صفحات مختارة

في رثاء الطبقة الوسطى.. جدل الانمحاء والممانعة

عبد الرحيم العطري
هل من مبرر موضوعي للحديث عن الطبقة الوسطى هنا والآن؟ وهل من ضرورة قصوى لإعادة تعريف هذه الطبقة في ظل التحولات المجتمعية التي طرأت على الوطن العربي، وتحديدا في السنوات الأخيرة؟ فما هي الطبقة الوسطى من البحر إلى البحر؟ وما الذي تؤديه أو لا تؤديه من أدوار وممارسات؟ ما ملامحها وانتماءاتها؟ ما انهجاساتها وانتظاراتها؟ وما مآلها في ضوء لها الذي لا يبعث على الارتياح؟
السياق طبعا كفيل بإنتاج المعنى، والسياق العالمي المأزوم كان بمقدار ما، وراء استعادة النقاش مجددا حول واقع الطبقة الوسطى في أكثر من نسق دولي. ففي الضفة الأخرى، كما في الدول العربية من المحيط إلى الخليج، باتت النخب السياسية والثقافية تسهم في توسيع دوائر النقاش حول هذه الطبقة، مع اختلاف بين في وجهات النظر والتعاطي.
فمن قائل بأن هذه الطبقة تتسع أكثر في المجتمع العربي، تماما كما هو الأمر بالنسبة للمغرب الرسمي في شخص المندوبية السامية للتخطيط التي أعلنت مؤخرا أن أزيد من 54 بالمائة من المغاربة ينتمون إلى الطبقة الوسطى، وهو ما تكرر أيضا في تونس التي يعلن صناع قرارها أن الطبقة الوسطى تكاد تنسحب من حيث المفهوم على مجموع التونسيين.
فيما تتجه مقاربات أخرى إلى التأكيد على أن هذا الطبقة تعاني من التآكل، وأنها بالكاد تحارب الانقراض، بسبب سوء الأحوال السوسيواقتصادية وتداعيات الأزمة المالية العالمية فضلا عن سياقات التدبير المعطوب. ويعترف أصحاب هذا الاتجاه بتراجع الطبقة الوسطى حتى في بلدان الوفرة النفطية.
ولعل هذا التخريج يدعو إلى طرح السؤال مجددا حول التشكيلات الاجتماعية العربية المفترضة، فهل ما زال الحديث ممكنا عن الطبقة الوسطى؟ أم أن التقسيم الجديد لقواعد اللعب أو الصراع الاجتماعي يفترض وجود غريمين غير متكافئين، هما: “الذين هم فوق” من آل النوادي المخملية، و”الذين هم تحت” من القابعين تحت عتبة الفقر أو المهددين بالفقر؟
مدخل مفاهيمي
في أعقاب النقاشات الملتهبة حول تشكيلات المجتمع الأوروبي تحديدا، ظهر مفهوم الطبقة الوسطى للتعبير عن تلك الفئات الاجتماعية التي تقع من الناحية التراتبية في “منزلة بين المنزلتين”، أي بين الطبقة العليا والأخرى الدنيا. فالمجتمع وفقا لهذا الفهم يتوزع على ثلاث طبقات أساسية، وهي الطبقة البورجوازية المتحكمة في ممكنات صناعة القرار ووسائل الإنتاج والإكراه، وطبقة الفلاحين والعمال والحرفيين الذين يعيشون في واقع من الهشاشة الاجتماعية، ثم الطبقة الوسطى التي تتوفر لها بعض أسباب العيش الكريم وتحوز درجات محترمة من التعليم وتؤدي أدوارا طليعية تماما كما هو الأمر بالنسبة للأطباء والمعلمين والتجار وغيرهم.
يمكن القول بأن هذه الطبقات الثلاث يتأتى توصيفها أحسن من مدخل امتلاك الكماليات والضروريات، بمعنى أن الطبقة العليا هي التي تتوفر على الضروريات والكماليات، والطبقة الوسطى هي التي تتوفر على الضروريات، فيما الطبقة الدنيا تظل في صراع مستمر من أجل تأمين ضروريات العيش، والتي لا تتوفر لها في غالب الأحايين.
وفي إطار مقترب الامتلاك من عدمه يقترح المتن الإحصائي توصيفا للطبقة الوسطى، يتأسس على الدخل، فباعتماد مقاربة إحصائية صرفة للدخل يصير ممكنا التمييز بين الانتماءات الطبقية الاجتماعية، إلا أن هذا التمييز يظل مرتبطا بالرقعة الجغرافية التي يتم فيها، والمعطيات الاقتصادية التي تؤطرها، فإذا كان الدخل الشهري الذي يناهز الألف دولار يضع صاحبه مغربيا ضمن الطبقة الوسطى، فإن هذا الدخل لا يسعف في تحديد شرط الانتماء إلى هذه الطبقة في فرنسا مثلا، والتي يرتفع فيها هذا الدخل(الشرط) إلى أربعة آلاف دولار على الأقل.
لكن عندما نغير الوجهة صوب المتن السوسيولوجي، فإن الأمر يستدعي إدماج هذا البعد الاقتصادي الإحصائي مع أبعاد اجتماعية وثقافية وسياسية ونفسية أيضا، وذلك أملا في التحديد المفاهيمي لهذه الطبقة، التي يقول الفرنسيون إنها تضم “الغني بدرجة لا يمكن أن يكون معها فقيرا، والفقير بدرجة لا يمكن أن يكون معها غنيا”، فهل يتعلق الأمر ببورجوازية صغيرة وناشئة؟
إن الطبقة الوسطى في الأدبيات السوسيولوجية تؤشر على جماعات من الأفراد الذين تتوفر لهم ظروف سوسيواقتصادية مريحة نسبيا، ويحوزون درجات محترمة من التعليم، ويساهمون بمقدار ما في الحركية الثقافية والسياسية، كما أنهم متحررون نفسيا بشكل ما من “قلق الغد” و”قلق الاحتياج”. ولعل هذه المعطيات المتعددة هي التي تمنح هذه الطبقة المقدرة على توسيع دوائر النقاش السياسي والإسهام في صناعة التغيير وبناء الممكن.
فإذا كانت الهشاشة الاجتماعية تجعل آل الطبقات الدنيا أكثر انشغالا بتدبير متطلبات اليومي، فإن الاكتفاء المادي الذي يتحقق للطبقة الوسطى يجعل أفرادها متجاوزين لهذه المسألة، مما يجعل انشغالاتهم تتسع أكثر لتشمل التدبير السياسي العام بدل “الانشغال الخبزي” وسلطة اليومي.
هذا ما يكتب نظريا في تعريف ممكن للطبقة الوسطى، فماذا عن واقع الحال من البحر إلى البحر؟ كيف تلوح هذه الطبقة؟ ما أدوارها الممكنة والمستحلية؟ وما حالها ومآلها؟
الدرس الكولونيالي
لم يكن المستعمر الغربي الذي غزا العالم العربي في القرنين الفائتين، لينجح في اختراقه لتفاصيل المجتمع العربي، بالاعتماد فقط على أجهزته العسكرية، فقد كانت هناك مقدمات وأساسيات أولية مهدت لحدوث الاستعمار، ويسرت له سبل الحضور والتجذر.
في هذا الإطار كانت أخبار الرحالة والجغرافيين والسوسيولوجيين، مساهمة في إنتاج معرفة دقيقة بتضاريس البنيات الاجتماعية والسياسية العربية. كما كانت، وهذا هو المهم، تقدم “خبرة علمية” للسياسة الاستعمارية، توصي بالعمل على تكسير وتحوير البنيات الاجتماعية التقليدية، واستبدالها بأخرى تتأسس على معطى “اللاتجذر الاجتماعي” والانفصال عن هموم وآمال الساكنة.
لهذا سيعمل المستعمر في أكثر من بلاد عربية على الانتهاء من “الجماعة” و”مجلس القبيلة” لتعويضهما بهياكل أخرى، كما سيعمل على تدمير الطبقة الوسطى التي كانت تهدده في وجوده واستمراره، وذلك عن طريق سد منافذ الترقي الاجتماعي إلى مصافها، ومحاصرتها بالضرائب والمكوس التي تثقل الكاهل بدءا، وتحقق السقوط الطبقي انتهاء.
وعليه فإنه بعد تحوير البنيات التقليدية ومحو الطبقة الوسطى سيجد المستعمر نفسه متمكنا من بسط نفوذه بأقل الخسائر وأكثر الفوائد في آن.
هذا الدرس الكولونيالي ستتم استعادته في وقت لاحق من طرف الأنظمة العربية، في لحظات الاحتقان السياسي والاختناق المؤسسي، فبعد استعمال ما تيسر من خدمات الأجهزة القمعية والإيديولوجية، ستجد كثير من الدول العربية نفسها مدعوة إلى اختبار هذا الدرس، لإعادة إنتاج نفس الأوضاع، ومقاومة ممكنات التغيير والتجاوز.
فالذاكرة الاحتجاجية في العالم العربي أساسا تؤكد أن أكثر الأحداث عنفا ومواجهة بين السلطة الحاكمة والجماهير، كانت على خلفية دواع اجتماعية، فمن الملاحظ أن أحداث العنف الجماهيري التي اتخذت شكل مظاهرات أو أحداث شغب عامة، والتي عرفتها الأقطار العربية مثل مصر سنة 1977 وتونس والمغرب خلال سنتي 1981 و1984 والسودان خلال سنتي 1981 و1985، كانت نتيجة قيام حكومات هذه الأقطار برفع أسعار بعض السلع الأساسية وتخفيض الدعم، وذلك تنفيذا لبعض توصيات صندوق النقد الدولي.
فمن خلال تأمل مؤشرات الهشاشة والفقر في الوطن العربي، وبسبب الزيادات المستمرة في الأسعار، والتي تفضي إلى تحطيم القدرة الشرائية، وبالنظر إلى اتساع دوائر الإقصاء الاجتماعي، يتأكد أن التشكيلات الاجتماعية العربية تسير في اتجاه الانبناء وفق خطاطة نمطية تتوزع على آل الفوق المخملي وآل القاع الاجتماعي الذين يعيشون تحت عتبة الفقر أو في أحسن الأحوال هم مهددون بالفقر.
فبدل توزيع التشكيلات على ثلاث طبقات، يصير التوزيع ثنائيا، وعلى درجة عليا من التقاطب والصراع بين من يملكون ومن لا يملكون، بين أغنياء وفقراء بمراتب جديدة تتوزع على المنتمين افتراضا لا واقعيا إلى الطبقة الوسطى، مضافا إليهم من يعيشون تحت عتبة الفقر. إنه الدرس الكولونيالي المستعاد بدقة متناهية من طرف صناع القرار العربي.
الانمحاء والممانعة
قبل الحديث عن أسئلة الانمحاء والممانعة التي تسيج واقع الطبقة الوسطى في العالم العربي، لا بد من التساؤل مجددا عن الأدوار التي تضطلع بها هذه الطبقة، نظريا لا واقعيا، وهي الأدوار التي كانت تؤديها قبل تجريب الدرس الكولونيالي وبلوغه مداه المحتمل.
كثيرا ما توصف الطبقة الوسطى بكونها “صمام أمان” المجتمع، وذلك بالنظر إلى دورها الرئيس في حفظ التوازن المجتمعي، وإسهامها المباشر في النقاش الحواري التعددي، بسب تموقعها في وضع بيني يشكل جسر عبور اجتماعي. فملامحها السوسيواقتصادية والثقافية تسمح لها بأن تكون فاعلة في صياغة الحال والمآل المجتمعي، ولهذا كانت هذه الطبقة تحسم كثيرا من النتائج في لحظات من التاريخ السياسي للوطن العربي، فحركات التحرر والاستقلال كانت ممهورة بتوقيع منتسبي هذه الطبقة في أكثر من بلاد عربية، كما أن عمليات التغيير السياسي والاجتماعي، في شكل ثورات وحركات ثقافية تنويرية، كانت أيضا من صنعهم.
لكن مع استلهام الدرس الكولونيالي واستراتجيات التهميش التي يجيدها صناع القرار العربي، باتت الطبقة الوسطى تتعرض للتآكل والانمحاء، لتنتهي من ممارسة أدوارها الطبيعية، وتصير منشغلة ب”قلق اليومي” و”سلطة الخبز” كما الطبقة الدنيا.
فالأستاذ الجامعي مثلا، والذي كان محسوبا إلى حد قريب على الطبقة الوسطى، بات اليوم مصنفا ضمن خانة “المهددين بالفقر”، أو في أحسن الأحوال في أسفل تراتبية الطبقة الوسطى، وهذا يعني أن نزيفا متواصلا يحدث في التشكيلات الاجتماعية العربية، خصوصا في ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية، مضافا إليها سوء الأحوال السياسية العربية وتدهور الظروف المعيشية.
فالفئات التي كانت إلى حد قريب تصنف ضمن الطبقة الوسطى بدأت تفقد مواقعها الطبيعية يوما بعد آخر، ليس فقط في الوطن العربي، بل حتى في الضفاف الأخرى، فالمحامي مثلا الذي كان محسوبا في الغرب على الطبقة الغنية بات منحشرا اليوم في الطبقة الوسطى، فيما الأستاذ انحدر تعريفيا إلى الطبقة الدنيا، فثمة تغيرات في البنية الاجتماعية تحدث باستمرار بسبب معطيات داخلية وخارجية، لكنها لا تنأى بالمرة عن السؤال الاجتماعي والبعد التدبيري.
ولهذا يفهم كيف أن السؤال الاجتماعي كان وسيظل، من أكبر الأسئلة التي تؤرق بال الفاعل السياسي، إنه سؤال مفتوح على كل الرهانات، ومفتاح لكل الاحتمالات، واعتباره رقما أساسا في معادلات التحرك والاشتغال أمر لا مندوحة عنه، فكل مكونات النسق السياسي تراهن على “الاجتماعي”، وتجعله الهدف الأقصى لممارساتها وخطاباتها.
إلى ذلك كله تظل الطبقة الوسطى بالوطن العربي على درب الانتفاء، حتى في دول الوفرة النفطية، تقاوم الانقراض، بما أوتيت من محدودية وهشاشة، وبما يستهدفها من تحوير وتهميش لأدوارها الريادية في التغيير والبناء. فهل والحالة هاته، يمكن لهذه الطبقة أن تستعيد عافيتها وأن تصير مساهمة، فعلا لا قولا، في إعادة كتابة تاريخ النسق العربي؟ هل بمقدورها أن تتحول، بعد طول بيات شتوي قسري، إلى قوة اقتراحية وتغييرية من البحر إلى البحر؟
وسطنة المجتمع
ساهمت التحولات المجتمعية التي عرفتها الدول الغربية تحديدا في بلورة مجموعة من الصيغ والمفاهيم التي تؤطر بناء الدولة وحضورها، الشيء الذي جعلنا في سياقات مختلفة نتحدث عن الدولة الحارسة والدولة المتدخلة ودولة الرفاه فضلا عن أشكال الإدارة والتدبير في مستوى المركزية واللامركزية والتركيز وعدم التركيز، وكل ذلك أملا في تحقيق مطلب الإدماج لكافة فئات المجتمع.
اتصالا بهذا السياق ستظهر السياسات الاجتماعية المتأسسة على فكرة “وسطنة المجتمع”، أي توسيع الطبقة الوسطى وجعلها الأكثر حضورا في التشكيلات الاجتماعية، طلبا للتوازن وامتصاص الاحتقان، فقد وعت هذه الدول مبكرا أن سر الاستمرارية يكمن في مدخل الوسطنة لا التفاوت والإقصاء. لهذا يلاحظ في أكثر من سجل ثقافي غربي، كيف تدعم الطبقات الدنيا والوسطى، بسياسات اجتماعية تستهدف الانتقال من “وضع غير مرغوب فيه إلى وضع مرغوب فيه”.
لكن هنا والآن، فإن مطمح “وسطنة المجتمع” يظل نصا غائبا في تدبير السياسة الاجتماعية العربية، بل إنه لا يتجاوز في كثير من الأحيان منطق الشعاراتية التي تعلن الانتصار للذين هم تحت.
فالسياسة الاجتماعية العربية، وفي مقاطع كبرى منها لا تفي فقط بغرض ضمان الاستمرارية، بل تفيد حتى في شرعنة وتبرير هذه الاستمرارية وإنتاج القبول الاجتماعي بها، المفضي نهاية إلى إنتاج مزيد من “التواطؤ” حول الكائن بدل الممكن، إنها بذلك ترفع من أسهم الشرعية والمشروعية سواء بالنسبة لصناع القرار أو لمجموع النسق المجتمعي.
بعد خروج الاستعمار وجد الفاعل الدولتي العربي نفسه مدعوا لإنتاج “الطاعة” وضمان الاستمرارية، لهذا استعان بخدمات ودروس الميتروبول الاستعماري، وانطلق في تدشين علاقات شخصانية لا مؤسساتية وتعاقدية مع الرعايا لا المواطنين، وهي العلاقات التي تجعل من الضرائب مرتكزها الأساس، والنتيجة ضرب للطبقة الوسطى، وانتهاء مؤقت من مطالباتها وانتظاراتها.
فالسياسة الاجتماعية التي تم الارتكان إليها في كثير من أقطار الوطن العربي كانت محكومة برهانات الضبط الاجتماعي وإكراهات التقويم الهيكلي المفروض قسرا من البنك الدولي، فضلا عن كونها كانت وما زالت مغموسة في حمأة الصراع السياسي، وهو ما يجعلها سياسة لتسكين التوتر الاجتماعي وامتصاص الغضب الجماهيري، أي إنها سياسة لتدبير المؤقت، وليس للذهاب بعيدا في خيار وسطنة المجتمع وتحقيق الحد المطلوب من العدالة الاجتماعية.
وقد ظل “الاجتماعي” دوما محور صراعات وحروب رمزية، بل إنه كان مرتهنا في كثير من الأحيان إلى مقترب الفعل ورد الفعل، وهو ما يجعل السياسة الاجتماعية في كثير من الأحيان مجرد ردود أفعال لتدبير مطالب يومية وتدبير الأزمة بدل حلها.
أسئلة قادمة
ما درس الدرس؟ بتعبير بيير بورديو، الذي يمكن استخلاصه من هذا التحليل؟ ما الذي نفيده جيدا من القراءة والتفكير في الطبقة الوسطى العربية، بانكساراتها ونجاحاتها؟ وكيف نستثمر حاليا دروس طبقة تعاني من التآكل وتحارب الانقراض؟
إن التمويه والتضليل السياسي هو الأكثر حضورا اليوم، والمقاربة القطاعية الضيقة هي العملة الأكثر رواجا في معالجة الاختلالات الاجتماعية وسياسات الاختزال والانتقاء والتسكين المؤقت، وكلها ممارسات نكاد نصادفها في مختلف الميادين، والنتيجة طبعا وطن عربي بطعم الهشاشة والاحتقان، ما زال مواطنوه بل رعاياه، في المغرب العميق، كما في الخليج الهادر، يجدون صعوبة بالغة في الوصول إلى قطرة ماء أو مركز صحي أو عمل أو كسرة خبز لهزم الجوع وحفظ بعض ذرات الكرامة.
فمغرب الوطن العربي ما زال يهدي لمقبرة المتوسط مئات الشباب شهريا، وشرق أوسط الوطن العربي ما زال يهدر طاقاته الشابة جراء تقعيد وتكريس العطالة، وما زال يحطم القدرة الشرائية بالزيادات، وما زال ينضبط لتدبير سياسي معطوب يستهدف الطبقة الوسطى، والتي يتمثلها صناع قراره كعدو طبقي أو كمنافس احتياطي يتوجب التخلص منها عن طريق إلهاب الضرائب وتبخيس العمل السياسي والثقافي وإشاعة الأزمة وتدبيرها بدل حلها.
وطن عربي  بهذا الوضع المأزقي، وطبقة وسطى بهكذا مواصفات، بأدوار مغتالة وواقع لا يرتفع، يمكن الجزم بأنه لم يستوعب الدرس، فمتى نصيخ السمع ونستوعب درس الدرس؟
_______________
باحث وجامعي مغربي
الجزيرة نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى