اسرائيلالتفاوض السوري الإسرائيليصفحات العالمغسان المفلح

لحن في التهديدات الإسرائيلية يتطلب الخروج من نغماتنا

غسان المفلح
دعوا النظام السوري يعود عسكرياً إلى لبنان لأن ذلك من شأنه أن يبقي المنطقة في حالة توتر
نعود إلى التهديدات الصهيونية, نعود إلى تهديد ليبرمان خصوصاً” بإسقاط نظام عائلة الأسد في سورية وفق تعبيره” التهديد الذي تساوقت كلماته مع لحن خفي خبيث لم يكن من شأننا أن نتوقف عنده, تركناه للمعنيين به يومها ليردوا عليه بالطريقة المناسبة ولكنهم تجاهلوه وتجاوزوه, ولم يكن لذلك اللحن أن يطوى أو ينسى..إلى أن جاء الأمس وعدنا لنسمع اللحن نفسه من جديد في صيغة مقالة نشرت في “هآرتس” العبرية يهدد كاتبه ( وهو عميد متقاعد في الجيش الصهيوني ) بإسقاط النظام والطائفة العلوية الحاكمة في سورية, متحدثا بالثقة نفسها, عازفا على لحن ليبرمان نفسه.
هذا مقطع أخذته بتصرف من مقالة للصديق زهير سالم الناطق الرسمي باسم جماعة الأخوان المسلمين في سورية, الذي يطالب النظام في دمشق برد واضح وصريح على هذه التهديدات الإسرائيلية الصريحة أيضا, كما يراها الصديق زهير, رغم أن النظام قد رد على طريقته المتعارف عليها, ولكن ووفقا للنغمة السائدة هذه الأيام بحق المعارضة السورية التي يدافع الأخ زهير عن موقفها التاريخي من التهديدات الإسرائيلية, وكأن المعارضة بحاجة لتأكيد موقفها من الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية ومنها الجولان السوري, ولماذا هذا التأكيد? هذا ما لم أستطع لمس دوافعه في مقالة الأخ زهير سالم ولا أعرف لماذا يطالب بعضنا النظام برد على التصريحات الإسرائيلية?
من البداهة أن إسرائيل ونخبها, عاجزة عن سلام حقيقي مع شعوب المنطقة, وحتى إن لم تكن عاجزة فهي في أكثريتها لا تريد السلام, وهذه النخب تلعب في مساحتها التي تعتبر فيها الأقوى, هذه النخب التي تختصر موقفها من عملية السلام مع سورية, بإسقاط النظام السوري, أو عدم إسقاطه! وهذه نغمة ليست جديدة على هذه النخب, ولكن تواترها علنيا في هذه المرحلة, يعبر على أن هناك شيئاً ما, يتم التفاوض عليه, هل هو فك الارتباط بين النظام وإيران? أم هو الضغط على النظام من أجل العودة عسكريا إلى لبنان ولجم تهديدات “حزب الله” ووضع أسلحته تحت تصرف النظام السوري?
نحن مع اختلافنا مع “حزب الله” في شأن التعاطي مع الملف اللبناني والعلاقة مع سورية, إلا أن “حزب الله” من الوجهة الإيرانية يشكل عامل تهديد لإسرائيل, لا غبار عليه. وليس من زاوية فرض سلام عادل مع لبنان, أو مع سورية أو مع الفلسطينيين.
النخب الإسرائيلية رغم كل هذا الضجيج, لازالت ترى أن لبنان يحتاج إلى عصا غليظة كعصا النظام السوري, وتريد إعادته عسكريا إليها, وأعتقد أن السياسة الإيرانية تدرك هذا الأمر, لهذا “حزب الله” لم يعد عامل ضغط سوري على إسرائيل, منذ أن خرجت سورية عسكريا من لبنان, بل بات عامل ضغط للممول الإيراني, وللشريك في الأيديولوجيا السياسية.
كما أن الموقف التركي الجديد بدأ يلقي بظلاله على المتغيرات في السياسة الإسرائيلية, هذه المتغيرات التي تجد إسرائيل نفسها, عاجزة عن مواجهتها بالطرق القديمة, لأن تركيا لا حدود لها مع إسرائيل, ولا تستطيع اللعب في الوضع الداخلي التركي, إضافة إلى متغير كان قد طرأ على السياسة الأميركية منذ عقدين من الزمن أي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي, وهذا التغيير بدأت ملامحه تظهر على القيادات العسكرية للجيش الأميركي المنتشر كثيفا في منطقة الشرق الأوسط, والتي تتكثف في أنه على العالم عموما وأميركا خصوصا إيجاد حل للقضية الفلسطينية, عادل أم غير عادل هذا ليس مهما, المهم إيجاد حل وسلام في المنطقة, وهذا يتوافق مع تراجع الحاجة الأميركية للدور الإسرائيلي في المنطقة, لأن لأميركا أكثر من 200 ألف عسكري فيها, والاف من الديبلوماسيين والخبراء والمتابعة اليومية والميدانية لما يجري في المنطقة.
هذه النخب الإسرائيلية تعرف وجع النظام السوري وهو” الحفاظ على نفسه كأولوية الأولويات” وهي تحاول هذه المرة الضرب على هذا الوتر, مؤكدة انها قادرة على ذلك. وبغض النظر إن كانت قادرة على ذلك أم لا إلا أنها أصلا لا تريد أي نوع من الضغط يمكن أن يشكل تهديدا لوجود النظام السوري, ليس لأن معارضته أسوأ منه في التعاطي مع إسرائيل فقط, بل لأن إسرائيل لا تريد دولاً طبيعية في المنطقة, كما ان من المستغرب أن إسرائيل, لا تتعامل كدولة طبيعية! مثل تركيا مثلا, ومثل اي دولة أخرى تبحث عن نفوذ في الدول المجاورة, أو عن تبادل مصالح وشراكات اقتصادية حتى السلام مع مصر والأردن, لم تحاول إسرائيل أن تتعامل معه بشكل طبيعي, بل بقيت تتعامل معه كما هي تشعر بنفسها” عنصر غريب لا يمكن له الاستمرار دون فرض هذا الاستمرار بمنطق القوة العارية, عنصر لا يجد اي مبرر أخلاقي وقانوني لسلوكه” فماذا يفعل سوى أن يحاول إبقاء المنطقة والدول المحيطة به, على شفير هاوية وتوتر دائم.
إذا أضفنا إلى ذلك ماذا يعني السلام وحل القضية الفلسطينية بالنسبة الى المجتمع الإسرائيلي? وما هي انعكاسات حالة السلام الشامل على هذا المجتمع?
بالعودة إلى هذه التهديدات, لا يمكن لنا تأسيس فهم ستراتيجي عليها, بل يجب رؤيتها في إطار تفاوضي مباشر أم غير مباشر, وإيصال رسالة للغرب أيضا.
في النهاية: هل تريد إسرائيل توجيه ضربة عسكرية لإيران?
إذا كانت تريد فعلا, فهي تحاول أن تحيد الوضع اللبناني وليس السوري, لأن النظام السوري حتى لو وجهت إسرائيل ضربة لإيران, فهو لن يتدخل وسيشجب فقط.
وإذا كانت لا تريد توجيه مثل هذه الضربة- وهي كذلك لأنها عاجزة عن مثل هذه المغامرة- فإن من مصلحتها, تكثيف الضغط على الآخرين من أجل ألا يضغطوا عليها بشأن المفاوضات مع الفلسطينيين, هذا من جهة, ومن جهة أخرى” تريد الإيحاء أنها يمكن أن تخرق حالة اللاحرب واللاسلم على الجبهة السورية, ولكن” دعوا النظام السوري يعود عسكريا إلى لبنان, لأن ذلك من شأنه أيضا أن يبقي المنطقة في حالة توتر.
وستتضح قريبا دوافع أخرى لهذه التهديدات الإسرائيلية الخلبية للنظام في دمشق, نرجح أن لها علاقة بالتوتر القائم مع الإدارة الأميركية الراهنة, وهو توتر سببه المتغير الأساس الذي تحدثنا عنه في نسبية الدور الإسرائيلي لأميركا…
في النهاية بماذا سيرد النظام السوري? هل سيقول لإسرائيل أنك لا تستطيعين إسقاطي! مو حلوة بحقه.
كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى