صفحات سوريةمازن كم الماز

تعليق على مقالتي غسان المفلح و كامل عباس عن اليسار و اليمين

null
مازن كم الماز
إن موقف الكاتبين مما يسمى باليسار و اليمين ليس إلا رأي يجب احترامه بالضرورة , المشكلة ليست في رأيهما بالذات بل في اليسار و اليمين الذي حاول كامل عباس تحديدهما , رغم أنه ليس من السهل اليوم تحديد اليساري من اليميني فعلا , لكن كامل عباس لم يجد إلا أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي ليبحث بينهم عن يسار و يمين , جيد أنه لم ينتقل بنا للمفاضلة بين ستالين و بيريا أو بين ستالين و خروتشوف المقارنة المفضلة لدى البكداشيين هذه الأيام . يعني هل من المعقول أن يمسخ اليسار ليحاول أن يبحث عنه بين مجموعة من البيروقراطيين التافهين و المهووسين بمصالحهم و الذين يمكنهم التنافس فقط في ترديد بعض العبارات المكررة سلفا مئات المرات للبرهنة على صحة مواقف بيروقراطية الحزب , و أرجو ألا يكون ممن يعتبر ستالين مثلا , و تلامذته العرب من قومجيين و ستالينيين , يساريا هو الآخر , و جيد أنه لا يعد حزب البعث يساريا لمجرد أنه يسمي نفسه اشتراكيا أو أنه لم يبحث في قيادته عن يساريين و يمنيين . إن كل هؤلاء هم الطبقة التي تملك و تحكم في مجتمع استغلالي تماما يقوم على تسخير عمل الأغلبية لخلق فضل القيمة التي تتحكم هذه البيروقراطية بتوزيعها , و من قال أن اليسار و اليمين هما حكر فقط على الزعامات و النخب , أنا أزعم أن الناس العاديين أيضا يمكنهم أن يكونوا يساريين و يمنيين أيضا على طريقتهم , و أزعم أكثر من ذلك أن وضعية هؤلاء الناس العاديين هي من تحدد حقيقة مضمون كلمة يساري و يميني , الأمس كما في اليوم كما في الغد , و لهذا بالذات فإن كل من عددتهم من بيروقراطيين ( كونهم مسؤولين مسؤولية كاملة عن بؤس الجماهير و تهميشها و قمعها ) ليسوا إلا يمنيين بامتياز . و أتفق تماما مع أن الحدود بين اليسار التقليدي و اليمين قد زالت عمليا , لقد أصبح الجميع يمينيين فجأة , منذ ثمانينيات القرن العشرين ظهرت حاجة عميقة ملحة لدى الأنظمة الستالينية , أوروبية و عربية , للتبرجز صراحة و علنا تشبه موقف غالبية البيروقراطية العسكرية و المدنية الحاكمة في نظام عبد الناصر عندما اختارت طوعا أن تتبرجز في عهد السادات كمقدمة وبادرة لهذه التحولات القادمة , يجب التذكير هنا أن البروليتاريا الروسية لم تكن هي من أطاح بالنظام الستاليني , لقد فعلت ذلك ذات البيروقراطية التي ركبت على ظهورها بحجة الاشتراكية و الشيوعية , أعضاء المكتب السياسي و زعماء الحزب أنفسهم الذين مارسوا الحكم باسم الشيوعية لعقود سبعة , قرروا يومها التحول من استمداد الشرعية من كلمات لينين المقدسة إلى استمدادها من مظاهر “ليبرالية” فارغة , لسبب وجيه جدا في لحظة تاريخية متقاربة اتخذت قوى متناقضة فكريا و حتى طبقيا تتفاوت من رأسمالية احتكارية في الولايات المتحدة و رأسمالية دولة الرفاه المتحالفة مع الرأسمالية الاحتكارية في أوروبا إلى رأسمالية الدولة البيروقراطية في الدول الستالينية الأوروبية الشرقية و الصين و بعد وقت قصير التحقت بهذا الركب الستالينيات العربية و بقية أشكال البرجوازيات التابعة مثل مصر , و في وقت لاحق النخب ذاتها , الجميع أصبحوا نيوليبراليين بين ليلة و ضحاها , أنا أزعم أن هذا ليس فقط تعبيرا عن الإيديولوجيا و السياسة التي أراد مركز النظام الرأسمالي العالمي فرضها في العالم بأسره , إنها نتيجة منطقية لتطور كل هذه البرجوازيات و تتويج لتطور طويل جعل النيوليبرالية تبدو ضرورة و فرصة ليست فقط للتخلص من عبء التزامات دول الرفاه الاشتراكية الديمقراطية أو الروزفلتية و الستالينية و دول الاستبداد الشرقية تجاه الطبقات الأكثر فقرا و تهميشا و ليس فقط لاحتواء قدرة الجماهير في الليبراليات التقليدية على كبح جماح الرأسمالية الكبيرة و ليس فقط بسبب رغبة البيروقراطية الحاكمة في الدول الستالينية و المشاركة في الحكم في دول الرفاه الرأسمالية بتحويل نمط الملكية من عام ( أي حيازتها لملكية كل شيء “نيابة” عن الشعب ) إلى خاص ( أي حيازتها مباشرة لكل شيء , إن الأرض المشاع على وشك الانقراض سواء في سوريا أم في العالم بأسره , كل شيء تحوله النيو ليبرالية إلى ملكية خاصة للرأسمالية الكبيرة  ) , إنني أزعم أن هذا الانتقال مثل انتقالا ضروريا من أصولية السوق ( الرأسمالية في الدول الرأسمالية و “الاشتراكية” أو رأسمالية الدولة في الدول الستالينية ) إلى فاشية السوق , لقد أعلنت القوى السائدة , البرجوازيات من كل الأشكال عن ديكتاتوريتها السافرة ضد أغلب مكونات البشرية و بضمنها معظم مواطني مجتمعاتنا المسكينة , جرى تهميش حتى أتفه أشكال المشاركة السياسية للجماهير و نقلت الصلاحيات المطلقة إلى مؤسسات غير منتخبة و بعيدة تماما عن تأثير الطبقات الأفقر و خاضعة تماما للنخب المالية و الأكاديمية النيوليبرالية مثل البنوك المركزية و صناديق النقد الدولية و حتى تلك المؤسسات الداخلة في النظام السائد التي كانت تمد يد العون للجماهير جرى تدميرها و تحطيمها , يجب ألا ننسى أن عهد تاتشر و ريغان بدأ بمعركة كسر عظم مع النقابات , و أن كل الجسم السياسي الرسمي قد ربط برأس المال الكبير عن طريق تزايد أهمية “التبرعات” في الحملات الانتخابية و اللوبيات التابعة لرأس المال الكبير و الرشاوى العلنية , في الدول الستالينية بما في ذلك في بلادنا كانت القضية أسهل بكثير , فكالعادة كل شيء جرى من الأعلى دون أن يكون للناس أي علاقة بما يصيبهم , و أراهن أنه لا يوجد اليوم من هو أكثر ليبرالية من الدردري و سيده على هذه الأرض , لسبب بسيط جدا هو أن النيوليبرالية و بشكل قريب جدا الليبرالية التقليدية تعتبر النقطة المركزية في قضية الحرية هي “حرية” رأس المال في العمل دون ضوابط و أية حرية أخرى يجب أن تشتق من هذه “الحرية” , و هذه بالمناسبة لم تكن الحالة الأولى التي يتناغم فيها الرأسماليون من كل المشارب , ففي الثلاثينيات لجأ ستالين و روزفلت لذات سياسات التخطيط المركزي لغرض تحفيز التراكم الرأسمالي و لذات أساليب الإنتاج الجماعية , التي سميت بالتيلورية في أمريكا و السوفخوزية في روسيا , و لو أن ذلك كان لغرضين مختلفين : حل أزمة الرأسمالية الأمريكية و ترسيخ رأسمالية الدولة الستالينية , و اليوم أيضا فإن أساليب حل الأزمات المتفاقمة هو نفسه في كل العالم الذي تحكمه الرأسمالية الكبيرة باسم النيوليبرالية من اليونان إلى الولايات المتحدة إلى مصر و سوريا , و هو تحميل تبعات الأزمة للجماهير , هنا يصل جشع و إرهاب الرأسمالية إلى مستويات غير مسبوقة , فرأس المال يريد أن يحول حتى الأزمة إلى فرصة للنهب على اعتبار أنه سيكون قادرا على كبح و احتواء و قمع الاحتجاجات الطبقية التي ستنتجها هذه الأزمة , إنه لا يريد فقط إفقار معظم البشر إلى حد الإملاق و العيش على الكفاف , بل يصل نهبه أيضا إلى أنه يريد أن يسرق تعب و عرق الأجيال القادمة عن طريق تحميلها هي الأخرى تبعات هذه الأزمة و أن تصبح مطالبة بسداد ديون هائلة حتى قبل أن تولد , و النيوليبرالية تشكل رأس الحربة في هجوم رأس المال الكبير هذا , و هذا ما يرعبني عندما يدور الحديث عن الليبرالية و حسنا فعل غسان المفلح عندما حدد الديمقراطية التي يتحدث عنها و لم يتورط في اعتبار أن الديمقراطية هي شكل واحد مفروض و قدري لا مناص منه و حدد ديمقراطيته بأنها ليبرالية , لأنني أزعم أن للديمقراطية معاني عديدة و متناقضة , لكني ما زلت أرجو منه تحديدا أكثر , فأنا اعتقد أنه يوافقني أن القضية ليست في التسميات و أنه للمفهوم الواحد معاني عديدة و حتى متناقضة , هناك مثلا ليبرالية يلتسين التي انتهت بضرب الدوما الروسي بالمدافع و هناك أيضا على نفس المنوال ليبرالية عبد الله الدردري و سيده القابع في قصر الشعب , و على ذات المنوال أنا لا اعتقد أن الكاتبين يعنيان بالليبرالية مجرد تغيير الدستور أو القوانين بحيث نستبدل وصف سوريا من دولة خاضعة لحكم البعث إلى أنها دولة ليبرالية و انتهت القصة , يعرف الكاتبان أن القضية في علاقات القوة و السلطة و الملكية و التوزيع القائمة , من يحكم و كيف , و أين هم الناس العاديون من تقرير مصيرهم , و كيف سيأكلون , أي باختصار من سيملك و كيف سيتم توزيع الثروة , لأوضح ما أقول سآتي بمثال ملموس , عن الفرق بين ليبرالية رفيق الحريري و هو يدفع الأتاوة لغازي كنعان و من بعده رستم غزالة و بين ليبرالية سعد الدين الحريري و هو “متحرر” تماما من قبضة مخابرات النظام السوري , لا أطرح السؤال من موقع الحريري الأب و الابن بل من موقع الناس العاديين . كلما مررت بكلمة الحرية أجد نفسي أتذكر جملة ميخائيل باكونين الشهيرة “الحرية دون اشتراكية امتيازات و ظلم و الاشتراكية دون حرية عبودية و وحشية” , أنا مثل الكاتبين لا تهمني التسميات , يهمني أن أعيش , كما هو حال العشرين مليون سوري و الستة مليارات إنسان , بحرية , حقيقية إن سمحتم لنا هذه المرة , دون أن يملك أي كان الحق في سلبنا صوتنا و رأينا و حقنا في رسم حياتنا و دون أن نعمل لنعيش في فقر بينما تحصل قلة ممن لا تعمل على نتاج عملنا كما كان يفعل هؤلاء “اليساريون” , هذا ما أسميه اصطلاحا ديمقراطية الجماهير , لأنه عندما نعيش بحرية و عدالة لا تهم الأسماء
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى