جهاد نصرهصفحات الناس

التناسل العربي…!؟

null
جهاد نصره
من المعروف في بلدان العرب أن الدساتير، وقوانين الطوارئ، والأحكام العرفية، المعلن منها والمستتر..! لا تشمل مسألة النكاح والتناسل الأمر الذي أتاح لساحاتها أن تكون مرتعاً خصباً للفحولة، والتكاثر، والدعارة الشرعية، والسياحة الجنسية.. وغيرها..! وهي، لذلك، حازت على أعلى معدلات التزايد السكاني في العالم حتى صار هذا التزايد المفرط سمة كاشفة عن درجة منسوب التسلط والاستبداد في هذه البلدان…!؟
وهكذا وفي ظل هذه الدساتير والقوانين المظلمة فقد انصرف الناس إلى التزاوج والتناسل بكل الطرق والأشكال ففي ما عدا ذلك من الصعب أن يجد الرعايا مخارج أخرى لطاقاتهم الحيوية فهم معرضون للزجر ما إن يفكِّر أحدهم في ذاته لذاته ولناسه وبخاصة حين يجري فعل التفكير هذا خارج الإسطبلات الرسمية و المنابر المعتمدة حيث يستجلب التفكير حينها التكفير قولاً واحداً..! لقد تجلَّت محصّلة التزايد السكاني المتناسب طرداً مع الاستبداد المتوارث مثلاً في كثرة أعداد القوالين من كل الصنوف بحيث صار بإمكان المرء أن يصطاد منظِّراً أو أديباً أو مطرباً من بين كل عشرة فتيان يعبرون الشارع .. وفي كل يوم سلطوي يمر يتزايد عدد الذين يمتهنون بيع الكلام أو غناءه الأمر الذي أدى إلى ازدياد عدد أعضاء اتحادات الكتاب والصحفيين والمطربين والبواقين ففي سورية مثلاً صار اتحاد الكتاب أو الصحفيين أو البواقين ينافس من حيث العدد اتحاد الفلاحين..! ومع أن هذه الظاهرة الكمية شملت كافة الفنون المعروفة غير أن كتابة الرأي في كل شيء استحوذت هذه الأيام على المرتبة الأولى وترى معظم المندرجين تحت هذا العنوان ينطبق عليهم قول الإمام علي ( ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح )…!؟
من الطبيعي أن ينتج التسلط المزمن أعداداً هائلة من القوالين بدل البناءين..والمداحين بدل الشعراء.. والمستهلكين بدل المنتجين.. والقاعدين بدل الخبازين.. كما الفاسدين و( الحرامية ) المحترمين رسمياً..!؟
أشرت في إحدى المرات إلى ظاهرة تضخم أعداد الشعراء في البلد بالرغم من أنني بت أبحث عن موهبة شعرية حقيقية تشدني من شعري كي أقف في حالة استعداد شعوري تليق بمكانة الشعر..؟ غير أن أحد الشعراء الاتحاديين وكان عضواً فعالاً في لجنة القراءات وقبول ( العضوية) وحضور السهرات بعد الأمسيات استنفر وانتابه الغضب الشديد مما اعتبره تعدٍ سافر على مملكة الشعر الاتحادية ثم صرخ في وجهي قائلاً: وماذا يضيرك أنت ولاه..؟ كيف سيغازل العاشق حبيبته..؟ العمى هل رأيت معشوقة يغريها أن يتغزل بها العاشق الولهان ببحث زراعي، أو تصميم هندسي، أو براءة اختراع..!؟
إنه لمن البداهة القول إن كل إنتاج عقلي لا يهدف إلى تثمير حراك المجتمع نحو المستقبل لا قيمة حقيقة له كما أن كل خلل في العلاقة الحرة بين العاقل وبيئته يؤدي إلى مراكمة مساعي التسلط الساعي دوماً إلى حرف فعل التفكير عن مساره الموضوعي..! ولأن واقع بلدان العرب على هذا النحو والإملاء فقد ازدهرت الظواهر السلبية المختلفة من عجزية وهروبية وانتظارية وكيدية وكل ما يندرج تحت باب الركود والتخلف والنفاق..!؟ إن ذلك عين ما يبتغيه أهل السلط لذا فإنهم ينتجون هذا الواقع ويعيدون إنتاجه على مدار سنين تسلطهم…!؟
ومن يريد رؤية مشاهد من بعض ما توخينا الإشارة إليه وبخاصة في باب التبويق فلينظر على سبيل المثال إلى السكاكين المنهمرة هذه الأيام على رقاب المعارضين السوريين بمختلف تنوعاتهم حيث عاد البواقون من دون سابق موعد لنهشهم من كل الجهات والنواحي أو فلينظر في واقعة القامة الإعلامية المهنية ( أحمد منصور ) في برنامجه شاهد على العصر وما تلا ذلك…!؟
إنه لمما لا شك فيه أنَّ انتشار الظواهر الاجتماعية السلبية تنعكس على مجمل عملية التطور المجتمعي المفترضة حيث تضيف إلى المعيقات والعراقيل إرباكات واحباطات وانكسارات في الخط البياني كما هو حاصل في بلدان العرب .. وهكذا فإنَّ كل نتاجات العقل تواجه شرط ديمومتها بمدى تلبيتها للحاجات المجتمعية المتنامية وفي هذا يكمن رهانٌ صعبٌ، ومستمرٌ، ومتجدد، طالما أنَّ الحياة مستمرة، ومتجددة .. نعم هو رهانُ بالغ الصعوبة يواجهه العاقل في زمن استلاب الإنسان حيث تبرمج عمليات استهلاكه السريع في غير طريق..! والعاقل وحده يأبى أن يتحول إلى سلعة ( لا أخلاقية ) برسم الاستعمال المبرمج من قبل مؤسسات التسلط المختلفة وهي أنتجت ولا تزال كماً كبيراً من هذه السلع والأبواق التي يجري تلميعها قبل تسويقها على مدار الساعة…!؟
في عالم باتت تسود فيه أسئلة الحرية سيظل العاقل يواجه هذا الرهان الصعب الذي تقتضيه الحياة ولا مهرب من ذلك أبداً…!؟

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى