صفحات سوريةفاضل الخطيب

أسئلة على ضفاف غابات الهوبرة…

null
فاضل الخطيب
يُقال: “في السؤال نصف الجواب” أو نصف الحلّ، والذكاء أن نعرف هذا النصف!
في السؤال ليس فقط نصف حل المشكلة، بل نصف احتمال عدم وقوع مثلها!
قد تبقى الأسئلة عقوداً عديدة دون تغيّر، لكن أجوبتها تتغيّر! والأسئلة التي نحاول الهروب منها وتكنيسها تحت السجادة قد تكبر وتثقب السجادة وربما تقلبها! الأفضل أن نواجهها قبل أن تواجهنا!
……………
تحيتي لقيادة إعلان دمشق الأحرار –من أُطلِق سراحه، ومن أُعيد أسره، وإلى الذين مازالوا تحت الأسر من صبايا سوريا إلى شيخ الحقوقيين وبدون نسيان أيّ معتقل رأي في زنازين الأسد، وبدون نسيان تواطؤ حكومات أوربا وأمريكا! ويحق للمرأة السورية أن ترفع رأسها أكثر وتفخر بالدكتورة فداء الحوراني، كما يفخر فيها رجال بلادي! بِكنّ وبكُم نكبر وتكبر سوريا كما كبرتم بها! تحيتي أحاول التعبير عنها هكذا!..
(ملاحظات ليست جديدة. قد يحاصرنا بعضها أحياناً، ونحاصرها أحياناً أخرى. ربما تبدو منفصلة عن بعضها، وربما تبدو قريبة منّا!). محاولة تفكير خلال هوبرة التزمير. محاولة رسم أسئلة غير رسمية برسم رسوم المعارضة!.
……………
قد يكون من إحدى مهماتنا الأخلاقية أن نبحث عن الأسئلة! أن نكون “علماء” في التنقيب عنها! وعند محاولة الإجابة على قضية معقدة ما، غالباً نجد أمامنا جواباً أو حلاً بسيطاً واضحاً وهناك أيضاً حلّ آخر مشوّه. ولكن بدون البحث عن الأسئلة وصياغتها بشكل صحيح لا نملك فرصة إيجاد أجوبة صحيحة عليها، وبدون أجوبة صحيحة لا نستطيع فهم العالم الذي يحيط بنا. وصياغة الأسئلة وبشكل صحيح لا يعني الضمانة لإيجاد الحلّ الصحيح، لكنني على قناعة أن السؤال الصحيح هو بحد ذاته نصف نجاح أو نصف الحلّ أو نصف تجنب المشكلة!.
يبدو للبعض أن الزمن توقف! وأن النظام السوري الشمولي سيبقى للأبد! هذا الشعور يعرفه جيداً سكان رومانيا تشاوشيسكو ويعرفون أيضاً زمنه “الأبدي”!
إن الحديث عن انحلال عالم النظام السوفييتي لا يعني فقط إثبات آخر لفشل نظام الحزب الواحد والفرد القائد للأبد، بل هو نفسه الحديث عن أنه –ربما لأول مرة في التاريخ يتم القضاء على نظام عالمي (إمبراطورية) ليس بالقوة العسكرية! وبعد الحرب الباردة تطورت القفازات الحريرية والأسلحة الذكية. كما ظهرت أنواع جديدة من الجَزَر!
هناك أحداث يظهر وكأنها تقوم بتكثيف التاريخ واختزال الزمن. هناك عوامل وعناصر مختلفة تسبق مثل تلك الأحداث وتلتقي “أزمنتها” في لحظة واحدة، وتكون نتائجها انطلاق سلسلة من الأحداث والمتغيرات الجديدة. هل يكون إعلان دمشق واعتقال مناضليه واحداً من تلك الأحداث بالنسبة لوطننا سورية؟!
كيف نرى أو يرى أحدنا العالم في -ومن سوريا؟ ومن نكون نحن أو كيف نعرّف أنفسنا كمعارضة، أو مجموعات وأفراد معارضة؟ من يعرفنا؟ ولماذا؟
أشعر بغياب القطيعة أو الانكسار الكامل بين النظام وبين بعض المعارضة، وأعتقد أن القطيعة هي أحدى أساسيات التغيير الجذري! القطيعة مع الوهم بأنه يمكن إصلاح النظام، وأنه يمكن تحقيق خطوات على طريق الإصلاح!
هل يوجد في هذا المقهى، أو ذاك المكان داخل سوريا حيث يلتقي أصدقاؤنا لتبادل الحديث والهمّ العام مع فنجان قهوة، هل يوجد بين عمال المقهى من يحذّرهم قائلاً مثلاً “على الطاولة الأخرى جانب الشباك رجل مخابرات”؟ هل من أحدٍ يحاول إشعارنا –ولو ببسمة مسروقة أنه يحمل لنا -ومعنا التضامن ومع سياستنا؟ ربما في هذا السؤال ما يدعو البعض للابتسام!
كيف هي العلاقة بين مجموعة(ات) التفكير الديني ومجموعة(ات) العلمانيين؟ وإلى أي درجة تأخذ “التقية” مكانها ودورها “التجميلي”؟
تبدو مهمتنا الحالية -وإن كانت بشكل ظاهري، هي أن نجد شقاً صغيراً أو فتحة صغيرة في هذا الجدار السور، وستظهر حقيقة هذه المهمة وشفافيتها لاحقاً!
ما هي درجة وشفافية ومصداقية العلاقة بين المعارضة ذات الأصول العربية والمعارضة ذات الأصول الكردية أو الآشورية؟ وإلى أي درجة يتم التعامل بدون “تقية” وبكل صراحة وعلى أساس مشاعر المواطنة بكل صدق؟
هل اقتنع كل من يؤمن بالتغيير الديمقراطي، أنه لا بديل عن “وحدة” نهج المعارضة الوطنية بين الآشور والكورد والعرب وباقي مقومات المجتمع السوري؟ وأن ذلك لا يدخل في باب التكتيك وضرورة المرحلة؟ وهل يقتنع غالبية مثقفي الأكراد والعرب بذلك؟ وهل من طريق آخر غير الثقة المتبادلة للعمل المشترك؟
التقيت أنا مع أشخاص وقرأت بعض المواضيع التي تحاول تأكيد قتل أكراداً من قبل المسيحيين في الجزيرة السورية في بدايات القرن الماضي أو ما قبله، وقرأت وسمعت بالمثل أيضاً مواضيع تحاول التأكيد على قتل مسيحيين من قبل الأكراد في نفس الفترة! وربما كلا الموقفين يحمل بعض الصحة، والأكثر صحة باعتقادي هو أن الأقليات اضطُهِدت ودُفِعَت لمحاربة بعضها على مبدأ “فرّق تسُد!”، ويُحاول النظام إشعار كل فئة أنها مهددة من الأخرى وهو حاميها! ومن يفهم الإشارة إلى هذه الفكرة بغير ذلك يكون مخطئاً، ولا أجد نفسي بحاجة لإثبات قناعاتي وانحيازي إلى مسيحيي سوريا سكانها الأوائل! وقد أشرت في مواضيع عديدة ومنذ سنوات إلى أهمية تلاحم الآشور والأكراد وغيرهم من الأقليات في سوريا، وكتبت عن اضطهاد وتهجير المسيحيين مرات كثيرة، وهذه القناعة لا ترتبط بشهادة حسن سلوك أو فقر حال من أحد، إنه الواجب ليس إلاّ! وهذا لا يحتاج إلى تمترس أو تمركس! وذكرت قديماً أنني قدست ماركس حوالي 20 عاماً، وأنني منذ 20 عاماً صرت أحترمه، وفي كلا الحالتين عن قناعة! وأعتقد أن تغيير النظام يبدأ بإمكانية تقييم أنفسنا وتغيير ما ظهر أنه بحاجة للتغيير في أفكارنا!..
لماذا الخوف والحذر من الذين ينتقدون بصوت مسموع، بما فيها انتقادات بعض المفاهيم الدينية التي مضى زمانها -الموقف من المرأة مثلاً؟ لماذا اعتبار آراء المتدين غير العصرية على أنها عادية، بينما انتقاد الخزعبلات يُسبب ردود فعل شديدة، وخوف لدى البعض؟ لماذا “البرغماتية” والمسايرة هنا هو “عقلانية” ومطلوب، وتفعيل العقل هناك مُسبب لفتنة وخروج عن الثوابت؟ وتلك الثوابت كم تبقى ثابتة في هذا العصر؟ لماذا “استهبال” الناس مسموحاً به أو تجاهله على أساس الإيمان، وردّ الاستهبال وفضحه يُعتبر إساءة للمعتقدات –الفتاوى الساخرة مثلاً؟ هذا يُسمى مسايرة الجهل، وليس خدش مشاعر المؤمنين!
اعتقد أن الإعلام والسماح له والتعامل معه بمنتهى الجدية وبعيداً عن “الفئوية والطائفية” هي قضية مركزية يجب أن تكون من أولويات اهتمام الحركة الوطنية! والارتقاء من قبل بعض المُشرفين على بعض المواقع التي تهتم بالشأن العام، أن يكونوا أكثر شجاعة و”حيادية” ومصداقية في تعاملهم، وبدون أحكامٍ مسبقة أو رسائل توصية! أعتقد أنه على الإعلام أن يكون “المنبر” الذي يجمع مختلف الآراء والمشارب الوطنية وإعطاء الفرصة لشحذ أفكارها وممارسة لغة الحوار الديمقراطي، الحوار الذي مازلنا بحاجة لصقله، والشجاعة التي نحتاجها لتبني آراءنا بدون هروب أو إرهاب! ونرى افتقار البعض للشجاعة في طرح آرائه من خلال انتحال أسماء وهمية متنوعة –ليس بسبب أوضاعه الأمنية الخاصة- بل لأسباب قد تكون غير بريئة، أو خجل من أفكاره ونفسه، وجهل بعلم النفس! ويبقى الحوار الديمقراطي أهم عالِم نفس! ولا يمكن تجاهل وجوب الحذر على مواقع التفاعل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني، الحذر من الدور الذكي غير البريء الذي تقوم أو يقوم به البعض!..
تغيّر العالم سريعاً خلال العقد أو العقدين الأخيرين، وتغيّرت المعارضة أيضاً خلال نفس الفترة، وكذلك تغيّر المحيط الذي تعيشه والهواء الذي تتنفسه!
وأنا على قناعة أنه لابدّ أن يأتي ذلك اليوم الذي يُجبر النظام على البدء في حوار جدي مع المجتمع، وضمن محاولاته لإعادة إنتاج نفسه، لكنها ستكون بداية العد العكسي لسقوطه –كما حصل في دول الهيمنة السوفييتية في أواخر القرن الماضي-! أعتقد أنه سيأتي ذلك اليوم الذي يطلب فيه النظام الحوار مع الحركة الوطنية السورية، وأعتقد أنه سيكون هناك الكثير الذي سيرحب بالحوار، وقناعتي أنه لا يجوز تقديم تنازلات له، تنازلات عن أسس التغيير السلمي الديمقراطي وقيام دولة القانون والتعددية وتبادل السُلطة الحكومية!
هل يصحّ القول، أن الحركة الوطنية السورية تعيش في حالة “عزلة” داخلية وخارجية؟ طبعاً يمكن شرح الأسباب، أو تجاهل البحث عن الأسباب كما هي، أو كما نحب أن تكون!
ما الذي يمكن اعتباره أهم محطة أو مرحلة عاشتها الحركة الوطنية السورية حتى الآن؟ هل نرى أخطاء أو خطأ ما ارتكبته المعارضة –أو بعض فصائلها أو أفرادها- ونشعر اليوم بعدم الرضاء عن أداء بعضها؟ وما هي الأخطاء أو الفرص التي تبخرت دون إمكانية التقاطها والاستفادة منها؟ وهل من تقييم؟
عند ذكر اسم الجولان تُسمع نخوات وشحذ سكاكين الوطنية في أكثر عواصم ومدن العالم حيث يتواجد السوريون، وإذا صادف أن جاءت فرصة أخلاقية لتبرير تلك “الوطنية”، يتعثّر البعض في ترجمة “زكاته الثورية” والتي لا تُكلّف مصاري، بل وقفة -قد لا تعود ثانية- بين أصوات شحذ السكاكين!
إلى متى يمكن اعتبار المعارضة السورية أو أحد فصائلها، معارضة؟ ما هي حدود المعارضة؟ وما هي حدود الولاء للوالي؟ وهل من مكان فعلي بين الاثنين؟ وهل مازال تعبير “القضية المركزية العربية” فوق الوطن السوري؟ وهل نتغاضى عن تحالف حماس مع النظام السوري وقمعها لشعب غزة أسوة بإسرائيل، نتغاضى بذريعة المقاومة؟
هل ننتظر انعطافاً في سياسة النظام؟ أو هل يؤمّن النظام تغييراً وانعطافاً –ضمن حدود سياسته وأفكاره- انعطافاً قد لا يستطيع النظام نفسه إيقافه أو إدارته بما يخدم سلطته وهيمنته المحلية؟ -هذا ما يحلم به البعض النصف معارض ويُصلّي من أجله -آمين! هل يرجع الأخوان للمعارضة بدون مواربة، أم يلحقهم البعض؟
هل يمكن وصف علاقات المعارضة مع بعضها بشكل عام ضمن مفهوم الإكراه في عدم التعاون المشترك!؟ أو الإكراه في التعاون؟
هل صحيح أن غالبية المجتمع تخدم وتدعم وتحمل شيئاً من سلوك “الملائكة الساقطة” الحية والميتة -النظام؟
يُقال أحياناً، أن البعض يكتب لبعضه أو لنفسه وبأسلوب قد يكون صعباً للإنسان العادي، وبعض آخر يكتب “مغازلةً” ومسايرة ابتغاء رضاء هذه المجموعة أو تلك! هل من أمل بخطاب معارض واضح دقيق وسهل الفهم؟ هل فعلاً مازالت سياسات النظام غير مفهومة لبعض المعارضة في إعلان دمشق؟!
أين الخطأ؟ يقول البعض، أن مجتمعاً هذه نخبته الثقافية والفكرية يستحق ما يعيشه من سقوط! هل يمكن استخدام تعبير “عصر أبطال” المثقفين السياسيين، أو الساسة المثقفين؟! وهل مواقف بعض النخب الثقافية والفكرية من نفسها ومن بعضها يُشبه التعاطي مع مفهوم “الفرقة الناجية”؟
هل صحيحٌ أن المهمة الرئيسية للنخب الثقافية في عصرنا هي تقليل المسافة بين اكتشاف المعرفة وبين التعبير عنها وصياغتها؟ وهل نتلمس شيئاً من هذا في واقعنا المعارض؟
لقد ظهر واضحاً للبعض –حالة عبد الحليم خدام مثلاً، أنه عندما ارتفعت فرص سقوط النظام، انحسرت المصداقية والشفافية في التعامل، وبرزت مظاهر المصالح الشخصية –قبل أن تفضح نفسها لاحقاً! هل تجربة معارضة خدام فعلاً كانت ميتة لحظة ولادتها؟ أم موتها هو عدم قدرته على الطلاق مع ماضيه وافتقاره للمصداقية والنزاهة؟ واستناداً لتجربة خدام، هل يُعتبر التشوّه عند أزلام النظام وصل إلى درجة استحالة التغيير الأخلاقي؟
يجب الاعتراف وعدم مجانبة الحقيقة، وهو أن أكثر عوامل وأوراق تغيير النظام خارجية، وهي ليست بإرادة الشعب السوري، ويبقى ذلك الجزء الصغير الذي يقع على عاتق المعارضة والذي يجب عليها إتقانه وأن تكون كفؤاً له! ونعرف جيداً أن قيادة فرنسا كانت أكبر قوة تدعم حرية شعب لبنان وتقف ضد نظام دمشق، وقيادة فرنسية جديدة أعادت الحياة للنظام السوري وأخرجته من غرفة العناية المشددة! طبعاً لا يخفى على الكثيرين أولويات ساركوزي السياسية في المنطقة! أقول أنه هناك احتمالات دائماً لحصول العكس! وهذا ينطبق على النظام واستقراره أيضاً، ومع الأسف يبقى مصير وطننا في هذه المرحلة متعلقٌ بحظ النظام!
وإذا استمرت انعطافة تركيا، وبروز صحوة الأصوليين الأتراك على السطح أكثر، ومحاولة تهميشهم مؤسسات الدولة وتحويل تركيا إلى دولة دينية، أقول أن مثل تلك الحالة ستجبر أوربا وأمريكا على التفكير أبعد من مصالح شركات الطيران والسلاح والنفط! وعلى الحركة الوطنية السورية ومثقفيها أخذ هذا الاحتمال بجدية، والبحث عن خطاب لملاقاته تكون مفرداته مفهومة للمواطن العادي وللعالم، والوقوف بدون تجامل من طموحات سياسات وأفكار الإسلام الأصولي السياسي!
أين هي تلك المجموعات المعارضة التي يجب عليها الحوار والتنسيق وشحذ الأفكار؟
أعتقد أنه يجب الارتقاء بالحوار، ومحاولة استبدال هوبرة الهروب بالحوار العقلاني المنطقي، وطرح وجهات النظر حول أي موضوع كان بدون تجامل ولف ودوران! أن لا يكون الحوار مجرد رفع عتب! ومن يسعى لإيجاد إجماعٍ شعبي على مواقفه وسياساته، قد يجدها في “روشيتة” الـ 97% عند أجهزة النظام! لأن المواطنين رؤوس تفكر قبل أن تكون أرقاماً في سجلات الإحصاء!
الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى