صفحات الناس

الحسكة أغنى المحافظات السورية أقتصاديا، و لكنها الأشد فقراً

null
بدرالدين عرفات
أصدرت احدى المكاتب الخاصة بدراسة المناطق النائية في سوريا، و التابعة للأمم المتحدة تقريرا منذ فترة وجيزة، عن تفشي الفقر و ابعاده الأنسانية، و كذلك الأوضاع المعاشية في سوريا و خاصة في المناطق الشمالية الشرقية منها، وورد في التقرير أن نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر من الشعب السوري ، يبلغون أكثر من خمسة مليون نسمة أي مايعادل أكثر من ثلاثين في المائة من السكان حيث إن أغلبيتهم حوالي الستون في المائة يعيشون في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية وتحديداً في محافظة الحسكة، حيث بلغت نسبة الذين لا يحصلون على الحاجات الأساسية من الغذاء وغيره على أكثر من مليون شخص، مع العلم أن هذه الدراسات هي محط لا مبالاة من الجهات الرسمية السورية و لا تتجرىء اي من الجهات الحكومية على اجراء مثل تلك الدراسات نظرا لحساسيتها و أهميتها السياسية و ربما انعكست آثارها على عمل السلطة .
فسكان محافظة الحسكة بمختلف قومياتهم الكردية و العربية و الكلدواشورية، هم الأكثر فقراً على مستوى سوريا وهذه النسبة من الفقر ربما لن تتواجد إلا في بعض الدول النامية التي أرهقتها الحروب الأهلية و الكوارث الطبيعية، و ليس صدفة أن تكون أفقر مناطق البلاد هي المناطق التي يتواجد فيها الكرد ، فالوضع الخاص لمحافظة الحسكة لدى الحزب الحاكم والإجراءات الاستثنائية ترهق المواطن وترهبه في هذه المحافظة ،الى درجة كبيرة برغم ان هذه المحافظة هي من أغنى محافظات سوريا أقتصاديا على الأطلاق من حيث الثروات المعدنية و النفط الخام و الغاز المستخرج من باطن الأرض و كذلك المحاصيل الزراعية ، كأنتاج الحبوب و القطن و كذلك البقوليات و منتوجات الثروة الحيوانية و كذلك وفرة مصادر المياه ألا أن سكانها الأصليين يعيشون في مدن الشتات ، وعلى مفارق الطرق و الأرصفة و تحولوا الى خدم في مطاعم و متنزهات الشام ، و من أراد ان يكوي جراحه ترك كل شيء خلفه و ذهب الى مصير مجهول الى حيث اللاعودة.
فلماذا قدر لأبناء هذه المحافظة أن يعيشوا على خط الهاوية ؟؟ و اين تذهب مداخيل تلك الثروات القيمة؟؟ وهل فكر يوما من الأيام النظام القائم بأيجاد معادلة كما هو المتبع في كل دول العالم ألا وهو تخصيص جزءا من ايرادات تلك المنطقة لأبنائها الحقيقين و توزيعها عليهم توزيعا عادلا ؟؟ عندها فقط سيرتفع مداخيل ابناء المحافظة الى مستويات هائلة ، بحيث تمكنهم من العيش الكريم و الحياة الرغيدة ، و تفي الحاجة وقتها عن هذه السلل الغذائية التي تتكرم الدولة بها بين فينة و آخرى بالتصدق على أشخاصا ، محدودين و محسوبين على السلطة و دون ادنى الضوابط المتبعة في كل دول العالم في حالات الكورث الطبيعية، على أعتبار ان محافظة الحسكة أعتبرت من المناطق المنكوبة منذ أكثر من ثلاثة أعوام و ذلك لشحة الأمطار الموسمية و أنتشار المجاعة في شتى انحاء المحافظة الى درجات لم تعد تحمد عواقبه الكارثية.
تبلغ مساحة محافظة الحسكة حسب الأحصائيات الرسمية من قبل مديرية زراعة الحسكة 23400 كم2 والتي تشكل حواالي 13% من مساحة سوريا ، ويبلغ عدد سكان محافظة الحسكة حوالي المليونين و ثلاثمائة الف نسمة ، بعد إضافة الكرد المجردين من الجنسية االيها ، حيث تندرج الحسكة ضمن المحافظات النامية ، وتنقسم ايرادات الحسكة الاقتصادية بين الزراعة، وهي العمود الفقري للمحافظة، وتشتهر بزراعة القمح والقطن و البقوليات كما اسلفنا سابقا و كذلك بشكل كبير الخضار والبقوليات ، ما عدا الفواكه بحيث يمنع زراعتها بموجب آوامر غير معلنة من قبل مديرية زراعة الحسكة بحجة الأمن الأستراتيجي الغذائي ، و المحافظة الدائمة على زراعة القمح كونه من المحاصيل الأستراتيجية ، ولا يخفى على احداً كذلك غنى الحسكة بالثروات النفطية الكبيرة في حقول الرميلان و الجبسة و الثروات المعدنية و خاصة الكبريت الطبيعي.
لقد انخفضت نسبة مساحة الاراضي المروية في الحسكة، خلال الاعوام السابقة و ذلك بسبب ارتفاع أسعار المحروقات الى أسعارخيالية ، نتيجة للحسابات و السياسات الخاطئة للدولة في هذا المجال ، مما كان سببا في غلق آلاف من الآبار الآرتوازية و التي كانت تدر الى ميزانية الدولة المليارات من الليرات السورية ، و في المقابل ترواحت أسعار المحاصيل الزراعية في اماكنها لا بل بقيت بأدنى مستوياتها ، مما شجع التجار على شراء تلك المحاصيل بأسعار زهيدة و شحنها الى دول الجوار السوري ، و بيعها هناك بأسعار خيالية لقد بلغ مجمل المساحة المزروعة بالحسكة حوالي ثلاثون في المائة من اجمالي المساحة المزروعة في سوريا ، و تساهم محافظة الحسكة كذلك بتربية الثروة الحيوانية وإنتاج الصوف والالبان وغيرها من المنتجات الحيوانية و حتى الموارد المائية لهذه المحافظة ، تشكل أكثر من خمسون في المائة من الموارد المائية السورية ، رغم الشح الكبير في مياه الأنهر و البحيرات الطبيعية في الأعوام المنصرمة.
هل تعلم عزيزي القارىء، بأن أنتاج شركة رميلان وحده من النفط يبلغ 23500 م3 يومياً أي ما مقداره 150000 برميل يوميا ، في أحصائية غير رسمية من الشركة السورية للنفط لأنها تعتبر الأحصائيات من الأسرار الأستراتيجية للنفط ، وكمية الغاز المنتج في معمل الغاز في السويدية يبلغ يوميا 24000م3 و حوالي 30 ألف برميل نفط يوميا من مديرية حقول جبسة التي تنتج النفط بشكل رئيسي ، والذي ينتج منه بعد التكرير البنزين والكيروسين والغاز المنزلي و هذه الثروة القيمة لا يستفاد منها أهالي محافظة الحسكة ، حتى على مستوى العمالة فمعظمهم يأتون من المحافظات الداخلية و كذلك مصافي البترول، موجودة في المحافظات الآخرى والساحل السوري ويعاني سكان محافظة الحسكة جراء هذا العمل الأنتاجي و على مدار الساعة ، من التلوث الحاصل في البيئة المحيطة بحقول النفط والغاز دون أن تكلف الحكومة نفسها بتخصيص ميزانية ، و لو بسيطة لتنظيفها ، أو حماية المواطنين من الأمراض الفتاكة، وذلك عن طريق توزيع وجبات أجبارية و خاصة على سكان المناطق المجاورة لأستخراج النفط ، كأجراء وقائي حسب توصيات منظمة الصحة العالمية لليونسكو، و ذلك لكي تقي مواطنيها من الأمراض الخطيرة مثل السرطانات و أمراض الرئة و القلب و التي وصل اعداد المتوفين بها في السنوات الأخيرة الى أرقاما مرعبة و ذلك بحسب معظم الدراسات الحديثة و الغير معلنة.
مع كل هذا الغنى الأقتصادي ، و على كل الصعد يبقى محافظة الحسكة ، نتيجة السياسات الأستثنائية ، المتبعة من قبل الدولة من أشد المناطق في سوريا فقرا رغم غناها الأقتصادي الكبير، و يخجل المرء على ذكر مداخيل أبنائها مقارنة مع أفقر دولة أفريقية في العالم ، على الرغم من أن محافظة الحسكة عائمة على بحار من البترول و الغاز الغير مستخرج و كذلك أستخراج الكبريت الطبيعي ، حديثا من آراضي المحافظة و غنى المحافظة بزراعة الحبوب و البقوليات و القطن مع موراد مائية تعتبر الأعلى قياسا الى الثروة المائية في سوريا، و كذلك غنى المحافظة من الثروة الحيوانية و منتوجاتها ، رغم نفوق اعداد هائلة في السنوات الماضية بسب أهمال الدولة في هذا المجال و قلة الأعلاف ، و اخيرا و ليس آخرا و ايضا من أحصائية غير رسمية لوزارة النفط السورية ، و ذلك نتيجة للتكتم الشديد على الأرقام المعلنة ، بحيث تم تقدير عائدات النفط من محافظة الحسكة بأكثر من خمسة مليار دولار سنويا و هذا مبلغ ضخم جدا و يضاهي ميزانية دول عديدة من العالم فأين تذهب تلك الميزانية ؟؟ و لمن تصرف؟؟ اذا كان سكان الحسكة نفسها يعانون الأمرين بسبب الفقر و الجوع و التشرد في مددن الشتات بحثا عن لقمة العيش لهم و لأولادهم ، فتصور يا رعاك الله لو فكرت الدولة يوما ما ان توزع جزءا يسيرا من هذه الميزانية على أبناء المحافظة على أعتبار أن هذه الثروات ملك للشعب السوري بشكل عام و لأهالي الحسكة بشكل خاص هذا ما عدا الثروات الآخرى ، بدلا من أن تتكرم الدولة بما يسمى بالسلل الغذائية ، فهل سيبقى فقير واحدا في محافظة الحسكة ؟؟ سؤال يترك جوابه ربما الى بعد حين فالجميع يعلم ما هو سبب الوجع ……… و بأنتظار الدواء والى متى ستحتمل هذه المحافظة و أي المشاكل الجديدة ستظهر بعد أن تلوث الهواء و الماء و الزرع و التراب و أزداد الفقر الى مستويات مخيفة في بقعة من أغنى مناطق البلاد بالذهب الأبيض و الأسود و الأصفر ولكن مواطنيها الأشد فقراً!!!

http://www.efrin.net/cms/erebi/index.php?option=com_content&task=view&id=6744&Itemid=29

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى