أزمة النقاب في سوريةعمر قدّور

السّجال حول النقاب في سوريا

حضور النقاب وغياب المنقّبات
عمر قدور
لم يسبق أن طُرحت للتداول قضيّة الحجاب أو النقاب في سوريا، على النحو الذي تُطرح فيه حاليّاً، ولعلّ السابقة الوحيدة كانت في بداية ثمانينات القرن الماضي عندما كان الحكم في مواجهة حادّة مع الإخوان المسلمين؛ حينها قامت بعض المظلّيات بفعل متطرّف إذ نزعن الحجاب، لا النقاب الذي لم يكن شائعاً، عنوة عن رؤوس بعض النساء في الشارع، ولم يحظَ تصرفهنّ برضا الرئيس السوري السابق “الراحل” الذي أعلن أنّ الجهد يجب أن يُبذل تجاه الفتيات الصغيرات لا تجاه النساء الكبيرات أو المسنّات، وبالفعل فقد تمّ التشديد حينها على عدم جواز ارتداء الحجاب في المدارس المتوسّطة، وإلزام الفتيات باللباس المدرسيّ الموحّد الذي كان معمولاً به آنذاك والذي يتضمن قبّعة على الرأس تشبه القبّعة العسكريّة. لكنّ الأمور لم تدم على هذا النحو، إذ تمّ تجاهل التوجّه السابق وعاد الحجاب بالتدريج إلى الظهور في المدارس المتوسّطة، في دلالة على انحسار المواجهة السياسيّة والأمنيّة بين الحكم والتيّار الإسلاميّ الإخوانيّ الذي شهد ضعفاً على المستوى السياسيّ، في الوقت الذي بدأت شوكة الإسلام السياسيّ تقوى في المحيط الإقليميّ.
يشير المثال السابق إلى أنّ مشكلة الحجاب لم تتشكّل في إطار الحريّة الفرديّة، بل كانت دائماً في حقل التوظيف السياسيّ، ولعلّ مشكلة النقاب التي تُطرح الآن في سوريا أبلغ دلالة على الجذر السياسيّ للظاهرة، بما أنّ النقاب يفتقد أدنى صلة بالأزياء السوريّة التقليديّة المعروفة، والتي قد تتضمّن في بعض المناطق غطاء لرأس المرأة لا يفي بالغرض الإسلاميّ الحالي من الحجاب. لكنّنا، والحال هذه، لن نُفاجأ باستعادة ما قامت به المظلّيات من فعل طارئ قبل ثلاثة عقود بغية توظيفه في السجال الحالي، ففي بيان لـ”التيّار الإسلامي الديمقراطي المستقلّ في الداخل السوريّ” يتمّ استذكار تلك الحوادث والتلويح بفشلها وعيداً بفشل أيّ محاولة لمنع النقاب راهناً. وإذا علمنا أنّ التيّار المذكور يقدّم نفسه بوصفه إسلاماً معتدلاً لعرفنا ردود الفعل الإسلاميّة الأخرى على قرار نقل المعلّمات المنقّبات من مهنة التعليم إلى مهن أخرى، وعلى توجيهات وزير التعليم العالي بمنع النقاب في الحرم الجامعيّ.(1)
والواقع أنّ التحريض، واستجلاب “الفتنة”، ليس حكراً على الإسلاميّين، ففي تصريح إعلاميّ للّجنة السوريّة لحقوق الإنسان يبدأ الاستفزاز منذ البداية بالحديث عن إقصاء عدد “هائل” من المدرّسات على خلفيّة خيارهنّ، ويذهب البيان إلى حدّ ترويج حكاية عن نقل بعض المدرّسات المنقّبات إلى مصنع للخمور، مع ما يعنيه ذلك من تأليب استفزازيّ ودغدغة للمشاعر الدينيّة عند عامّة الناس.(2) أمّا على المستوى الفرديّ فيطالعنا الكاتب نبيل فيّاض، الذي غالباً ما يقدّم نفسه بوصفه لادينيّاً، بعنوان هو : “في الدفاع عن النقاب : أنا طائفيّ”. ودون سابق إنذار يكتشف الكاتب انتماءه إلى الطائفة السنّيّة، ويعلن بلا مواربة أنّ مقاله المذكور موجّه إلى هذه الطائفة!: ” أنا طائفي ولا أخجل : الكل يقولون إنهم غير طائفيين، ويتصرّفون طائفيّاً. الكل يدّعون الانتماء الوطني ولا يعيشون غير الانتماء الطائفيّ في أقذر صوره. هذا الوطني الغيور يحارب ابنته لأنها فكّرت بالزواج خارج الطائفة؛ وهذا المثقف التقدّمي يضرب أخته لأنها أحبّت من خارج الملّة. من هنا، نحن طائفيّون. إذا كانت التقدميّة والوطنية على شاكلة ما يتحفنا به البعثيّون من سلوك عملي، نحن رجعيون وطائفيّون حتى النخاع!! من هذا المنظور أقول بلا تردّد : أنا أكتب أوّلاً للسنّة!! يقرأ لي غير السنّة؟؟ الأمر لا يعنيني كثيراً!! السنّة – للأسف – تعرّضوا، خاصة في الآونة الأخيرة بفعل المال الخليجي والعقل المصري، إلى أكبر عملية خطف حضاري عرفها العالم. لقد خطفهم الجهل والتخلف وبالتالي الفقر والإرهاب. وبما أن انتمائي الإنساني إلى هذه الطائفة لا يخالجه شك، أشعر أنّي نبيّها الحيّ؛ أنّي الشخص الذي طلب منه الإله أن يخرجها من العتمة إلى النور؛ أن يهرب بها من هذه الجاهلية المتكلسة”(3).
ليصل الكاتب في فقرة أخرى من مقاله إلى القول: ” من الطبيعيّ أن تتحجّب نساء سوريا السنّيات؛ ومن الطبيعي أكثر أن ينتشر النقاب، الغريب عن البيئة السورية. هذا نوع من معارضة طائفية-سياسية؛ هذا نوع من تعبير عن انتماء، وقت ما عاد الانتماء الوطني يقنع أحداً. “الوطن ليس لنا” – العبارة التي أسمعها على الدوام! نعم! النقاب هو التعبير الأمثل عن الثقافة التي فرضت على سوريا منذ عقود. النقاب معلول وليس علّة. وقبل أن تحاربوا المعلول، تساءلوا عمّن وضع العلة!”.(4)
ما سبق هو غيض من فيض، بيانات ومقالات وآراء يدخل معظمها في باب استغلال الحدث لأسباب سياسيّة مباشرة، حتّى إنّ بعضاً ممّن أبدى موافقته على قرار منع النقاب قرنها بالتحفّظ على صدور القرار من هذه السلطة تحديداً!، أمّا من يؤيّدون القرار بلا تحفّظ فلن يعدموا من يتّهمهم من الجهة الأخرى بالانحياز المطلق إلى السلطة أو “العمالة” لها!، والغائب الأكبر حتّى الآن هي معاناة أولئك النسوة المتعدّدة الأوجه، والتي لا يجوز اختزالها من قِبل طرفي النقاش، أو أطرافه المتعدّدة، بأحكام متسرّعة أو منافقة. فلا يجوز مثلاً لمنظمة حقوقيّة أن تدافع عن حقّ النساء المنقّبات بالحفاظ على زيّهنّ دون إشارة أيضاً إلى حقّهنّ بالتخلّص من هذا الزيّ بعيداً عن وصاية “أولياء أمورهنّ” من آباء وأزواج وأخوة وخلافهم. ولعلّ الرأي الذي أدلت به إحدى المنقّبات ينير على الجانب الذي يُراد له البقاء مظلماً في هذا النقاش؛ تقول المنقّبة التي لم تعلن عن اسمها، وهذا منطقيّ تماماً بما أنّها لا تستطيع أن تسفر عن أيّ جزء من شخصيّتها: “لا شكّ أنّ بعض النساء تنقّبن لقناعتهنّ أنّ ديننا الحنيف يأمرهن بذلك. لكنّني واثقة من خلال تجربتي وتجربة عدد كبير من المنقّبات أعرفهنّ أنّ من تنقبت بسبب من قناعتها الدينية قلة نادرة. لكن في الواقع “قناعة” من نوع آخر هي قناعة اجتماعية ناجمة عن المجتمع الذي تعيش هؤلاء النسوة فيه. وحتى تتأكّدوا من قولي هذا افعلوا ما فعلت تلك الأوروبية التي ارتدت النقاب ليوم كامل كي تتلمّس ردود فعل الناس على نقابها. افعلن -أو افعلوا- ذلك لتتأكدوا مدى المعاناة التي تعانيها المرأة المنقبة داخل نقابها. معاناة جسدية حقيقية لأنها مضطرة دائما لارتداء المزيد من الثياب مهما كانت درجات الحرارة مثلا. ومعاناة نفسية مستمرّة كل لحظة لأنها تعرف في كلّ لحظة، وترى ذلك في كل لحظة في عيون الآخرين، أنها في وضع غريب. ولذلك أجد نفسي موافقة – وإن على مضض- أن النقاب يشعر المرأة حقّا أنّها عارية لأنها تعرف أنّ وجهها غير مرئيّ للآخرين. أي أنّ وسيلة الإنسان الأساسية في التواصل البشريّ تمّ إلغاؤها”.(5)
إنّ اجتزاء، أو انتقائيّة، المسألة الحقوقيّة يضع المنقّبات، وهذه الظاهرة بمثابة المعلول لا العلّة كما يتّفق على ذلك كثيرون، في موقع صاحبات الحقّ، ويتغاضى عن حقوقهنّ المستلبة منذ الصغر، ويتغافل هذا المنطق عن كون غالبيّة المنقّبات أو المحجّبات فرض عليها النقاب أو الحجاب منذ الطفولة، وقلّة هي التي اختارت النقاب والحجاب بمحض إرادتها، وبعد بلوغ سنّ الرشد. ما يحدث هنا هو الدفاع عن حرّيّة الاختيار في مرحلة عمريّة متأخّرة، لمن لم تتح لهنّ هذه الحرّيّة مطلقاً ولم ينشأن عليها، فالأولى بمن يتنطّع للدفاع عن حقّ كهذا أن يدافع عن حقوق الطفل، ذكراً كان أم أنثى، في عدم الخضوع إلى مؤثّرات جوهريّة تمنع عنه حرّيّة الخيار طوال حياته. والأولى به أيضاً أن يرى في فرض الحجاب أو النقاب، على الأقلّ، نوعاً من العنف الأسريّ والاجتماعيّ لا يقلّ بتاتاً عن أنواع العنف المباشرة التي تقع النساء ضحيّة لها. وإذا عدنا إلى ميدان المشكلة الأساسيّ؛ فإنّ الحقّ الأصل هو سير العمليّة التعليميّة والتربويّة على أفضل وجه، وأفضل وجه هنا لا يكون بستره بالنقاب، فتعابير الوجه هي جزء من التواصل الضروريّ في العمليّة التعليميّة، والنساء أو الرجال ينبغي أن يكونوا ملزمين بضوابط عملهم التي قد تحدّ من حرّيتهم الشخصيّة أثناء العمل، فهل نعدّ، مثلاً، التدخين في الصفوف الدراسيّة حرّيّة شخصيّة للمدرّس أو المدرّسة؟ ألا توجد أعمال أخرى تقتضي من العمّال، والعاملات، طرازاً محدّداً من الثياب، وهذا أمر لا يثير الاعتراض من أحد؟
من طرائف هذا السجال أن يتذرّع الإسلاميّون بفقرة من الدستور السوري تنصّ على أن “الشريعة الإسلاميّة هي مصدر رئيس للتشريع”، في الوقت الذي يواظب فيه هؤلاء، في سجالات أخرى، على اتّهام الحكم بالعلمانيّة!. وأيضاً في الوقت الذي يطالبون فيه، أسوة بمعارضين آخرين، بتعديل الدستور!. لكنّ الأنكى من ذلك أن تدخل جهات معارضة غير إسلاميّة هذا السجال من باب النكاية أو الكيد السياسيّ، أو حتّى من باب اللعب على غرائز الجمهور الإسلاميّ، وينفتح الباب واسعاً أمام تأجيج طائفيّة معلنة أو مستترة. فمعارضة الحكم، وهي حقّ يصل في الدولة الحديثة إلى مرتبة الواجب أحياناً، تكون ضمن الإطار الوطنيّ الذي يعلو حكماً على العصبيّات قبل الوطنيّة، ويعلو خصوصاً على المذهبيّات التي أثبتت كلّ التجارب عبر التاريخ أنّها تفرّق الجماعات وتشتّتها. فالعلمانيّة، بهذا المعنى، هي صنوّ للدولة الوطنيّة، والتذرّع بالخصوصيّة الثقافيّة لأيّ طائفة كان وما يزال، في منطقتنا، مشروعاً لانهيار الدولة الوطنيّة. ببساطة شديدة؛ يدلّ السجال الحاليّ حول موضوع النقاب في سوريا على أنّ الدين يفرّق، خاصّة عندما يشتبك الدين بالسياسة، ومن واجب القوى الوطنيّة العمل على تحييد الدين لا استغلاله.(6) أمّا من يتذرّعون بالحرّيّات التي يكفلها الدستور فينبغي لهم النظر إلى الحرّيّة الدينيّة بمعناها الأوسع، وعلى سبيل المثال تكفل بعض الدساتير العربيّة حرّيّة المعتقد لكنّنا جميعاً نعرف الجانب الذي يتمّ تطبيقه في الواقع، إذ تنطبق هذه الحرّيّة على مواطن مسيحيّ يبدّل ديانته إلى الإسلام لكنّها تُحجب عن المسلم إن شاء تبديل دينه أو التنكّر للأديان جميعاً.

في العودة إلى أصل النقاش:
لا شكّ في أنّ موضوع النقاب أو الحجاب متعدّد الأوجه، بحيث يؤدّي إطلاق الأحكام المتسرّعة إلى الإجحاف بحقّ فئة من الناس أو أغلبيّة منهم، وكلّما ابتعد النقاش عن التوظيف السياسيّ بات أقرب إلى ملامسة قضيّة أولئك النسوة، وأقرب إلى البحث عن حلول تحفظ حرّيّة الخيار بما لا يتعارض مع المصلحة العامّة. في الطليعة من ذلك ثمّة حقوق لا ينبغي أن تكون موضع جدل أو تمييز كالحقّ في التعليم والحقّ في العمل، لكنّ هذه الحقوق لا ينبغي أيضاً أن تكون في تعارض مع العمل أو العمليّة التعليميّة وإلا نكون قد غلّبنا مصلحة فئة على مصلحة الكلّ.(7) ولكي نخرج من إطار التهويل فما حدث في سوريا هو نقل المدرّسات إلى عمل آخر، أي أنّهنّ لم يحرمن من حقّهنّ في العمل، وتجدر الإشارة إلى أنّ الموظّفـ/ة في سلك التعليم، كان وما يزال، يخضع إلى فحص مقابلة، الغاية منه التأكّد من اللياقة الجسديّة له، ومن ضمن ذلك الهندام، إذ لا يليق تربويّاً أن تكون المدرّسة، أو المدرّس، بهندام يؤثّر سلباً على التواصل مع الطلاب، بالقدر نفسه الذي لا يليق تعليميّاً بالمدرّس، أو المدرّسة، أن يعاني من علّة في النطق؛ المقارنة هنا هي بين مصلحة آلاف مؤلّفة من الطلاب وتفضيلات فئة قليلة من المدرّسات لهنّ احتياجات خاصّة يمكن تلبيتها بعيداً عن هذه المهنة، أي أنّنا لا يجب أن نتغاضى عن حقوق الطلبة في نوعيّة أفضل من التعليم تقتضي تواصلاً أفضل مع معلّميهم. إنّ وضع ضوابط لأيّ مهنة لا يندرج في إطار التمييز طالما كانت هذه الضوابط لا تتعلّق بالجنس أو الدين أو العرق، وهذا ما لا ينطبق على حالة النقاب لأنّ المنع لا يتعلّق بالمرأة أو المسلمة على وجه العموم.
قد يكون الأمر أكثر إشكاليّة فيما يتعلّق بمنع النقاب لدى الطالبات، إذ سرعان ما يواجهنا البعض بالتعارض بين الحقّ في التعليم والواقع الأسريّ الذي يفرض على الفتيات أن يضعن النقاب، بحجّة أن بعض الأسر قد تحجم عن تعليم بناتها لهذا السبب. ثمّة حقوق مهضومة تغيب في طرح السؤال على هذه الشاكلة، فالفتيات المعنيّات هنا محرومات أصلاً من غالبيّة حقوقهنّ، أو مقصيّات عن مفهوم الحقّ برمّته؛ هذا بالتأكيد لا يعني حرمانهنّ من حقّ التعليم، بل إنّ هذه الفئة تستحقّ كافّة أنواع التعاطف والدعم لا لتبقى فئة مسحوقة وإنّما لتتخلّص من القيود التي تكبّل حرّيّتها، وتمكين هذه الفئة يتطلّب معالجة لا تقرّ بالأمر الواقع وحسب، وأيّ معالجة هذه؛ التي تمنح حقّاً وتمنع حقوقاً؟ مع ذلك؛ إنّ كاتب هذه السطور يتهيّب إبداء رأي قاطع فيما يخصّ الفتيات المغلوبات على أمرهنّ، وإن كان يطمح إلى إنصافهنّ على كلّ المستويات، وذلك يقتضي حواراً وجهداً مجتمعيّين بدلاً من أخذهنّ بمثابة رهائن لدى “أولياء أمورهنّ”.
على العموم؛ كثير من التوظيف السياسيّ وقليل من التفكير الإيجابيّ الهادئ؛ هذه هي حصيلة السجال حول قضيّة النقاب حتّى الآن. الغائب الأكبر في السجال هنّ المنقّبات أنفسهنّ، اللواتي حجب النقاب عن أعين الكثيرين أنّهنّ نساء ينبغي تمكينهنّ من حقوقهنّ، وإبداء الدعم الحقيقيّ لهنّ، لا نسيانهنّ وإبداء الدعم للنقاب!.
الهوامش:
1- التيار الإسلامي الديمقراطي من التنظيمات المنضوية تحت ما يعرف بـ”إعلان دمشق للتغيير الديمقراطيّ”، وهو تجمّع معارض يضمّ أطيافاً متعدّدة من حزب الشعب اليساريّ إلى الإخوان المسلمين، والإشارة هنا إلى البيان الصادر بتاريخ 22/7/2010، ويعرّض هذا البيان بالنساء السافرات كما في الفقرة التالية : “إنّ إدّعاء وزير التربية بالحاجة إلى مواكبة التعليم العلماني هو أمر مرفوض وغير صحيح بعد أن ثبت للجميع أنّ هؤلاء النسوة يلبسن النقاب في الشوارع العامة وليس داخل الصفوف وهذا من صميم حرّيتهن الشخصية الّتي كفلها الدستور والشرائع والقوانين وخاصة أنّ الأمر يستند إلى موروث ديني وثقافي لا يمكن للنظام أن يطلق يده في معارضته وإلغائه مهما كانت الدواعي والأسباب، أم أنّ التعليم العلماني يسمح بممارسة التدريس من قبل معلّمات يخرجن في لباسهن حتّى عن حدود الأدب والحشمة فهي (التقدمية)!! ويمنعه عن الفاضلات المحتشمات المتدينات وهؤلاء هنّ (الرجعيّات)!! اللاتي يزرعن الأخلاق والدين في نفوس أبنائنا”. وينذر بما ينطوي على حرب أهليّة في فقرة أخرى : “وإذا أضفنا إلى ذلك ما تردّد من منع وزير التعليم العالي للطالبات المحجّبات المنقّبات من تسجيل المفاضلة الجامعية فالأمر عندها يصبح جدّ خطير وينذر بكارثة وفتنة لا تحمد عقباها، والقاعدة العامة تقرّر أنّ لكل فعلّ ردّة فعل وكلّ تطرف يقابله في الجانب الآخر تطرّف أشد وقد يؤدّي إلى ضرر أكبر منه وقد لا يكون هذا على المدى المنظور وهذا ما لا نتمناه”.
2- البيان المذكور منشور على موقع اللجنة السورية لحقوق الإنسان بتاريخ 2/7/2010، واللجنة المذكورة تقدّم نفسها بوصفها مستقلّة أو معارضة. وبعدما يبدأ البيان بالإشارة إلى عدد هائل يحدّد العدد بـ1200 منقّبة، وبغياب للمعلومات الإحصائيّة فإنّ التقديرات تشير إلى وجود نسبة ضئيلة من المنقّبات في المجتمع السوريّ قد لا تتجاوز 1-2%.
3- في الدفاع عن النقاب : أنا طائفي. نبيل فياض، موقع “كلنا شركاء”، تاريخ 22/7/2010.
4- المصدر السابق.

5- نقاش امرأة منقّبة حول النقاب وقرار وزارة التربية، المصدر: مرصد نساء سوريا، تاريخ 15/7/2010.
6- ليس من شأن هذا المقال الدخول في “الزواريب” الضيّقة لبعض الجدل السياسيّ في سوريا، ومع ذلك يرى كاتب هذه السطور أنّ تطييف الخطاب السياسيّ، معلناً كان أم مضمراً، يبتعد عن واقع الحال إذ يوحي بوجود طائفة مسيطرة وطائفة مسيطر عليها، فهذا التصوّر يلغي التعدّد السياسيّ ضمن كلّ طائفة، ويقفز عن واقع وجود طوائف أخرى غير الطائفتين المعنيّتين، أو وجود إثنيّات لها تأثيراتها الثقافيّة المختلفة. على سبيل المثال ينحدر أكراد سوريا الذين يشكّلون حوالي 10% من السكّان من المذهب السنّيّ، ولم يُعرف عنهم تشدّدهم في أمور الدين أو التأثّر بالموجة الوهابيّة، وهذا لا يعني بالطبع أنّ “العرب السنّة” واقعون جميعاً تحت تأثير الوهابيّة.
7- مع أنّ كاتب هذه السطور لا يحبّذ استحضار المثال الإسلاميّ فيما يخصّ شؤون الدولة إلا أنّه ثمّة في الفقه الإسلاميّ ما يُسمّى بـ”المصالح المرسلة”، ويُقصد بها المصالح العامّة التي تجيز حتّى إيقاف حدود من الشريعة إن اقتضت المصلحة العامّة ذلك.
موقع الآوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى