اسرائيلصفحات العالم

نعم.. قد يرتكبها نتنياهو

محمد جمال باروت
ليس احتمال العدوان الإسرائيلي الذي تدق طبوله على سورية ولبنان اليوم، مجرد عملية «ضغط» لتحصيل مكاسب معينة في قواعد اللعبة الجيو-سياسية الجارية في المنطقة، بقدر ما هو احتمال جدي، يأخذ في علامات شجرة الاحتمالات مؤشراً قوياً. فالفرضيات الجيو-بوليتيكية الإسرائيلية، أي خطط التصور المتعلقة بـ«الأمن القومي الإسرائيلي» لم تتغير خلال العقد الأخير جذرياً، بقدر ما تبدلت الفرضية حول مركز القوة في «ضمانه». ويتمثل هذا التبدل في أن من يضمن «الأمن القومي الإسرائيلي»، ليس سوى إسرائيل نفسها، حتى وإن تباينت، بل واصطدمت مقتضيات هذا الأمن مع فرضيات وخطط تصور دول الغرب عموماً، والولايات المتحدة الأميركية خصوصاً، التي تنسج بينها وبين إسرائيل علاقات تحالف إستراتيجية، يقوم جوهرها على ضمان «أمنها».
أخذ الفكر الجيو-بوليتيكي الإستراتيجي الإسرائيلي يتطور بشكلٍ جارفٍ في هذا الاتجاه. وعبّر عن حصيلته مشروع (إسرائيل 2020)، لكن الجديد فيه هو تبني معاهد المحافظين الجدد له، وتبني نتنياهو له برنامجياً كعقيدة إستراتيجية للأمن القومي. وتتلخص فرضيات هذا الفكر في أن إسرائيل موجودة في منطقة تعيش باستمرار حالة تغيير كبيرة في أنماط التغيير الجيو-بوليتيكي في المنطقة (أولترا- تغيير). وهذه الحالة تلائم وفق مصطلحات مشروع «إسرائيل 2020» نظرية الكوارث (التغيير بالقفزات) أكثر من ملاءمتها لمصطلحات التطور الطبيعية. لكن لا إسرائيل ولا حمَلة هذا المفهوم يعترفون قط بحصة إسرائيل المباشرة والمباشرة القريبة في هذه الوضعية «الكارثية» المحتملة في غضون كل عقد، أو أقل، من الزمان، منذ أن قامت إسرائيل في العام 1948 وحتى الآن.
والجردة السريعة لـ«الكوارث»، أو «الحروب» التي قامت في المنطقة، خلال تلك الفترة، تقدم بيانات تامة الأركان، أي ذات مؤشرات، على حصة إسرائيل في هذه الوضعية.
لاشك أن هناك رأياً إسرائيلياً «عاقلاً» يقوم على أن تستغل إسرائيل هذه الوضعية بالطرق السياسية لتضمن أمنها الإستراتيجي حقيقةً. وطريق ذلك هو السلام. ولكن هذا الخيار يمثل حتى بالنسبة إلى مشروع «إسرائيل 2020» مشهداً محتملاً لا أكثر، بينما المشهد الآخر هو أن يتخلى الحلفاء الإستراتيجيون في لحظة ما مرتبطة بحسابات مصالحهم الإستراتيجية بدورها عن «نجدة» إسرائيل في حالة المحنة «الوجودية». وهو نفسه رأي مرتبك، حتى لمعسكر السلام الإسرائيلي.
صعد نتنياهو على وجه الضبط في هذا السياق، وعبّر عنه نسبياً شارون في طرح مثال التخلي عن تشيكوسلوفاكيا، وبات برنامج نتنياهو يمثل «حاجةً» للمجتمع الإسرائيلي «الهلع» تحت وطأة الانتفاضة، والمؤلف من أرخبيل ثقافات وأفكار. لكن جواب برنامج نتنياهو المموه خلف كلمة «السلام» العامة التي لا تصرف، ليس هو السلام بالفعل، بل الحرب لضمان الأمن القومي الإسرائيلي.
كانت هذه هي حصيلة وجهة نظر المحافظين الجدد قبل توليهم مسوؤلية الإرشاد الآيديولوجية لجورج دبليو بوش في ولايتيه، وهي على وجه الضبط ما يفعله نتنياهو في حسم نقاط التباين بين رؤى الإستراتيجيين الأميركيين الذين يتصورون إسرائيل عنصراً لا بد له من التكيف مع خطط تصورهم الجيو-بوليتيكية للمنطقة مع ضمان أمنها بشكل مطلق، وبين برنامجه في أن تتولى إسرائيل المبادرة إلى حماية أمنها وفق ماتتصوره لها. ولهذا سيبقى موضوع الملف الإيراني أسير تقديرات مختلفة من الجانبين الأميركي والإسرائيلي حول طرق الحل وتوقيتاته وأساليبه.
الضربة المحتملة ضد سورية ولبنان في هذا السياق هي ضربة «محكمة» في الفرضيات الإسرائيلية لمنظومة القوة الإيرانية، المتمثلة في التحالف الإستراتيجي بين إيران وسورية وحزب الله ومنظمات المقاومة في الداخل الفلسطيني. وهذا التحالف الأخير حقيقي وفعلي مقاس. يعني ذلك إسرائيلياً ضرب رأس «الأفعى» عبر سلسلتها، ثم الانقضاض عليها، وقد فقدت عضلات سيرها.
هذه خطة محتملة بقوة، وهي خطة كارثة تامة، من شأنها قلب قواعد اللعبة كلها، وليس مجرد التأثير عليها وتعديلها. وليست هذه الخطة متوافقة بالتأكيد مع خطط التصور الأميركية، لكن اتجاهات الماضي بيّنت أنه في لحظة الأزمات، أو احتدام المشكلات، فإن من يتراجع هو الطرف الأميركي، وليس الإسرائيلي. شيئان حدثا أولهما كبير وثانيهما قد يكون في طور أن يكون كبيراً، وهما: المشهد الأخير حول سلام المفاوضات غير المباشرة، الذي يقدم مؤشراً تام الأركان حول بناء إسرائيل فرضيات أمنها بواسطتها نفسها، مهما تباين ذلك مع الحلفاء.
وأما الثاني فهو طرح الملف النووي في المنطقة على أساس اشتراط عملية السلام قبل إخضاع إسرائيل له. وليس هناك حتى بعد وقوع السيناريو فرضاً، أي مؤشرات حقيقية لذلك. المنطقة على حافة السير من جديد في نظرية «الكوارث». وقد يفعلها نتنياهو هذه المرة لحساب مصالح إسرائيل المطلقة، وليس كما في المرة الأخيرة، من أجل أفكار رايس حول الشرق الأوسط الجديد. وهذا هو تصور كارثة قد لا تلائم فيها نتائجها حسابات مخططيها. فالوجه الآخر لنظرية «التطور بالكوارث» هو المفاجآت. والحقيقي في ذلك أن العدوان الجديد عملية ممكنة، لكن كلفته قد تكون مفاجئة لواضعيه. ويبدو أن «جنون» نتنياهو سيواجه «مفاجآت» أكبر من قدرة إسرائيل على تحملها، حتى ولو فرضت شروط تنظيم المنطقة.
كاتب من سورية
أوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى