الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

التحدي الإيراني بين المناورة والمغامرة

nullعبد الحسين شعبان
هل أصبح توجيه ضربة عسكرية لإيران وشيك الوقوع، أم أن الأمر أصبح بعيد الاحتمال، وربّما مستحيلاً؟ وكيف يمكن التكهّن بذلك في ظل التصعيد الحالي من جانب واشنطن وتل أبيب؟
الفريق الذي يؤيّد احتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران، لاسيّما إذا لم تتنازل عن تخصيب اليورانيوم «الخط الأحمر»، يرى أن الضربة حتمية، لأن إيران سادرة في غيّها، ليس على الصعيد العسكري فحسب، بل على الصعيد السياسي أيضا، خصوصا امتداداتها في العراق ولبنان وفلسطين والخليج. فلا بدّ والحالة هذه من تطويعها وترويضها والإطاحة بها. ويعتقد هذا الفريق أن سيناريو الهجوم المباغت هو أنجح السُبل، ولم يبق منه سوى تحديد الموعد والاتفاق على حجم وتفاصيل المباغتة المسلحة، لأنها في النهاية ستكون لصالح واشنطن وحليفتها إسرائيل في المنطقة. ولعلّ هذا الهدف الاستراتيجي قد يبرّر بعض الخسائر، لاسيّما إذا كان العمل العسكري الخاطف ناجحاً ويؤدي الهدف المنشود.
ويزعم هذا الفريق توفّر معلوماتٍ عن البرنامج النووي الإيراني والمواقع الاستراتيجية التي يمكن أن تطالها الضربة العسكرية، فضلاً عن معرفة واشنطن وتل أبيب بالقدرات العسكرية الإيرانية، الأمر الذي يساعد على نجاح العملية القيصرية ضد إيران، مقارنةً بالحرب الناعمة وسياسة الاحتواء والضغط السياسي والحملة الدعائية السياسية والأيديولوجية ضدّ إيران وتوجّهاتها، إضافة إلى اختراق الجبهة الداخلية، الأمر الذي يحتاج إلى سنواتٍ طويلةٍ أخرى.
أما الفريق الذي يرى، لأسباب مختلفة وربّما متباينة، صعوبة وربما استحالة العمل العسكري، فهو ينطلق من منطق الربح والخسارة أيضاً، خصوصاً أن ردّ الفعل الإيراني سيكون شديداً وربّما مفاجئاً هو الآخر، لاسيما ضد إسرائيل وحلفاء واشنطن في المنطقة، إضافة إلى عدم قناعة الكثير من أوساط الرأي العام العالمي، بما فيه الأوروبي والأميركي، بضربة عسكرية لإيران، خصوصاً أن الخيار الدبلوماسي لم يستنفد بعد. يُضاف إلى ذلك أن بعض أنصار هذا الفريق يعتقد أن عملاً عسكرياً ضد إيران سيعزز تماسك جبهتها الداخلية، وسيُذكي روح الوطنية الإيرانية، وهو ما حصل خلال الحرب العراقية-الإيرانية طيلة السنوات الثماني 1980-1988، الأمر الذي كان الرهان عليه خاسراً، وبشكل خاص الاعتقاد باحتمال تفكّك إيران.
وإذا ما أضفنا العلاقة الإيرانية مع الاتحاد الأوروبي، لاسيما المباحثات الجارية بشأن الملف النووي الإيراني، فإن الأمر سيباعد احتمالات الضربة العسكرية، خصوصاً الخسائر الفادحة التي قد تترتّب عليها. وقد أعرب كل من علي أكبر ولايتي، مستشار العلاقات الخارجية، وعلي لاريجاني ومحسن رضائي، وهؤلاء جميعهم منافسون لرئيس جمهورية إيران محمود أحمدي نجاد، عن تأييدهم لقبول مقترحات الاتحاد الأوروبي، علماً أن تحدّيات الولايات المتحدة وصلت إلى أعلى مستوى لها، واحتمالات الضربة العسكرية أخذت ترجح أكثر من السابق.
ويعتقد هؤلاء «الأطراف» الثلاثة في إيران بضرورة تجاوبها مع المجتمع الدولي وقبول العرض الأوروبي، وذلك باعتباره سبيلاً للوصول إلى تحقيق الأهداف المشروعة، خصوصاً أن البرنامج النووي الإيراني بذاته ولذاته ليس هدفاً، بقدر ما هو وسيلة لتحقيق أهدافٍ أخرى، الأمر الذي يتطلّب سياسة مناسبة وتدابير معقولة لمواجهة الأزمة.
أما السبيل لتحقيق ذلك فهو قبول إيران المقترحات الأوروبية لمفاجأة العالم من جهة، ومن جهة أخرى سحب البساط من تحت القوى المنضوية في إطار الحلف المعادي لإيران، أي تشتيت الإجماع الحالي ضدّ إيران، الأمر الذي سيبطل حجّة توجيه ضربة عسكرية ضدّها.
ومن الناحية التكتيكية، فيمكن لإيران أن تقدّم تفسيراً أو تبريراً لتعليق تخصيب اليورانيوم، بحيث يتسنّى لها الاحتفاظ بالنشاط البحثي، على ألاّ يكون هذا التعليق طويل الأمد، أي أن يكون تعليق التخصيب محدوداً، ويمكن أن يشمل فترة زمنية حتى نهاية رئاسة بوش (أي نهاية العام)، لكن شريطة تعهّداتٍ مقابلة بتلبية حاجات إيران الاقتصادية والأمنية، لاسيّما من المفاعلات التي تعمل بالماء الخفيف. وفي حال ظهور أي بوادر للإخلال بأمنها القومي، يمكن لإيران نقض الاتفاق والبدء بالتخصيب الواسع والسريع. ويميل بعض أصحاب هذا التوجّه داخل مؤسسة الحكم في إيران إلى اعتبار أنه يمثّل نجاحاً لجميع الأطراف وليس خسارة لأحد، الأمر الذي قد يرضي الغرب كما يرضي إيران أيضاً.
لكن مثل هذا الاتجاه يلاقي معارضة من أوساط الاتجاه المتشدّد الذي يميل إلى المواجهة التي يعتبرها حتميّة، وربّما ستكون أقل الخسائر، وهو يسعى إلى شدّ الأحزمة على البطون وترشيد الاستهلاك، لاسيّما للبنزين، وتقليص الإنفاق والاستعداد لأسوأ الاحتمالات بما فيها الحرب. ومن أصحاب هذا التوجّه بعض العسكريين البارزين من أمثال اللواء جعفري، قائد قوات الحرس الثوري، الذي يؤكد وجود طاقاتٍ هائلةٍ لدى إيران بحيث تستطيع الردع: إذ بإمكانها إغلاق مضيق هرمز ومنع تصدير النفط من الخليج، كما أن الصواريخ الإيرانية يمكن أن تستهدف إسرائيل كلّها والقواعد العسكرية الأميركية في دول المنطقة إذا تعرّضت للهجوم العسكري.
لكن الفريق الثاني، وخصوصاً من الإصلاحيين، يعتبر مثل هذه التصريحات غير واقعية، ناهيكم عن كونها استفزازية. فواشنطن لن تسكت عند إغلاق مضيق هرمز، فضلاً عن أن إيران هي الأخرى ستتضرّر في الوقت الحاضر وفي المستقبل أيضاً، إضافةً إلى المبالغة في تصوير إمكانات إيران العسكرية واللوجستية.
إن إيران والاتحاد الأوروبي يمكنهما تحديد بعض المشتركات كإطار للبحث خارج نطاق الملف النووي، خصوصاً مجموعة 5+1، لاسيّما بما له علاقة بموضوع مكافحة المخدّرات والهجرة غير المشروعة، ومكافحة الإرهاب الدولي، والتعاون في ميدان الطاقة (الإنتاج والتسويق والنقل والاستهلاك)، والتعاون التجاري والاستثمار وقضايا البيئة.
أما في قضايا النشاط النووي، فإن التعاون سينطلق من الحرص على عدم ضمان انحرافه، فضلاً عن التعاون في مجال التقنية النووية والعمل على نزع أسلحة الدمار الشامل. وقد يكون الأمر بقبول تعليق إيران تخصيب اليورانيوم لمدّةٍ محدودة، وبخاصة خلال فترة المباحثات، الأمر الذي سيشكّل جدول عمل مشترك، بل يعكس نجاحاً مشتركاً للقوى المعتدلة داخل إيران وفي الغرب، لاسيّما في الاتحاد الأوروبي. وسيكون الأمر، أيضاً، من مسؤولية الدول الكبرى الثماني، علماً أن لإيران خطاً أحمر مثلما للغرب خط أحمر كذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى