضفاء مسحة وطنية على تلك المصالح , التي أشد ما تفتقر إلى الشرعية , كونها خارج أي مشروع وطني , يجري الاتفاق والإجماع عليه بين مختلف فئات المجتمع , بعيداً من كل أشكال القسر والقهر .
ولطالما ظلت الطائفية في اتجاه معاكس لاتجاه المدنية , فإن اتجاه المدنية , بوصفه السمة الأقرب للمجتمع , على نقيض تام مع اتجاه الطائفية السمة التي لازمت السلطة منذ ثلاثة عقود وما زالت.
فعندما قررت السلطة السعي وراء مصالحها التي تتمثل في تأبيد سلطتها وإطالة أمدها , وجدت أن من الأفضل لها الاعتماد على بعض رجالات طائفتها , لضمان استمرار مصالحها المتمثلة قبل كل شيء , بضمان استمرار سلطتها , والسبيل الوحيد إلى ذلك , مباشرتها في توزيع مواقع السلطة الحيوية إلى ثلة من رجالاتها.
إن التناقض الراهن بين طائفية السلطة ومدنية المجتمع , ينذر بتداعيات محتملة على المدى المنظور , قد تكون تلك التداعيات أكثر من سلبية , إذا ما قلنا عنها إنها وخيمة , فتطيف رجالات السلطة , بات يقترب يوماً بعد آخر , نحو رجالات المجتمع , في ما يشبه الزحف المنظم , أو العدوى التي تحمل الوباء , وذلك تحت يافطة أن السلطة متجذرة في مجتمعها في محاولة يائسة لكسب المزيد من شرعيتها المطعونة , وهنا جوهر التناقض , إذ كيف لسلطة فاقدة للشرعية الدستورية فضلاً عن الوطنية يمكن لها أن تدعي ولو لحظة واحدة التجذر داخل منظومة المجتمع المحتفظ بخصوصياته الثقافية التي هي جوهر مدنيته?
ليس هناك من جواب , سوى القول إن فيروس الطائفية , لم يعد مقتصراً على السلطة بعينها , فعدواه بدأت تصيب شرائح كبيرة من المجتمع تحت إغراء المشاركة في السلطة .
كما تتناقض الطائفية والمدنية نظرياً , فإنهما تتناقضان عملياً , بدليل أن نقاط القوة لدى السلطة هي ذاتها نقاط الضعف لدى المجتمع , نقطة قوة السلطة – الطائفية , هي ذاتها نقطة ضعف المجتمع , ونقطة قوة المجتمع – المدنية , ليست هي نقطة ضعف السلطة , فمدنية المجتمع قد تكون وسيلة ضغط على السلطة , وبالإمكان تجاوز ضغوطها بالانكماش والانطواء , لكنها ليست وسيلة تغيير أو حتى إصلاح , هذا ما يريح السلطة , ويجعلها أكثر اطمئناناً وأكثر تطيفاً حفاظاً على استمرارية السلطة التي تبدت طائفيتها كنقطة قوة في كبح جماح مدنية المجتمع .
كاتب سوري
السياسة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى