التفاوض السوري الإسرائيليصفحات العالم

الحوار الصاروخي

ساطع نور الدين
إذا لم تكن قصة صواريخ سكود غطاء أميركيا لحرب إسرائيلية جديدة على لبنان، فإن أهدافها الاخرى لا تقل خطورة عن الضربات العسكرية التقليدية التي يمكن أن يتعرض لها المدنيون اللبنانيون وبناهم التحتية، من جانب الجيش الإسرائيلي المتحفز للانتقام لحرب العام 2006.
يقال إن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تعمدت افتعال هذه القصة وترويجها وتضخيمها الى حد القول إن «كل الخيارات موضوعة على الطاولة» لإجبار سوريا على التراجع عن احتمال نقل صواريخ سكود الى حزب الله، لكي تقنع الإسرائيليين وحكومتهم اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو بأنها معهم وهي ملتزمة بأمنهم حتى النهاية، وفي صد اي تهديدات قد يتعرضون لها مهما كانت وهمية او مصطنعة. هذا المنطق صحيح الى حد بعيد، لكنه يقوم على الفصل التام بين ما تواجهه اسرائيل في الداخل وبين ما تتعرض له من وراء الحدود. في الداخل تحول الفلسطيني من تهديد الى عبء انساني وأخلاقي، يلحق بعض الضرر بصورة الدولة اليهودية، وبعض الاذى في المصالح الاميركية في العالمين العربي والإسلامي. اما في الخارج، فإن الخطر الآتي من ايران وحلفائها العرب حقيقي، وإن لم يكن داهما او حتى وجوديا كما يزعم بعض الاسرائيليين بين الحين والآخر.
قصة السكود هي بلا شك جزء من الحوار الداخلي الأميركي الاسرائيلي، ومن عملية المساومة الدائرة بين ادارة اوباما وبين حكومة نتنياهو التي لم تقتنع حتى الآن بوجهة النظر الاميركية بأن الفلسطينيين هم مجرد اسرى او «سجناء رأي»، يمكن احتواء مطالبهم الوطنية، بمنحهم بعض المكتسبات السياسية، ولم تقبل التوقف عن انتهاز ما يبدو لها انه فرصة ذهبية لحسم مستقبل القدس المحتلة، وإخراجها من ملفات التفاوض.. ايا كان حجم الضغوط التي لا تزال محدودة جدا، ولا تعادل تلك التي سبق ان تعرض لها الاسرائيليون في مناسبات عديدة من الاختلاف مع ادارات اميركية سابقة.
لذلك دفعت واشنطن كما يبدو قصة السكود في الساعات الماضية حتى الذروة المتمثلة في تهديد سوريا مباشرة باستخدام القوة الاميركية ضدها او بإعطاء الاسرائيليين الضوء الاخضر للجوء الى الخيار العسكري، عل اسرائيل تشعر بدرجة اضافية، مفرطة، من الامان والاطمئنان تتيح لها الاستجابة للمطالب الاميركية الخاصة باستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية واتخاذ اجراءات تعيد بناء الثقة مع الفلسطينيين وتسهل حياتهم اليومية كما تفتح آفاق المستقبل السياسي امامهم.
لكن من المشكوك فيه ان يتجاوب نتنياهو مع هذه الإغراءات، لاسباب عديدة تتخطى الفكرة القائلة ان حكومته يمكن ان تسقط اذا ما قبلت بالمطالب الاميركية: فهو، وبخلاف الشائع، يشعر انه في موقف قوة مع ادارة اوباما التي يمارس اشد انواع الابتزاز لها، ويشن حملات ضارية عليها في الكونغرس والاعلام والشارع الذي سيشهد الاحد المقبل واحدة من اكبر التظاهرات الاحتجاجية اليهودية في نيويورك.. وفي النتيجة، لن يكون من الصعب التكهن في ان واشنطن ستعمد الى تطوير قصة السكود ولن تتورع عن اكتشاف رؤوس نووية على تلك الصواريخ التي لم تصل الى لبنان. عندها قد يصبح حديث الحرب مختلفا!
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى