الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

غيـاب الهـلال

ساطع نور الدين
أهم ما في الشرخ الداخلي العميق الذي كشفته نتائج الانتخابات الرئاسية الايرانية انه بدد اسطورة المشروع الامبراطوري الفارسي الذي كاد يتحول لدى بعض العرب الى كابوس ثقيل، يرسم سياساتهم ويحدد تحالفاتهم ويخدم الكثير من معاركهم الخاصة، ويعيد تقديم ايران بصورتها الحقيقية كدولة متواضعة ذات طموحات وطنية محددة، لا يمكن ان تؤدي الى ظهور هلال شيعي يمتد من طهران الى الضاحية الجنوبية لبيروت.
الازمة التي فجرتها الانتخابات الرئاسية في ايران لا يمكن ان تعزى فقط الى تزوير النتائج، ولا يصح ان تندرج في سياق ذلك الصراع الداخلي بين الاصلاحيين والمحافظين. ثمة مجتمع حيوي يريد ان يعترف بحدود قوته ويغير جدول اعماله.. ويحرم خصومه من فرصة الانقضاض عليه وتعريضه لمخاطر جديدة تكمل بل ربما تفوق المخاطر التي واجهها في حرب الخليج الاولى مع العراق.
والكلام الشائع عن ان جميع هؤلاء الخصوم، عربا واسرائيليين واميركيين وغربيين عموما، كانوا وما زالوا يفضلون بقاء الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في السلطة لاربع سنوات اضافية، يعبر عن موقف سياسي فعلي، وليس فقط عن خدعة اعلامية تهدف الى دعم منافسه الاصلاحي مير حسين موسوي.. لا سيما وان الجمهور الايراني ليس مكشوفا او ساذجا الى هذا الحد، ولا يحدد خياراته الانتخابية على اساس ما يتلقاه من الخارج.
حتى اللحظة لم يسقط نجاد، لكنه لم يعد بإمكانه ان يوفر ذلك المبرر لاتهام ايران بانها صاحبة مشروع نووي عسكري سري، او انها حاملة طموح امبراطوري يتخطى شواطئ البحر المتوسط ليصل الى حدود المغرب العربي، في الوقت الذي يعرف الجميع انها تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية خطيرة جدا، بل الاخطر منذ الثورة الاسلامية في العام 1979، وهي لا توفر لها الامكانات والمؤهلات حتى للدفاع عن نفوذها الطبيعي المسلم به ضمنا من قبل الاميركيين في افغانستان والعراق.
صحيح ان ايران استفادت من الاحتلال الاميركي لهذين البلدين، لكن ذلك لم يوفر لها فرصة الدخول في شراكة حقيقية مع اميركا. ولعل هذا هو جوهر الخلاف بين واشنطن وطهران، الذي كان يفترض بالانتخابات الرئاسية الايرانية ان تحسمه كما سبق للانتخابات الرئاسية الاميركية ان حددت سقفه، وافسحت المجال امام حوار ينطلق من الاعـــتراف بحدود القــــوة الايرانية وبالاقرار بان المشروع الاميركي لا يمكن ان يستمر على اساس استعماري.
لم ينته الطموح الايراني الخارجي، الذي كانت المؤسسة الدينية والامنية المحافظة تعتبر انه اقترب من قطف ثمار ما تم زرعه على مدى السنوات الاربع الماضية من عهد نجاد، لكن الازمة الداخلية تجعل من المستحيل على تلك المؤسسة ان تدعي ان موازين القوى مع خصومها في الداخل والخارج ما زالت تسمح لها بسد فراغات مفترضة خلفها الاميركيون وراءهم في اكثر من منطقة من العالمين العربي والاسلامي. كما تجعل من الصعب على هؤلاء الخصوم مواصلة التخطيط لتشديد الحصار على الشعب الايراني او حتى التفكير في شن حرب على ايران.
وهو تحول استراتيجي في الوضع الدولي يشبه التغيير الاستراتيجي الذي صنعه الايرانيون قبل ثلاثين عاما.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى