صفحات سورية

ما الذي قد تجنيه سورية من عودة العلاقات الأمريكية؟

null
محمود ماهر الزيبق
تشهد العلاقات السورية الأمريكية تحركات جديدة يصنفها البعض بأنها انفتاح من إدارة أوباما للحوار مع سورية والذي قد يكون تمهيدا لانفراج في العلاقات المتأزمة بين البلدين منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش …
هناك العديد من الملفات الشائكة بين البلدين تلخصها الولايات المتحدة (وفق رؤيتها) بأنها دعم سورية للإرهاب ممثلا بحزب الله والفصائل الفلسطينية والعلاقات الوثيقة مع إيران والتدخل في شؤون لبنان ومحاولة امتلاك أسلحة غير تقليدية وتسهيل عبور تنظيمات إرهابية تقوض الأمن والاستقرار في العراق (كما تقول الولايات المتحدة )…
بينما ترى دمشق أن الولايات المتحدة التي لا يمكن الاستغناء عن وساطتها في عملية السلام لا تزال تكيل بمكيالين من خلال نظرتها لقضايا المنطقة وانحيازها التام لإسرائيل …. وهناك مسائل اخرى تنقم بسببها دمشق على واشنطن تتعلق بقانون محاسبة سورية والعقوبات الاقتصادية وإن لم تكن في أولويات الخطاب السوري كما هو الحال بالنسبة لعملية السلام …
في نفس الوقت تتفق الحكومتان في دمشق وواشنطن على عدة قضايا منها مكافحة الإرهاب على خلاف في تعريف الإرهاب بين الدولتين … لكن دمشق ودون شك أسهمت بكثير من الجهود في ضبط المقاتلين الأجانب الذين تسللوا إلى العراق لمحاربة المحتل الأمريكي … وهناك مسألة مهمة تؤكدها دمشق لجميع المسؤولين الأوروبيين والأمريكيين الوافدين إلى المنطقة من أن سورية دولة علمانية وتكاد تكون الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لا تهب على سياساتها أي رياح دينية لا سيما الإسلامية منها خاصة مع نظرة الولايات المتحدة المشيرة بأصابع الاتهام إلى الإسلام على أنه منبع الإرهاب والذي يجب إبقاؤه في منأى عن السياسة …كذلك لا تنكر دمشق المصالح الأمريكية في المنطقة كونها دولة عظمى ومن الطبيعي أن يكون لها مصالح في منطقة غنية بالنفط كمنطقة الشرق الأوسط وكل هذا قد يكون من عوامل التقارب والاتفاق بين البلدين ..
لكن الحقيقة أن الاتصالات الجديدة والتي انطلقت بين دمشق وواشنطن سواء غير الرسمية منها كزيارات وفود الكونغرس أو التي ترتبط بالحكومة الأمريكية رسميا كلقاء مسؤول الخارجية الأمريكية بالسفير السوري في واشنطن لم يكن فيها أي تركيز على نقاط الالتقاء بين الطرفين بل ظهر على العلن أن المطروح للنقاش في هذه الحوارات هو نقاط الاختلاف وركزت الولايات المتحدة في بياناتها على أن هذه اللقاءات طالبت سورية بتغيير في مواقفها باتجاه ما تنقم واشنطن بسببه على سورية من ملفات …
ملفات كثيرة
يؤكد ذلك أيضا أن النواب الأمريكيين الذين زاروا دمشق كانوا من ذوي الخبرة في قضايا الإرهاب وتحدثوا بشكل رئيسي عن ملفات حزب الله والفصائل الفلسطينية المقاومة وتعيين السفير السوري في لبنان بينما اختارت واشنطن للقاء السفير السوري لديها سفـــيرها السابق في لبنان وتم السؤال بشكل مباشر عن نوايا سورية لامتلاك أسلحة غير تقليدية وملفات إيران ودعم الإرهاب …
كانت سياسات الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في التعامل مع دمشق ترتكز على الاملاءات فعلى دمشق أن تقوم بكذا وكذا …. حتى نجتمع بها أو نغير نظرتنا إليها … بينما تتجه إدارة أوباما إلى الحوار بدل الإملاء لكن الحوار الذي طرحته اللقاءات الأولى لم يختلف في ما حواه من مضامين عما كانت تستخدمه إدارة بوش على سبيل الإملاء …
على اختلاف الأسلوب بين الإدارتين الأمريكيتين السابقة والحالية فإن الولايات المتحدة بشكل عام تنظر إلى منطقتنا من زاويتين لا ثالث لهما هما أمن إسرائيل والنفط العربي ووفق هاتين المسألتين تعالج الولايات المتحدة كل القضايا في المنطقة …
أما نظرة الولايات المتحدة لعملية السلام والتي قد تشكل الهاجس الأكبر لسورية لاستعادة مرتفعات الجولان المحتلة فلم تخرج يوما عن نظرة إدارة الأزمة وليس حل الأزمة فالولايات المتحدة لا يهمها زوال أزمة الشرق الأوسط وإنما تركز في سياساتها دائما على ألا تتازم اكثر من اللازم وبالتالي فهي تهتم بإدارة ملفات هذه الأزمة اكثر من اهتمامها بحلها …
نضيف في هذا الموضوع أن عملية السلام في الشرق الأوسط لم تكن أصلا رئيسا في مخططات أوباما الانتخابية والتي ركزت وماتزال بعد توليه الحكم على الأزمة الاقتصادية العالمية .
هناك عامل مهم يجب أن نضيفه إلى قضية السلام وعودة الجولان والتي أسلفنا أنها الأهم بالنسبة لسورية هو أن الولايات المتحدة ليست إلا وسيط في هذه الأزمة وهي بالنظر إلا ما مضى من وساطتها كانت المثال الاسوأ للوسيط من خلال الانحياز التام لإسرائيل بينما يسير الطرف الحقيقي في قضية السلام إسرائيل إلى أقصى اليمين لا سيما بعد تكليف نتنياهو بالحكومة الإسرائيلية الجديدة وقد سبق لنتنياهو أثناء حملته الانتخابية أن زار الجولان وزرع شجرة فيه ليقول بالحرف الواحد إن أحفاد ابني هذا سيجلسون تحت ظل هذه الشجرة (يشير إلى ابنه الذي رافقه في زيارة الجولان)
وبالتالي فسيكون الأمل المعقود على دور الولايات المتحدة في السلام ضئيلا لا سيما أنها أخذت على عاتقها سياسة إدارة الأزمة لا حلها .. وسيكون لديها وقوف لا حراك معه عند ما قد تسميه الشأن الإسرائيلي الداخلي والذي تديره حكومة نتنياهو اليمينية ..
هذا الواقع من التجاهل الرسمي الأمريكي لمطلب سورية الرئيس من خلال تجنب التعليق على تصرفات الحكومة الإسرائيلية الجديدة سيطرح سؤالا مهما ما الذي يمكن أن تجنيه دمشق من علاقاتها الجديدة مع واشنطن في ظل الواقع الذي ينبئ أن ما يشغل بال واشنطن في علاقاتها مع سورية هي إملاءات بوش نفسها ولكن بطريقة الحوار التي يسلكها أوباما؟…
الخطى الجديدة في العلاقات السورية الأمريكية المقبلة لا سيما بعد إعلان كلينتون إيفاد مسؤولين أمريكيين كبيرين قد تبتدأ بزيارة موفد اوباما للشرق الأوسط جورج ميتشيل إلى دمشق ومن ثم زيارة أخرى للجنرال ديفيد بترايوس رئيس القيادة المركــزية للشرق الأوسط تمهيدا لعودة السفير الأمريكي إلى دمشق …
الرئيس السوري بشار الأسد وفي لقائه مع صحيفة ‘الغارديان’ البريطانية رحب بزيارة بترايوس قائلا (نود ان نلقى بترايوس هنا في سورية) وهذه الدعوة مفادها أن سورية مستعدة لمساعدة واشنطن فيما يشغلها من ملفات أمن العراق ومكافحة الإرهاب مما قد يكون متداولا في المحور الرئيس لزيارة بترايوس لسورية…
أما زيـــارة ميتشيل وعودة السفير الأمريكي إلى دمشق في طريق عودة العلاقات الطبيعية مع سورية فسيكون لهما برؤية المراقبين ثمن لا بد أن تدفعه سورية ثمنا لهذه العلاقات مع الولايات المتحدة …
وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون رغم إعلانها الجديد بإيفاد المسؤولين الأمريكيين إلى دمشق قالت بعد لقاء مسؤول الخارجية الأمريكية للسفير السوري في واشنطن أن مرحلة ذوبان الجليد بين واشنطن ودمشق ما زالت في الأفق البعيد فيما أكد النواب الأمريكيون الذين زاروا دمشق أن دمشق عزلت نفسها بدعم الإرهاب (حزب الله والفصائل الفلسطينية) وعلاقاتها المزعجة مع طهران … وهما رسالتان واضحتان تشيران إلى أن واشنطن ما زالت تترقب المزيد من التنازلات السورية باتجاه المطالب الأمريكية قبيل الخطوة الأمريكية الدبلوماسية القادمة …..
في ظل ما استعرضناه من الوقائع سؤال يطرح نفسه هل ستقدم دمشق بعض الأثمان والتنازلات في مقابل عودة العلاقات الطبيعية مع الولايات المتحدة فحسب ..! وهو السؤال الذي قد يكون الأهم في المرحــــلة القــــادمة من العــلاقات السورية الأمريكية …
رغبة سورية
لا شك أن عودة العلاقات الطبيعية بين دمشق وواشنطن هي في حد ذاتها مطلب سوري قد يخفف الضغوط سياسيا واقتصاديا عن دمشق التي أزعجها كثيرا قانون محاسبة سورية الذي سنه الرئيس بوش وعطل الكثير من الاستثمارات التي يمكن أن تفد إلى سورية إضافة إلى أزمات أخرى تعرضت لها دمشق كالقصف الأمريكي لدير الزور والذي أودى بحياة ثمانية مدنيين وقصف إسرائيل لموقع الكبر السوري العسكري وقضية المحكمة الدولية بشأن مقتل الحريري ..وهي ضغوط ووقائع قد ترحل بها أو ببعضها عودة العلاقات الطبيعية بين دمشق وواشنطن …
أيضا سيكون هناك أمور أخرى يمكن أن تضاف إلى الظروف الاقتصادية وهي العوامل الثقافية بين البلدين من خلال تسهيل دراسة بعض الطلاب السوريين في الولايات المتحدة لفروع يحتاجونها وفي المقابل وفود بعض الطلاب الأمريكيين لدراسة العربية في دمشق التي تتميز بتعليم اللغة لغير العرب ..لا سيما بعد أن تعيد دمشق افتتاح المركز الثقافي الأمريكي والمدرسة الأمريكية المغلقان منذ القصف الأمريكي لدير الزور …
هذه المنافع التي قد تجنيها دمشق ويصب مجملها في تخفيف الضغوط الاقتصادية عنها قدمت لها الولايات المتحدة لفتة من الطمأنة مؤخرا من خلال السماح ببيع دمشق قطع غيار لطائرات مدنية من نوع بوينغ والسماح بنقل تبرعات أموال لجمعية سورية لرعاية الأطفال المصابين بالسرطان في خرق للحظر الأمريكي المفروض عليها زمن الرئيس بوش ..
هنا نعود إلى الإشارة في أن هذه الأمور الاقتصادية التي قد تجنيها دمشق من العلاقات الطبيعية مع واشنطن لا تحتل الأولوية في سلم متطلبات دمشق لا سيما مع ما تتمتع به سورية من استقلال اقتصادي جزئي فهي دولة ليست بحاجة إلى مساعدات أمريكية كتلك التي تتلقاها مصر أو لبنان كما أنها ليست بحاجة ماسة إلى علاقات اقتصادية قوية مع الولايات المتحدة كتلك التي تلزم دول الخليج بسبب وجود النفط لديهم … نضيف أيضا أن دمشق شهدت مؤخرا انحسارا في الضغوط الاقتصادية والعزلة الأوروبية المفروضة عليها بعد أن ساعدت في انتخاب الرئيس اللبناني وهو ما يشكل انفتاحا اقتصاديا أوروبيا قد يكون مغنيا لدمشق ولو جزئيا عن نظيره الأمريكي …
يبقى المطلب الرئيسي لدمشق والذي كرره الرئيس بشار الأسد أكثر من مرة هو الحاجة للوسيط الأمريكي النزيه في عملية السلام وهو مطلب بعيد المنال في ظل سياسة أمريكية لم تشهد أي تغير في موضوع انحيازها لإسرائيل خاصة مع حكومة إسرائيلية يمينية يرأسها نتنياهو ويشارك فيها المتطرف ليبرمان …
وهنا تتطلع الأبصار جميعا إلى السياسة السورية وتحركاتها القادمة و التي أمست الكرة في ملعبها بما يخص هذه العلاقات القادمة مع واشنطن وما قد تجلبه بحنكة التعامل في الملفات العالقة من مصالح قد تصب في مطالب دمشق الرئيسية أو في غايات فرعية مع بقاء المطلب الرئيسي لها في آفق غير منظور .

‘ كاتب من سورية
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى