صفحات ثقافيةمايا جاموس

قراءات من أنطولوجيا المسرح الفرنسي الحديث

null
مايا جاموس
“منشقّ… أمر بديهي” لميشال فينافير
قُدِّمت في المركز الثقافي الفرنسي في دمشق قراءات مسرحية لنص الكاتب الفرنسي ميشال فينافير (1927- ) بعنوان “منشقّ… أمر بديهي”، والمنشور في أنطولوجيا المسرح الفرنسي الحديث، ترجمة ماري الياس، عن “دار المدى”، تلي هذه القراءة قراءات لنصوص أخرى من الأنطولوجيا ضمن مشروع يهدف إلى تعريف الجمهور السوري بالنص الفرنسي الحديث، وخلق حالة من الحوار بين الخشبة والصالة، وإعطاء القراءة المسرحية المكانة التي تستحقها في المشهد الثقافي السوري.
القراءات من إخراج رأفت الزاقوت، والدراماتورجيا  لمنتجب صقر، تمثيل لونا أبو درهمين، ورامي خلف. اقتصر الديكور على صوفا مزدوجة، في دلالة إلى غرفة الجلوس أو الصالون، وأمامها مجموعة من الكاسيتات والمجلات المبعثرة.
تم التركيز على الأداء التمثيلي، بعيداً تماماً من القراءة الحيادية أو الجامدة، لأن ذلك لا يعطي المتعة، على حد تعبير الزاقوت (مخرج العمل)، والأمر ينطبق حتى على قراءات الشعر، موضحاً أنهم تبنّوا العمل، لذلك قاموا بقراءة تمثيلية تشبه “إعطاء روح للكلمات” من خلال التوضّع في الفراغ، بحسب منتجب صقر، معتمدين على تعابير الوجه وانفعالاته، واللعب بالصوت، مع تغييرات في وضعيات الجلوس على الصوفا والإضاءة، للكناية عن تغيير المشاهد.
اقتربت القراءات كثيراً من أن تكون عرضاً مسرحياً متقشفاً، فالمسافة خيطٌ رفيعٌ بين الشكلين، لكنّ النصوص الورقية بين أيدي الممثلين الاثنين، والتي يعودان إليها باستمرار على رغم تقديم بعض الحوارات غيباً، تذكّرنا بأنه ليس عرضاً، في محاولة لعدم تجاوز الشرط الفني.
“منشقّ… أمر بديهي”، نص قصير نسبياً، وهو من نصوص الحياة اليومية التي ترصد العلاقات الاجتماعية المتولدة عن تأثيرات المجتمع الصناعي، لتكون موضوعاته الأساسية هي حياة البروليتاريا الرثة والعمّال والعاطلين عن العمل والبورجوازية الصغيرة. ميشال فينافير كان قد أطلق على بعض نصوص الحياة اليومية التي كتبها، اسم “مسرح الحجرة” باعتباره يقدم فيها نتفاً مبعثرة من الأفكار والتيمات من دون أن تشكّل رؤية بانورامية، كما يُذكر في المعجم المسرحي.
يحكي النص عن علاقة هيلين بابنها فيليب، ويقترب كثيراً من الثرثرة العادية التي يأخذ بعضها صيغة حوار متفاعل، وبعضها غير متواصل.
حوارات قصيرة ومقتضبة، إذ يبدأ أحدهما الحديثَ ويردّ الآخر بموضوع مختلف ليعود إلى الموضوع الأول بعد قليل، وقد لا يعود، بعيداً من الدلالات المباشرة أو غير المباشرة المألوفة في المسرح. هي أفكارٌ تقفز من دون ترتيب، بل بشكل مفكّك يشبه حوارات العبث، مع شعور بأن ثمة ما تخفيه كلٌّ من الشخصيتين عن الأخرى. تتخلل الفجاجة والحميمية حديثهما، فالشاب يحتج مرات على شكل أمه وعدم عنايتها بملابسها، ويذكّرها بحاجتها إلى رجل في سريرها.
الأب البعيد عن أسرته، يريد من ابنه فيليب أن يكون تقدمياً مثله، والأم المؤمنة بالاشتراكية والمناضلة ضد السلطة المطلقة لأرباب العمل، تريده أن يهتم بما يحدث حوله، وأن يقرأ ويؤلف كتاباً، فيما هو يعيش حياته بين مجموعة من أصدقائه الثملين المطلوبين بتهمة السطو المسلّح وتعاطي المخدرات، وبدوره يصبح مطارَداً بتهمة السطو على الصيدليات. ينتهي النص، والشرطة تقرع الباب بحثاً عن فيليب فيما لا يزال مع أمه، يخوضان ثرثرتهما العادية ذاتها.
أحاديثهما اليومية العادية، أو حتى ما يبدو منها سخيفاً مملاً، تصبح مادةً للحوار، كالحديث عن مفاتيح السيارة والحساء وعن موظفي الإحصاءات.
الدراماتورج قال إن القراءات المسرحية “هي حل وسط بين العرض وإيصال النص”، مع تأكيد فريق العمل أن القراءة لا تُشكّل بديلاً من العرض المسرحي، لكن نتلمّس رغبةً وربما حسرةً لتقديم هذا النص كمسرحية.
على رغم أنها ليست المرة الأولى يتابع فيها جمهور المسرح قراءات مسرحية، فقد سبق أن قُدمت نصوص “ورشة الشارع” للكتابة المسرحية التي كتبها شباب سوريون؛ لكن يتضح من خلال أسئلة الجمهور ومداخلاتهم في الحوار الذي تلا تقديم القراءات، بُعد هذا الشكل عن ثقافتهم، حيث تأتي التعليقات غالباً متسائلة عن سبب عدم تقديم النص بقراءة غير درامية، أو عن سبب عدم الاهتمام بالماكياج وعناصر أخرى للعرض المسرحي. وحاول فريق العمل أن يشرح فكرة القراءات المسرحية ويشبهها أحياناً بشكل من أشكال الفرجة الموجودة في الثقافة العربية، هو الحكواتي، متمنين أن “تتحول القراءات عادة مكرّسة” كما يحدث في عدد من بلدان العالم، منها فرنسا التي نشأ أحد مسارحها من خلال القراءات المسرحية، مذكّرين بالمسرحي اللبناني ربيع مروّة الذي يعمل قراءات مسرحية لمعظم أعماله. كان الحوار بَعد القراءات، مناسبةً لتذكير المؤسسات الرسمية المعنية بضرورة الاهتمام بنصوص الشباب المسرحية وإيجاد مسارب لتعريف الجمهور بها. ولعلّ تقديم نصّ من مسرح الحياة اليومية الذي شاع في أوروبا في سبعينات القرن الماضي، واعتبر ظاهرة أوروبية بامتياز، يفتح الباب للتساؤل عن مدى التشابه بينه وبين نصوص الشباب السوري المسرحية التي تقترب من أن تكون مشاهد من الواقع. هذا كله يفتح الباب للتساؤل أيضاً عن إمكان تقديم نصوص الكتّاب المسرحيين ضمن شكل القراءات المسرحية، وخصوصاً أن تكاليفها قليلة قياساً بالعرض. من جهة أخرى، ربما لا تحتاج إلى المسرح التقليدي، وهذا سيجعل من المقاهي مثلاً أمكنةً لتكريس القراءات والتعريف بالكتّاب المحليين الجدد.

دمشق
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى