سلامة كيلةصفحات مختارة

الحركة المناهضة للعولمة: ماذا بعد الأزمة المالية العالمية؟

سلامة كيلة *
لم تتوقّف الحركة المناهضة للرأسمالية منذ أن نشأت الرأسمالية. وكانت الحركة الشيوعية العالمية والأحزاب الماركسية الأخرى، هي الحامل للنضال ضد الإمبريالية منذ البدء. كما لعبت حركات التحرُّر القومي هذا الدور خلال مرحلة الحرب الباردة.
لكن أزمة الأحزاب الشيوعية والاشتراكية في المراكز الرأسمالية في المرحلة التالية للحرب العالمية الثانية، وخصوصاً بعد فشل «الثورة الطلابية» التي حدثت نهاية ستينيات القرن العشرين، وبالتالي الوصول إلى قناعة بأن السلطة تلوّث السياسيين، أفضت إلى ميل اليسار الذي شعر بالهزيمة وبعجز الأحزاب وتلوّثها، إلى «التراجع عن الأيديولوجيات الكبرى والأهداف الكليّة الراديكالية، ليحلّ محلّها تحقيق انتصارات ملموسة في معارك جزئية محدَّدة». وستحفر هذه الفكرة عميقاً في كل النشاط اللاحق، بما في ذلك حركة مناهضة العولمة، وهي الفكرة التي أسّست للتوتّرات بين السياسي والمجتمعي، وأفضت إلى القول بلا ضرورة السياسي، وبخطره كذلك، دون تحليل لمشكلة السياسي، وأسباب فشله، ودور التكوين المجتمعي في هذا الفشل، وفي تهميش السياسي.
ولقد كان الهدف الملموس آنئذ هو مشكلات البيئة، ومشكلات التصحُّر والغازات المنبعثة من الصناعات الكبرى. لهذا نشأت حركات البيئة، وتحوّلت إلى أحزاب في عدد من البلدان الأوروبية، سرعان ما دخلت المعترك السياسي وأصبحت جزءاً من النظام السياسي عبر المشاركة في الحكومات التي ألّفتها الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية (وخصوصاً في فرنسا وألمانيا). ورغم ذلك توسّع الميل للتركيز على «المحدَّد» و«الملموس» بعيداً عن الأيديولوجيا. وتطوّرت النظرة إلى ضرورة تأسيس حركات اجتماعية تمارس هذا الدور القائم على التركيز على قضيّة محدَّدة، وخصوصاً بعد تفاقم أزمة أحزاب اليسار وتكيُّف هذا اليسار مع السلطة الرأسمالية. كما تزايدت أهميّة النقابات والاتحادات الفلاحيّة، وكل الهيئات التي تدافع عن قضايا محدَّدة لفئة أو لطبقة اجتماعية، أو في ما يخصّ الفئات المهمّشة.
هذا التناقض بين السياسي والاجتماعي، والذي كان نتاج وضع أوروبا، بدا أنه يتعمّم ويُطرح كإشكال عالمي. وسنلمس أنه اخترق الحركة المناهضة للعولمة من خلال التركيز على رفض مشاركة الحركات السياسية. ووُضع كمثال في العديد من مناطق الجنوب. لهذا يجب ملاحظته ونحن نبحث في وضع الحركة المناهضة للعولمة. كما يجب أن نلمس طابعه الإشكالي لأنه يشير إلى مرحلة عاد الصراع «الطبقي» فيها إلى شكله «المطلبي» و«النقابي»، محلياً وعلى الصعيد العالمي. وتجاوز أهمية السياسي وضرورته، ومنطلقاً من فشل نمط من الأحزاب لتأكيد رفض السياسة ذاتها، أو على الأقل لتجاهل أهميتها والإقلاع عن ضرورتها لمصلحة نضال ينطلق من المطلبي، دون أيديولوجيا ودون سياسة.
وكان انهيار «دولة الرفاه» والعودة المظفّرة لليبرالية في صيغتها القديمة/ الجديدة (التي باتت تُسمّى الليبرالية الجديدة)، وبالتالي القضم المتتالي لمكتسبات العمال وكل الطبقات الشعبية، وتفاقم النهب الإمبريالي لعدد من مناطق العالم في أميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا خصوصاً، كان يؤسّس لبداية حراك اجتماعي مضاد لليبرالية الجديدة، محلّي أو في إطار عالمي. لكنه كان محدوداً ومشتتاً، حيث كانت الحرب الباردة تحدُّ من فاعليته، ولم تكن الليبرالية الجديدة قد انتصرت «نهائياً» بعد.
قامت الحركة على الفصل بين المجتمعي والسياسي، وشدّدت على رفض مشاركة الأحزاب السياسية مؤكِّدة على طابعها الاجتماعي

وبالتالي فرض انهيار المنظومة الاشتراكية، وبدء تأسيس «النظام العالمي الجديد»، القائم على تعميم الليبرالية في كل أرجاء العالم، والتأكيد على أحقيّتها لأنها خرجت منتصرة في الصراع الضاري الذي حكم القرن العشرين، فرض أن تتفعّل حركة مناهضة لهذا «النظام العالمي الجديد»، بدأت تتوسّع بدءاً من أوروبا وأميركا اللاتينية، إلى آسيا وأفريقيا. وبدأت منذ سنة 1999 تتبلور في حركة عالمية منظمة، هي المنتدى الاجتماعي العالمي الذي تأسّس في يناير سنة 2001 في بورتو اليغري، وكان ردّاً على المنتدى الاقتصادي العالمي الذي ينعقد منذ سنة 1971 في دافوس في سويسرا، والذي يمثّل مصالح الطغم المالية والشركات الاحتكارية. ولقد أصبح المنتدى الاجتماعي العالمي هو البوتقة التي تجمع كل النشاط العالمي المناهض للعولمة. ومن ثَمّ تشعّب إلى منتديات قارّية في أوروبا وآسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وأخرى إقليمية في المتوسط والوطن العربي. كما نشأت حركة عالمية مناهضة للحرب الأميركية في السياق ذاته.
ويمكن أن نشير هنا إلى طبيعة تكوين الحركة، والسمات العامة التي وسمتها، من أجل تحديد المشكلات التي تعانيها، وبالتالي الآفاق التي يمكن أن تنفتح أمامها.
1) قامت الحركة كما أشرنا على الفصل بين المجتمعي والسياسي، وشدّدت على رفض مشاركة الأحزاب السياسية (ميثاق مبادئ المنتدى الاجتماعي العالمي)، مؤكِّدة على طابعها الاجتماعي. ولقد ضمّت النقابات العمالية والاتحادات الفلاحيّة، وجمعيات المجتمع المدني، ومراكز الدراسات، والحركات النسائية، وكل الهيئات التي تنشط في إطار مجتمعي (ما دون سياسي)، ومناهضة للعولمة الرأسمالية المتوحّشة. وبالتالي جاءت استمراراً للموجة التي بدأت في أوروبا والتي تحلّلت من الأحزاب السياسية ومن النشاط السياسي في الغالب، لمصلحة النشاط في إطار مطالب محدَّدة. وكان هذا النشاط هو الذي يعطيها طابعها الاجتماعي، حيث يجري العمل لتحقيق هدف واحد (مثل البيئة، قضية المرأة، وضع الفلاحين، والعمل والضمانات العمالية….). وكانت مناهضة الليبرالية الجديدة تتأسّس على مدى انعكاسها على هذه القضية المحدّدة، وهو ما كان يؤسِّس لنشوء النشاط العالمي، ويفرض تنسيق العمل في مواجهتها.
لكن هذه المسألة أوجدت حالة من التوتّر داخل المنتدى والحركة ككل، لأن الكثير من المطالب تصطدم بما هو سياسي، وخصوصاً حينما طُرحت الأهداف العامة للحركات الاجتماعية المتعلِّقة بمواجهة الليبرالية الجديدة والحرب. فهل يمكن مواجهة الليبرالية الجديدة والحرب دون مواجهة الرأسمالية ذاتها؟ وخصوصاً أن هجمة الليبرالية الجديدة أكبر من أن تُواجه في إطار مطالب محدَّدة. لهذا أوجد توحيد البرنامج الذي فرضه توحيد النضالات «برنامجاً» يقارب السياسي. لكن ظلّ التوتّر قائماً بين التركيز على المطالب في إطار العولمة القائمة، كما في إطار النمط الرأسمالي (أي في الدول الرأسمالية)، وبين التفكير في ضرورة تجاوز العولمة والرأسمالية. وكان وجود قطاعات من اليسار داخل الحركة (عبر الهيئات المجتمعية لا من خلال الأحزاب) يغذّي هذا التوتّر، الذي كانت تكبحه هيمنة الحركات الاجتماعية، التي تعمل أصلاً في إطار مطالب محدَّدة ولا تطرح على ذاتها تغيير النمط الرأسمالي.
2) وبالتالي فقد قامت الحركة على تغيير آليات الرأسمالية لا على تجاوزها. وإذا كانت مواجهة الليبرالية الجديدة والحرب توحِّد كل الحركة، فإن نشاط المنخرطين فيها ينطلق من النضال لتحقيق قضايا محدَّدة، مثل إلغاء ديون العالم الثالث، وفرض ضريبة التوبن على حركة رأس المال المالي (المضارب)، وتعديل العلاقات التجارية بما يجعلها أكثر عدلاً، ومساواة المرأة في العمل وفي النشاط السياسي، ومواجهة الأخطار التي تحيق بالبيئة، وضد التمييز، وأيضاً آثار العولمة على الفلاحين في دول الجنوب وبعض دول الشمال، وآثارها على الطبقة العاملة في دول الشمال خصوصاً، والحركة المناهضة للحرب الهادفة إلى الضغط من أجل منع الحروب. أضف الى ذلك قائمة طويلة تنطلق من الضغط على الرأسمالية بهدف تحقيقها، وليس هزيمة الرأسمالية وتأسيس نمط بديل.
بمعنى أن الحركة لم تطرح على ذاتها هزيمة الرأسمالية، بل سعت للقيام بالحملات التي تهدف إلى تحقيق المطالب المحدَّدة، واحدة واحدة، مثل رفض قوانين منظمة التجارة العالمية، وفرض قوانين مختلفة لعلاقات تجارية عادلة ومتكافئة. ومثل رفض نشاط رأس المال المضارب الذي يقود إلى انهيارات اقتصادية في دول الجنوب، ووضع ضريبة على نشاطه تُسدَّد بها ديون تلك الدول وتسهم في تحقيق التنمية فيها. ومثل حماية الزراعة من اندياح العولمة وتعميم الليبرالية الجديدة، وتدمير البيئة نتيجة ميل الرأسمالية إلى الربح دون الاهتمام بالأرض.
الحركة لم تطرح على ذاتها هزيمة الرأسمالية، بل سعت للقيام بالحملات التي تهدف إلى تحقيق مطالب محدَّدة

هذا المنطق التراكمي الذي يهدف إلى تغيير الآليات ولا يهدف إلى تغيير النمط المؤسِّس لها هو الذي يحكم الحركة، ويدفع إلى التركيز على طابعها الاجتماعي، لأن السياسي هو الذي يفرض البحث في تأسيس نمط بديل، وهذا ما زال خارج اهتمام الحركة ككل، ولقد تأكد ذلك في آخر لقاء للمنتدى الاجتماعي العالمي في البرازيل رغم أن الصراعات حول العلاقة بين السياسي والاجتماعي وصلت إلى حالة تفجر أضعفت المنتدى حيث ابتعدت قوى عديدة باتت معنية بالنضال السياسي أكثر من مراهنتها على هذا النمط من النشاط.
3) لهذا كانت الحركة ضد العولمة المتوحِّشة دون أن تُحدِّد البديل، سوى شعار «عالم آخر ممكن»، الذي وإنْ كان يوحي بتجاوز الرأسمالية، فإنه في الواقع يقوم على مبادئ رافضة ومنطق «إصلاحيّ». أي إنه يهدف إلى إصلاح النمط الرأسمالي (رغم أن هذا الإصلاح يمكن أن يقود إلى تجاوزه). لهذا يبدو أن بعض المشاركين يسعى لإزالة الطابع الوحشي للعولمة ورفض الليبرالية الجديدة دون رفض الرأسمالية كنمط. وبعضها الآخر يميل إلى تجاوز الرأسمالية، لكن في إطار نشاط مجتمعي دون سياسي، وهذا ما يقوده إلى مأزق، ويفرض عليه دفع الحركة إلى ما هو سياسي، رغم أن مكوِّناتها تنبني على قوى تنشط لتحقيق هدف محدَّد (مطلبي)، كونها تُدرج في إطار المهمات الاجتماعية. وبديل الرأسمالية يصوغه السياسي بالأساس، وتمارسه الأحزاب السياسية، دون أن نتجاهل دور الحركة المجتمعية التي تدعم ذلك.
فالمنتدى الاجتماعي العالمي الذي يضمّ أشتات الحركة هو «لحظة كونية»، يجتمع سنوياً «من أجل اقتراح أفكار، والتشاور ديموقراطياً، وصياغة بدائل، ومشاركة الخبرات»، و«ليس مهمته تنظيم حملات أو تقرير أفعال معيّنة، ولا إصدار إعلانات أو وثائق، فالمنتدى مكان للقاء والحوار حول الأفكار والمقترحات». وهنا يبرز طابعه الفكري أو الحواري من أجل بلورة البدائل. وهو هنا يضمّ الحركات الاجتماعية وهيئات المجتمع المدني ومراكز الدراسات.
لكن الحركات الاجتماعية المشاركة في المنتدى دون غيرها من الهيئات المشاركة هي التي تُصدر بياناً ختاميّاً، وتتوافق على تنظيم الحملات وتركيز النشاط. وهي حركات نشأت محلياً، ولها نشاطها في إطار بلدانها، من أجل أهداف اجتماعية محدَّدة، ولا تسعى لأن تصل إلى السلطة بل تهدف إلى تركيز الحملات من أجل مطالب معيّنة (مثل «فلاحون بلا أرض» في البرازيل، وحركات الفلاحين في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، وحركات العاطلين من العمل، والنقابات العمالية….). وهي في الإطار العالمي تتضامن من أجل مطالب محدَّدة كذلك، في مواجهة الليبرالية الجديدة، والدول والهيئات التي تسعى إلى فرضها. كما في مواجهة الحرب وبناء الحملات من أجل منعها. أو النشاط العالمي في مواجهة قضايا باتت عالمية، مثل البيئة ونشاط رأس المال المضارب وديون الجنوب وآثار الليبرالية الجديدة.
بمعنى أن النشاط العملي يتمركز في الحركات الاجتماعية من أجل تحقيق أهداف معيّنة. لكن المنتدى يلعب دوراً في بلورة البدائل لقضايا «كبرى»، مثل التجارة الدولية، الشركات العابرة للقومية، تدفقات رأس المال المالي، ديون الجنوب، والفقر والبطالة، والعمل، والاقتصاد التعاضدي، والتنمية المستدامة، والسكان الأصليين، وسكان الريف والحضر، والصحة … ألخ. ولقد تناولت المناقشة في المنتدى الاجتماعي العالمي الأوّل سنة 2001 مسألة مواجهة العولمة النيوليبرالية.
وفي هذا الوضع ما زالت الحركة تتمترس حول الاجتماعي، وبالتالي من أجل التغيير الجزئي لكن المطّرد لآليات الليبرالية الجديدة وآثارها، دون أن يكون هدف تجاوز الرأسمالية مطروحاً على بساط البحث أو الممارسة، الذي هو وحده سياسي بامتياز.
لهذا يمكن الإشارة إلى عدد من المسائل التي تفتح الأفق لوضوح النشاط العالمي، والحركة الاجتماعية المناهضة للعولمة الليبرالية، أولاها: تتعلّق بطبيعة العلاقة التي تربط العولمة بالرأسمالية، هل العولمة الراهنة هي منتوج الرأسمالية في المرحلة التالية لانهيار المنظومة الاشتراكية؟ أم أنها نتاج التطوّر الموضوعي لـ«قوى الإنتاج»، وخصوصاً للثورة العلمية التكنولوجية؟ وأشير هنا إلى أن العولمة هي الآليات الرأسمالية لإعادة إنتاج النمط الرأسمالي، على ضوء انهيار المنظومة الاشتراكية، وثقل الرأسمال المالي (المضارب) في إطار كتلة الرأسمال، وأزمة الرأسمالية، وخصوصاً أزمة الاقتصاد الأميركي، ومن ثَمّ الثورة العلمية التكنولوجية (الإنترنت، الفضائيات….)، التي وُظّفت في سياق إعادة الإنتاج تلك. حيث يسعى الرأسمال المالي إلى فرض صيغة للعالم تسمح له بالنشاط الحرّ دون حدود أو ضوابط. كما أن الاستثمار في الإنترنت يفترض السوق العالمي. وأزمة الاقتصاد الأميركي تفترض صيغة للسيطرة تسمح باحتكار الشركات الإمبريالية الأميركية للأسواق في البلدان الاشتراكية السابقة كما في الجنوب، وفي العالم عموماً. وكذلك فإن الرأسمال يسعى لفتح الحدود لتسهيل نشاطه الاستثماري.
ثانياً: هل الحركة ضد العولمة الليبرالية المتوحّشة، أم أنها ضد النمط الرأسمالي ككل؟ ولا شكّ في أن التحديد هنا مهمّ وضروريّ، لكن ذلك يفرض البحث السياسي ضرورة، وخصوصاً في ما إذا كانت المسألة لم تعُد هي مسألة الشكل الليبرالي المتوحّش للعولمة، وغدا هذا الشكل يُعتبر من مظاهر النمط الرأسمالي ذاته.
وثالثاً: هل المطلوب هو تعديل الآليات التي تفرضها العولمة الليبرالية المتوحّشة، أم نفي العولمة ككل وتكوين بديل مجتمعي؟ هنا تُطرح العلاقة بين السياسي والمجتمعي، أو بين النشاط المحدَّد والمركَّز في نقاط، وبين التغيير الشامل للنمط الرأسمالي. وبالتالي هل المطلوب هو نشاط الحركات الاجتماعية من أجل تعديل آليات العولمة الليبرالية المتوحّشة، أم نشاطها المترافق مع نشاط الأحزاب من أجل تغيير النمط الرأسمالي؟
هذه مسائل مطروحة في كل النقاشات التي تجري في إطار المنتديات الاجتماعية، لكن الحدود العامة الراهنة تتعلّق في الاحتجاج على آثار العولمة الليبرالية الجديدة، والسعي لمواجهة هذه الآثار، وتقديم حلول على ضوء النقاشات التي تجري في إطار المنتديات، وتركيز الحملات من أجل الضغط لتحقيق هذه الحلول. والاقتناع بأن النشاط لتحقيق أهداف محدَّدة يمكن أن يقود إلى تحقيقها دون التفكير بتغيير العالم الرأسمالي.
لكن الحوار الذي انطلق منذ تأسيس المنتدى الاجتماعي العالمي يمكنه أن يفتح الأفق لبحث الوضع العالمي بعمق، وبالتالي التوصّل إلى استنتاجات تفضي إلى ربط مواجهة آثار العولمة الليبرالية المتوحّشة بتغيير النمط الرأسمالي، وكذلك ربط نشاط الحركات الاجتماعية بنشاط الأحزاب التي يمكن أن يكون الحوار في أوساط المنتدى، كما الحوار العام حول الرأسمالية والبدائل، مفيداً في إعادة تأليفها.
وإذا كان للحركات الاجتماعية استراتيجيّتها الوطنية، وعملت في إطار المنتدى الاجتماعي العالمي للتنسيق في النشاط المشترك، فإن ضرورة السياسي تفرض تنسيق الجهود العالمية، لكن مع وضع استراتيجيّات وطنية للتغيير، لأن تغيير النمط الرأسمالي العالمي يفترض التغيير عبر الدول الوطنية، في إطار رؤية عالمية عامة مضادة للرأسمالية، وهادفة إلى تأسيس نمط بديل.
لا شك في أن تفجّر الأزمة المالية العالمية منذ أيلول 2008 أظهر ضعف الحركة الاجتماعية العالمية، وعجزها عن تطوير نشاطها العالمي. فالعالم بات يغرق في أزمات مجتمعية بدأت في التوسع على ضوء الأزمة المالية والآثار التي خلّفتها على العمال والفلاحين في كل العالم، والتي تنذر بتصاعد الصراعات الطبقية في مرحلة جديدة عاصفة. وهو الوضع الذي يفرض إعادة صياغة الاستراتيجيات التي تسمح بتطوير الصراع ضد الرأسمالية كنمط وليس ضد سياساتها الليبرالية المتوحشة، وضد حروبها الإمبريالية فقط.
* كاتب عربي
الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى