بدرالدين حسن قربيصفحات الناس

كاسك ياوطن

null
بدرالدين حسن قربي
صدّق أو لا تصدّق أنه في 5 تموز/ يوليو 2008 أي منذ عامين بالتمام، وفي سجن صيدنايا العسكري القريب من دمشق، حصلت فوضى بين المساجين أثناء قيام إدارة السجن بجولتها التفقدية الصباحية المعتادة، تسبّبت باعتداء البعض على بعضٍ آخر مما استدعى التدخل من وحدة حفظ النظام لإعادة الهدوء وإجراء مايلزم بحق المخالفين حسبما قيل لنا.
وبناءً على هذه الشائعات، فقد أطلق المتربصون من خصوم النظام ومعارضيه، ومعهم المتصّيدون لأخطاء قوات الأمن الساهرة على أمن الناس وأمانهم على ماكان اسم مجزرة، وبعضهم قال عنها مذبحة أو مقتلة أو غير ذلك ممن كانت لهم مبالغاتهم ورواياتهم عما كان حدثاً وحديثاً. أما أنصار النظام وأحباؤه من حراس معالمه وقيمه من الرسميين وأشباههم ممن أتيح له منهم أو قَبِل الظهور عبر وسائل الإعلام المتاحة، لفتوا نظر المستمعين والمشاهدين إلى أن الأنباء المتداوَلة عما كان في السجن هي أخبار مبالغ فيها لعدم واقعيتها وافتقادها لأدلّتها وبيّناتها، وحجة معظهم في المعلومات المتناقلة شفهياً أن ناسها أغلبهم خصوم وكارهون للنظام والعياذ بالله، بل هم أعداء نجاحاته ومعارضوه.
كان بيان الجهة الرسمية في تاريخه قولة واحدة، أعلمتنا فيها وكالة الأنباء السورية (سانا): أن عدداً من المساجين المحكومين بجرائم التطرف والإرهاب أقدموا على إثارة الفوضى والاعتداء على زملائهم والإخلال بالنظام العام أثناء قيام إدارة السجن بجولتها التفقدية على السجناء، مما استدعى التدخل المباشر من وحدة حفظ النظام لمعالجة الحالة وإعادة الهدوء للسجن وتنظيم ضبوط بحالات الاعتداء على الغير وإلحاق الضرر بالممتلكات العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين. والأهم من البيان الحكومي، فإن السلطة فرضت عزلاً كاملاً على السجن، وتعتيماً إعلامياً عليه حسب طريقتها الإلغائية المعتادة التي ترفض التعاطي مع الحدث خارج سورها الحديدي، والتي تتجلّى على الدوام بعدم وجود معلومات رسمية البتة عن وفيات أو قتلى ومفقودين فضلاً عن غيرها. ورغم مضي عامين على الحدث فإنه مازال آلاف الناس يجهلون مصير ناسهم ومعتقليهم الأحياء منهم والأموات في غيابات هذا المعتقل.
أما كلام الحكومة الحالي في تقريرها الأول إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ومناقشته مع اللجنة الدولية في جنيف 4 و5 أيار/مايو 2010 من قبل وفدها الرسمي برئاسة معاون وزير العدل، تركّز في معرض الإجابة على أسئلةٍ محددة وجهت من قبل اللجنة الدولية عن أحداث السجن المذكور على أن ما جرى عبارة عن تمرد، وأن السجناء المتمردين أخذوا حراس السجن وهدّدوا بقتلهم، وأن الشرطة العسكرية فاوضتهم طويلاً وبمنتهى الحكمة، وأن الجهات الأمنية التزمت بالتعليمات العليا وتعاملت مع ماكان بمنتهى الرويّة حسب كلام السلطات الرسمية، ولم تستخدم الرصاص إلا بعد استنفاد كل الوسائل مما أوقع حوالي 17 قتيلاً……
وبناء على ماسبق، إذا استبعدنا كل ماقاله خصوم الحكومة ومعارضوها خشية الوقوع في مظنة افتراءاتهم ومبالغاتهم، وماقاله أنصارها وأحباؤها خوف الوقوع في مظنة نفاقهم وتشطيفهم، واكتفينا فقط وبالجمع فقط بين ما قالته السلطة منذ سنتين في بيانها أثناء الحدث، وما قدمته قبل شهرين في تقريرها إلى اللجنة الدولية منعاً للبهتان والتستر نصل إلى نتيجة نظامية واعتراف رسمي وإن جاء بالتقسيط على أن ماقاله بيان السلطة عن معالجة الحالة وإعادة الهدوء من وحدة النظام بمنتهى الحكمة والروية كانت حقيقته إطلاق النار على معتقلين وقتل عددٍ كبير منهم لم يحدده الوفد لسببٍ ما هو به أعلم، بل أشار إليه بالتقريب والتقدير.
وعليه، فإذا رجعنا إلى ماذكرناه ابتداءً من وصف المعارضين للحدث الذي كان بالمجزرة أو المذبحة، ووصف محازيب النظام وأنصارها له بأخبار مبالغ فيها، وإلى ماذكرته السلطة من عدد القتلى التقريبي في تقريرها الرسمي الخفي المعلن بالمقدّم منه والمؤخر وما هو منه لحين الطلب، فبماذا يمكن أن نصف ماكان اعتماداً على البيان الرسمي الذي أذاعته سانا والتقرير الحكومي المقدّم للمنظمة الدولية….!؟
قولوا عنه ماشئتم، وصفوه كما شئتم. وإنما سواء من قال عمّا كان، بأنها أخبار مبالغ فيها باعتبار أن عدد الضحايا ليس شيئاً مذكوراً عنده، أو من وصفها بمجزرة لكثرة الدم والقتل فيها، أو من اعتبرها إيقاف شغب وإعادة هدوء من بعد فوضى سجناء، أو من قال بأنها ليست أكثر من (خناقة أو طوشة) في بلد غوار الطوشي، فإن الأمر المعتمد والنظامي مما لاخلاف عليه بين كل الأطراف في حده الأدنى المثبت رسمياً، أنهم حوالي سبعة عشر مواطناً قتلى معالجةٍ متأنيةٍ وحكيمةٍ لإعادة الهدوء والنظام إلى السجن، وأن الأمر الأكيد والمؤكد أن لا أحد من أهالي هؤلاء الضحايا وذويهم يعلم عنهم شيئاً سوى ظنون وشائعات وتوقعات تأكل مشاعرهم وعواطفهم وإنسانيتهم، وتقتل فيهم معنى الحياة والوطن، وتكسر فيهم إرادتهم في جو من الإخفاء والتعتيم المطبق مما لايعقل تصوره في غير بلادنا وعند غير خلقنا، ممن لا يعلو على صوت معركتهم صوت.
ياجماعة ..! خذوا ساعةً من وقت بمثابة راحة للحرب والمحاربين، فأوقفوا ممانعتكم الممانِعِِِة عن طمأنة قلوب أمهات الضحايا وأهلهم ودلّوهم على أماكن مقابرهم الجماعية، وأوقفوا مقاومتكم المقاوِمِة لفكّ حصار عامين كاملين عن جثث أموات مواطنيكم بإعطائها لذويها، ثم تابعوا معارك تحريركم والناس معكم والله يتولاكم. وكاســك ياوطن…!!
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى