زين الشاميصفحات سورية

ثلاثة وجوه

null
زين الشامي
يقول علماء النفس أن شخصية الفرد ليست واحدة وهي تختلف تبعاً للمنظار الذي ننظر من خلاله إليها رغم أنه في النتيجة شخص واحد. أول وجوه الشخصية هو نظرة الفرد نفسه ولشخصيته وما يعتقده أنها هي، فهو على سبيل المثال قد يرى نفسه وسيماً وقوياً وكريماً وشجاعاً وإلى ما هنالك من الصفات، أو ربما يرى نفسه بشعاً وضعيفاً ومتردداً وغير محظوظ في الحياة. أما الشخصية الأخرى للفرد، فهي ما يراه الناس والآخرون فيه، أي حكم الناس ورأيهم بهذه الشخصية وما يتفقون عليه، وهو رأي المجتمع في فرد من أفراده، مثل أن يتفق الجميع على أن فلاناً هو شخص أناني ويحب نفسه أو كاذب لا يمكن الوثوق به، أو على العكس فقد يرونه شهماً وكريماً وقوياً ويمكن الاعتماد عليه.
ويقول علماء النفس انه قلما يحصل اتفاق بين ما يراه الشخص عن نفسه وتقييمه لأفعاله وما بين ما يراه المجتمع.
أما الوجه الثالث، أو الشخصية الثالثة في الفرد، فهي حقيقته نفسه، أي ما هو عليه فعلياً، بغض النظر عما يراه الفرد في نفسه أو المجتمع، حيث تختلف التقييمات والأحكام تبعاً لموقع الفرد غير الحيادي من نفسه وهو غالباً ما يبرر كل المواصفات التي تكون سلبية ويجد الأعذار والمخففات لكل ما يقوم به من تصرفات وسلوكيات سلبية. كذلك فإن الشخصية الحقيقية للفرد، تختلف عن نظرة المجتمع لهذه الشخصية، فالمجتمع أحياناً يحكم على الشخصية وفقاً لمعايير ودوافع وربما ثقافة ليست بالضرورة أن تكون متوافقة مع المحددات العلمية أو الحقيقة.
إذاً وحسب علم النفس فلكل واحد منا ثلاث شخصيات، الأولى هي ما يراه كل واحد منا عن نفسه، والثانية هي ما يراه المجتمع وحكمه على هذه الشخصية، ثم الشخصية الحقيقية للفرد نفسه بتجرد دون أخذ الاعتبارات الخاصة بالمجتمع أو ما يراه الفرد عن نفسه.
نسوق هذه العجالة، لتوظيفها والاستفادة منها في السياسة وتطبيقها على بعض الدول والأنظمة والمجتمعات، فما ينطبق على الفرد نفسه، قد ينطبق تماماً على مجتمع، أو أمة، أو دولة، أو نظام سياسي.
في الحالة السورية، هناك حقاً ثلاث شخصيات، أو وجوه للدولة، أو النظام السياسي، فمثلاً ما يراه الإعلام الحكومي الرسمي عن سورية والنظام السياسي عن نفسه يختلف تماماً عما يراه الآخرون أو البعيدون عن سورية والذين لا يعرفونها، وأيضاً فإن حقيقة الحكومة أو النظام السياسي وفقاً للمعايير الدولية، أو القانونية الحقوقية للحكم الرشيد والصالح، مختلفة تماماً عما يراه هو عن نفسه أو ما يراه المجتمع في حكومته.
النظام السياسي، حيث يحكم «حزب البعث» منذ 1963، يرى نفسه أنه حزب قومي وجد ليحقق أهدافاً عظيمة وتاريخية، وأن له «رسالة خالدة» ويرى دائماً أن هناك مؤامرة من الداخل والخارج، ويعطي نفسه أحقية في قيادة الدولة والمجتمع، وقد قونن ذلك في الدستور من خلال المادة الثامنة التي أغلقت الباب أمام الجميع للمشاركة في الحكم واتخاذ القرارات المصيرية.
أما رؤية الآخرين أو البعيدين عن سورية فتختلف عما يراه النظام عن نفسه، فحسب الرؤية السائدة والأفكار المسبقة عن النظام في سورية، أو سورية الدولة والمجتمع، وحسب ما نطالعه في وسائل الإعلام الغربية، وما يكتب عن سورية ونظامها السياسي، فثمة اتفاق على أن النظام فيها هو نظام استبدادي مغلق والأجهزة الأمنية تتحكم في الحياة اليومية للسوريين وأن الناس لا يستطيعون التعبير عن آرائهم، وأن القضاء فاسد، والتعليم متدهور، وهي دولة متحالفة مع إيران وبضعة منظمات إرهابية، وتسعى دائماً للسيطرة على لبنان.
هذا في المجال السياسي، وما يراه الغرب في سورية، أما على الصعيد العربي، فهناك من يؤمن بهذه الصورة الغربية وهناك من يختلف معها تماماً ويرى في سورية ونظامها السياسي، نظاماً ممانعاً وقوياً يتصدى لإسرائيل والغرب. أيضاً ثمة جمهور عريض يعرف سورية من خلال المسلسلات الدرامية التي لاقت رواجاً كبيراً في الأعوام الأخيرة، وهم يحكمون على سورية والسوريين من خلال هذه الأعمال الدرامية، وحسب هذه النظرة فإن النساء السوريات جميلات، واللهجة الدمشقية هي لهجة السوريين جميعاً وهي لهجة جميلة محبوبة، رغم أنها لهجة أهل دمشق فقط.
أما الشخصية الثالثة للنظام السياسي في سورية والسوريين فهي ما هم عليه فعلياً بغض النظر عن ما يراه النظام أو المجتمع لنفسه.
والحقيقة تقول ان النظام لا يقبل بالتعددية السياسية، ويضع المعارضين له في السجن، وان هناك انتشاراً كبيراً للفساد في مؤسسات الدولة، كما ان النظام يمنح امتيازات استثمارية للمقربين منه دون غيرهم.
وتقول الحقيقة ان النظام السياسي يتحدث عن استعادة الجولان عن طريق السلام لكنه يشجع الآخرين من العرب على المقاومة المسلحة ويمدهم بالمساعدة المطلوبة.
وتقول الحقيقة انه يتحالف مع إيران لكنه يتطلع إلى الغرب، وانه يتحدث عن العروبة والتضامن العربي فيما علاقته مع الدول العربية تشهد تراجعات وهزات عميقة بين الحين والآخر.
أما حقيقة السوريين كمجتمع فبكل تأكيد تختلف تماماً عما تتحدث عنه الأعمال الدرامية. الدراما لا تتحدث عن الخوف والفقر والفساد في القمة حيث يهيمن رجل أعمال مقرب من السلطات على كل القطاعات الاستثمارية ويتحكم بالقرار الاقتصادي. والدراما كذلك لا تتحدث عن عشرات الالاف من السوريين الذين تركوا سورية رغماً عنهم، أو الذين سجنوا ويسجنون لمجرد أنهم تكلموا أو كتبوا رأياً، أو من ماتوا في السجون، كذلك لا تتحدث الدراما عن توق السوريين الكبير للتغيير والإصلاح في كل المجالات.
كاتب سوري
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى