صفحات سوريةمازن كم الماز

الحرية ليست شأنا خاصا بالمستبدين أو الطغاة و لا بالنخب أو جيوش القتل و السلب و النهب

null
مازن كم الماز
أصابت إعلام النظام السوري بهجة غير اعتيادية بعد فترة طويلة من الرتابة و التفاهة , كانت الأحاديث عن “الممانعة في غياب أي عمل ممانع للنظام قد أصبحت تافهة و حتى وقحة , و كان على هذا الإعلام التعامل دفاعا عن النظام مع كم هائل من الوقائع و الحقائق الكئيبة عن “المصاعب الاقتصادية” التي يعانيها السوريون من “ذوي الدخل المحدود” و التي لم تنفع تصريحات الدردري الهزلية في التخفيف من كآبتها , لقد أعاد خطاب أردوغان لهذا الإعلام الحماسة ليؤكد من جديد أن قضية التحرير , أي تحرير ليست إلا قضية تخص الأنظمة القائمة و لن تحل إلا عن طريقها . كان هناك الكثير من الأشياء المغرية بالكلام في خطابات أردوغان بالنسبة لقضية محاولة تجديد شرعية الأنظمة و محاولة تجديد ثقة الشارع المنهوب و المقموع بها , عمل إعلام النظام السوري على محاولة إعادة اكتشاف عبد الحميد الثاني في أردوغان و إحياء ما كان يمثله من مزج بين الممانعة اللفظية و نظام الجورنالجية ( المخابرات كما كانت تسمى يومها ). يمكن قراءة ما جرى على سفينة مرمرة بعدة أشكال في الحقيقة , على أنه كان محاولة من حكومة تركيا للعب دور سياسي أنشط في المنطقة بما في ذلك إلى جانب أهل غزة و في مواجهة سياسات الحصار و الإغلاق و التجويع الإسرائيلية , أو أنها جاءت نتيجة رغبة الشعب التركي في تجاوز الواقع السياسي البائس للأنظمة القائمة في الشرق تجاه معاناة أهل غزة و صمت هذه الأنظمة أو عجزها أو مساهمتها في تجويع أهل غزة , في الحقيقة ينطوي الحدث على شيء من الاثنين لكن رغبة الحكومة التركية في لعب دور أنشط في سياسة الشرق الأوسط لا يحمل مواقفا و أهدافا أخلاقية مباشرة من حصار غزة نفسها , كما أن الناس الذين ماتوا على سفينة مرمرة ماتوا في سبيل غزة و ليس في سبيل أردوغان أو تعزيز سياسة الحكومة التركية أو نفوذها أو نفوذ أية حكومة أيا تكن . إعلان دمشق على الجهة المقابلة لم يكن موفقا , ففي الوقت الذي تجلى فيه عجز و تواطؤ النظام الرأسمالي العالمي و تهافت ما يسمى بالقانون الدولي الذي كان همه حماية القتلة و تغطية جرائمهم نجد بيان الإعلان يدعو الفلسطينيين و الجماهير العربية الغاضبة و المتضامنين الدوليين للتمسك بهذا القانون و بالطاعة للنظام الرأسمالي العالمي المسمى بالنظام الدولي و انتظار أن يقوم هذا النظام بحل مشاكل جماهيرنا و مجتمعاتنا من غزة إلى أي مكان آخر و ربما إضافة إلى قضية أنظمة النهب و السلب و السجون و القمع الجاثمة على ظهورنا , إن تصوير الحرية على أنها علاقة بين بشر محكومين بالضرورة و بين قوة سلطوية فوقهم تمنحهم الحرية كهبة هو وهم , إن أية فتات ستلقيه هذه القوة السلطوية الفوقية أو تلك للجماهير لن يستحق في أكثر الأحوال حتى عناء الاستجداء الضروري أو المديح التالي على تقديم هذا الفتات , الحقيقة مختلفة تماما , و هي أننا نملك حريتنا بحق الولادة , لكوننا بشر , أننا متساوون في ملكية الثروة لأننا ننتجها جميعا و حريتنا و حقنا في الحياة و في أن نتمتع بنتاج عملنا ليست منحة من أحد و خاصة ممن يستولي على عرق الجماهير و تعبها و يصادر حريتها استبدادا و طغيانا , لا يحتاج الفقراء طوبى من أحد , إن أية طوبى ممن يسرقهم و يقمعهم هي أكثر من مجرد وهم , إنها كذب , قد يكون هناك صراع ( أو شد و جذب ) بين أردوغان و الأسد و نجاد و بين النظام الرأسمالي العالمي و إسرائيل , لكن هذا لا يعني أكثر من أن مجموعتين من قطاع الطرق و سارقي قوت الجماهير يتنافسون على الغنيمة , في الحقيقة كما أنه من الصحيح تماما أن قضية تحرير غزة و مجتمعاتنا ليست مهمة أو مبرر استبداد الأنظمة الاستبدادية فإنها أيضا ليست مهمة أو مبرر استبداد النظام الرأسمالي العالمي , و أن القضية الأساسية لأي نظام هو البقاء أي في النهاية تسخير كل شيء لصالح قضية تهميش المحكومين و ترويج الاستسلام له و محاولته توسيع نفوذه أي إضافة مهمشين جدد كما كان النظام السوري يفعل في لبنان في وقت سابق , و إذا كان هذا ينطبق على حرية مجتمعاتنا فهو أكثر صحة فيما يتعلق بحرية الإنسان في مجتمعاتنا . و لا تعني الحرية بالنتيجة شيئا يخص نظاما ممانع كما يسمي نفسه في نهب الناس و قمع صوتها أو نخبة ما أيا تكن في مصادرة صوت الناس و الوصاية عليهم أو قوة اجتماعية مالية تسمي نفسها رأس المال في تشكيل إمبراطوريتها , إن الحرية ليست مشروعا فوقيا أو نخبويا أو قضية فلسفية , إنها نتاج لفعل يومي مارسته و تمارسه جماهير المقهورين منذ ظهر الطغيان , و تقوم النخبة فيما بعد بفلسفته ليس إلا , إنها عملية تعلم و فعل مقاومة يومية شاقة تقوم من خلالها الجماهير بتعلم كيف تتنظم بحرية و كيف تواجه القهر و القمع و تخلق مؤسساتها الديمقراطية الخاصة , إذا أردنا أن نكون أكثر وضوحا فيجب أن نقول باختصار إن حرية الناس ليست شأنا للأنظمة الاستبدادية و لا من شأن النظام الرأسمالي العالمي و لا شأنا نخبويا و لا مجرد قضية تهم كل إنسان في مجتمعاتنا , إنها بالتحديد شأن كل إنسان في مجتمعاتنا . ليس استسلام الناس لأنظمة كنظام أردوغان و الأسد و نجاد و لا مبارك و محمود عباس و لا حلم النخب بديمقراطية تمشي جنبا إلى جنب مع دبابات و سفن جيوش النهب التنويري الرأسمالي هي من ستأتي بالحرية لإنساننا المضطهد و المقموع و المهمش , للحرية معنى واحد و جوهر واحد و كل شيء سواه هو استبداد و امتيازات و نهب و تضليل , إنها تعني فقط حرية الناس العاديين

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى