اسرائيلالدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

إيـران أولاً..!؟

سليمان تقي الدين
وزير خارجية إسرائيل أفيغدور ليبرمان يعلن: «إيران أولاً..». لا حل للمسألة الفلسطينية قبل إنهاء مسألة الملف النووي الإيراني!
زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» الذي تقدم في السلطة، لأنه أطلق أكثر الشعارات تطرفاً لا يتورع عن إهانة الرئيس المصري والتهديد بتدمير السد العالي. يرفض علناً مقررات أنابوليس ومبادرة السلام العربية، لأنها تتضمن حق العودة وهو يفتش عن صيغة خارج فكرة الدولتين. طبعاً ليبرمان ليس وحده في الميدان الإسرائيلي. لكن التمايزات بين القادة الإسرائيليين باتت واهية إلى حد أنها لا تذكر.
هو حليف رئيس الحكومة نتنياهو الذي نافس تسيبي ليفني على إراقة الدم الفلسطيني في غزة. رئيس الدولة شمعون بيريز هو الآخر يصوّب على «الخطر الإيراني» و»التحدي المشترك» الذي يمثله لإسرائيل والعرب. لكن السؤال يبقى على مصدر رهان الدولة العبرية لكي تستعيد دورها الإقليمي؟ لعل الجواب يكمن في الضعف والفشل الأميركي في إدارة ملفات المنطقة والعجز العربي المتزايد والقلق المفهوم، لكن غير المبرّر من دور إيران.
في واقع الأمر فإن تأكيد الرئيس الأميركي أوباما ووزيرة خارجيته كلينتون على الرغبة في التعاون مع إيران لمعالجة المشكلات، خاصة في أفغانستان وباكستان والعراق، يشكل تغييراً فعلياً في السياسة الأميركية له تداعياته على إسرائيل وعلى الوضع العربي برمّته والشرق الأوسط.
هناك منافسة حقيقية بين تصوّر إسرائيل ومصلحتها في استئناف نشر الفوضى في المنطقة وتفكيك دولها على أسس إثنية عرقية ودينية وبين التصوّر، والمصلحة الأميركية الآن في وقف الانهيار الشامل في باكستان، برغم أن أميركا لم تكن بعيدة في عهد الرئيس بوش عن محاولة إيجاد دويلات على أسس إثنية عرقية ودينية وقبلية في أفغانستان والعراق. لقد أصدرت بعض مراكز الأبحاث خرائط جديدة من بينها تكوين دولة للبشتون في أفغانستان وباكستان وفصل المجموعات الأخرى. لكن العجز الأميركي عن لمّ شتات المنطقة يجعلها تتوجه إلى إيران وسوريا كدول محورية في وسط آسيا والمشرق العربي. هنا يأتي «العرض الإسرائيلي» أو الطموح للعب دور مكمّل ينجز تلك المهمة التي انشغلت عنها أميركا بسبب أزمتها الاقتصادية واستنزافها الأمني والسياسي. فإذا كانت مصلحة إسرائيل واضحة في عدم نشوء نظام إقليمي يتشكّل من دول قوية كإيران وتركيا وباكستان أو مصر أو سوريا، فإن المصلحة العربية تتناقض مع ذلك فعلاً.
من المفهوم أن يقلق النظام الرسمي العربي من قوة إيران والتعاون الأميركي معها، لأن ذلك يضعف شرعية تلك الدول ودورها، إلا أن الخيار الإسرائيلي لن يتوقف عن الضغط من أجل المشاركة مع الغرب في السيطرة على المنطقة من وسط آسيا حتى القرن الأفريقي. قد لا يصغي النظام الرسمي العربي للمفاضلة بين الأخطار المختلفة، لكن من غير المعقول إسقاط هذا التحدي الإسرائيلي.
يبدو العرب وكأنهم يساعدون على تغذية التناقضات الإسلامية ويُسهمون في نشر الفوضى في المنطقة. على أي حال لا يحتاج العرب إلى مؤثرات خارجية جديدة على مشكلاتهم. فالنظام الرسمي العربي مخترق مادياً بالنفوذ الأميركي والتدخل الإسرائيلي وهو في حال من الانشقاق عن شعوبه جراء سياسات الهيمنة هذه وفقدان التنمية والمشاركة.
لقد اعترف الرئيس المصري بأن ما يجري في القرن الأفريقي يهدد «الأمن القومي المصري». لكن الخطر الحقيقي الذي يهبّ على تلك المنطقة هو مشروع وضع اليد الأميركية الإسرائيلية على القارة السمراء وإقصاء كل أشكال الممانعة لذلك. فإذا كانت إيران حاضرة هناك بصورة أو بأخرى لدعم حكومة السودان أو العبور من خلالها ومن خلال مصر إلى دعم غزة، فإن هذا الحضور يتموضع في الفراغ الذي يتركه العرب في معالجة قضاياهم. طبعاً لا أحد ينكر دور مصر التاريخي وتضحياتها في سبيل القضايا العربية عامة وفلسطين خاصة، لكن مصر انكفأت عن دورها القومي وما يتطلع إليه فيها العرب أو طموح شعبها الذي يعبّر عن نفسه، برغم الضغوط والمحظورات ومحاولة إشغاله بقضايا لا جدية لها كالمنافسة السنية الشيعية. لقد تنحّى الحكم المصري عن دور مبادر منذ احتلال العراق، وعدم المساهمة في احتواء الأزمة اللبنانية والعلاقات اللبنانية السورية التي توترت بسبب القرار الدولي 1559 والذي انتقدته مصر بداية، ثم هي لم تسهم في لجم العدوان الإسرائيلي على لبنان في حرب تموز وعلى غزة بدواعي لوم المغامرين والساعين إلى نشر عدم الاستقرار. ولعل هذا التصور المصري ينقض الوقائع المتمثلة في الاحتلال الأميركي ودوره والاحتلال الإسرائيلي ودوره.
ولم يعد الموقف المصري ومعه معسكر ما يُسمى «دول الاعتدال» مجرد اختلاف في أشكال المواجهة وقواها ووسائلها، بل هو اختلاف على الإقرار بشرعية المواجهة والمقاومة أمام هذا العبث الأميركي الإسرائيلي في استقرار المنطقة. لقد انكفأت مصر منذ سنوات عن المشاركة الفاعلة في العمل العربي المشترك وكأنها منسحبة من مهمة تجديد التضامن العربي. إلا أن الأخطر أن تتركز جهود مصر اليوم في حملات سياسية وأمنية وإعلامية فتأتي أولوياتها متقاطعة مع مصالح إسرائيل ومشروعها في مواجهة «إيران أولاً..»، وربما تركيا غداً وباكستان بعد غد التفافاً على كل الواقع العربي وحقوقه ومصالحه الوطنية والقومية.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى