صفحات سورية

الرئيس السوري بشار الأسد لـ«السفير»: حرب تموز غيَّرت خريطة المنطقة

null
شارك في الحوار: طلال سلمان، هنادي سلمان، دنيز عطا الله حداد، حسين أيوب، زياد حيدر وأحمد سلمان
تضيق شوارع دمشق بمواكب كبار الزوار، الذين يجيئون تباعاً الآن، من عواصم كانت مغلقة في وجه سوريا ورئيسها إلى حد العداء: أميركيون، كثير من الأميركيين، وأوروبيون، من كل أوروبا ورئاسة اتحادها، أصدقاء قدامى من إيرانيي الثورة الإسلامية، وأصدقاء جدد من تركيا ـ إسلام الاعتدال… أما العرب فقد أنهى «الغاضبون» مقاطعتهم، وعاد «المعتدلون» إلى «الشام» بعدما اكتشفوا ان لا غنى عنها، كوسيط من ذوي القربى، في حين يواصل «عرب الممانعة» اعتمادهم دمشق مرجعية أساسية للمشرقيين منهم والمغاربة بغير ان ننسى «السودان» المطلوب لعدالة متهمة بالتحيز والنظر بعين واحدة.
يطل عليك الرئيس الشاب مرحباً عند باب مكتبه، بتهذيبه الفائق وابتسامته العريضة التي تدل على ارتياحه لمجريات الأمور. لعله في هذه اللحظة أكثر القادة العرب شعوراً بالاطمئنان إلى نجاحه، سياسياً، بعد الحروب المتعددة المصادر التي واجهها في لبنان وعبره، في الدرجة الأولى، وهي كانت قاسية جداً، خصوصاً انها تجاوزت ما هو سياسي إلى ما هو شخصي وعائلي، بل وطائفي ومذهبي أحياناً.
لبنان… الجنة المفقودة، صار موضوعه في الخلف، لكن المرارة لمّا تختفِ من نبرة الحديث عنه.
التجربة قاسية جداً، خصوصاً ان بعض مفاعيلها كانت تتصل بصلب النظام. لكن «أبطالها» من السوريين قد اختفوا تماماً، إلا في مجال اعتبارهم المسؤولين عن الاخطاء التي ارتكبت. أما الأبطال اللبنانيون فهم بعيدون وليس للرئيس الشاب أصدقاء قدامى بينهم. لذلك، فهو أكثر حرية في التعامل معهم، ربما لهذا يمكنه التخفف من وطأة التذكر، والالتفات إلى الغد.
وللتخفف من «التجربة اللبنانية» فائدة أخرى: يبرز دور سوريا ـ الدولة ودور بشار الأسد «الرئيس»، وتبهت تدريجاً صورة «النظام المخابراتي» التي كانت موضوع الهجوم القاسي الذي لم يوفر سلاحاً محرماً الا واستخدمه للتشهير «بالوصاية السورية»، وطمس عبره ادوار القيادات اللبنانية المشاركة فيه والمنتفعة منه والمبررة له… والتي سرعان ما استحدثت علاقات وصلات وارتباطات مع أنظمة أخرى، لم يخطر في بال قادتها يوماً ان يصفوها بالديموقراطية والحرص على حقوق الإنسان.
حتى عندما تذكر أسماء «الأصدقاء» الذين انقلبوا إلى «أعداء»، فإن رد الفعل استمر هادئاً… ربما لأن الحلفاء، من ثبت منهم على موقفه، أو من جاء إلى التحالف من خصومة دموية في الماضي، قد عوضوا، بل أضافوا إلى المعنى، خصوصاً ان صيغة التحالف معهم بشعارات واضحة، ثم انها سياسية تماماً، لا تستند إلى العلاقات والمصالح والمنافع العامة في ظاهرها، والشخصية في العالم الأعم.
فماذا عن زلزال اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي ضرب علاقة لبنان وسوريا وما زالت تداعياته تتوالى مفسحة المجال لأنواع متعددة من الاستثمار والتوظيف محلياً وعربياً ودولياً…
هل آن الأوان لسيل الأسئلة التي تتوالد من ذاتها وتظل معلقة كغيمة سوداء في أفق العلاقات بين البلدين الشقيقين، نتيجة غياب الأجوبة القاطعة في وضوحها عن المسؤولية عما جرى، بكل ما استولدته الجريمة من تصدعات ومواجهات وشكوك وريبة؟
ـ لا شيء عندنا نخفيه.. فاطرحوا أسئلتكم جميعها، فنحن في طليعة المتضررين، بل اننا أول المستهدفين بهذه الجريمة. لكن لا بد من استعادة لسياق الاحداث التي تواترت قبل الاغتيال وصاحبته وتوالت بعده، فالسياق يجيب عن كثير من الأسئلة المعلقة..
[ [
من أين نبدأ إذاً؟!
نبدأ من حيث توقفنا في آخر لقاء صحافي أجرته «السفير» مع الرئيس السوري بشار الأسد في مثل هذه الأيام من العام 2003، والذي فرض الاحتلال الأميركي للعراق نفسه كموضوع أول باعتباره «حدثاً مصيرياً» ستنعكس آثاره على مجمل الأوضاع العربية، ولن يكون أي بلد عربي بعده كما كان قبله.
نبدأ من لبنان، وأخطاء الماضي، في السياسة، والأمن، وعلى الأصعدة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. لا يُخفي الرئيس السوري ذلك، إلا انه أيضا لا ينسى ان يشير إلى انها علاقة ثنائية، والأخطاء أتت حتماً من الطرفين. كما انه يذكّر بأن التجربة لم تكن بجلّها مريرة: فخلالها، تجنب البلد خطر التقسيم، وتوقفت الحرب الأهلية، وحصل الانسحاب الإسرائيلي.
لا مفاجآت، بحسب الرئيس السوري، بمن بدّل مواقفه من سوريا. ولا مرارة، بدليل الأبواب التي ما زالت مشرّعة بشرط وحيد: الثوابت السورية، أي العروبة والموقف من فلسطين.
ربما لا يزال من المبكر تصور ما ستكون عليه العلاقات الثنائية في المستقبل، إلا في الخطوط العريضة: لا تدخُّل في الشؤون الداخلية لأي من البلدين من قبل الآخر، والاحترام المتبادل. لا عودة عسكرية سورية إلى لبنان، ولا اهتمام استثنائياً بنتيجة الانتخابات النيابية المقبلة إلا في ما يتعلق بما اتفق عليه في الدوحة بضرورة إقامة حكومات وحدة وطنية.
هو يعرف ان الجرح بين الطرفين لن يندمل سريعاً، لكن يجب السماح للوقت بأن يفعل فعله. ألم تكن سوريا دوماً سيدة الصبر والانتظار؟
لا شيء جدياً في المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، التي تتوقف، مرة أخرى، حول توصيف خط الرابع من حزيران. اما انتخاب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لن يغير الكثير في هذا المضمار، فذلك، برأي الأسد، تغيير تكتيكي وليس استراتيجياً. كما انه يرى في المنحى الذي تميل إليه اليوم إسرائيل نحو اليمين المتطرف، دليلاً على ارتباكها وفشلها.
أما الرئيس الأميركي المنتخب حديثاً، فالمؤشرات التي أرسلها واعدة، إلا ان سوريا تنتظر الأفعال، خصوصاً أن ملف المفاوضات مع إسرائيل لا يبدو من الأولويـات الحالية للإدارة الجديدة التي سـارعت لإطـلاق مبـادرتين من العراق ومن أفغانستان، في حين انها لم تقدم أي دليل ملموس باتجاه منطقتنا.
أما سوريا، فستشهد، كما سائر الدول، تداعيات الأزمة المالية العالمية.
وهي، لأنها كانت محاصرة ومعزولة ودول الغرب تسعى إلى قلب النظام فيها، لم تكن مستعدة لانفتاح سياسي بحجم الطموح، لكن ثمة خطوات قد تساعد، أو هي قد تسرّع الانفتاح الموعود، لكن ليس على حساب معادلة: الاستقرار أولاً ثم الإصلاح.

لبـنان يحكم بالتوافق وأية أكثريـة تنتجها الانتخابات نتعامل معها هذه معاييرنا لمن يود زيارتنا… لكن لا للمزاجية والمواقف المتذبذبة

÷ الملف اللبناني لم يفتح بعد بالكامل وهو مهم جداً وحساس ودقيق. ونتمنى ان نتوسع فيه تفصيلاً بعد ان نسمع منكم قراءة للمشهد العربي انطلاقاً من العراق؟
الرئيس الأسد: بالنسبة للعراق، ما قلته للأميركيين هو نفسه ما قلته لصحيفة «السفير» في المقابلة الأخيرة معكم قبل ست سنوات، قلنا لهم ستربحون الحرب وتغرقون في الرمال وستنطلق المقاومة، وانطلقت المقاومة. طبعاً كان الجميع يتوقع أن يستمر القتال على الأقل أشهراً وليس أسابيع، وكان ذلك مفاجئاً للجميع بمن فيهم العراقيون أنفسهم، طبعاً هذه هي الحرب. لكن الرؤية كانت واضحة تماماً، هناك إقرار في العالم أنه لا يمكن لأميركا أن تبقى في العراق وهي مرتاحة.
لا شك أن المشهد العربي قبل الاحتلال تغير من خلال تغّير الأجيال. العرب تعلموا الدروس من حرب تموز 2006، الهجرات كانت محدودة نسبة لأية حرب سبقتها، والمواطن أصبح أكثر تمسكاً بأرضه. في غزة، الناس أكثر تمسكاً بأرضهم وفي الضفة وكذلك أيام جنين. أصبح هناك فكرة التمسك بالأرض، وأصبح هناك أيضاً فكرة المقاومة والاستعداد لدفع الثمن مقابل أن يدفع العدو الثمن، أي في كل الأحوال أنت ستدفع الثمن لو لم تواجه. هذا هو الشيء الأساسي المتعلق بالأجيال. أما الوضع العربي فلا شك أنه بعد كل معركة هناك انهيارات، وكانت آخر الانهيارات خلال مرحلة غزة.
لا أستطيع أن أقول بأننا حققنا قفزة بالمصالحات العربية الأخيرة. بدأت المصالحات وما زالت في البداية. أقلعت الطائرة وتكون مرحلة الإقلاع عادة مرحلة حرجة إن تم تخفيف قوة المحركات تنهار الطائرة ويسقط كل شيء. فنحن الآن في مرحلة إقلاع، وصعود في هذه الطائرة، ولكن ما زال الوضع العربي غير جيد، على الأقل حتى نصل إلى قمة الدوحة ونرى بأن الأمور أفضل. الشيء الجيد ليس فقط المصالحات، ولكن الأهم هو بداية وعي عربي للدروس التي تعلمناها مما حصل خلال الست سنوات الماضية، الصورة أصبحت أكثر وضوحاً.
÷ ندخل إلى الموضوع اللبناني. عملياً منذ عام 1975-1976، تم تفويض سوريا بالشأن اللبناني وتولت مسؤولية الوضع في لبنان، منذ عام 1976 حتى عام 2005. هل قمتم بإعادة نظر نقدية لهذه التجربة؟ لأن الظروف التي رافقت خروج سوريا كانت مانعة لأي حوار جدي حول كيف جرى ما جرى ولماذا جرى ما جرى ومن المسؤول عما جرى؟ هل نستطيع اليوم إعادة فتح لكل تلك الملفات لكل تلك التجربة في وحي ما استفدتموه منها كتجربة غنية جداً ومؤلمة جداً بنتائجها؟ هل نستطيع الدخول إلى الملف كاملاً.
ـ لا شك، أية تجربة يجب أن تحدد أهدافها أولاً كي تقيّمها، لا يمكنك تقييمها دون أن تحدد ما هي الأهداف. لكن حتى لو تحققت الأهداف، هناك دائماً خلال الممارسة للوصول لهذه الأهداف إيجابيات وسلبيات. التجربة السورية كان لها أهداف واضحة: حماية لبنان من التفتيت، توحيده وعودة الاستقرار إليه، حتى التسعين نجحت التجربة وعندما خرجت سوريا من لبنان كان موحداً، ففي هذا المجال نجحت سوريا. حصل التحرير عام 2000، لسوريا دور أساسي في هذا الموضوع، إذن تحققت أهداف التحرير والتوحيد. لكن عندما أعلنتُ أنا الخروج من لبنان في آذار عام 2005، قلت إنه حصلت أخطاء، كنت واضحاً في هذا الكلام، طبعاً حصل تقييم في سوريا، والحقيقة التقييم بدأ قبل تغيّر الظروف، عندما كان هناك سؤال في سوريا لدى الكثير من السوريين الذين كانوا على احتكاك مع اللبنانيين ويسمعون الانتقادات التي تحصل تجاه سوريا، فكان السؤال دائماً لماذا نبقى في لبنان؟ أو إلى متى نبقى؟ بعد الخروج وما حصل بالنسبة للعلاقات السورية اللبنانية كان هناك نقد وتحليل بهذا الاتجاه ولكن الأخطاء التي نتكلم عنها هي أخطاء مرتبطة بأشخاص وليس بالسياسات. أي طالما تحققت الأهداف في وحدة لبنان وتحريره، فالسياسات كجوهر وكمبدأ صحيحة. أما الخطأ فكان في التعاطي مع الوضع الداخلي اللبناني، وهنا توجد تفاصيل كثيرة.
÷ منذ عام 2003، متى أحسستم أن الجو الدولي، واستطراداً العربي، انقلب إزاء الوجود السوري في لبنان، وبدأ تحويل هذا الوجود، دعنا نقول، إلى مطعن لسوريا وضرب للعلاقات اللبنانية السورية.
ـ مباشرة مع الحرب.
÷ مع غزو العراق؟
ـ التهديدات لسوريا بدأت قبل الحرب. «إذا لم تسيروا معنا في الحرب فسوف تدفعون الثمن». كان الكلام واضحاً وكان جوابنا واضحاً نحن مستعدون لدفع الثمن ولكن إذا سرنا معكم بموضوع الحرب فسندفع ثمناً أكبر. الفرق هو دخول فرنسا على الخط بعد حرب العراق. كان المطلوب من سوريا أن تقدم الثمن للمصالحة الفرنسية الأميركية، وهذا ما رفضناه. وهنا بدأ الانقلاب الذي قادته فرنسا في الحقيقة وليس الولايات المتحدة، ولكن الولايات المتحدة كانت سعيدة، الولايات المتحدة أساساً انقلبت على سوريا قبل الحرب، وأتى الالتقاء الفرنسي الأميركي لكي تكتمل الصورة وتتوسع دائرة الانقلاب.
÷ لماذا فعلت فرنسا ذلك؟
ـ ارادت فرنسا أن تصالح أميركا، فالمطلوب منها ثمن. طبعاً لديها جوانب لبنانية في الموضوع مرتبطة بموضوع باريس ـ 2 وقد حصل صراع حول موضوع الخصخصة، وكان المطلوب من سوريا أن تكون جزءاً من هذا الصراع. رفضتُ، وقلتُ نحن لن نكون جزءاً من هذا الصراع، توجد مصالح وأموال، هذه ليست قضيتنا، نحن يمكن أن ندعم أية خطوة في لبنان إذا كان لها جانب سياسي، إذا كانت بحاجة لغطاء سياسي، أما أن ندخل في التفاصيل التقنية، أي شركة ستباع؟ وكيف وآلية البيع وما شابه… رفضنا أن ندخل في ذلك. الجانب الآخر له علاقة بشركات النفط في سوريا، كان المطلوب أن تأتي شركات النفط وتأخذ عقوداً في سوريا بشكل نحن نرفضه بالشكل والمضمون، أي مضمون العقد الذي هو فعلياً نسب التقاسم، وهو يضر بمصالح سوريا، وقد رفضناه. لكن أتى الشيء الأكبر وهو موضوع المصالحة الفرنسية الأميركية…
÷ في حزيران 2004 أم قبل؟
ـ لا، موضوع باريس ـ 2 بدأ عام 2002، ولاحقاً عام 2003 بدأ موضوع النفط وما شابه ذلك، وفي 2004 من خلال لقاء شيراك مع بوش في أوروبا، لا أذكر في أي مناسبة، لكن هو مذكور بشكل واضح في كتاب (لابيفيير)، عندها بدأ الانقلاب الفعلي من خلال هذا اللقاء.
÷ قرروا أنَّ سوريا يجب أن تخرج من لبنان؟
ـ تماماً.
÷ أي القرار 1559؟.
ـ القرار 1559 كان في عام 2004…
÷ والرد عليه كان بقرار التمديد للرئيس لحود؟
ـ لا، لم يكن رداً أبداً. القرار1559 كان نتيجة للقاء بين شيراك وبوش. كان الآلية القانونية الدولية ليحشدوا دول العالم ضد لبنان وسوريا، وكانوا يعتقدون أن 1559 سيؤدي إلى إسقاط النظام السوري، وأن سوريا الدولة بلا لبنان وبلا وجود الجيش السوري فيه ستسقط، هكذا كانت المخيلة لديهم. لكن بالنسبة لهم فإن 1559 كان الهدف منه داخلي لبناني أيضاً. قضية التمديد، لم تكن أساساً مطروحة. وفي حوارنا مع القوى اللبنانية لم يكن هناك من يطرح التمديد، ولم يكن في تصورنا التمديد، والرئيس رفيق الحريري سألني هذا السؤال في إحدى المرات، وقلت له إنه لا يوجد تمديد ولم أسمع من أحد أنه يرغب بالتمديد في لبنان. هذا قبل أن يظهر القرار 1559، هذا الكلام في ربيع 2004 تقريباً. بدأت تظهر بوادر 1559 في شهر حزيران تقريباً، وبدأنا نسمع عن شيء يحضّر في مجلس الأمن، وفعلياً أغلب القوى الصديقة لنا في الغرب لم تكن تعلم بهذا الشيء. كانت خطة 1559 تعتبر أن سوريا ستطرح أحد المرشحين الواردة أسماؤهم على الساحة في ذلك الوقت، وأي مرشح منهم، بغض النظر عن أي مرشح سيكون، سيقال بأنه تدخل سوري. وكان هناك مرشح حتى الآن لم نعلن من هو، لبناني بديل، ستطرح سوريا مع الحلفاء اللبنانيين اسماً ما، فستبدأ نفس المعركة من أجل المرشح البديل، وستأتي المساومة بأن القرار 1559 مقابل منع تدخل سوريا في مرشحين لبنانيين. لم يكن 1559 له علاقة بالتمديد، وأساساً لم يكن وارداً في بالهم التمديد، بالنسبة لهم كانوا يعرفون بأن سوريا لا تريد التمديد، فكان وضع هذا القرار من أجل لعبة أخرى، وأي مرشح آخر، وكان هناك مرشح بديل، سيفترضون أن سوريا ستقف ضد هذا المرشح فسيكون 1559 هو الرد على سوريا.
÷ من هو المرشح ومتى تعلنون اسمه؟
ـ في الوقت المناسب. نحن نعرف بالتفاصيل ما الذي كان يحصل، وعرفناه بعد 1559. عندما حصل 1559 كنا نعرف المبدأ العام، ولكن لم نعرف الشخص بدقة إلا بعد صدور القرار بشهر واحد، عرفنا من هو الاسم من الدول المشاركة في الموضوع، قالوا لنا كل التفاصيل. فهذه هي قضية القرار 1559، كان محضَّراً بشكل بديهي، بغض النظر عن التمديد، لم يكن هناك تمديد. السؤال لماذا واجهت سوريا العالم بالتمديد؟ لا توجد علاقة. عندما توضحت بوادر المعركة كان لبنان وسوريا بحاجة لشخص للمواجهة، وهو الرئيس لحود.
÷ أي أن التمديد كان هجوماً مضاداً؟
ـ لا، التمديد حدث لأن الرئيس لحود بالأساس جُرّب وطنياً في مراحل، أعتقد أنه الآن بدأ يتحدث عنها في مذكراته وفي مقابلاته، ولكنهم جربوا مع الرئيس لحود منذ استلم الرئاسة، أن يدخلوا في قضايا معينة، هي إبعاد لبنان عن سوريا، وإبعاد الرئيس لحود عن المقاومة، فرفض. إذاً فالرئيس لحود هو إنسان مجرَّب وطنياً. فكان لا بد من الدخول في معركة، والتمديد كان هو الرد.
أخطاء اللبنانيين
÷ قلتم في بداية الحديث إنه كان لديكم مهمة في لبنان، هي الحفاظ عليه دون تفتيت أو تقسيم، ولكن ألا تظنون أنه بعد 30 سنة من وجودكم في لبنان كان من الممكن أن تبنوا صداقات أكثر عمقاً، لا أن تتغير مع تغيّر الأحوال، أي أن تبنوا جسوراً اقتصادية واجتماعية وثقافية تكون أمتن بين دولتين شقيقتين؟
ـ كلام صحيح، وهذا يتوافق مع ما قتله أنا في خطابي بأنه كان هناك أخطاء، وهذا أحد الأخطاء.
÷ ولكن هذه الأخطاء ورطت لبنان وسوريا في علاقات متوترة اليوم تنعكس على البلدين.
ـ أنت لا تستطيعين أن تنسي بأن الجانب الآخر من الأخطاء هو لبناني. أنا تحدثت عن الجانب السوري، ولكن إذا أردنا أن نتحدث بشكل موضوعي فالمشكلة لبنانية سورية، وهناك طرف في لبنان، بكل الأحوال، ربط نفسه بسوريا ربطاً مصلحياً وليس ربطاً مبدئياً، لم يرتبط بسوريا عبر الوطنية اللبنانية، وإنما ارتبط بسوريا عبر مصالحه الضيقة ويتحمل المسؤولية.
÷ ولكن ألم تختبروا هؤلاء الأصدقاء؟ هل صدمتم بهم؟
ـ لا، لم نُصدَم، لأنها ليست المرة الأولى التي يحصل فيها تحولات في العلاقات في لبنان.
÷ كان لديكم حلفاء أشداء فجأة أصبحوا خصوماً أشداء؟
ـ لا، كانوا خصوماً أشداء، وفي عام 2000 كان هناك هجوم على سوريا ومحاولات تدخل في الشأن الداخلي السوري، وعادت الأمور مع بعض الأشخاص تتذبذب في اتجاهات مختلفة، وكنا نعرف أن البعض منهم في مراحل معينة كان يتحدث في الدوائر المغلقة بكلام سيئ جداً عن سوريا.
÷ من؟
ـ أنا لا أتعامل الآن مع أسماء…
÷ البعض ممن كان يفترض أنهم من أصدقائكم أو حلفائكم في لبنان؟
ـ بالتأكيد فإن حلفاء كلمة كبيرة، دعينا نقول ولكي أكون دقيقاً، من كان يدّعي صداقته لسوريا كان في الدوائر المغلقة يتحدث بالعكس، ولكن في السياسة تتعاطين مع الواقع أحياناً، لذلك أنا لا أقول إنه لا يوجد أخطاء، ولكن بنفس الوقت لا نستطيع أن نقول إن سوريا كانت مخطئة ولبنان، أو قوى لبنانية كانت تسير بالاتجاه الصحيح. أنا قلت كان هناك أخطاء، من في لبنان قال إنه كانت هناك أخطاء؟ يجب أن يكون هناك من يمتلك الجرأة ليقول هذا الكلام.
÷ تقولون إن التمديد حصل لأن العماد لحود كان مجرَّباً، ولكن ما أُخذ عليكم أنه حكماً يوجد في لبنان شخصيات وطنية، مجرَّبة وصديقة لكم وتهمها مصلحة البلد، وكان من الممكن أن تتولى الرئاسة، وبالتالي تجنب كل المشكلة التي خلقها التمديد.
ـ صحيح، هذا الكلام جميل من الناحية النظرية، لكن عندما تدخلين في المعركة، والمعركة طويلة ولم تبدأ بالقرار 1559. لو أن المعركة بدأت بهذا القرار، لكان هذا الكلام صحيحاً. لكن المعركة بدأت قبل سنوات، والرئيس لحود كان جزءاً من المعركة. أي شخص قد يكون لا يقلّ عن الرئيس لحود وطنية وصلابة وبكل المواصفات، ولكن من يبدأ المعركة قبل هو الأقدر على الاستمرار فيها. الرئيس لحود بدأ قبل، والمعركة قبل لم تكن معلَنة، ولكن كنا نراها ونخوضها.
÷ هل كنتم تخشون أنه لو حصلت انتخابات لما تم انتخاب الشخص الذي….
ـ أبداً، أبداً. القرار 1559 كان محضَّراً تماماً، وهذا الأمر موجود في وثائق، أي أنه أصبح موجوداً في كتب، والغرب يعرف هذا الشيء. لماذا نريد أن نفترض أشياء لم تكن موجودة، الـ1559 كان موجوداً واللعبة كانت واضحة. الآن هناك واقع، هناك معركة خضناها، وبالمحصلة تمكنا من خوض هذه المعركة بغض النظر عن بقاء سوريا في لبنان، أي المعركة كانت أهدافها أكبر.
÷ خسرتم لبنان نتيجة هذه المعركة؟
ـ لا، لم نخسر لبنان بسبب تمديد أو بسبب قرار 1559، خسرنا لبنان بسبب الأخطاء التي تمت في صياغة العلاقة مع لبنان خاصة بعد عام 1990.قبل الـ90 كانت هناك حرب أهلية، كان الوضع مختلفاً، لكن بعد 1990 أنا أعتقد أننا تأخرنا في القيام ببعض الخطوات وخاصة بعد 1998 تحديداً عندما اكتمل بناء الجيش وانتقل الرئيس لحود من قيادة الجيش إلى رئاسة الجمهورية. هنا بدأت الأخطاء تتراكم أو تظهر مفاعيلها بشكل أكبر.
÷ أي أنه كان يجب أن يبدأ الانسحاب السوري منذ تلك اللحظة بشكل أبرز؟
ـ هو بدأ فعلياً عام 1998 وكانت أول خطوة في 98 أو 99 عندما بدأت القوات السورية تنسحب باتجاه راشيا ومناطق جبل الشيخ، وكان هناك ضجة في إسرائيل بأن الهدف من هذا الانسحاب هو الهجوم على إسرائيل، ولكن الحقيقة كان الهدف منه هو الاقتراب من الحدود السورية كمرحلة أولى، واستمر. وفعلياً عندما صدر القرار 1559، كان قد انسحب 63% من القوات السورية، فإذاً نحن لدينا تصوّر بأنه لا بد من الانسحاب. لكن أنا لا أركز على موضوع الجيش الذي كان قد بدأ بالانسحاب. أنا أركز أكثر على التعاطي مع الوضع السياسي الداخلي، هنا كانت الأخطاء تتراكم. نحن بنينا علاقتنا مع قوى محلية وخسرنا قوى كبرى لأجل قوى أصغر، يعني الإحباط المسيحي كان موجهاً ضد سوريا في جانب منه، وكنا نخسر المسيحيين بشكل عام مقابل قوى سياسية معينة.
÷ حتى اليوم يأخذ عليكم البعض أن تدخلكم أو علاقاتكم تكون مع أطراف وقوى وأحزاب في لبنان، في وقت تتعاطى الدول من دولة إلى دولة.
ـ لا، هذه تؤخذ على لبنان وليس علينا. لأن البلد هو الذي يحدد كيف تكون علاقاته. مثلاً، هل علاقاتكم مع فرنسا هي فقط عبر الحكومة؟ أم لديكم علاقات، أي شخص منكم حر لفتح علاقة مع فرنسا، فإذا كنتم لا تريدون علاقة سوى مع الدولة، فيجب على الدولة اللبنانية أن تتخذ قراراً وأن تقول بأنه يمنع على أي جهة لبنانية، حزب أو جهة أو شخص أن يبني علاقة خارج إطار الدولة اللبنانية، ونحن نلتزم، ولكن لم تأخذ الدولة اللبنانية هذا القرار.
÷ أنتم تشجعون على مثل هذه العلاقات…
ـ كيف نشجع؟ أين شجعنا؟ العلاقات بين كل الدول في العالم لا ترتبط بالدولة، نحن علاقاتنا مع أي بلد في العالم لا ترتبط بالدولة. أي سوري يفتح علاقة مع أي جهة ما عدا العدو الإسرائيلي طبعاً. يذهب إلى أميركا نفسها التي كانت على خصومة مع سوريا لسنوات. لا يوجد شيء يمنع من العلاقات، ولا يوجد مبدأ سياسي أو دولي أو قانوني يقول بهذا الكلام. فإذا كان لديكم مثل هذا المبدأ، أعلنوه لا توجد لدينا مشكلة.

لم نختلف مع الحريري على المقاومة ولا العروبة ولا العلاقات مع سوريا … ولا التمديد مطمئنون أمنياً على لبـنان.. والوضع في الشمال أفضـل من السابق بفضـل الجيش
بين سليمان وعون
÷ ولكن حتى في الشكل، يقارن البعض بين استقبالكم للجنرال عون واحتفائكم به، واستقبالكم لفخامة الرئيس ميشال سليمان، في حين مثلاً استقبلته فرنسا في الأمس القريب، استقبال رؤساء الدول في زيارة دولة، ويقال إنكم ميّزتم بين اللقاءين.
ـ أولاً لا تجوز المقارنة، الرئيس.. أي رئيس أو أي مسؤول، رئيس جمهورية، رئيس وزراء، وزير، هناك بروتوكولات تحكم الزيارة. الرئيس ميشال سليمان لم يأتِ إلى سوريا زيارة دولة. أنا عندما زرت زيارة دولة في فرنسا، استقبلوني بنفس الطريقة التفصيلية التي استُقبل بها العماد ميشال سليمان، لأن هناك تفاصيل، يزور مجلس الشعب، يزور البلدية، تفاصيل معروفة ليس لها علاقة بالحفاوة، لها علاقة بالاتفاق بين الدولتين، ما هو مستوى الزيارة، زيارة دولة؟ زيارة رسمية؟ زيارة عمل؟ أما العماد ميشال عون فلم يأت بصفته مسؤولاً لبنانياً رسمياً في الدولة، هو عضو مجلس نواب، ولكن بنفس الوقت هو زعيم معارضة، والأهم من ذلك الإشارة التي أرادت سوريا أن ترسلها لأن هذا الشخص كان له دور أساسيٌ في اتفاق الدوحة، لأن المعروف بأن العماد ميشال عون وافق وكان أساساً في الموافقة على ما حصل في اتفاق الدوحة وفي مقدمته مجيء الرئيس ميشال سليمان. فهذا ليس حالة سائدة في السياسة اللبنانية أن يقوم شخص بالتخلي عن مصالحه الشخصية لصالح المصلحة الوطنية، فعلينا أن نقدّر دور العماد ميشال عون في اتفاق الدوحة، هو قام بشيء وطني ولولاه لما كان مرّ اتفاق الدوحة، وعلينا أن نقرّ بهذا الشيء، فكان التكريم من هذا الجانب.
أما الجانب الثاني، فهو قد أتى كزعيم مسيحي مشرقي، وهو أعلن نفسه زعيماً مسيحياً مشرقياً، وإذا عدتِ إلى حفاوة الاستقبال فقد كان لها علاقة بهذا الجانب المسيحي المشرقي، أما لو كان رئيس جمهورية، فلم يكن ليقوم بجولة على الكنائس في سوريا. أردنا نحن في سوريا أن نظهر بأننا نتعامل مع شخصية عندما خاصمت سوريا خاصمتها بوضوح، وعندما صادقت سوريا صادقتها بوضوح وهذا كان محل تقدير الشعب السوري، وإذا لاحظتِ الحفاوة التي كانت موجودة، كانت حفاوة شعبية غير منظمة، تستطيعين أن تأتي بالأشخاص إلى الشارع لكن هل تستطيعين أن تجبريهم على الابتسامة والفرح. في لبنان يحاول البعض تحوير بعض الحقائق خارج إطار المنطق، أي أن الخلاف في الرأي شيء وقلّة الأخلاق في التعاطي شيء آخر.
÷ لم نتعوّد في سوريا أن نرى ظاهرة وحفاوة دينية، أكانت مسيحية أم مسلمة، على اعتبار انكم دولة علمانية، ولذلك كان مفاجئا إعطاء الطابع المسـيحي المشرقي للزيارة؟
ـ هذا فهم خاطئ للمصطلحات، لأن العلمانية لا تعني استبعاد الأديان، بل تعني حرية الأديان. ونحن أردنا أن نظهر حرية الأديان كجزء من علمانيتنا وليس العكس. ما رأيتيه هو تماماً جزء من علمانيتنا وليس العكس، فلذلك نحن نختلف مع الكثيرين في تفسير المصطلحات. بالنسبة لنا هذه هي علمانيتنا. لكن لا يهم أن يكون هذا مفاجئاً أم لا، المهم بأن هذه هي الرسائل التي أرادت سوريا أن تنقلها وأولها التقدير للعماد ميشال عون للأشياء التي قام بها تمهيداً لاتفاق الدوحة، ونحن لم نكن نعرف العماد ميشال عون، ولذلك نستطيع أن نكرمه بدون أن يدّعي أي شخص بأن العماد ميشال عون هو دمية سوريا أو أنه يقوم بتنفيذ أجندة سوريا. ونحن كنا على خلاف معه، وهو أكثر شخص اختلف مع سوريا.
÷ ولكن أيضاً حول هذا التكريم، البعض اعتبر أن هذا استمرار في ما كانت تقوم به سوريا من إعطاء دور لمعارضين داخل كل الطوائف، أي أنكم بكل طائفة وفي كل حزب شجعتم أن يكون هناك عدة أطراف، أنتم لستم مع زعامة مطلقة، أو هكذا فُسِّر على الأقل في بيروت، أنه للمسيحيين أكثر من رئيس جمهورية، زعيم، حزب….
ـ لو لعب أي واحد من هذه الزعامات، وأغلبهم له علاقات جيدة مع سوريا، نفس الدور الذي لعبه العماد ميشال عون في مرحلة اتفاق الدوحة، لقمنا بنفس الشيء. نحن لا يوجد لدينا مشكلة، وكنا أحراراً مع العماد ميشال عون لأننا كنا على خلاف معه، لو قمنا بهذا الشيء لشخص قريب من سوريا، لاتُّهم بشتى الاتهامات. لكن العماد ميشال عون لا يستطيعون اتهامه.
÷ تم اتهامه، بكل الأحوال.
ـ في لبنان يحصل كل شيء. ولكن أنا أتحدث عن الاتهام المنطقي وليس أي اتهام.
هنا اخطأنا
÷ قلتم إنه في التسعينيات كان هناك تراكم أخطاء. هل نستطيع أن نعدّد هذه الأخطاء التي حدثت حتى عام 2004؟ قلتم إن أحدها هو التعاطي مع المسيحيين؟
ـ لا، أنا قلت بالمبدأ العام، بأننا بنينا علاقات مع قوى على حساب قوى أخرى. ثانياً غرقنا في التفاصيل اللبنانية أكثر مما يجب. ثالثاً الطائف كان يتحدث عن إلغاء الطائفية، كان من المفترض أن يكون أساس علاقتنا مع لبنان هو تنفيذ المراحل المطلوبة بعد الطائف، بدل الغرق في تقاسم الحصص بين اللبنانيين.
÷ قلتم سيادتكم بنينا علاقات مع قوى على حساب قوى أخرى، البعض يأخذ عليكم حتى اليوم في الموضوع المسيحي أن هذه المعادلة تتكرر، أي بناء علاقات مع قوى على حساب قوى أخرى، مثلاً العلاقة مع العماد عون، هناك شخصيات وطنية مسيحية، لم تخل في يوم من الأيام في العناوين الكبرى لها علاقة بلبنان وسوريا والمنطقة.
ـ لا، هناك فرق كبير في المقارنة، في ذلك الوقت كنا موجودين في لبنان، وكان بيدنا مبادرة أكبر، وهامش مناورة أكثر لكي ننفتح على كل القوى، وحاولنا ذلك، ولكن كان هناك بعض الأبواب تُفتح وتغلق وكانت هناك حالة تردد، أي كان هناك وضع مسيحي معين كان يؤدي إلى أن العلاقة مع سوريا فيها تهمة. الآن أصبحت سوريا خارجاً، والمبادرة أقل، ولكن بنفس الوقت نحن أبوابنا مفتوحة، الآن مطلوب من الجانب اللبناني الذي يريد أن يفتح علاقات مع سوريا أن يتحرك، لأن سوريا أبوابها مفتوحة، أي الفرق كبير بين أن تكون موجوداً في لبنان أو بين أن لا تكون موجوداً.
جنبلاط ومعايير العلاقة
÷ الأبواب مفتوحة بدون تحفظ لأية شخصية لبنانية؟
ـ الرئيس الاسد: نحن لدينا أسس في العلاقات، أن يكون الشخص مثلاً لا يؤمن بلبنان عربي، أو أن إسرائيل ليست عدواً؟ أو لا يدعم المقاومة؟ لا، لا نتعامل معه. نحن مواقفنا واضحة، كل شخص يشاركنا المواقف المعلنة لسوريا سياسياً، لا يوجد لدينا مشكلة معه. كل شخص نختلف معه، ربما يكون هناك حوار بهدف إقناعه بما نعتقد، هذا بديهي.
÷ هل تسري قاعدة الأبواب المفتوحة مثلا على النائب وليد جنبلاط، وهل من محاولة إعادة نظر بين الجانبين بالعلاقة التي مرت خلال السنوات الأخيرة ؟
ـ نحن نتحدث عن مبادئ، والمبادئ تقول بأن أي شخص يشارك سوريا مبادئها ويؤمن بالعلاقة السورية اللبنانية وليس العلاقة المصلحية، العلاقة الثابتة وليس المتذبذبة، المبنية على أسس معينة، دعم المقاومة وليس ضرب المقاومة، الوقوف ضد إسرائيل، أي شخص يؤمن بشكل فعلي بهذه المواضيع، يسري عليه هذا الموضوع، وبغض النظر عن الأسماء، لا يوجد استثناء. هذه هي المعايير. إذا كانت تنطبق عليه فالأبواب مفتوحة، وإذا كانت لا تنطبق عليه فالأبواب مغلقة.
÷ في الفترة الأخيرة هو يبعث رسائل شبه يومية ابتداء من سوريا وصولاً إلى إيران، طبعاً ناهيك عن المقاومة..
ـ أنا أعطيتكم المعايير وأترك القياس لكم. والبوابة الحقيقية هي المبادئ والأسس التي نعمل وفقها، نحن لا نعمل وفق مزاجيات، لا مزاجياتنا ولا مزاجيات غيرنا.
÷ هناك موضوع خطير وحساس جداً هو ملف اغتيال رفيق الحريري، وكل ما صدر عن سوريا في هذا المجال مقتضب ومرتبك أحياناً وغير محدد تماماً. اليوم وبعد أربع سنوات من تلك الجريمة، هل أصبح لديكم ملف واضح عن الجريمة وتفاصيلها؟ ومن وكيف والظروف؟ غير الاستنتاجات السياسية؟
ـ من الناحية الأمنية لا يوجد لدينا أية معلومة عن الموضوع، وكان هذا مجال التعاون بيننا وبين لجنة التحقيق، طلبوا كل المعلومات ونحن تعاونا، ولكن لا يوجد أية معلومة لها علاقة، لأننا بالأساس نحن خرجنا مباشرة بعدها من لبنان، وانقطعت العلاقات بيننا وبين كل الجهات اللبنانية رسمياً، فلا تستطيع أن تقوم بعملية بحث عن المعلومات، أو تحقيق مبدئي بدون علاقة مع أجهزة لبنانية. فعلياً، لا، لا يوجد لدينا أي شيء، وأعتقد أنه حتى الأجهزة الصديقة والشقيقة لا يوجد لديها أي معلومات.
÷ عند اغتيال الحريري هل كان يجب اعلان مسؤولية معنوية عن الاغتيال باعتباركم كنتم سلطة موجودة، عسكر وأمن في لبنان؟
ـ لا، هذا الكلام خطأ. بأنه كان علينا أن نعلن المسؤولية، لا نعلن مسؤولية نحن لا نحملها. مسؤوليتنا ليست حماية الشخصيات اللبنانية ولا الحفاظ على الأمن في لبنان، وإنما مسؤولية القوات السورية كانت حماية لبنان من التقسيم ومن الحرب الأهلية ودعم الأجهزة اللبنانية الموجودة، من جيش، شرطة، أمن، كانت مهمتنا دعمها وليس الحلول محلها، فمن الخطأ أن نتحمل مسؤولية لا نحملها.
÷ ولا حتى معنوياً؟
ـ ولا معنوياً أبداً، هناك مسؤولية حرفية. ما المقصود بالمسؤولية المعنوية؟ ما هو تفسيرها قانونياً أو فعلياً؟
÷ لأن الأمن السوري كان موجودا في كل شيء في لبنان؟
ـ في سوريا لا تعرف المخابرات كل شيء، وقد حصل اغتيالات وتفجيرات خلال السنوات الماضية. لا يوجد جهاز أمن يعرف كل شيء في بلده. فكيف في لبنان؟ كانت مهمة الأمن السوري حماية القوات السورية في لبنان التي كانت مهمتها كقوات مؤازرة الأجهزة المعنية وفعلياً الجيش اللبناني.
التعاون مع المحكمة
÷ هناك محكمة دولية أيضاً، أنتم أبديتم استعداداً للتعاون ما بعد فترة ديتليف ميليس التي كان لديكم ملاحظات عليها. هل ترون اليوم أن المحكمة مازالت محكمة مسيّسة وتخضع لاعتبارات سياسية؟
ـ لا يوجد لدينا دلائل، لا نستطيع أن نقول أنها مسيّسة أم غير مسيسة، ولكن نقول أنه لا توجد ضمانات في أي اتجاه، لا يوجد لدينا مؤشرات، لابد من انتظار مؤشرات فعلية، حقيقية، لكي نحكم، ولكن من المبكر أن نتحدث بذلك.
÷ الى اين قد تصل حدود تعاونكم مع المحكمة ؟
ـ حسب القانون السوري، أي مواطن سوري يخضع لسلطة القضاء السوري. فأي تعاون بغض النظر عن حدوده يخضع لأي اتفاقية بين المحكمتين، وأي اتفاقية يجب أن تأخذ بالاعتبار حقوق المواطن السوري، بكل بساطة، كيف؟ تقنياً هذا بحاجة لنقاش بين المختصين، ولكن لم يطرح علينا هذا الموضوع حتى الآن، أي نوع من التعاون لكي نقول ما هو من الناحية التقنية شكل التعاون، ولكن هذه هي المبادئ العامة التي تحكم التعاون بين أي محكمة خارجية والقضاء السوري وهذا الشيء ينطبق على المحكمة الدولية.
÷ هل ستسهّلون في هذا المجال؟
ـ لا توجد لدينا أية مشكلة. طبعاً، طالما أن حقوق المواطن السوري محفوظة بحسب الاتفاقية، لا توجد لدينا مشكلة.
÷ نسبة كبيرة جداً من اللبنانيين تؤمن بأن سوريا قتلت الحريري، حتى سعد الحريري أعلن أن سوريا اغتالت رفيق الحريري، وكل الناس يعتقدون أن المحكمة ذاهبة بهذا الاتجاه، عندما قالوا رؤساء الدول ومسؤولين، من الواضح أنكم انتم المعنيون. ماذا تقولون لهؤلاء اللبنانيين؟
ـ اولا الاتهام يُبنى إما على الدليل أو على المؤشرات، فإذا لم يكن هناك دليل، ننتظر التحقيق حتى يحضر دليلاً، لكن المؤشرات، ما هي المؤشرات؟ هل كان عدواً؟ هل كان خصماً؟ لماذا يُقتل من قبل سوريا؟
÷ يقولون إنه القرار 1559؟
ـ أنا قلت لكم أن هذا القرار كان بين شيراك وبين بوش، أي أنه خيار دولي ولم يكن خياراً لبنانياً، تماماً كهؤلاء الذين يقولون نحن كنا وراء قانون محاسبة سوريا. لم يكن أحد وراء هذا القانون، ولو بذل مجهوداً لم يكن أحد وراءه. فلا يأتي أحد ليقول أنه كان وراء القرار 1559، هذا قرار دولي، كان صراعاً دوليا، فهذا الكلام غير صحيح. يقولون إنه كان وراء 1559 وهذا يعتبر اتهاماً للحريري وذلك فيه إهانة له. ليس لاحد علاقة بالقرار 1559 من الناحية الفعلية، هو فكرة خارجية.
÷ أي أنه ليس لديكم سبب لقتل الحريري كما تقولون؟
ـ إذا كان أصعب شيء بالنسبة له هو التمديد، فهل وقف هو ضد التمديد؟ بعد ذلك أصبح مع التمديد، وكان يقول إن الرئيس شيراك غضب منه لأنه سار بالتمديد، أي أنه مشى مع ما ترغب به سوريا ضد إرادة القوى الأخرى، فأين هو المنطق؟ يجب أن يكون هناك القليل من المنطق على الأقل.
÷ ماذا عما يُحكى عن لقاء متوتر وأنه خرج من عندكم ..
ـ لا، كل ذلك غير صحيح. أنا عندما ألتقي مع شخص بشكل رسمي أتعامل ضمن أسس رسمية، لا أبني علاقاتي على الأساس الشخصي، العلاقات الشخصية أدعها في المنزل، فأنا أتعامل معه على أنه رئيس وزراء وأنا رئيس جمهورية، أتعامل بهذا المنطلق الرسمي، لا يوجد عواطف شخصية، توتر أو عدم توتر، هناك مواقف واضحة، مواقفه من المقاومة كانت واضحة، هل وقف يوماً ضد المقاومة؟ هل وقف ضد عروبة لبنان؟ هل وقف ضد العلاقات السورية؟ لا بد لهم أن يقدموا مؤشراً منطقياً، هم يقولون سوريا، لماذا سوريا؟ لم يقدموا لنا أي مؤشر منطقي لهذا الموضوع، لذلك نحن لم ندخل في جدال.
÷ بالمقابل، سوريا لم تبرر نفسها كفاية باعتبار أن كل شيء كان من مسؤولية سوريا، وأنها كانت مسؤولة عن كل ما في لبنان ومن فيه؟
ـ هذا الكلام غير منطقي، ولا يعني أن سوريا تتحمل مسؤولية أمن كل شخص، لماذا لم يتم تحميل سوريا مسؤولية اغتيال إيلي حبيقة؟ هناك شخص من حزب الله وضعوا قنبلة بسيارته، لماذا لم تتهمونا بقتله؟
÷ من كان المستفيد من توظيف الاغتيال في وجهكم، كيف انقلب الحلفاء فجأة وأصبحوا يستفيدون؟
ـ لا تنس أنه كان هناك جو يُحضّر، الموضوع بدأ في 2003 كما قلت، حتى الجو في لبنان بدأ بالتغيّر في نفس العام وليس بعد، ليس بالقرار 1559، كانت محضَّرة ومهيأة وكان هناك عمل مستمر.
÷ الاغتيال جاء كمحطة دفع لهذا الموضوع…
ـ تماماً، وتم تسويق الاغتيال خلال دقائق، وخلال دقائق كانت سوريا متهمة.
÷ هل لديكم تقدير في السياسة من قتل رفيق الحريري؟
ـ لا، هذا موضوع جنائي. إذا لم يكن لديك دليل جنائي، فالتقدير السياسي ليس له قيمة، نحن لا نعرف خلفية العملية لكي نقدّر سياسياً.
÷ تحدثتم عن هدفين لهما علاقة بوحدة لبنان وتحريره، هل هناك مقاربة استراتيجية سورية للعلاقة مع لبنان اليوم وفي الغد؟ ما هي عناوين هذه الاستراتيجية؟ ثانياً هل موضوع سوريا ووجودها العسكري في لبنان اليوم وغداً هو جزء من هذه الاستراتيجية؟
ـ لا، بالعكس، طالما بدأنا بالانسحاب قبل كل هذه الظروف فنحن مقتنعون بأن القوات السورية لا يجوز أن تبقى، وأنا في أول مقابلة تلفزيونية لي بعد الرئاسة في عام 2001 قبل ذهابي إلى فرنسا مع التلفزيون الفرنسي، سألني المذيع متى تنسحب القوات السورية من لبنان؟ فقلت له أن المكان الطبيعي لأي قوات عسكرية هو في أراضيها. هذا الكلام كان في 2001 لم يكن هناك ضغط دولي وكنا في كل مؤتمر صحافي مع رئيس يقول أن الوجود السوري في لبنان ضروري. فمع ذلك أنا كان لدي قناعة بسحب القوات السورية من لبنان.
÷ الآن يمكن أن يبدأوا بالقول ذات الشيء، إنه ضروري….
ـ لا، وجود القوات العسكرية له ظرف مثل ظرف الحرب الأهلية، أما الآن لا أرى في لبنان أي ظرف يستدعي وجود أية قوات عسكرية، هناك جيش لبناني قادر، هناك مؤسسات لبنانية قادرة ضمن حد معين أن تقوم بواجبها، ولبنان تمكن في عام 2000 من تحرير نفسه، فإذاً لبنان نضج بهذا الاتجاه. الجيش اللبناني تمكن في مفاصل صعبة مر بها لبنان في السنوات الأخيرة، من أن يكون على الأقل المؤسسة التي توحد اللبنانيين. فإذاً لبنان ليس بحاجة لقوات عسكرية، فبالنسبة للبنان وبالنسبة لسوريا لا داعي للتفكير بهذا الموضوع.
÷ والاستراتيجية؟
ـ أولاً طالما قلنا في الأخطاء بأننا دخلنا في التفاصيل اللبنانية أكثر من اللازم، فمن البديهي ألا ندخل فيها، ونترك للبنانيين الدخول في التفاصيل اليومية بأي موضوع. النقطة الثانية هي التعامل مع المؤسسات اللبنانية، نحن الآن نتعامل مع كل المؤسسات اللبنانية، وكما تلاحظون فإن العديد من الوزراء في الحكومة اللبنانية الذين ينتمون لتيارات مختلفة في لبنان أتوا إلى سوريا، وإن نظراءهم من السوريين الذين ذهبوا إلى لبنان التقوا بنظرائهم الذين ينتمون إلى قوى أخرى أيضاً متنوعة، هذا الشيء مستمر. نحن بالنسبة لنا في سوريا اتخذنا قراراً بأن التعامل مع المؤسسات ليس له علاقة بالتفاصيل اللبنانية، طالما أن هناك حكومة تسمى حكومة وحدة وطنية، وهناك إجماع حول هذه الحكومة. فإذاً التعامل أولاً مع المؤسسات اللبنانية هو مبدأ أساسي بالنسبة لنا.
÷ وجود السفارة بالمعنى المؤسساتي هل له دور؟
ـ طبعاً السفارة مؤسسة، ومن الطبيعي أن تلعب دوراً، ولكن علينا أن نضع كل نوع من أنواع العلاقة وكل مؤسسة في حجمها الطبيعي، وفي إطارها. النقطة الثانية هي أن التعامل مع أي موضوع لبناني يمس سوريا يكون من خلال الإجماع اللبناني، أي موضوع لبناني سواء كنا نتفق معه أو نختلف معه، لا يوجد حوله إجماع أو يوجد حوله انقسام، لا تتعامل معه سوريا. ننتظر حواراً لبنانياً يؤدي إلى إجماع ويعلَن ونتعامل معه. هذه هي المبادئ الأساسية الآن للعلاقة مع لبنان.
دور الرئيس التوافقي
÷ بهذا المعنى لديكم تقدير خاص لدور الرئيس ميشال سليمان في مجال تعزيز الحوار والاندفاع به؟
ـ لا شك أن دور الرئيس أساسي، ونحن بالنسبة لنا موقع رئاسة الجمهورية، خاصة بعد الطائف وتراجع الصلاحيات، لابد أن يأخذ بالمقابل دوراً معنوياً سياسياً أساسياً، وهذا الدور خاصة في هذا الظرف، هو دور توافقي، فأي عملية توافق حول أي موضوع، لرئاسة الجمهورية دور أساسي فيها. هذا كان الهدف من الدوحة، أن يأتي رئيس توافقي يقوم بعملية مصالحة حول القضايا الخلافية.
÷ هل يلعب الرئيس ميشال سليمان بتقديركم، هذا الدور؟
ـ يلعب أو لا يلعب هذا تقدير لبناني. لا أستطيع أن أقدّره من سوريا، ولكن نحن ندعمه في لعب هذا الدور. وقلت له منذ اليوم الأول نحن ندعم موقع رئاسة الجمهورية كما دعمناه سابقاً أيام الرئيس لحود وأيام الرئيس الياس الهراوي مع أن كل رئيس كان لديه صفات مختلفة عن الآخر، وربما توجهات مختلفة، لكن نحن ندعم الموقع، لأنه هو الأساس، وإذا لم تتمكن رئاسة الجمهورية من لعب دور أساسي، فهناك مشكلة في لبنان.
÷ إذاً بهذا المعنى أنتم تدعمون طرح الرئيس بقيام كتلة وسطية في لبنان.
ـ هذا موضوع يختلف، هذا موضوع لبناني لبناني، كتلة وسطية ومثل هذه التفاصيل نحن لا ندخل فيها.
÷ لا تتدخلون اليوم، ولا حتى للتقريب في وجهات النظر بين حلفائكم؟
ـ إذا طلب منا الطرفان أن نقرّب في وجهات النظر، سنساهم. ولكن حتى الآن لم يطلب منا أي طرف أن نقرب وجهات نظره من الطرف الآخر، وأعتقد بأن اللبنانيين أقدر على حل مثل هذه التفاصيل، لذلك لن يطلب أحد من سوريا، بحسب توقعي، أن تتدخل في هذا الموضوع، وهذا أفضل لنا ولهم.
÷ الشائعات في بيروت تقول إن بعض الاتفاقات مازالت تتم في سوريا في الشأن الانتخابي، وإن لسوريا دورا في الانتخابات في إنجاح فريق ولها مصلحة ربما استراتيجية في وصول المعارضة للأكثرية؟
ـ نحن نلتقي مع كل اللبنانيين ونتحدث معهم في كل شيء ونسمع آراءهم ونعطي آراءنا، وهذا الشيء طبيعي بالحوار، إلا إذا كان المطلوب من سوريا أن يكون لها فقط آذان وفم مغلق. نحن نتحدث ولكن لا نتدخل. بكل الأحوال التفاصيل تغيرت في لبنان، وهذه نقطة مهمة جداً، اليوم الخريطة السياسية تختلف عن الوقت الذي كنا فيه، ولو أردنا أن نتدخل في التفاصيل فلن يكون لدينا نفس القدرة على القيام بذلك كما لو كنا موجودين في لبنان.
÷ القدرة على التأثير؟
ـ لا، ليس على التأثير، بل على فهم التفاصيل بخريطتها الجديدة. هذه التفاصيل اللبنانية بحاجة إلى وجود يومي واحتكاك يومي وفي كل ساعة. الآن نحن نرى الخطوط العامة في لبنان، ولكن لا نستطيع أن نرى نفس التفاصيل كما كانت بنفس الأسماء، الأسماء تغيرت توجهاتها، التحالفات تغيرت بتفاصيلها الدقيقة، لا يمكن أن نفهمها ولسنا مضطرين إلى ذلك، لم يعد لدينا نفس الاهتمام كما كان سابقاً، وكما قلت إذا كان هذا جزءا من الأخطاء، فهل من الممكن أن نكرر نفس الأخطاء؟
÷ هل من الممكن أن تستمر العلاقات على هذا النحو، أي أن تتعاطوا مع لبنان فقط بالخطوط العريضة؟ خاصة وأنه خاصرتكم؟
ـ لا، نحن الآن، كما قلت، نتعامل مع لبنان الذي لم يندمل جرحه بشكل كامل، هناك جهات لا تريد العلاقة مع سوريا، وهناك جهات تريد العلاقة مع سوريا. فلا بد أن نترك مسافة بيننا وبين لبنان حتى يندمل هذا الجرح الذي هو جرح لبناني لبناني، بين اللبنانيين، ويتفقوا على شيء واضح، عندها سنقترب أكثر من لبنان، ولكن بالتوافق مع اللبنانيين. أما أن تبقى سوريا بعيدة، لا يمكن. فلبنان وسوريا بلدان متجاوران، والتفاصيل يومية بينهما، بالمحصلة لا بد أن يكون هناك تأثير متبادل بين البلدين، والشيء نفسه بين سوريا والعراق.
÷ هل يمكن تصوّر سوريا بدون نفوذ في لبنان سياسياً؟
ـ لا، لا يمكن أن تتصور بلدين بعلاقة طبيعية متجاورين بدون نفوذ متبادل، هذا شيء بديهي ضمن العلاقات السياسية بين الدول. سوريا والعراق، سوريا وتركيا، سوريا والأردن، كل الدول تتأثر ببعضها. فعدم وجود نفوذ على الإطلاق يعني عدم وجود علاقة على الإطلاق. هذا الكلام غير منطقي.
÷ كيف تصفون النفوذ اللبناني في سوريا؟ هل يوجد نفوذ لبناني في سوريا؟
ـ عندما نقول بأن الحرب الأهلية في لبنان قادرة على تفجير دول بعيدة، ليس سوريا فقط وإنما دول عربية بأكملها، وهذه القناعة ليست في سوريا فقط. أنا سألت أكثر من مسؤول في دول عربية بعيدة، قلت له لو انفجر الوضع في لبنان في إحدى المرات، كيف يكون الوضع عندكم؟ قال ينفجر الوضع لدينا. هذا بديهي. اليوم لماذا تخشى كل الدول العربية من انفجار الوضع في العراق؟ لأنه سيفجر المنطقة كلها معه، ليس فقط الدول المجاورة، فمن البديهي أن يكون هناك نفوذ متبادل. هذه النقطة الأولى. والنقطة الثانية، هناك القربى والعلاقات الاجتماعية والعلاقات السياسية، والوضع الأمني في لبنان الذي أثر ويؤثر. القضية واضحة. فطبعاً نتأثر. القضية ليس لها علاقة ببلد كبير وبلد صغير، وليس لها علاقة بعدد سكان، وليس لها علاقة بنوع النظام السياسي الموجود، لها علاقة بالوضع الجيوبوليتيكي الطبيعي.
÷ هل تعتقدون أن المحطة التي أتت بعد حرب تموز 2006 إلى لحظة اتفاق الدوحة، هل كان الخطر متصاعداً بحيث يكون لكم تدخل بشكل تصادمي؟
ـ لا، بالعكس قبل اتفاق الدوحة كان الانقسام اللبناني اللبناني أكبر بكثير، وكما قلت قبل قليل، نحن اعتمدنا مبدأ بأنه عندما يكون الانقسام كبيراً نبتعد أكثر وليس العكس، نحن نستطيع أن نقترب من لبنان أكثر عندما يتوافق لبنان على القضايا الخلافية، فالعكس صحيح، عندما يزداد الانقسام نحن نبتعد.
÷ ولكن هل كان ذلك يشكل تهديداً عليكم؟
ـ طبعاً، إذا انقسم لبنان سيشكل تهديداً، الوضع الأمني، هذا الانقسام انعكس بخلل أمني في الشمال، فدفعت سوريا الثمن. بنفس الوقت كان المقر الأساسي للإرهابيين انتقل من العراق إلى شمال لبنان، وبدأت سوريا تعتبر ممراً لهؤلاء، والهدف كان العراق بشكل أساسي.
÷ تحدثتم عن أخطاء ارتكبت في لبنان ومن بينها ربما المعتقلون في السجون السورية. متى سيقفل هذا الملف نهائياً بين لبنان وسوريا؟
ـ ما هو تعريفك للمعتقل؟
÷ الذي ربما سيق من لبنان إلى سوريا بتهم…
ـ لا، لا يوجد لدينا أي شخص، هؤلاء جميعاً خرجوا عام 2002.
÷ أهالي المعتقلين يطالبون دائماً ويقولون بأن بعضهم رأى أو سمع أو أُبلغ…
ـ لماذا علينا أن نصدق من قال هذا الكلام؟ في الواقع لا يوجد. لماذا أخرجنا جزءاً منهم في الـ2002 وأبقينا الباقي؟ ماذا تفعل سوريا بهؤلاء؟ نقايضكم؟ لا يوجد لديكم أسرى سوريون لكي نقوم بعملية مبادلة. سؤال منطقي. ماذا تفعل سوريا بسجين لبناني موجود لديها؟ لدينا مساجين جنائيون، شخص قام بعملية تهريب مخدرات، وارتكب جريمة، موجودون يخضعون للقانون السوري لديهم محام ومعلن عنهم، ويمكن لأي قريب أن يزورهم ويتم التبادل حسب الاتفاقيات القضائية بين الدول، ولكن أن يكون هناك شخص لا نعلن عنه ونعتقله لسبب ما ونخفيه لسبب ما.. ماذا نفعل به؟ هذا هو السؤال.
÷ أنتم تقولون لا يوجد لديكم معتقلون غير معلن عنهم؟
ـ تماماً، بكل تأكيد.
÷ كيف سيندمل هذا الجرح، أهالي المعتقلين في لبنان في تظاهرة شبه دائمة مطالبين بمعرفة مصير أبنائهم.
ـ هذه قضية لبنانية، البعض يستخدمها للتحريض، هذا موضوع آخر. ولكن بالنسبة لنا في سوريا فنحن نتعامل مع الوقائع، زارونا عدة مرات وهنالك لجنة سورية لبنانية تتحدث عن معتقلين سوريين أو مفقودين سوريين أكثر من اللبنانيين في سوريا المُدَّعى أو الذين يدعون أنهم موجودون في سوريا. هذه القضية قانونية، تُحل بشكل قانوني. أما بالنسبة للجنة أهالي المفقودين فعليهم ألا يخضعوا لتجاذبات سياسية في لبنان. وهناك دولتان، دولة سورية ودولة لبنانية، وهناك لجنة مشتركة تشكلت عندما كان الرئيس ميقاتي رئيساً للحكومة وكانت تقوم بعملها. طبعاً توقف هذا العمل خلال فترة حكومة السنيورة الأولى قبل اتفاق الدوحة، لا يوجد لدينا مصلحة في إبقاء أي شخص في السجن.
÷ هل يمكن أن يكون هؤلاء قد توفوا أو قُتلوا في مرحلة من المراحل؟
ـ توفوا أو قتلوا أين؟ أولاً أتتنا لائحة بمئات الأسماء، القسم الأكبر من هذه الأسماء، أي المئات، ليس لاسمه أي وجود على الحدود أنه دخل إلى سوريا. ثانياً، قُتلوا أين؟ كانت هناك حرب أهلية، ألم يكن هناك قتل على الهوية وإلخ… لا أحد يعرف أين هم… أين قُتلوا… أنت في حرب أهلية، كيف تحمّل سوريا المشكلة، والحرب الأهلية في لبنان؟ حتى لو كانت سوريا موجودة. فأولاً العمل المنطقي يبدأ بنفي وجود هؤلاء في لبنان، وكل يوم تخرج مقابر تثبت أن جزءاً من هؤلاء موجود في لبنان، واكتُشفت جثثهم في لبنان، ولكن كان يقال بأنهم معتقلون في سوريا. الآن أعتقد بأن القضية هي حول بضع عشرات غير معروف عن مصيرهم شيء، نحن نحاول أن نبحث، هل دخل إلى سوريا بطريقة ما ونحن لا نعرف؟ هل دخل باسم مزوّر مستعار؟ هل قُتِل في لبنان؟
÷ يقال بأن بعضهم خُطف خاصة في فترة ما سمي بحرب التحرير؟
ـ في الحرب تحصل أشياء كثيرة، أي لا توجد لديك تفاصيل حول كل ما يحصل. في الحرب تحصل فوضى، من يقتل من، من يخطف من، كيف تتم الأمور، لا أحد يعرف، لا توجد سجلات.
22 طياراً لطائرة المصالحة
÷ تحدثتم عن موضوع إقلاع طائرة المصالحة، وأن هذه المرحلة حرجة، هناك محطة ستمر فيها هذه الطائرة بعد الإقلاع هي الدوحة. إلى أين ستصل هذه الطائرة؟ ما هو تصوّر سوريا؟
ـ تسألني عن طائرة فيها 22 طياراً، لست أنا الطيار الوحيد لأقول لك تماماً أين ستصل، ولكن دعني أقل لك النيات. النيات أن ننتهي من الخلافات، ليس بمعنى إلغاء الخلافات، فكل يوم لديك موضوع جديد، وكل يوم لديك خلاف، هذا طبيعي، وعلاقاتنا الجيدة مع بعض الدول العربية لا يعني أنه لا يوجد خلافات، أو غيرها من الدول غير العربية، لكن كيف تدير الخلاف؟ هذا المصطلح الذي طرحته، وهذا المصطلح الذي ركزت عليه خلال القمة الرباعية في السعودية. من حق الدول أن يكون لديها توجهات مختلفة، طالما أن الظروف مختلفة فليس من المنطقي أن يكون لدينا رؤية أو رؤى متطابقة، وليس من المنطق أن نكون متطابقين، ولكن مشكلتنا كعرب كيف ندير الخلافات، هل لك الحق في أن تختلف معي؟ لك الحق. إذا اتفقنا على هذا المبدأ يصبح الحوار سهلاً، الحوار يستمر، يطول، ليس له علاقة بالقمم. قد يصل إلى نتائج مبكرة، وقد يصل إلى نتائج متأخرة، وقد لا يصل إلى نتائج، قد نبقى في مواقع مختلفة، ولكن لماذا لا تستمر العلاقة بشكل جيد في القضايا الأخرى؟
÷ هل ادارة الخلاف بمثابة إعلان اليأس من الوضع العربي؟
ـ بالعكس، لو عدت إلى علاقات الدول مع بعضها، أوروبا انقسمت حول حرب العراق وبقيت مختلفة حول الدور الأميركي والحرب نفسها ولكنها أعادت علاقاتها، القضية أبداً ليست يأساً، من غير المنطقي ألا يكون هناك خلاف.
÷ كيف تصفون جوهر الخلاف العربي؟
ـ كنا نختلف مثلاً حول دولة، الآن قل لنختلف حول قضية، لنضع القضية ومن ثم لنر من هي القوى المؤثرة في هذه القضية، ونختلف مع هذه القوى في هذه القضية، فمثلاً، أنا إذا أردت أن أختلف مع لبنان حول موضوع فربما اتفق معه حول موضوع آخر، فلماذا أختلف معه كلياً، سيكون هناك تعاون في موضوع ويكون هناك اختلاف في موضوع، هكذا بدأنا بتوصيف الخلاف.
÷ هل هناك خلاف أيضاً حول النهج، مثلاً تجاه الموضوع الفلسطيني، تجاه موضوع المقاومة في المنطقة؟
ـ هناك خلافات في المقاربة، نحن نريد من الجميع ألاّ ندخل في التفاصيل الفلسطينية، ألاّ ندخل في الأسماء، هذا مبدأ نقوله للعرب ونقوله لغير العرب، لماذا نقول نحن مع حماس أو مع فتح، نحن مع الفلسطينيين، نحن علينا أن نقوم بدور تسهيلي لعملية المصالحة، لا أن نقول بأن هذا كان على حق وهذا كان على خطأ، عندما تقول هذا على حق وهذا على خطأ فأنت أصبحت طرفاً وعندما تصبح طرفاً لا تستطيع أن تقوم بدور في المصالحة. هذا مثال عن كيف يكون هناك خلاف حول المقاربة نسميها منهجا أو مقاربة، لا يهم. نختلف مع دولة أخرى، البعض يطرح إيران، يختلف مع إيران في بعض القضايا، لماذا لا يذهب إلى إيران ويقول لها نحن نختلف معك في الأمور التالية، ونُبرز أشياء تثبّت وجهة نظره. أُعطي أمثلة: موضوع لبنان، يقول البعض ندعم حكومة فلان سابقاً، أقول نحن ندعم الدولة اللبنانية لا ندعم حكومة… هل ندعم حكومة ولا ندعم مجلس النواب، أو ندعم حكومة ومجلساً ولا ندعم رئاستيهما، هذا خطأ، كمنطق خطأ، نقول ندعم الدولة اللبنانية، ندعم الإجماع اللبناني، أي نحاول أن نطرح مفاهيم توحدنا كعرب، نختلف في التفاصيل لا يهم، ولكن على الأقل نتفق في العناوين.
÷ الشيطان يكمن في التفاصيل أولاً، ثانياً معظم قضايانا تفاصيل، مع الأسف القضايا الكبرى، تناثرت فأصبحت تفاصيل، كانت هناك قضية فلسطينية وكان هناك إجماع عليها، القضية الفلسطينية أصبحت تنظيمات، عبر الصراع مع إسرائيل انقسم العرب، وانقسم الفلسطينيون… لا يمكن أن تتعامل مع الموضوع بكليته، وتهمل القوى المؤثرة فيه؟
ـ صحيح، ولكن عندما نعود إلى التفاصيل القضية عائلية، والتفاصيل من مهام العائلة وليس من مهام الجيران، نحن جيران ونحن أخوة ولكن إذا كانوا هم أخوة في المنزل الصغير ونحن أخوة في المنزل الكبير فالتفاصيل من مهامهم وليس من مهامنا، نحن من مهامنا العناوين الكبرى ومن مهامهم التفاصيل. ولكن إذا كنا نحن سنتعامل مع هذه التفاصيل، فما هو دور الفلسطينيين، هذا هو السؤال، فإذاً، نحن نترك التفاصيل للفلسطينيين، ونحن نُسهّل عملهم.
÷ الفلسطينيون مختلفون في السياسة، مثلما السوريون واللبنانيون مختلفون في السياسة، والخليجيون والإيرانيون مختلفون في السياسة، وبالتالي الخلاف سياسي وليس خلافاً شخصياً أو خلافاً حول التفاصيل، منهج أبو مازن في اتجاه ومنهج حماس أو الجهاد الإسلامي في اتجاه آخر، إذاً هناك اتجاهات سياسة متعارضة؟
ـ أنا اتفق معك، ولكن هذا لا يعني أن أحل محلهم، وهذه هي الفكرة، إذاً لماذا نطرح الحوار الفلسطيني، لماذا لا نتحاور كعرب ونقول للفلسطينيين انتظروا الحوار العربي ـ العربي، ما هو الدور الفلسطيني؟ الدور الفلسطيني هو الحديث عن التفاصيل، الدور العربي هو أن نضع منهجية للحوار الفلسطيني تساعد الفلسطينيين، يوافق عليها الطرفان الفلسطينيان أو الأطراف ومن ثم يسير قطار المصالحة، ولكن لا نستطيع أن نحل محلهم.
÷ انطلاقاًَ من المبادئ الأساسية لمنظمة التحرير، الوحدة الوطنية الفلسطينية، الاتفاق على الانتخابات؟
ـ هذا صحيح، ولكن هل أحدد بدلاً منهم العناوين، هم حددوا، هم اختلفوا على العناوين، وعليهم أن يحددوا كيف يسيرون، إننا ساعدهم، هذا الأمر طبعاً بحاجة إلى عناوين تحت عناوين نتحدث بها، ولكن اقصد أن التفاصيل من واجب الفلسطينيين وإلا نحل محلهم وننقسم أكثر، دخولنا في التفاصيل يجعلنا أكثر انقساماً من اليوم.
÷ هل من الممكن أن يصل الحوار الفلسطيني في القاهرة إلى إعادة صياغة الوضع السياسي الفلسطيني ؟
ـ نحن ننتظر، لا يوجد لدينا معطيات.
÷ انسحاب العرب من التركيز على التفاصيل الداخلية، سواء كانت في الملفات اللبنانية أو الملف الفلسطيني ألا يسمح لآخرين، من قوى إقليمية أو دولية، بالعمل على هذه التفاصيل؟
ـ النتيجة واحدة، إذا كان هناك عمل لأي جهة تحل محل أصحاب العمل الأساسي فالنتيجة واحدة، المطلوب منا هو أن نملأ الفراغ ليس في الحلول محلهم وإنما في مساعدتهم، إذا قرر اللبناني أو الفلسطيني أو العراقي بأن التفاصيل تسلم لجهة أخرى فالنتيجة واحدة، سواء سلمها للعرب أو لغير العرب، المحصلة هي تخريب الوضع وتأزيمه، أما إذا كان هناك قرار تحت عنوان الوطنية والقرار الوطني والاستقلال على مستوى هذه الدول الثلاث فلا بد أن يبدأ الموضوع من عندهم بمساعدتنا ولكن مع كل أسف البعض دائماً يربط هذه التفاصيل بالخارج وهذا خطأ.
÷ وصفت العلاقات العربية ـ العربية في المقدمة بالسيئة.
ـ قلت قبل الحرب على غزة، الآن بدأت تتحسّن.
÷ هل لب الصراع هو الموقف من المقاومة في المطلق، من مقاومة إسرائيل أو الموقف من إسرائيل؟
ـ لا، الغريب أن القضية هي مأسسة الخلاف ومقاربة الخلاف، لأنه لو وصلنا إلى الجوهر الكل معادٍ لإسرائيل، الكل يعتبر إسرائيل عدواً.
÷ لكنهم اتخذوا مواقف معادية للمقاومة خلال 2006، وفي غزة؟
ـ هذه هي المقاربة، مقاربة الموضوع.

طائرة المصالحات العربية أقلعت… ولكن ما زلنا في مرحلة حرجة سوريا تغيرت خلال 7 سنوات ونسعى إلى توسيع المشاركة في الحكم
÷ هل يكرهون إسرائيل والمقاومة معاً؟
ـ قد تستطيع أن تنظر إلى المقاومة كمقاومة وتستطيع أن تنظر إليها بأوجه أخرى، لذلك حسب النظرة التي تنظر من خلالها إلى المقاومة. كمبدأ لا أعتقد بأن أحداً ضد المقاومة، ربما يحصل أيضاً خلاف في التفاصيل، أنه يجب أن تقوم المقاومة بهذا العمل أو يجب ألا تقوم به، هنا نعود إلى نفس النقطة، نحن لا نحل محل المقاومة، المقاومة وشعبها هما الأقدر على أن يحددا آلية العمل وكيفيته وهذه نقطة. المشكلة بالمنطق العربي، نحن ندخل في التفاصيل ونضع أنفسنا محل أصحاب العلاقة. عندما ندخل في التفاصيل هناك خلاف، أنا أعتقد بأن المقاربة يجب أن تكون بهذا الشكل وبلد آخر يعتقد بشكل آخر، نختلف ونختلف مع المقاومة وحول المقاومة، أما عندما نبقي المبدأ فقط ونقول القضية هي قضية أصحابها ونحن علينا فقط أن نقف معهم، لا يوجد خلاف. وأعود لأقول دائماً إن المشكلة هي الدخول في التفاصيل، والحلول محل الآخرين.
÷ هل يمكن أن نصف المشهد وأنتم داخلون إلى القمة، هل مصر ستذهب؟
ـ لا أعرف، لا يوجد معلومات؟
÷ هل تمّ حل الإشكال بين مصر وقطر؟
ـ خلال وجودنا في قمة الرياض لم نتمكن من حله وخاصة أن قطر لم تكن موجودة.
÷ كان هناك فيتو مصري على وجودها؟
ـ هذا الموضوع طرح مع السعودية ولم يطرح مع سوريا، أنا كسوريا تحدثت في ضرورة تحسين العلاقة بين مصر وقطر.
÷ إذاً كنت وسيطاً؟
ـ عندما تستطيع لا بد من أن تلعب دور الوسيط وهذا جيد، ولكن أنا لست وسيطاًً، نحاول دفع هذا الموضوع… الحقيقة، السعودية لعبت دوراً في هذا الموضوع، والكويت كانت موجودة والكل يريد أن يلعب دوراً في هذا الاتجاه وهذا شيء جيد ولكن الموضوع بحاجة لوقت، أن نتحدث عن هذا الموضوع قبل قمة الدوحة فيه شيء من عدم الواقعية.
÷ ألهذه الدرجة الخلاف كبير؟
ـ ليس لأنه كبير، ولكن نحن كعرب بحاجة إلى وقت، طالما أن الموضوع غير مُمَؤسس فنحن بحاجة لوقت.
÷ أي الجانب الشخصي هو الأساس؟
ـ لا، ليس جانباً شخصياً، أحياناً سوء تفاهم حول عدد من القضايا، ولكن لا أريد أن أتحدث نيابة عن المصريين، وعن القطريين عن موضوع الخلاف، الأفضل أن يتحدثوا هم، ولكن أنا أتحدث بصورة عامة.
÷ هل كانت مبادرة الملك عبد الله في الكويت مفاجأة بالنسبة إليكم؟
ـ لم تكن لدينا أية معطيات بأن هناك مبادرة ستطرح ولكن بنفس الوقت كانت هناك جهود تبذل قبل القمة بأشهر، خاصة من قبل الكويت، وكانت هناك محاولات للقيام بشيء خلال القمة… لقاء ما، كان هناك حوار بين سوريا والكويت أو في الحقيقة الكويت طرحت مع سوريا هذا الموضوع قبل أشهر من القمة، فقلنا نحن إننا سنكون متجاوبين مع أية مبادرة بهذا الاتجاه، هذا كان جواب سوريا الدائم، ولكن الكلمة بحد ذاتها كانت مفاجأة لأنها لم تكن موجودة على جدول الكلمات، فتم الإعلان بشكل مفاجئ أن الملك يريد أن يلقي كلمة وتم إلقاء الكلمة واعتبرناها مبادرة وتجاوبت سوريا معها، كنت أجلس بقرب الأمير فقال لي لنتحرك، فقلت له نحن مستعدون وبعد انتهاء الكلمة تحرك أمير الكويت مع الملك عبد الله وتحدث معه ومع الرئيس المصري، ومباشرة انتقلنا من القاعة إلى الغداء وتحدثنا وبدأت عملية المصالحة.
÷ هل تنتظرون مبادرة شخصية مماثلة من الرئيس مبارك؟
ـ الحقيقة، نحن بادرنا بطريقة مختلفة، نحن بادرنا مع كل العرب كانت المبادرة من خلال موقف سوري، نحن مع أي مصالحة، أنا شخصياً قمت بالمشاركة في قمة الرياض في ظرف لم تكن فيه العلاقات جيدة في عام 2007، فأنا بادرت وكان هناك لقاء بيني وبين الملك، فسوريا بادرت، والسعودية بادرت في قمة الكويت، والكويت بادرت عدة مبادرات سابقاً وهناك دول عربية أخرى بادرت، عُمان بادرت بشكل مباشر، وعمان لا تحب أن تلعب دوراً إعلامياً، ولكن الآن عندما نتحدث لا بد من أن نذكر الدول التي بادرت.
÷ هل هناك احتمال أن تطير إلى القاهرة وتأخذ معك الرئيس مبارك إلى الدوحة؟
ـ القضية ليست على طريقة العواطف العربية، أنا أريد أن أنتقل بهذه الحالة من الحالة العاطفية إلى الحالة العقلانية في التعاطي، الآن قد بدأنا، وجودنا في الرياض كان مبنياً على هذا الأساس، كانت قد حصلت عدة لقاءات بيننا وبين السعوديين، وكان هناك اتفاق على قضايا معينة، لم نتفق حول كل شيء، وهذا طبيعي، ولكن اتفقنا على أننا أخوة وعلى أن الخلاف لا يحولنا إلى خصوم وأعداء، هذا شيء أساسي.
÷ ومع مصر؟
ـ مع مصر نفس الطريقة ولكن متى وكيف؟ أنا لا أربط المصالحة بقمة، أي لا يهم إن كنا ذهبنا إلى مصر قبل القمة ومن ثم ذهبنا في نفس الطائرة، هذا شكل إعلامي جميل، ولكن نحن الآن نتعامل مع واقع، يجب أن نُوجد طريقة لمقاربة الخلافات.
÷ كنت رئيساً للقمة لمدة سنة، تجربتك لرئاسة القمة هل أضافت إليك وأعطتك أبعاداً أخرى؟
ـ الحقيقة لا، لسبب بسيط وهذا ليس مفاجئاً، لأن مؤسسة الجامعة العربية لم تمؤسس بكل بساطة، وهنا نعود لنفس المشكلة.
÷ لماذا لم تحاول مأسستها وأنت كنت رئيساً للقمة لمدة سنة؟
ـ لأنه لا يوجد لديّ صلاحيات، كيف يكون لديك صلاحيات بدون مؤسسة، لا بد من وجود مؤسسة لوجود صلاحيات، فحقيقةً كنت أتحرك بصفتي رئيساً لسوريا بالدرجة الأولى، بصفة سوريا لاعبا أساسيا في القضايا المختلفة.
÷ نحن ندور في دائرة مفرغة، الرئيس يضع المؤسسات أم المؤسسات تعطي صلاحيات للرئيس؟
ـ في هذا الموضوع مؤسسة القمة هي مؤسسة كل الرؤساء وليست مؤسسة الرئيس. البداية تبدأ من كل الرؤساء الذين هم رؤساء الدول، هم يحددون الصلاحيات المطلوبة للرئيس والأمين العام، أي عملية إصلاح تنطلق من القمة ومن ثم تنتقل للمستويات الأخرى، ولذلك أنا كرئيس للقمة لا أستطيع القيام بالإصلاح. الإصلاح جماعي وليس فردياً، الرئاسة هنا تكون بناءً على الصلاحيات التي تُعطى من القمة للمؤسسات، أنا أو الأمين العام للجامعة العربية، فالبداية تكون من القمة، هذا شيء أكيد.
÷ هل يمكن القول إن ملف الخلافات السياسية والالتباسات الشخصية مع السعوديين قد طويت؟
ـ هي عملية مستمرة، ولكن قطعت خطوات جيدة، كما قلت طالما أن هناك مقاربة صحيحة للخلافات لا توجد مشكلة، علينا أن لا نقلق كعرب من وجود خلاف، علينا أن نقلق من عدم وجود آلية للتعامل مع هذا الخلاف أو من التعامل الخاطئ مع هذا الخلاف وتحويله إلى عداء، فأنا مطمئن بأننا الآن اتفقنا في الرياض على أن الخلافات لن تحولنا إلى خصوم وأعداء، هذا أهم شيء.
÷ ما هي توقعاتك حول طريقة انطلاقة أوباما الجديدة وتعاطيه مع قضايا المنطقة، وهل لديك وساطة بينه وبين إيران؟
ـ أنا لا أحب كلمة «وسيط». نحن نحاول أن نلعب دوراً للتخفيف من المشاكل الكثيرة في المنطقة، نحن مستفيدون مباشرة، نحن لا نلعب دور وسيط، لسنا بحاجة لأدوار.
÷ هل تعتبر نفسك مؤهلاً للعب هذا الدور مع الجانب الأميركي الذي يوجد هناك ما يشبه الخصومة على الأقل من طرفه؟
ـ لا أستطيع أن أقول إنني في الوسط بين الولايات المتحدة وإيران، نحن علاقاتنا مع إيران علاقات استراتيجية، إيران تقف معنا بينما علاقاتنا مع أميركا ليست استراتيجية وأميركا لا تقف مع سوريا إنما تقف مع إسرائيل، فلا نستطيع أن نتصور كلمة وسيط، وكلمة وسيط تقف في الوسط، وأنا لا أقف في الوسط، ولكن أن تساهم… أن تلعب دوراً ما في المنطقة، هذا هو الهدف وليس دور الوسيط . وفيما يتعلق بالرئيس أوباما، فقد سهّل علينا الأمر كثيراً لأنه أعلن موقفه من العراق ومن أفغانستان، أي فكر بالانسحاب من الأولى ومن الثانية، فهذا سهّل علينا الكثير من الأمور التي توقعناها، نحن توقعنا أن تكون أولوية أوباما في هاتين المنطقتين قبل عملية السلام، لأنه يوجد هناك رأي عام أميركي يرى بأن هناك مشكلة بالنسبة لهذين البلدين، أو لهاتين المنطقتين، التعاطي الأميركي معهما فيه خسائر وفيه فشل، وهذا أصبح واضحاً، فهذا يسهل على إدارة أوباما أن تتخذ قرارات جذرية في هذا الموضوع تتفق مع ما نقوله وهو الانسحاب. لكن لا نرى نفس الشيء بالنسبة لموضوع السلام من خلال الوضع الإسرائيلي واللوبي الصهيوني الداعم لإسرائيل، والرأي العام في الكونغرس وما شابه، فلا نتوقع الكثير على الأقل في المدى المنظور في هذا الإطار، خاصة أنه أعلن مواقف واضحة تجاه العراق وتجاه أفغانستان، ولكن حتى الآن لم نسمع موقفاً أميركياً تجاه عملية السلام، هذا يؤكد هذه الرؤية.
÷ خصوصاً أن من سيتولى الحكم في إسرائيل أكثر حكومة يمينية وعنصرية في تاريخها؟
ـ بغض النظر عن إسرائيل، أنا لا أربط بهذا الموضوع، هذا موضوع تكتيكي، ولكن أنا أتحدث بالتراكمات الموجودة بالنسبة لإسرائيل في الولايات المتحدة، وهي تراكمات مزمنة وليست طارئة، أما قضية نتنياهو وغيرها فهي موضوع تكتيكي. مع ذلك من المبكر أن نحكم على هذه الإدارة في موضوع السلام، لا بد من بعض الوقت لأنها الآن بحالة وضع تصورات حول آفاق التحرك الأميركي في عملية السلام. ونحن نفترض أن الوفود التي زارت سوريا، خاصة الوفد الذي أتى من وزارة الخارجية، هي في إطار الاستماع لدول المنطقة حول تصوراتها للمساهمة في وضع تصور للسياسة الأميركية، إذاًَ علينا الانتظار قبل أن نحكم.
÷ هل كانت زيارتهم إيجابية برأيكم؟
ـ نعم، الحقيقة على الأقل من خلال المقاربة لا توجد إملاءات، وهذا مهم، يوجد استعداد للاستماع بشكل كامل لكل ما لدينا وبنفس الوقت لا توجد إملاءات. وهذا ما نريده، لذلك نستطيع أن نقول بأنها إيجابية.
÷ هل يمكن أن تكون هذه بداية نهاية ما بدأ عام 2003 عند دخول الأميركيين إلى العراق؟
ـ من خلال ما أعلنه، نعم هذه بداية النهاية… طالما أعلن الانسحاب أو الرغبة بالانسحاب، فهو بداية النهاية، النهاية تكون بالانسحاب.
÷ ألا تتخـوفون من الوضـع في العـراق بعد الانسـحاب؟
ـ في أميركا كان هناك نقاش، أنه إذا انسحبت القوات الأميركية ستحصل فوضى ولكن كان سؤالي لمسؤولين أميركيين أنه إذا بقيت القوات الأميركية، هل الوضع ليس فيه فوضى؟ فبقاؤها وذهابها في هذه الحالة، يعنيان نتيجة واحدة من خلال التجربة، هذا إذا افترضنا أن الطرح الثاني صحيح، فإذاً هذه المقاربة ليست صحيحة، المهم ما هو الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة لدعم العملية السياسية في العراق أو لتسهيلها حتى تخرج من العراق. العملية السياسية هي الأساس. إذا كان هناك عملية سياسية تضم كل أطياف القوى السياسية في العراق فسيكون الخروج الأميركي من العراق مساهماً في الاستقرار وليس العكس، وسيكون البقاء مساهماً في الاستقرار. أما إذا لم يكن هناك عملية سياسية وبقيت حالة الفوضى فالخروج والبقاء هما حالة واحدة وأنا في قناعتي أن الأمور تتحسن الآن في العراق بالنسبة للوضع الداخلي، وهناك عملية سياسية وانتخابات أخيرة أعطت مؤشرات جيدة في هذا الاتجاه.
÷ هل لديكم قلق بالنسبة لوحدة العراق مستقبلاً؟
ـ أقل من ذي قبل، الآن القوى التي ربحت هي القوى التي تبنت وحدة العراق.
÷ هل تعتقد أن هناك تياراً انفصالياً مؤثراً وأساسياً بين الأكراد، أم أنه من الممكن استعادة الأكراد إلى داخل وحدة العراق؟
ـ من الممكن استعادتهم بكل تأكيد، القسم الأكبر من القوى الكردية في العراق هو مع وحدة العراق وليس العكس، ولكن عندما نتحدث عن الفيدرالية، فهناك عدة أنواع للفيدرالية، هناك فيدراليات ناجحة في دول مختلفة من العالم، ولكي تكون ناجحة في العراق، يجب ألا تكون مبنية على خطوط طائفية أو عرقية، إذا بنيت على هذه الخطوط فهي حتماً ستؤدي في يوم من الأيام إلى تكريس هذا الوضع التقسيمي ومن ثم إلى تفتيت العراق، المهم أن تكون فيدرالية مبنية على خطوط أخرى.
÷ في العراق، كما في فلسطين وفي لبنان وربما في سوريا بنسبة أقل ، الوجود المسيحي الذي يعد مكوناً أساسياً في هذه المنطقة يتضاءل لأسباب سياسية واقتصادية وربما اجتماعية، هل لديكم تصور أو طريقة للحفاظ والإبقاء على هذا الوجود في المنطقة؟
ـ الحل هو في العروبة، لأن العروبة هي التي تجمعنا جميعاً.
÷ أي نوع من العروبة… هناك عروبات متعددة…
ـ توجد عروبة واحدة، العروبة الفعلية إذا عُدتِ إلى النظرية التي اعتقد أنها أكثر النظريات فائدة في التطبيق، وهي التي تجمعنا عدة أشياء أو أحد هذه الأشياء، إما اللغة أو التاريخ المشترك أو المصالح المشتركة أو الأديان المشتركة… كل شيء مشترك يجمعنا، وآخر شيء العرق، أي إذا كان لديكِ أي عنصر من هذه العناصر فأنتِ جزء من القومية العربية، القومية العربية ليست عرقاً، هي حالة حضارية، فأي شخص يأتي إلى المنطقة ويعيش فيها يصبح جزءاً منها، فهي تحوي العربي وغير العربي، وكلمة العروبة لا تعني أن أبي وأجدادي هم من العرب.
÷ ولكن فكرة العروبة التي نشأت منذ سنوات طويلة لم تستطع أن تحضن هذا التنوع؟
ـ عليك أن تفرقي بين النظرية والممارسة، كما لو أن لديك دولة كل مبادئها جميلة ولكن ممارساتها ليست كذلك.
÷ كيف يكون التطبيق والممارسة الجيدان؟
ـ أولاً نبدأ من الدستور، لا يمكن أن يكون لديك ممارسة جيدة والأساس الذي هو الدستور أو المظلة غير عروبي وغير علماني ويشمل الجميع بنفس المستوى. فلنبدأ من الدستور وبعد الدستور تأتي المؤسسات المبنية على الدستور، المؤسسات إذا كان فيها نظام مثل أي مؤسسة إذا كان فيها فساد، إذا مؤسسة مبادئها جميلة ولكن نظامها الإداري متخلف فيصبح بها فساد، إذا كان نظامها الإداري واضحاً وصارماً ودقيقاً ومتطوراً فمن الصعب أن يكون فيها فساد، نفس الشيء بالنسبة للدستور، آليات الدستور من خلال المؤسسات هي التي تحدد إمكانية تطبيق الدستور بشكل صحيح.
÷ هل هناك اتفاق دولي واقلـيمي حــول عروبة الـعراق؟
ـ نحن يهمنا العراق موحداً وعربياً.. الميزة الآن في الانتخابات الأخيرة بأن الطرح الذي لم يكن واضحاً قبل عدة سنوات بات واضحاً وهو الحديث كمرحلة أولى عن وحدة العراق.. فكيف أتحدث عن عراق عربي والعراق مفتت.. أنا أريد عراقاً موحداً لكي يكون عربياً، فبدؤوا من النقطة الأساسية وهي وحدة العراق، ونتمنى أن تكون النقطة الثانية مستقبلاً هي عروبة العراق. فعروبة العراق لا تتعارض مع أية ثقافة أو عرق أو دين أو طائفة موجودة في العراق.
÷ ألا يقلقكم التغلغل الإسرائيلي في شمال العراق؟
ـ طبعاً، لا أعرف إذا كان في الشمال، ولكن لدينا قلق من أي تغلغل إسرائيلي في العراق. وهناك معلومات يتم تداولها من وقت لآخر في هذا الاتجاه.
÷ التغلــغل في كل العراق، ولكن في الشمال أكثر قليلاً.
ـ الطروحات مختلفة، ولكن أي تغلغل لدينا قلق منه.
الإسرائيلي غير مستعد
للمفاوضات الحقيقية
÷ نريد أن نتكلم عن المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل التي توقفت.. الآن جاء نتنياهو وليبرمان، ما هو الموقف السوري؟
ـ في الأساس الموقف السوري لا يرتبط بالداخل الإسرائيلي، بالنسبة الحكومة في إسرائيل حكومة. لا يمين ولا يسار. حزب «كاديما» ماذا حقق؟ شنّ حرباً على لبنان، وحرباً على غزة، واعتداءً على سوريا، فهل «كاديما» أفضل؟ هذه الرهانات العربية يجب أن تكون خارج إطار إدخالها أو ربطها بالاستراتيجيات، نحن السلام بالنسبة لنا استراتيجي، أي تبدل إسرائيلي هو مجرد تكتيك. نحن وضعنا أسساً معينة للسلام، عندما طرح أولمرت مع أردوغان أنه يريد مفاوضات مع سوريا استمر الحوار مع أردوغان لمدة عام أو أكثر إلى أن وصلنا إلى نقطة أن أولمرت مستعد لإعادة هضبة الجولان كاملة، وعندما قال هذه الكلمة لأردوغان بدأنا المفاوضات غير المباشرة.
÷ قيل إن أشواطاً قطعت في المفاوضات.
ـ هذا غير صحيح، فشلت عندما أردنا أن نقطع شوطاً، لأنه تبين أن الإسرائيلي غير مستعد.
÷ على أي نقطة تمحور الخلاف؟
ـ على توصيف خط حزيران.
÷ أي عـلى النقطة نفــسها التي كــنتم تختــلفون عليها؟
ـ التوصيف غير الترسيم، الترسيم هو ترسيم كل الخط بالتفاصيل، أما التوصيف فهو تحديد بعض النقاط التي نعتبرها إشكالية، حددنا عدداً من النقاط على بحيرة طبريا وعدداً من النقاط على نهر الأردن وعدداً من النقاط في الشمال، وطلبنا من الإسرائيلي إثبات جديته في توصيف هذه النقاط، طبعاً كمبدأ وافق، ولكن عندما وصلنا إلى الصياغة أراد أن يضع صياغة تعطي نوعاً من الالتباس والضبابية، صياغة ملتبسة بمعنى أنه نناقش هذه النقاط. نحن قلنا لا. لا نناقش، فإما أن نقر هذه النقاط وإما لا نقرّها، فانتهى النقاش عند هذه النقطة، وفشلت المفاوضات.
÷ ماذا كان الثمن السياسي الذي يطلبه الإسرائيليون؟
ـ لا إيران ولا «حزب الله» ولا «حماس».
÷ إذاً ماذا بقي؟
ـ عليكم أن تدركوا أن الظروف تغيرت بعد تموز 2006 عما كانت عليه عام 1991، عندما بدأت المفاوضات.. بكل بساطة الإسرائيلي يفاوض على الحدود السورية، أتذكرون ماذا كان يقول الإسرائيليون في الماضي؟ كانوا يقولون إن عمق الانسحاب بعمق السلام، وقلنا لهم إن حجم السلام مرتبط بطول الحدود. فإذا كنت تريد أن تتحدث مع سوريا عليك أن تتحدث عن سوريا.. ما علاقتنا بـ«حزب الله»، «حزب الله» في لبنان و«حماس» في فلسطين وإيران في إيران.. أنت تتحدث عن حدود سوريا، وكل شيء ضمن هذه الحدود نحن مسؤولون عنه. وإذا أردت أن تتحدث عن «حزب الله» وعن «حماس»، إذاً دعنا نتحرك باتجاه سلام شامل يكون فيه سوريا ولبنان وفلسطين.
حرب 2006 غيرت خريطة المنطقة
÷ هل كانت حرب تموز 2006 لتحسين موقع سوريا في المفاوضات؟
ـ أولاً لم تكن المفاوضات مطروحة، وثانياً سوريا لم تبدأ الحرب في العام 2006 وإنما إسرائيل هي التي بدأتها.
÷ ولكن سوريا استفادت من نتائج «حرب تموز» في موقفها في المفاوضات مع إسرائيل.
ـ أي سلام يبنى على المعطيات الموجودة، هل تستطيع القول لي بأن حرب 2006 ليست واحدة من المعطيات الأساسية؟ الـ2006 غيّرت الخريطة في المنطقة.. فلا شكّ في أن تغيّر الخريطة يؤثر على أية مفاوضات سلام في أية دولة.. حرب غزة أيضاً نقطة من النقاط الأساسية، فهي أثرت أو ستؤثر على أي عمل سياسي يتعلق بعملية السلام في المستقبل وهذا شيء بديهي، ولكن لا نستطيع أن نقول إن سوريا استفادت بالمعنى الانتهازي، وإنما كنتيجة طبيعية مثلها مثل الآخرين.
÷ منذ العام 1978 وإسرائيل تــشن الحروب وبعد كل حرب تتبنى في الانتــخابات التطرف، ما هو تفسيركم؟
ـ تماماً، لأنه يعبر عن انقسامها وعن قلقها وعن عدم وضوح الرؤية بالنسبة لها، فيكون الحل بالتوجه نحو التطرف والحرب، هذا هو الهروب من المأزق الداخلي في إسرائيل.
÷ إلى أين يمكن أن يصل هذا الأمر بإسرائيل في المستقبل، طبعاً إسرائيل لم تعد أسطورة، هل توجد صورة للمنطقة من الممكن أن تكون إسرائيل خارجها؟
ـ لا توجد لديّ توقعات، ولا أريد أن أقرأ في المستقبل، ولكن نستطيع أن نقرأ من التاريخ، مما حصل كسياق طبيعي للأحداث. إسرائيل تصبح أقوى عسكرياً مع مرور الزمن، هذا شيء بديهي، تصبح أكثر قدرة على التدمير، ولكنها أقل قدرة على الوصول إلى أهدافها السياسية، بغض النظر عن نتائج الحرب، وبغض النظر عن أنها أقل قدرة مع القوة العسكرية الأكبر، أقل قدرة على تنفيذ الأهداف العسكرية، وبالتالي أقل قدرة على الوصول الى أهدافها السياسية، فإسرائيل تنتقل من فشل إلى فشل، هذا شيء أصبح واضحاً الآن. كانت إسرائيل مبنية على أساس «لا يهم إذا كانوا يحبونني، المهم أنهم يخافون مني». الآن هم لا يحبونك ولكنهم لا يخافونك. اليوم لم تعد معركة إسرائيل في أراضي الغير، هذا مبدأ استراتيجي، اليوم معركة إسرائيل في الداخل، فتغيرت الخريطة وإسرائيل لا تعرف كيف تتعامل مع هذه الخريطة.
سوريا لم ترتبك بعد الاعتداء الإسرائيلي
÷ إسرائيل قصفت ما أسمته مفاعلاً سورياً في قلب الأراضي السورية، وسوريا لم ترد على ذلك، بل قال البعض إن موقفها كان مرتبكاً؟
ـ لا، سوريا لم ترتبك، لأنها هي من أعلنت القصف، وليس إسرائيل، نحن أعلنا وأربكنا إسرائيل، وليس العكس.
÷ لماذا لم تردوا على القصف؟
ـ لو سألتِ نفسك السؤال المعاكس، لماذا إسرائيل تحاول أن تتحرش بسوريا خلال السنوات الماضية، هل لأن سوريا ضعيفة؟
÷ التفسير هو أنه من أجل جرّكم إلى حرب.
ـ قد يكون هذا أحد التفسيرات، ولكن في الوقت نفسه ما هو الهدف؟ هل الهدف الحرب أم الوصول إلى النتيجة السياسية، نحن قادرون على أن نردّ على إسرائيل بوسائل أخرى، بوسائلنا السياسية، والأمور تثبت هذا الشيء، إسرائيل لديها أهداف من سنوات عدة إلى اليوم، هل الأهداف الإسرائيلية تتحقق أم هي في تراجع؟ هي في حالة تراجع، وسوريا دولة أساسية في تراجع الأهداف الإسرائيلية، فهذا أفضل رد وليست القضية قضية مرجلة أن نذهب إلى الحرب، نحن لا ندّعي بأننا بقوة إسرائيل، الكل يعرف هذا الشيء، الذهاب إلى الحرب بحاجة إلى توازنات معينة، بحاجة إلى وضع مختلف تماماً، هذا الوضع الآن غير متوفر.
÷ هل كان ما استُهدف مفاعلاً نووياً؟
ـ أولاً دعيني أتناول فكرة الارتباك.. نحن أعلنا أن إسرائيل قصفت موقعاً في دير الزور، ماذا أعلنت إسرائيل؟ أعلنت إسرائيل بعد أربعة أيام، وليس في اليوم نفسه، أنها قصفت موقعاً كانت تمر فيه الأسلحة إلى «حزب الله»، من أين؟ إما من تركيا وإما من العراق، فمن إذاً الذي ارتبك نحن أم هم؟ نحن كنا واضحين، ولم نرتبك، واستمرينا وأعدنا بناءه بشكل طبيعي، وفي أيار طلبت الوكالة الدولية أن تأتي لتتأكد بناءً على التصريحات الأميركية فقلنا لهم أهلاً وسهلاً، بالعكس، كنا مرتاحين تماماً، لكن لماذا أعلنت أميركا ذلك بعد ثمانية أشهر إذا كانت لديها أدلة وصور، لأنه بكل بساطة انتظروا ثمانية أشهر وبعد أن قمنا بإعمار البناء وإزالة الركام، للقول انه كان هناك مفاعل، ولو أنهم أعلنوا الأدلة في اليوم الأول فستأتي الوكالة، وسيأتي الخبراء، وسيجدون بأنه ليس مفاعلاً، وبالتالي يتضح كذب أميركا. النقطة الثانية هي إنهم قالوا إن الموقع في طور البناء، كيف يكون في طور البناء ويظهر اليورانيوم، من أين خرج اليورانيوم؟
÷ يقال إن اليورانيوم مصدره القصف الإسرائيلي؟
ـ ممكن من القصف، المنطقة مفتوحة، ويمكن لأيٍّ كان أن يُلقي كمية من اليورانيوم هناك، لكن في الأحوال كافة نحن ليس لدينا مفاعل نووي، وهم يعرفون ذلك. هم أعلنوا ذلك بعد ثمانية أشهر ليجدوا مبرراً في هذا الموضوع، قلنا لهم، حسناً.. وجدتم اليورانيوم، ولكن أولاً عدد قليل من الذرات، ففي حال أننا نقوم بتخصيب اليورانيوم أين خطة الطوارئ، الانفجار أو الإشعاع.
÷ كل هذا للتحرش بسوريا؟
ـ نحن ندرك أن كل هذه الأمور عبارة عن تحرش، نحن قلنا لهم إذا كنتم تريدون اللعبة تقنياً، نحن مستعدون لنلعبها تقنياً، وإذا أردتموها سياسية يمكن أن نلعبها سياسية.
÷ هكذا كانت أيضاً مقدمات العراق، هذا التحرش يشبه ذاك التحرش؟
ـ ظروف سوريا غير ظروف العراق..
÷ ظروف سوريا أم الظروف الإقليمية أيضاً؟
ـ هل تغيرت الظروف الإقليمية محبة بنا أم من باب كرم الأخلاق، الظروف الإقليمية تتغير بتغير المعطيات الإقليمية، حتى الظروف الدولية تجاهنا تتغير بتغير المعطيات ولا تتغير من عندهم.
الفارق في الانتخابات اللبنانية
سيكون بسيطاً
÷ على سيرة الظروف الإقليمية، تبدو سوريا حالياً وكأنها مرتاحة، عندها علاقات جيدة مع تركيا، علاقات جيدة مع إيران، ومع الملك السعودي والملك الأردني، هل الأمور معقولة مع لبنان؟
ـ مع لبنان أفضل من قبل بكل تأكيد، ولكن تسير بشكل بطيء، والسبب هو الوضع اللبناني وليس سوريا، نحن منفتحون على لبنان، كما قلت كمؤسسات ولا توجد لدينا أية حواجز، ولكن طالما هناك انقسام في لبنان فنحن نفضل أن نُبقي العلاقة بشكل رسمي جداً لكي لا تُزج سوريا، وخاصة بأن هناك من يحاول استخدام اسم سوريا في كل مشكلة في لبنان، نحن نريد أن نكون على مسافة أمان.
÷ هل هذا يعني أنكم ستشيحون بوجهكم بعيداً عن الانتخابات؟
ـ بالتأكيد، النتيجة واحدة، بغض النظر عمن سيفوز، الفارق سيكون بسيطاً ولبنان يُحكم بالتوافق..
÷ ما بعد الانتخابات، في لبنان يُحكى، البعض يقول إن الأكثرية تحكم والأقلية تعارض، البعض يتحدث عن ثلث معطل داخل الحكومة، وذكرتم في حديثكم أنكم مع الإجماع اللبناني، مع ما يتفق عليه اللبنانيون، ماذا لو حكمت الأكثرية، أياً تكن الأكثرية، هل أنتم تتعاطون مع هذه الأكثرية، أم أنكم لا تتعاطون إلا مع حكومات وحدة وطنية؟
ـ طبعاً إذا كانت الأكثرية تعبر لاحقاً في حكومتها عن حكومة وحدة وطنية سنتعاطى معها، أما إذا كانت كما الأكثرية السابقة قبل الدوحة، أكثرية تحتكر وهناك جزء من اللبنانيين ضدها، فلا نستطيع أن نتعاطى معها.
÷ مع ثلث معطل، أم من دون ثلث معطل؟
ـ لبنان يُحكم بالتوافق، وأي حالة تعبر عن عدم التوافق في لبنان لن نتعاطى معها.
÷ هل نفهم من ذلك أنكم تقفون إلى جانب حصول المعارضة أياً تكن على ثلث معطل؟
ـ اعكسي الحالة، لو ربحت المعارضة ولم تحكم بالتوافق..
÷ أياً تكن المعارضة؟
ـ نعم، هذا ما أقوله، أي أكثرية تحكم بعد الانتخابات، سنتعامل معها بالطريقة نفسها، يجب أن يكون هناك توافق.
÷ هل هذه النقطة كانت موضع اتفاق مع القيادة السعودية خلال قمة الرياض الأخيرة؟
ـ لا، لم ندخل في هذه التفاصيل أبداً، كنا نتحدث بموضوع كيف نصل إلى الدوحة بوضع أفضل، ونناقش ما بين قمة الكويت وقمة الدوحة، فلم نركز على الموضوع اللبناني في هذه الزيارة على الإطلاق.
÷ على مستوى وزراء الخارجية ألم يكن هناك تلاقٍ حول قيام حكومة وحدة وطنية بغض النظر عمن سينجح في الانتخابات؟
ـ طُرح هذا الموضوع، ولكن ليس في القمة، طُرح بين مسؤولين سوريين وسعوديين.. ولكن في القمة لم نتطرق لهذا الموضوع؛ بمعنى أن الموضوع اللبناني الآن ليس أولوية، لأن الأمور في لبنان تسير في اتجاه طبيعي، الصراع على الانتخابات هذا شيء طبيعي، معركة انتخابية شيء طبيعي.
الوضع الأمني صار أفضل
بعد إجراءات الجيش
÷ هل أنت مطمئن أمنياً على لبنان اليوم، أكثر مما كان منذ سنتين؟
ـ بكل تأكيد، عندما يتحسن الوضع السياسي ينعكس على الوضع الأمني، لدينا قلق في الشمال وعبرنا عنه بشكل واضح.
÷ هل ما زال القلق قائماً؟
ـ يبدو أن الوضع أفضل، خاصة بعد تحرك الجيش اللبناني ومخابرات الجيش.
÷ ماذا عن سلاح المخيمات الفلسطينية؟
ـ هذا موضوع لبناني، عندما ينتهي الحوار حول الموضوع الفلسطيني نستطيع أن نُبدي رأينا بهذا الموضوع، ولكن لا تستطيعين أن تفصلي موضوع المخيمات عن قوة الدولة اللبنانية وقوة الوضع السياسي في لبنان. طبعاً قوة الوضع السياسي تعطي دولة قوية، وكلتاهما تعطيان وضعاً أكثر استقراراً في المخيمات وغيرها.
÷ هناك من يقول إن إسرائيل ستعتدي مجدداً على لبنان خلال سنوات؟
ـ في كل يوم يجب أن نتوقع اعتداء إسرائيلياً، سواء قالوا أم لم يقولوا.
الاستقرار أولوية ثم الإصلاح
÷ عندما جئت إلى السلطة في سوريا، وعدت بالانفتاح السياسي وانفتحت على قوى المجتمع المدني، مثقفين وكتّاباً، والآن دخل جزء من هؤلاء إلى السجن؟
ـ هل المجتمع المدني هم فقط مثقفون وكتّاب.. كل الناس مجتمع مدني.. بالنسبة لي أنا رئيس لكل المواطنين السوريين، أنا لست رئيس نخبة أو مجموعة.
÷ أقصد أنك انفتحت على هذه الفئة في المجتمع وهي توسمت منك خيراً، وكانت هناك لقاءات تتمّ بنوع من المباركة والشراكة وفجأة…
ـ لا يوجد في القانون شيء اسمه اختلاف سياسي، اسمه مخالفة قانون، إذا أردت أن نتحدث في القانون، نتحدث في القانون، القانون يقول هناك مخالفة، القانون لا يفرّق بين مثقف وجاهل، ليس هناك قانون للمثقف وآخر للجاهل، هناك قانون صارم في سوريا، قانون يرتبط بظروفنا ونحن في السنوات الأخيرة كنا نمر بظروف أنتم تعرفونها أكثر من غيركم، أنتم تعرفون ما هي الحرب التي كانت على سوريا، محاولات ضرب الاستقرار، ومحاولات تخريب كل شيء، في هذه الظروف إذا عُدتِ إلى أكبر الديموقراطيات، تجدين أنهم غيروا قوانينهم بعد 11 أيلول، وأصبحوا يعتقلون أياً كان، طبعاً هم ليسوا قدوتنا.. لكن أليسوا هم من يدّعي الديموقراطية، ولديهم سقف عالٍ؟ الظروف تفرض هذا الشيء، نحن لا نريد أن نتكلم كلاماً مثالياً، نحن لدينا مصالح وطنية تقتضي أن نطبق القانون بحزم. أولاً لم نخترع قانوناً جديداً، لا يوجد لدينا قانون وجد بسبب هذه الظروف، ولكن نحن نطبق القانون الموجود بشكل صارم، إذا كان القانون غير جيد نعدل القانون، لكننا الآن في عملية إصلاح، هناك أولويات لعملية الإصلاح، أولاً ماذا يفعل المواطن عندما يستيقظ صباحاً؟.. أولاً يأكل، ويشرب ويطعم أولاده، ثانياً يريد نظاماً صحياً جيداً، ثالثاً يحتاج إلى عمل وإلى مدرسة، هذه هي الأمور الأساسية، هذه هي أولوياتنا، بعد ذلك يأتي الإصلاح السياسي، عندما واجهنا ظروفاً تغيرت الأولويات، الأولوية الأولى أصبحت الاستقرار، إذا كان الإنسان غير قادر على العيش فلا قيمة للأكل ولا قيمة للإصلاح السياسي، فأولاً يجب أن نكون مستقرين، فكانت الأولوية للاستقرار.
÷ تهمتهم هي رأيهم..
ـ هل دخل روجيه غارودي إلى السجن أم إلى مكان تسلية عندما تحدث عن «الهولوكوست»؟ إذاً الرأي في دول ديموقراطية يعتبرون أن له جانباً تقييدياً، إذا وقفت خارجاً الآن وتحدثت في موضوع طائفي، ألا يعتبر هذا رأي، لكنه ممنوع في القانون. وإذا تحدث شخص بالموضوع الطائفي أو في أي جانب من هذا القبيل، يعاقبه القانون، لكن لا يعاقب القانون من ينتقد الحكومة. إذا تعاطيت بأي شيء يمس الوحدة الوطنية، القانون يعاقب. هذا قانون موجود منذ زمن، هنا نعود إلى فكرة تطبيق القانون أولاً، أما تغيير القوانين فهذا جزء من الإصلاح، ولا أقول إننا قطعنا الكثير، نقول إن أمامنا طريقاً طويلاً، ولكن أنا لا أتفق معهم بأننا لم نسر بسرعة بالأساس، أنا دائماً شخص أسير بحذر في أي موضوع، أحسب الخطوات، أقدّر، أقيم، ثم أنتقل إلى الخطوة الثانية، أنا شخص أسير بشكل عقلاني ودقيق، أعمل من خلال الواقع، أولاً لا أسعى إلى تصفيق الغرب لي، وحتى عندما يصفق لي الغرب أقول لهم هذا ليس شأنكم، نحن لا نقبل بتدخل الآخرين إيجاباً أم سلباً، فنقوم بالإصلاح من أجل أنفسنا، نحن نسير بعملية طويلة، وستستغرق وقتاً طويلاً ولن تكون سريعة في الجانب السياسي.
÷ البعض يقول إنكم تعودون إلى الوراء؟
ـ نحن لم نعد إلى الوراء ولم نقف مكاننا، لكن نحن نسير برؤية تختلف عن رؤية بعض الآخرين، لست مضطراً لأن التزم بمقاييس الآخرين، بالنتيجة أنا من سيأخذ القرار وأنا من سيتحمل المسؤولية، فنحن نسير بحسب رؤيتنا واستقرارنا. سوريا تغيرت كثيراً منذ سبع سنوات، ولكن هناك أولويات للتغيير، نحن نعمل بحسب استقرارنا، لأنه من دونه لا قيمة للتغيير. النقطة الثانية أنا لا أهتم بالصورة قبل أن أهتم بالواقع، نحن نريد واقعاً جيداً وصورة جيدة، أما صورة جيدة بلا واقع جيد فلا قيمة لها، ونحن بالأساس تحت الهجوم منذ ثلاثين عاماً، فقط في التسعينيات لم يهاجمونا، لكن ماذا أثر علينا الهجوم؟ في النهاية علينا أن نسير في واقعنا، وإذا لم نسر في واقعنا فلن نربح، وما كنا لنستطيع أن نجتاز هذه المرحلة الصعبة لو لم يكن لدينا واقعنا مستقراً في سوريا.
÷ هل كانت هناك نوايا للقيام بمحاولة انقلاب؟
ـ لا توجد لدينا معطيات عن انقلاب، لكن كانت هناك محاولات واضحة لزعزعة الاستقرار.
÷ كيف تقيمون وضع سوريا الاقتصادي في ظل هذه الأزمة المالية العالمية؟
ـ نحن تأثرنا بالأزمة، لكن في الوقت نفسه بدأنا بحزمة إجراءات اقتصادية بناءً على الأزمة كي نحسن وضعنا ونستقطب بعض رؤوس الأموال التي يجب أن تعود لسبب أو لآخر، وخاصة السورية منها إلى سوريا، وبالتالي إذا لم أقل تحويلها إلى إيجابيات فعلى الأقل نخفف من سلبيات الأزمة، وهناك إمكانيات للقيام بهذا الشيء، لكن بكل تأكيد تأثرنا وسنتأثر ككل دول العالم.
÷ ما هي خطوة الإصلاح السياسي المقبلة؟
ـ الآن نناقش موضوع المجلس الذي يسمّيه البعض مجلس شيوخ، والبعض يسميه مجلس شورى، ولكن دعنا نسمِّه مجلساً قد تكون له صفة تشريعية. الآن يناقش الموضوع، وهو نقاش بدأ منذ سنتين، وكان المفروض أن نقرَّه في 2008.
÷ هل سيتم انتخابه؟
ـ هذا هو النقاش، الانتخاب ونسبة الانتخاب، هناك آراء متضاربة، ما هي صلاحياته نسبة إلى صلاحيات مجلس الشعب الذي يبقى هو الأساس، هذه نقاشات تقنية، طبعاً، فربما نبدأ بفكرة أصغر ومن ثم نوسعها، بالحجم وبالنوعية حتى نكون متأكدين، لكن سنبدأ بهذه الفكرة، مبدأ توسيع المشاركة هو الأساس، وقد يكون من الجهة التشريعية، لأنها هي التي يمكن أن تخدم أو تساعد السلطة التنفيذية.
÷ بالنسبة لنمو الإعلام الخاص، هل هو مرتبط بالأولويات التي تحدثتم عنها؟
ـ طبعاً، لأنه لا يمكن أن تقوم بعملية تطوير سياسي بدون توسيع الحوار، وتوسيع الحوار بحاجة لدور الإعلام الخاص، والإعلام الخاص يتطور، ولكن أيضاً لا أقول بسرعة، الآن صدرت تعليمات بشأن موضوع قانون الإعلام.

استقبلنا الرئيس بشار الأسد في المكتب الخاص، أعلى قاسيون، المزنّر بالأشجار، وحيث يحلو له، عادة، أن يستقبل ضيوفه المميزين، وهناك أيضاً يختلي ببعض أركان فريقه، ويجري فيه أحياناً بعض المقابلات الصحافية، خاصة مع الصحافة المكتوبة.
في المكتب ثلاث أرائك جلدية سوداء اللون، كل واحدة منها تتسع لشخصين. الأرضية عبارة عن رخام عاجي، تزنّره نجمة من الرخام الممزوج بالبني والأسود والرمادي. على يسارنا مكتب الرئيس الأسود بقواعد برونزية، وخلفه مباشرة، نافذة تفسح من خلال زجاجاتها المؤطرة والمقطعة بخشب السنديان، الإطلالة على أخضر الحديقة الخلفية للمكتب الرئاسي الخاص. هاتف وجهاز كومبيوتر وبضع أوراق ولوحتان من «الكانفا» بألوان علمي فلسطين وسوريا. إضاءة عادية وثلاث رخاميات مقطعة هندسياً بطريقة أفقية، هي الطاولات التي توسطت الأرائك الثلاث.
خلف الرئيس مباشرة مرآة كبيرة، وإلى اليسار، طاولة عليها رسمان ملونان تبدو جلية عليهما ريشة الأطفال وأناملهم، وعندما سألناه عما إذا كان أولاده قد رسموهما، قال إن أولاده اختاروهما من أحد المعارض، وهو وضعهما في صدارة مكتبه.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى