صفحات الناسمعتز حيسو

أوهام مواطن عربي

null
معتز حيسو
يبدو أننا نحيا لنموت في أوهام أحلامنا. تعلمنا لغات الهروب كافة. نهرب لنعيش في وهم انتصاراتنا البائدة من هزائمنا وانكساراتنا الراهنة، ونهرب للمستقبل لنعيش أحلاماً سرابية عندما تضيق علينا مساحات الحقيقة. نقاوم في الظاهر بكل اللغات المفهومة وغير المفهومة، ونموت بالداخل،داخلنا الذاتي و الوطني .
هي حياتنا، علمتنا كيف ننحني، ونسينا ماذا يعني أن نواجه وكيف، حتى أننا نسينا كيف تموت الأشجار وقوفاً.
للمؤمن حياته الأخروية. للبقية ماذا في انتظارهم. فإذا كان حلم المؤمن في الشهادة ليحيى من جديد… ليعاد كيفما يشتهي ومع من يحب. فكيف لنا أن نحيا حياتنا الأرضية ونحن نفتقد فيها لحظة آمان وسعادة.
قد يكون ما نقوله تشاؤماً، أو واقعية تعبر عمّا يعتمل في دواخلنا من معاناة. أين نحن من واقع يدوسنا أزلامه أينما وكيفما شاءوا وفي أي وقت.
ماذا تعني حياتنا إذا كان استمرارنا فيها لنتعايش ونتوالد، هل سدّت حتى منافذ الأحلام، حتى نتوهم بأن زيادة في الأجور يمكن أن تسد عوزنا وأودنا، وقبل أن تُعلن يشفطها المستثمرين والتجار، أو يطفئ وهجها تضخماً لا يبقي ولا يذر. لنشد أحزمة الفقر والحرمان على بطوننا من جديد، ونغمض أعيننا عما نشتهي و تتحرق له قلوب أطفالنا.
لكن الأمور لا تقف عند هذا الحد بل كلما ضاقت بنا منافذ الخلاص وأقدارنا جثمت متثاقلة على صدورنا… يزداد صمتنا العهري والقهري، مجبرين على الصمت والعمى، لكي لا نوصف بالخيانة والعمالة … لتضيق علينا مساحات الوطن الحر المقاوم الذي لا نعرف لها قراراً أو قاع نستند إليه.
هل هو قدرنا أن نموت في الحياة . وأموالنا مكدسة في البنوك والمصارف الخارجية. لتتحول حياتنا لحلم ومأساة لا نهاية لها، بل إلى سراب نركض نحوه عطشى. مسدودة طرقنا كما هي أحلامنا،رقيبنا لا تغمض له عين، حتى أخذنا الظن بأنه يعد علينا أنفاسنا.
إذا كان للإنسان قوة عليا تحميه، لماذا لا تتدخل وتنتشله من مآسيه أم هي … هل بات موتنا في الحياة مفروضٌ علينا، وقدرنا الذي لا مهرب لنا منه. هل فقدنا سبل تحصيل عيشنا بغير انحناء مذل وابتسامات زائفة منافقة وأن نرفع أيدينا لأي شيء.
يطل علينا بعض من حكومتنا العتيدة بأن التسريح التعسفي و طرد العامل من عمله لأسباب لا يعرفها غير الله ورب العمل يشجع الاستثمار. وإن العقد شريعة المتعاقدين، والقضاء لا شأن له فهو مكفوف اليدين أمام رب العمل، كما المواطن مكفوف اليد واللسان.. إذا كان القضاء لا يمكنه أن يحمي المواطن، فلمن نلجأ، لا أحد ممن في الأرض ولاحتى خارجها يسمع أو يستجيب. لنرقد إلى حلمنا بل إلى وهمنا في خلاص لا نعرف تفاصيل له.
إذا أردنا أن نحصي ما يجب أن نتجاوزه فإنه لا يحصى: قراراتنا الاقتصادية لا تحابي أصحاب الرساميل بل من أجلهم تصاغ، البطالة في ازدياد، حاجتنا السنوية تزيد عن / 250,000/ فرصة عمل / ما يتم تحقيقه لا يتجاوز / 60,000/ ليس هذا فقط بل تحرير الأسعار، تحرير التجارة وحركة رأس المال ارتفاع معدلات التضخم وتآكل القيمة الشرائية لليرة…، فهل هذا تعبيرٌ عن اقتصاد اجتماعي يفترض أن تكون التنمية لصالح المواطن إن وجدت. حتى بات من المتوقع رفع سن التقاعد وتخفيض الراتب التقاعدي قاب قوسين أو أدنى بديلاً عن تخفيض سن التقاعد ورفع معدلات التأمين والضمان عند نهاية الخدمة. إذاً كيف يحيا الإنسان بعد تقاعده براتب ممسوخ، إذا كان مرتبه الكامل لا يسد أوده.
الزيادة التي ينتظرها المواطنون بفارغ الصبر من المؤكد أنها لن تزيدنا إلا جوعنا، لأن تمويلها سوف يتم بالعجز أو برفع المعدلات الضريبية المباشرة وغير المباشرة على المواطن المنهك.
التعليم كيف يمكننا أن نصفه في ظل الخصخصة التي تحولت فيها مدارسنا مكاناً من خلاله يتم السطو على طلابنا لرميهم للتعليم الخاص خارج أسوار المدارس الحكومية، كما باتت الدروس الخصوصية كابوساً يقض مضجع كل من يريد متابعة تعليم أبنائه، لأن ارتفاع معدلات القبول باتت أسرع من الصوت.
هل نستمر في وصفنا أم أن ما عرضناه يكفي ليكون عينة تعبّر عما ننعم به من رخاء.
لتنقلب المفاهيم، وليتحول الاستقرار الأمني رعباً دفيناً، والاستقرار الغذائي موتاً بطيئاً، ومجانية التعليم استنزافاً لدخلنا المتواضع، لنمضي بقية ما تبقى لنا من أيامنا سعداء لأنه لا يوجد شيء نخاف عليه، فالله الحمد لا شيء يثقلنا و لاشيء يحمينا إلا ….
فقدنا صوتنا منذ زمن بعيد، لاشيء يعلو على صمتنا، أعمتنا أقدارنا حتى فقدنا الإحساس بكل الأشياء، إلا إحساسنا بالرعب. فالتناقض واضح كما الشمس.
لتنعم وتستقر حكوماتنا بأن شعوبها لا صوت لها يعكر صفو السكون، فماذا نقاوم وبماذا ولماذا؟؟؟؟ هل بفقرنا وحرماننا وجوعنا كي يبقى من نستظل بفيئه رمزاً .. بعد أن حوّلنا وتحولنا لخراب وركام من رماد. هل من أشياء أخرى .. ؟؟؟
بالتأكيد هناك الكثير.
الجوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى