صفحات الناس

جرائم الأغنياء الجدد وأزمة النظام !

null
تتسع باستمرارشريحة الموقوفين على حساب ما تسميه الشائعات السورية قضية حبوب الكبتاغون أو المخدرات، وتضم إليها كل يوم أسماء أخرى لبعض كبار رجال الفعاليات الاقتصادية البارزة حديثا، أو مايسميه الدارسون: الأغنياء الجدد، ولاسيما في مدينة حمص التي يقال أن معملا لتلك الحبوب ضبط فيها.
وقد تحدثت المعلومات المتناقلة عن بدء القضية منذ أسابيع، إثرمواجهة السلطات السورية بملف من الانتربول طالبا استكمال التحقيق بنتائجه، وهو ملف تم التوصل إليه بالتعاون مع السلطات السعودية. وعلى الرغم من التكتم الذي يحيط بالقضية، وغياب أي إعلام رسمي وصحافي عنها كالمعتاد، فقد انتشرت أخبارها وتداعياتها على أكثر من صعيد في مختلف المحافظات.
وتأتي أهمية القضية الجديدة، لا من كونها تتعلق بالمخدرات وهي ليست جديدة في سورية، بل من حجمها الاقليمي والدولي ( السعودية والانتربول) وحجوم أصحابها ( الأغنياء الجدد) وأخيرا من كونها تكشف عن ارتباطها بمجمل بنية النظام ومسيرة إصلاحاته الاقتصادية الموعودة.
ذلك أن أبرز من تتناقل الألسن اعتقالهم وحجز أموالهم على ذمة قضية المخدرات المذكورة، هم من شريحة رجال الأعمال الذين تقدموا الصفوف خلال سيرورات تحرير الاقتصاد السوري المتسارعة منذ العامين 2004 و2005، ولم يكونوا ” يتكنسون” بحسب تعبير دارج من مكاتب بعض الوزراء والمحافظين. وكان رجال الأعمال أولئك والموصوفين لاحقا بالأغنياء الجدد قد تمكنوا بسرعة من قطف “ثمار النمو الظاهري ” الناشئة، ولاسيما في قطاع الخدمات الانتاجية الجديدة، الاتصالات والمولات والسياحيات ، التي ارتبطت بتسريع القابلية للعولمة. فاستثمرت حاجة السوق السورية، وتعطش مختلف فئات المجتمع السوري للدخول في فورة ” المجتمع الاستهلاكي” بعد طول حرمان عاشوه في ظل قيود النظام الاشتراكي المفترض، وطوابير انتظاره الشهيرة!
ونظرا لغياب مؤسسات السوق الأصيلة التي تمنع الاحتكار وتوفر الشفافية والمنافسة والتكافؤ، فقد نشأ “اقتصاد السوق الاجتماعي” السوري المستحدث والهجين في ظل حماية الاحتكارات وفرض الرقابة وتقييد الحريات. وفي إطار ذلك كان من الطبيعي لمؤسسة الفساد الكبرى التي صارت إليها الدولة السورية أن تتشارك مع بعض الكبار في الشريحة المذكورة ، وتمكنها من إحداث تغييرات كبيرة في النمط الاستهلاكي الاجتماعي، الأمر الذي توّجه تحول بعض كبارهم إلى تأسيس شراكات استراتيجية، تشرف على تبييض الأموال ولا يوقفها أي رادع في نهمها للربح الأقصى، الذي توفره صناعة وتجارة المخدرات كما هو معلوم.
ليست المخدرات ولا الفساد بجديدين على أي نظام أو اقتصاد، لكن الجديد والإشكالي حقا في سوريا اليوم هو تفاقمهما، وتحولهما أزمة نظام بينوية لم يعد ممكنا مواجهتهما بإجراءات أمنية ورقابية كما هو معتاد مع أي جريمة أو مخالفة تقليدية. ونحن ندفع بابا مفتوحا عندما نقول إن العلاج الوحيد للأزمة الجديدة، ولمجموع أزماتنا، لا توفره سوى الديمقراطية، وهي مرة أخرى ليست حلا سحريا نكرر شعاره بطريقة صوفية كما يحلو للبعض اتهامنا به، بل هي حل جربّه الكثيرون وأفلحوا، أما نحن فما زلنا نتهرب منه بذرائع لاتخدم سوى المستفيدين من استمرار النظام الحالي، ومن استمرار أزماته أيضا.

17/7/2010 هيئة التحرير
موقع اعلان دمشق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى