صفحات الناسفلورنس غزلان

بعض الكتاب من طينة ” التي عملتها بالعين”

null
فلورنس غزلان
هذه قصة صغيرة متداولة ــ حسب اعتقادي في ريف الساحل السوري ــ ، وقد روتها لي إحدى الصديقات، وتأتي متطابقة مع شعار هتلر الشهير ” الغاية تبرر الوسيلة” فأمام الغاية تصبح كل الوسائل مشروعة بالنسبة لصاحبها طبعاً ، وخاصة لدى الباحثين عن الشهرة  والإثارة وشد الانتباه بأي ثمن  ، حتى لواستخدموا أقذر وأبشع الأساليب وأفدح الطرق وكل مصطلحات البذاءة من أجل الظهور حتى لو شتموا العالم ونعتوه بماليس فيه ، وهنا يخلع الواحد منهم كل مايمكن أن يَعلق في داخله من بقايا ضمير ووجدان أو خُلق أو أدب ، أو مايمكن تسميته تهذيب ولياقة تتطلبها مهنة الكتابة وأصول الحوار والتعامل وكتابة فكر يؤدي دوراً ما مهما صغرت  نتائجه الاجتماعية، عدا عن تخليه الكُلي عن الضمير الوطني ، فيصبح الوطن متماهياً به وبقناعاته وحدها ، والتي غالباً ما تتماهى هي الأخرى مع أيديولوجية متعصبة موتورة أو طائفية منخورة يبرقعها حاملها بغطاء علماني لكنه مفضوح حتى العظم ..مكشوف حتى النخاع، ربما ينطلي أحياناً على البعض وربما يستطيع صاحبه تغطيته وورنشته بلمعان ما.. أتقن صناعته اللفظية للتمويه على الغايات المخفية وراء سطور تبدو ساخرة أدبياً ولاذعة نقدياً لطرف من الأطراف البعيدة عن المركز وهنا يتمكن من الاصطياد وحشد المعجبين، لأنه يتناول أعداءهم الأيديولوجيين أو المذهبيين، فيعتقد أنه جنى ثمراً وأنتج فكراً…يمكن تجييشها لأهداف من رسموا له دربه السياسي ودوره الفكري ــ إن جاز التعبير بتسمية ما يُخرجه علينا فكراً !ــ أو مارسمه لنفسه من دور يحمل الإثارة من أجل الظهور وقبض المعلوم…وهؤلاء باعتقادي متمنية أن يكونوا قلة وندرة في عالم عجائب الكتابة واشتهار مَن ركبوا سلم الصعود على أكتاف جثث البشر ودماء  الضحايا والانسلاخ حتى عن انتمائهم الوطني ولون جلودهم وأصولهم ، فمثلهم مستعد لكل شيء وسبق وقلنا أن “الغاية تبرر الوسيلة” .
لهذا يعتمد معظمهم على الإثارة والفضائح ولغة التحقير والشتم وكل البذاءات المتوفرة في القاموس العربي، وقد وجدوا في الكثير من المواقع منفذاً لتسريب سمومهم تحت اسم حرية التعبير ــ بالطبع لن ننكر عليهم  حقهم في قول مايريدون ــ ، لكن من حقنا كذلك أن نقول رأينا فيهم،  خاصة حين تتطاول أعناقهم وأقلامهم لرموز ولشخصيات وكتاب هم أكثر نقاء من حلوقهم وأكثر بُعداً ونزاهة عن شتائمهم وقذارات لغتهم ، فمابالكم حين يتخذون من أنفسهم قُضاة لوطن وحُماة عن وطن وهم الأقرب إلى التشكيك والظن، دون أن يرف لهم جفن من نتائج ما يحرضوا عليه وماستتطال آثاره من ضحايا وعائلات!!،  لكننا نحمل خلقاً في الكتابة وخلقاً في الانتماء وخلقاً في معنى المُواطنة، فلا يمكنني أن أقول عن أحد مهما كان أنه ” خائن، أو عميل أو كافر، أو ….” خاصة عندما لا أملك دليلاً أو وثيقة تثبت ما أتشدق به وتطال من أنعتهم ! إنما أمثال هؤلاء لديهم اللغة مُيَسَّرة لإقتراف أكبر الكبائر وسهلة لنعت من يشاؤون، وللتحريض ضد هذا الفرد أو ذاك الحزب أو التنظيم حين يقف عثرة أمام غاياتهم، فيقطعون” عرق الحياء ” ويتسلقون سُلَّم لغة مُطواعة للتنكيل والتهريج والسخرية وللتكفير كما التخوين والتحريض لدى من يعملون من أجل بقائهم ولحساب أنظمتهم ودوامها…لايخجلون الدفاع عن ديكتاتورية ولا عن استبداد ولا عن فساد ولا عن تكديس أموال منهوبة من جيوب الفقراء ولا عن إفقار شعب وتخريب وطن بلا قانون وبلا دولة قانون وبلا قضاء نزيه، لاينتصرون لقضية نساء بلادهم ولا أطفالهم المشردين ولا لعجز دوائر الحكومة عن تقديم أبسط الخدمات لمواطنها ولتأهيل أبنائها في الجامعات والمدارس ولا لقضاياهم اليومية وعوزهم..بلا كهرباء وبلا تدفئة وبلا طرق وبلا توظيف..بل ينتصرون لكل مايصدر عن الأنظمة الشمولية الاستبدادية..تحت اسم علمانيتها !وهي تحمي وينضوي تحت لواءها أكثر الحلقات والتنظيمات سلفية وإرهاباً  …يقفون مع الطواريء ومع الاستثناء ومع اللاحرب واللاسلم… معتنقين مبادئها في الممانعة والمقاومة الزائفة!..وهي التي تمارس بشكل يومي عبودية المرأة وتضعها  في أسفل درجات السلم الاجتماعي وتقدمها أضحية على معاقل مايسمى شرفاً وقوانيناً تعيد المرأة وأطفالها إلى عصور عبودية بادت لدى أعتى الدول ديكتاتورية …كل هذا من أجل خدمة أزلام سيطروا بالبسطار العسكري والانقلابات ..يتصدون لكل نقد ولكل وجه حق ، متسلحين بأنهم الحق وأصحابه ومُلاكه…وكل ماعدا من يدور بفلكهم مشكوك بأمره.. خائن،  مارق…عميل! …وما إلى ذلك من لغة يتقنون ويتفنون  بصنعها ،تعلموا بمدارس أنشئت خصيصاً لتربيتهم وتدريبهم وتخرجوا على أيدي تقاتها من أحزاب وحيدة الأهداف والرؤيا استولت على الوطن وأهله وسجلته  برمته وبكل مايدخل حدوده السياسية  ملكاً ومزرعة لأسرتهم ، يجدون فيها ضالتهم المنشودة ، فهي من منحهم المكانة والمستوى الاجتماعي المرموق، هي من منحهم الشهرة وأعطاهم ” كارت بلانش” ليقوموا بوظيفتهم فخَيرهم من خيرها وبقاءها يضمن لهم سيطرتهم ويضمن لهم ساحة اللعب مفتوحة على اتساعها…كما  يفتح أمامهم كل السبل الإعلامية الرسمية وغير الرسمية..خاصة وأن بلداننا وشبابها يسعون وراء الإثارة ويعشقون لغة الفضائح ويحبون الشماتة حين تطال عدو سياسي أو اجتماعي أو مذهبي لهم ولو من بعيد على مبدأ ” عدو عدوي ..صديقي”!..
لهذا ذكرني بعضهم بحكاية  ” التي عملتها في العين”…فهم صورة طبق الأصل عنها…وكي لاتبقى بقلوبكم غصة الفضول وحب الاطلاع، سأقوم بنقلها إليكم:ــ
تدور الحكاية حول فتاة تعيش في قرية صغيرة من ريفنا الشرقي..ويبدو أنها إنسانة عادية ومن أسرة فقيرة ، لا تتمتع بمقدار واضح من الجمال  ، ولم تكتسب فضيلة أخرى تُحمد عليها لا بالعمل ولا بالخلق..أو عدمه حتى تذم عليه..! لهذا لايعيرها أحد بعضاً من الاهتمام …لا بطلب يدها للزواج ولا بحب أو عشق يجعل منها فتاة كباقي الفتيات…ولا حتى بإطراء على أخلاقها أو جمال ثوبها ..أو اتقانها لصنع طبق ما أو حلوى معينة.. أو حرقها لطبخة…أو غُش تعرضت له في بيعة….تجلس كل يوم مع فتيات ونساء الحي أمام البيوت …تستمع لحديث أهل القرية..عن فلانة وعلاقة الحب التي تربطها بفلان…وعن خطبة الفتاة الفلانية بذاك الشاب، أو عن علاقة مشبوهة بين زوج تلك الجارة وامرأة ثانية…أو…أو…لكن أحداً لايتناول سيرتها لابخير ولا بشر…تسألهم فما من مجيب..لماذا لاتذكروني في  أحاديثكم؟ لماذا لاتذكروا عني شيئاً؟ ألست واحدة من أهل قريتكم؟ الا ترونني بينكم؟ كانوا يهزون رؤوسهم ويمطون شفاههم ويصمتون…فَكّرَت ملياً هذه الفتاة…وقالت”…سأجعل من نفسي محور أحاديثكم وسيكون لي شأناً كبيراً بينكم.. سأسجل القرية كلها باسمي”…وهكذا كان…ففي صبيحة أحد الأيام خرجت من بيتها باكراً قاصدة عين الماء،  التي يشرب منها ويرتادها كل أهل القرية…وتغوطت فيها.. وعادت أدراجها متعمدة أن يراها بعض الواردين على العين…سألوها مَن فعل هذا؟  فأجابتهم بكل صراحة.. أنها صاحبة الفعل!…وصارت حديث أهل القرية…هذا بيت اللي عملتها بالعين…وهذه جارة التي عملتها بالعين…وهذا شقيق التي عملتها بالعين وهذا أب التي عملتها بالعين…ثم وفي النهاية…هذه قرية التي عملتها بالعين!.
أخيراً حصلت على الشهرة التي ترغب بها وصار اسمها على كل شفة ولسان…وهذه حال بعض كتاب الإثارة والاستثناء…يكتبون خارج الأدب وخارج الخُلق وخارج لغة الحوار ، خارج نطاق المحبة وخارج عن الضمير وخارج عن المواطنة..يسجلون الوطن مزرعة خاصة بأمثالهم…فهم نتاج ثقافة الحزب الواحد القائد للدولة والمجتمع، أو ثقافة المذهب الذي لايرى غيره فوق الأرض، أو ثقافة  من يختلف معي فهو عدوي..ومن يرفض الرأي الآخر والوجه الآخر المختلف فكراً وسياسة وعقلاً ووجوداً فوق نفس الأرض يتقاسم معه حبها…ويتقاسم معه حقه في المواطنة وحقه في أن يكون مختلفاً بلونه ومذهبه وفكره وإثنيته…وجنسه …الخ
لهذا لاغرابة أن نجد في الصحف الصفراء المشهورة بالفضائح أرقاماً خيالية في المبيعات…كما هي حال صحيفة كالصحيفة البريطانية المشهورة بالفضائح ” ذا ميرور” ..مقارنة بالصحف الرزينة والصحف المتعلقة بالفكر وأسماء مفكرين كبار وفلاسفة مشهورين أو صحفيين مشهو لهم في قدراتهم وموضوعيتهم ” كصحيفة الهيرالد تربيون العالمية أو ذا إكونوميست …الخ”..وهي نفس الحال من المقارنة حين نقرأ عن روائي أو روائية تناولت الجنس بشكل فاضح وفاحش أو علاقة مشبوهة حتى لنفسها مع آخرين…ووصفها الدقيق لكل الأوضاع الجنسية …انطلاقاً من حقها في حرية الكتابة والتعبير..أو لكاتب يصف شذوذه الجنسي ويعتبره سمة طبيعية تاريخية من سمات البشر حتى لو كان مع أطفال صغار، أو شدة تعصبه وعنصريته كما هي حال الكاتب الفرنسي الشهير ” ميشيل ويلبيك”…فتجد أن كتبهم تتصدر رفوف المكتبات الشهيرة وتتسابق على مقابلاتهم الأقنية التلفزيونية وكل ما سيخربشون بعدها من كلمات ستجعل  دور النشر تهرع إليهم…فيكفي لكتاب واحد من هذا النوع حتى يجعل منهم مشهورين وعمالقة في عالم الأدب … أو كاتب مقالة سياسية …ينعت ويشتم هذا الطرف السياسي المغاير لقناعاته، أو يصب جام غضبه وحنكته التكفيرية والتخوينية لذاك البلد المختلف مع بلده أو القناة التي تدفع له..فيكيل لها ويحلل مقالات رجالاتها…ويفسر كل مايخرج عن كُتابها بأنه مشبوه ويصب في سياق التخوين وفي مصلحة المستعمر والرأسمالية والخطط الاستعمارية ، وبالطبع هناك الكثير من الأقنية الفضائية والصحف الفضائحية التي تبحث عن أمثال هؤلاء وتسخرهم من أجل موضوع ما وهدف ما…ــ مع أنها غالبا ما تحرقهم بعد أن تستوفي شروطها منهم ــ لا يكتفي هذا الصنف بما يعتبره دوره وواجبه ، بل يفتش ويبحث ويستقصي…ويكرس وقته كاملاً كي يقتنص هفوة لهذا وغفلة لذاك ليصطاد في المياه الآسنة،  ولايستطيع الرؤيا في ضوء النهار يرتدي أجنحة الخفافيش.. لا يرى في الكُتاب إلا صورة عنه!!…لأن أمثاله لايحسن السير فوق شارع نظيف ، كما لايحسن الكتابة في صفحات نقية وبلغة نزيهة شريفة..ولا يأكل خبزه بضمير وحس إنساني…مثله يصل به الاعتقاد أن كل الناس تشبهه ..كلها لها ثمن…كلها تباع وتشترى!…يصدق كذباته مهما كبرت وكانت مكشوفة.. ويعتقد أن على العالم أيضاً أن يصدقها لأنها تمثل حقيقة الزمن والواقع الذي صنعه لنفسه وصنعوه له مَن أنتجوه!.
باريس 21/04/2010

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى