الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةصفحات العالم

“شيزوفرينيا” إزاء إيران

سعد محيو
الشيزوفرينيا”، أو انفصام الشخصية، قد يكون هو التعبير الأصح لوصف ما نشعر به نحن المواطنين العرب العاديين هذه الأيام إزاء إيران.
فمن جهة، من يستطيع أن يمنع تدفّق عواطفه المشبوبة وهو يرى مئات آلاف الشبان الإيرانيين يهتفون من أجل تحرير القدس، واستعادة فلسطين، وإقامة نظام شرق أوسطي إسلامي جديد مكان النظام الشرق أوسطي “الإسرائيلي” الراهن؟
ومن جهة أخرى، من لايشعر بالتضامن مع قوى المعارضة الإيرانية بوصفها الأمل الوحيد لإقامة ديمقراطية إسلامية في بلاد الخميني، على غرار الديمقراطية الإسلامية الناجحة في بلاد أتاتورك؟
صحيح أن شعار “لا غزة ولا لبنان، نستشهد من أجل إيران”، الذي رفعه المعارضون، أثار تساؤلات، وربما امتعاضات، عدة. لكن هذه الامتعاضات تتبدد حين نتذكّر أن جل المعارضين يرفضون وجود “إسرائيل” لدواعٍ إيديولوجية إسلامية، وبأن أولويتهم الإيرانية نابعة من الصعوبات الاقتصادية والمعيشية التي يمر بها وطنهم. وهي، بالمناسبة، صعوبات حقيقية.
فالمجابهة التي تخوضها إيران مع أمريكا و”إسرائيل” تتسع دائرتها لتشمل معظم الكرة الأرضية: من جنوب لبنان إلى جنوب أمريكا اللاتينية، ومن السودان إلى أذربيحان. وهذا ما يرتب على هذه الدولة العالمثالثية التي لا تتجاوز ميزانيتها السنوية ال100 مليار دولار (ميزانية “السي.آي.إيه وحدها نحو 50 مليار دولار)، أعباء باهظة. وإذا ما أضفنا إلى ذلك نفقات سباق التسلح التقليدي والنووي، في وقت بلغت فيه نسب التضخم والفساد والبطالة والهجرة بين الشباب معدلات شاهقة، ندرك أسباب امتعاض المعارضة من الوضع الراهن.
نصف الشعب الإيراني على الأقل يريد إيران بسبب هذه المعطيات. لكن هذا لايعني أن هذا النصف يريد “إسرائيل” أو يسعى لاستعادة التحالف الاستراتيجي الشهير بين إيران و”إسرائيل” في عهد الشاه.
ومع ذلك، هذا يجب أن يقرع الكثير من أجراس الإنذار على مسامع رجال الدين، لأن جوهر الاستراتيجية الغربية في المجابهة مع إيران هو نفسه جوهر المجابهة السابقة مع الاتحاد السوفييتي: جر الخصم إلى تنافسات وسباق تسلّح غير متوازٍ يؤدي في خاتمة المطاف إلى انفجار هذا الخصم من داخل.
بالطبع، قادة إيران يدركون هذه الحقيقة. لكنهم على ما يبدو (أو على ما تدل عليه تصريحات الرئيس أحمدي نجاد) يراهنون على أن انهيار أمريكا سيسبق أي انهيارات أخرى، ليس انطلاقاً من معطيات الأزمة الاقتصادية الطاحنة الراهنة وحسب، بل أيضاً استناداً إلى نبوءات إيديولوجية تتعلق بالوعد الإلهي بنُصرة المُستضعفين.
حسناً. أمريكا ربما تنهار بالفعل، لكن ليس بالسرعة الرغائبية التي يريدها قادة إيران. فالإمبراطوريات تتطلب، عادة، وقتاً ليس بالقصير قبل أن تُسلّم روحها إلى بارئها.
هل هذا يعني أننا ندعو طهران إلى وقف معاركها الراهنة ضد النظام الشرق أوسطي “الإسرائيلي”؟ كلا.
لكنها دعوة إلى هؤلاء القادة كي يعوا حدود القوة الإيرانية وطبيعة القيود المفروضة على قدراتهم الاقتصادية، كي يضمنوا البقاء في صراع البقاء. كما عليهم أن يضعوا في الاعتبار أيضاً أن الاسترسال في المجابهات الخارجية من دون الالتفات إلى المطالب الداخلية الخاصة بالديمقراطية ومستويات المعيشة، هي وصفة ممتازة لضمان الفشل والخسران.
إذا ما فعلوا ذلك، سينقذون الثورة الإسلامية الإيرانية. وإذا لم يفعلوا، سنواصل نحن العرب العاديين العيش في حالة “الشيزوفرينيا” المؤلمة إزاء هذه الدولة الشقيقة.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى