صفحات الحوار

وليد إخلاصي صانع بروفات وليس كاتبا

حاوره شريف سالم
أحب الكتابة وعشق القلم ومازالت الدواة وما تحويها من حبر أزرق تمثل له الدماء والشريان التي تسري في عروقه، رغم كل الأعمال الإبداعية من مقالات وقصص ونصوص مسرحية وحصوله على جوائز دولية وعربية ومحلية كبيرة إلا أنه يعتبر نفسه مقصّرا ،ولكنه يراهن على الجيل الشاب ويدعمه.. “شوكوماكو” التقت الأديب “وليد إخلاصي” ودار هذا الحوار :
ـ متى يتحول مقهى القهوة والشاي إلى مقهى ثقافي ؟
لا يوجد مقهى ثقافي ،بل يوجد بعض المثقفين اجتمعوا مع بعضهم بالصدفة في مكان محدد وتكررت زيارتهم لذلك المكان الذي يطلق عليه (مقهى) ،كما أنني أخالف نظرية وجود مقاهي ثقافية. سابقا كان يوجد ما يدعى الصالونات الثقافية ولا أقصد صالونات ( مي زيادة ).
ففي حلب مثلاً أذكر ثلاث أماكن يجتمع فيها محبي الثقافة والأدب كل أسبوع وتنحصر معظم أحاديثهم بالقضايا الثقافية.
المقاهي الآن اقتصرت على مكان يوجد فيه بعض الناس يتبادلون الآراء فقط ومازال الموضوع قائم في المقاهي السورية، والآن إذا حصل واجتمعت مع أصدقائي أجلس في مقهى الروضة كل شهر مرة وأجلس لساعة قبل رجوعي لمدينة حلب وليس من الضروري أن تكون المناقشة ثقافية ولكن توجد روح ثقافية، ويطغى على المقاهي الآن الأحاديث المالية أو الأحاديث المتعلقة بالعلاقات الغرامية النسوية أو إظهار بطولات بعض الناس.
ـ كيف كان المقهى الثقافي سابقاً؟
أذكر أن الأديب الدكتور عبد السلام عجيلي عندما كان يأتي إلى مدينة حلب يجلس في قهوة (البرازيل) في الشهر أو الأسبوع مرة ويجلس مع مجموعة من الناس لهم علاقة بالثقافة أو الأدب و كانت الصحافة في ذلك الوقت تمثل جزءاً كبيراً من المقهى الثقافي ،اما الآن فلدي إحساس أن المقهى أصبح سطحيا، واقتصرت جلساتي الخاصة مع اصدقائي في مكتبي ولقاءنا يكون ثقافيا ونناقش كتب القصة أو الرواية ، وعلى الصحافة السورية أن تخصص أسبوعياً إن لم يكن يومياً مادة للتنويه بكتاب جديد.
ـ درجت شركات متخصصة بالدوبلاج على دبلجة المسلسلات التركية بكثرة فهل هذا يعود لتغير ذائقة المشاهد أم لتراجع النص العربي ؟
أحفادي يتفرجون على المسلسلات التركية ولا أمانع، لكن بصراحة إن الإعلام السعودي أحدث غسيل دماغ لكثرة الأفلام والمسلسلات البعيدة عنا ،ومن إنشاء محطات تعرض أفلام الأكشن والإثارة وهو أمر خطير ،وأبدو أمام الأجيال الطالعة أنني رجعي وأن أفكاري رجعية وأني ضد الغناء.. أتصور ملحن مثل القصبجي صنع أغاني لمغنين عظام وكل أغنية لا تشبه الأغنية الأخرى من جودتها وجمالها لكنك اليوم تسمع سلسلة من الأغاني ذات الإيقاع الواحد ومكبرات الصوت وعمليات تحسين للصوت ،وهنا بإمكانك أن تستمع الى مؤذن في حلب وأنت منتش أكثر من المغنين أنفسهم وهنا أقول ان 70% من الشعب العربي كشفوا عن تفاهتهم أمام المسلسلات التركية، والسؤال الكبير المحير هو ماذا تريد تلك المحطات التلفزيونية من الشعب العربي ،!!؟؟..هل يا ترى تريد تحطيم ذائقته وتريد أن يفقد قيمه ؟؟! لأنه من غير المعقول أن تنشأ قنوات تلفزيونية وفضائيات عربية ،ولم يفكر أصحابها بالمشروع الثقافي الوطني ،وضمنه الأغنية الجيدة والمسرحية الجيدة إن كانت كوميدية أو غيرها ،وهذه الطبقة المستحدثة التي نبتت وعاشت على دماء الآخرين ولا أعني هنا الاشتراكية. الآن أنا أحس وتدمع عيوني عندما أتذكر حتى المغنين وقراء القرآن وأقول أين كنا وأين أصبحنا وكيف سنستمر ؟؟! وأستطيع أن ألخص لك أننا لا يوجد لدينا اتقان ،حتى أنهم لا يتقنون الدعارة رغم أن إتقان الدعارة ضروري ،وأنا قطعت السبعين من العمر وانتهى تاريخي والأجيال الجديدة أفضل مني ولكنها تخطو بالطريق الخطأ والمعرفة المكتسبة عبر التلفزيون والانترنت وهذا الأجيال القادمة يتفوقون علي لكن المشكلة ان المناخ الذي وضعوا فيه مناخ خاطئ.
ـ إذاً أنت لست متعصبا لجيلك الذي عشت فيه ؟
الشيخ محمد عبدو –مفتي الديار المصريى- الذي توفي عام 1905 له مذكرة بحدود 20 صفحة اسمها ( التعصب ) حيث كتب عن التعصب ونحن نعيش التعصب ولا أعني هنا الإرهاب أوالتيارات الدينية فقط، لكن التعصب أيضاً يكون للدعارة والتدهور في الحياة الفنية والثقافية إنه أمر مخيف ، وأعود هنا للشيخ عبدو فهو ليس سابقاً لعصره لكنه حالة مستنيرة ،وفكره بأم القرى وطبائع الاستبداد لم نجدها في الأحزاب التقدمية. و أنا لا أنادي بالماضي ولكن أبحث عن الماضي لاكتشاف جماليته وأنا مصمم أنني لست من أنصار الماضي وأن يقال أن الذين سبقونا أفضل ،ولكن أبحث عن التنوير لأن التنوير مهم ولأنه عندما يشع النور تشعر بالظلمة حول الضوء وعلى مدار المئة عام الأخيرة ظهرت حالات مستنيرة ،ولك أن تلمس العدد الكبير من ظهور المغنين الفاشلين والشعراء الفاشلين. وأسأل هنا ماذا يقال عن شاعر المليون هل هو شاعر المليون دولار أم شاعر المليون شخص !!؟؟ والشعر قديماً وحديثاً سيظل شعرا مستنيرا ،مثلاً المتنبي حوله كان الكثير من الشعراء وبالنتيجة بقي المتنبي.
ـ هل فكرت بإنشاء صالون أدبي ؟؟
أنا لا أملك القدرة على إنشاء صالون أدبي لأن الصالون يجب أن يقدم فيه الطعام والشراب وقد يتاح لي أو لا يتاح ،ولكن برأيي أن الصالون الأدبي يقوم بافتتاح من يحب الأدب وليس الأديب نفسه ،مثلاً يوجد أشخاص يحبون الأدب لذا يقومون باستقطاب الشعراء والأدباء ويتم النقاش معهم. كثير من الناس وقع في غرام مي زيادة وكانت أنثى متحضرة تتقن العديد من اللغات وفيها لمحات أرستقراطية وتضع عطور طيبة وقع في غرامها عباس محمود العقاد وياحيذا أن يتوفر مثل مي سيدات يرغبن بانشاء صالونات.
ـ ما هي شروط ومتطلبات الصالون الأدبي برأيك ؟
للأسف توجد عزلة اجتماعية ،وأنا أقول لك هنا قرأت مقال في صحيفة الحياة أنه توجد مطبعة توفر 100 صفحة كتاب مغلفة بغلاف بخمس دقائق وأنه سيتوفر بالمستقبل للشخص آلة صغيرة لطباعة الكتب ،لذا الصالون الأدبي أصبح جزء من التاريخ والآن يوجد مراكز اجتماعية ثقافية ضمن مقاعد جيدة وتهوية وتدفئة يستمعون ويحسنون اختيار المحاضرين.
ـ هل فقدت المراكز الثقافية بريقها ولماذا ؟
دعيت لإحدى المراكز الثقافية في دمشق وبعدها لم أتمكن من الذهاب فاعتذرت، وفوجئت بعدها أن الحاضرين وصل عددهم مع المحاضرين الأربعة الى سبعة أشخاص ،وأنا لا يعنيني سبعة أو واحد ولكن يعنيني جدية الموضوع. والمراكز الثقافية تراجع دورها مع ازدياد عزلة الناس وبقاءهم في بيوتهم، وهنا أحكي لك قصة حدث في السبعينات كنت رئيس اتحاد الكتاب ودعينا نبيل سليمان ليتحدث عن (النقد ) وأقمنا الندوة في المركز الثقافي ووقفت لتقديمه وفوجئت بثلاث من الشخصيات المحترمة جداً وأنا أعرفهم قادمين من (البنك المركزي ) فقمت بالإشارة أنه يا سادة هذه المحاضرة في النقد السوري (الأدب وليس في المال).
ـ أعمالك الأدبية تجاوزت (50) عملاً بين رواية وقصة قصيرة ودراسة ومسرحية متى تكون عاطلاً عن الكتابة ؟
سنين كثيرة كنت أكتب في جريدة تشرين ومنذ عام أرسلت اعتذاراً بعدم إمكانيتي الاستمرار بالنشر والسبب أنني لم أعد أستطيع الاستمرار ووجدت نفسي أنه ليس لدي ما أقوله وإذا كانت هذه نهايتي فأنا استسلم لهذه النهاية ،لأنه في الوقت الحاضر ليس لدي ما أقوله وأنا لا أريد أن يفهم الأمر أنني أستنفذت المواضيع ولكن لا يوجد شيء أقوله لأنني مجروح والجرح العميق قادم من الخارج وهو مستمر بالنزيف ليلاً ونهاراً بسبب الوضع العربي ،وأنا عاجز عن تصويره ولا أمتلك اللغة التي أحكي بها ،وأحياناً اكتب زوايا صغيرة مقتطفة من ذكرياتي وطفولتي ،وعندما أُهدى كتاباً ما يحصل هو أنني لا أملك سوى أن أرفع الهاتف للتحدث مع صاحب الكتاب فقط ،واكتشفت فيما بعد أن موضوع الكتابة صعب جداً وفيها مشقة هائلة لأن المسؤولية هائلة حتى الكتابة في الأشياء الجمالية وعمري لم أكتب في زاوية أو قصة إلا بشعور اجتماعي وطني ،وحين أتصور نفسي أعيش بسويسرا أشعر أنني لا أستطيع الكتابة لأنه توجد جماليات كثيرة هناك .. الأزهار المنتشرة في كل مكان وحليب بقر طيب ولحوم طيبة ونظافة وإشارات مرور تحترمها عن ماذا سأكتب !!.. ومن طرف أخر حصل لي شرف الكتابة أن مجتمعنا لم يكتمل بعد ويعاني وهنا أتحدث بشكل عام ..،كما أنني لا أستطيع الكتابة إلا بمحرّض ،والمحرض الأساسي إما قضايا الحرية أو قضايا التعصب أو قضايا الديمقراطية أو قضايا الفقر أو قضايا العذاب واضطهاد المرأة ، وعادتي دائماً أكتب الرواية عدة مرات ،ومن إحدى القضايا المهمة أتمنى شخصياً أن أكتب عن نماذج حديثة في البنية الحديثة مثل حسن نصر الله ولكن لم تتوفر لي معرفته لأنه حالة متفوقة على الوضع العربي وقد أبدوى متعصب !! علماً أنني لا أؤمن بالدولة أو الحزب الديني ،ولكن الاستثناء الوحيد هو (حسن نصر الله ) .
الرسول عمره أربعة عشر عاما أطلق عليه الصادق الأمين قبل النبوة وهو فقير وعبر التاريخ الإسلامي الطويل أبحث عن الصادق الأمين وقلبت وجهات النظر وأنا أبحث عن الأمين والصادق لأجد زعماء صادقين وليسوا أمينين أو أمينين وليسوا صادقين ،واكتشفت حسن نصر الله وهو صادق وأمين وهو ليس نبي وهو حالة من الحالات النادرة.
نذكر (جيفارا) الشخصية المناضلة ولكن (حسن) حالة نادرة وأكنّ احتراماً في التاريخ السوري ليوسف العظمة وهو رجل عسكري أخذ مجموعة من العسكريين غير المؤهلين من أجل أن يغرس الشعور الوطني في نفوسنا ،وتوجد نماذج دهات وأحترمهم ،( نصر الله ) يملك الوعي السياسي ومخطط عسكري ولديه القدرة على فهم الواقع في العالم وأذكر أنني كتبت مقالاً في حرب تموز عندما ضرب المربع الأمني وضُربت العمارات بأكملها وبقيت عمارة واحدة هدمت وتسكن فوقها امرأة عمرها 78 عاماً ورجل 83 عاماً وهو عاجز عن الحركة و يسألها مندوب قناة الجزيرة ماذا تفعلون هنا !؟ .. وحين التلفزيون قام بتصوير البيت شاهدت صورة السيدة (مريم ) و(السيد المسيح) و(حسن نصر الله) .. وقالت السيدة للتلفزيون نحن بحماية الله وحسن نصر الله ،وتحدثت هنا المرأة عن جارتها الشيعية التي تسكن بقربها منذ 40 عاماً وقالت أنني لا أستطيع الخروج دون جارتي وهذا مثال ممتاز للوحدة والتماسك بين الشعب.
وألاحظ وجود تناقض طرف في الوطن العربي متقدم وفي طرف أخر تشاهد تخلفه واضحاً رغم أن التناقض قائم منذ سيدنا أدم والرسل وإلى اليوم والتناقض هو سر الليل والنهار والخير والشر.
ـ قلت أنك لا تثق بجيل المخضرمين ولا تسأل إلا عن انتاج الشباب إلى أي حد تدعم الأدباء الشباب ..؟
أنا فعلاً أناني وأنظر إلى الجيل الحالي وجيل الفن التشكيلي والمسرحي ودائماً ابحث عن طريقة أساعدهم .. أنا لم يساعدني أحد ولم تقدم لي المساعدة وبصراحة استمتعت بعد سنوات أنه لم يساعدني أحد وأنه لم يكن لأحد فضل علي ،وبصراحة أكثر إنني أتلمس النباتات والأعشاب البرية واستمتع برؤية نباتات مورقة وخضراء وتنظر باحترام إلى الأجيال المستمرة وبعد تجربتي معهم اكتشفت أن مساعدتي أثمرت واكتشفت أنني أصبت وأصبت أكثر مما فشلت وهي نوع من الهواية ولا أدرك توصيفها وفي إدراك لذاتي وأنا من الأناس الذي أنسى من أساعدهم أي أساعد وأنسى ذلك ، ولا أخفي أني كنت لئيم عندما سألت من إحدى المذيعات أنه يقال أن فيلم الحدود مأخوذ مني وهو فعلاً كذلك وقلت لها : أنا لا أملك نقود ولكني أملك طاقات أخرى وأعتبر ذلك زكاة.
ـ أنت مع النقد المبني على تأسيس وعي ثقافي متى يتحول النقد إلى سلطة ؟؟
عندما يأخذ إنسان مكانة ثقافية نقدية يحن للتسلط ،وفي استثناءات قليلة ولكن أنا برأيي أن الناقد يجب أن لا يحس بالتسلط إذا كان ناقداً حقيقياً فهو يقوم بالكشف عن الإبداع أو الشيء السيئ ولكن يوجد فرق عندما يشعر أنه لديه إحساس بالتعويض عن نقصه ،وكثر من النقاد وقعوا بفخ الغرور والإحساس بالتسلط وقلة قليلة تحس أنه واجب ثقافي عليها أن تقوم به وحتى الكتاب إحساسهم بالأهمية الكبيرة يوجد فيها عجر إن كان في بيته أو في الشارع.وكلما زادت الموهبة زاد التواضع .
ـ لا أستطيع أن أشيح بنظري عن وليد إخلاصي الكاتب المسرحي لأن أكبر الإنجازات التي حققتها كانت في الكتابة المسرحية ،وهنا أسأل السؤال التقليدي لماذا يهرب الناس من المسرح ؟!!
أنا هنا أسال : متى كان لدينا مسرح مهم ؟!! وأسال: إذا أوقفت جريدة ما أو توقف تلفزيون عن العمل يسأل الناس لماذا تم التوقف !!؟؟ لكن الناس لا يسألون لماذا توقف المسرح عن العمل في حال أغلق.
وأضيف لك إن ثقافتنا ليست ثقافة مسرح ،ولكن توجد عملية تأسيس لشعور مسرحي و من أهم العمارات الثقافية هي دار الأسد وهي من أهم الدور في الوطن العربي وهو بناء جميل ويمتلك الدار إمكانيات هائلة هل ستساعد المسرح وهو سؤال للجميع !!؟
اتصلت قريبتي من استراليا وقالت لي أنني قادمة في فصل الربيع بعد ستة أشهر احجز لي مقاعد للمسرحيات التي ستقام ،ووقفت حائراً أين البرنامج المسرحي حتى أقوم بالحجز ،وهنا أذكر فرقة همام حوت التي تمكنت من إنشاء مسرح رغم ما يقال أن المسرحيات تافهة ،وهنا اسأل هل هنا الجمهور تافه أم أن المسرحية تافهة أم الاثنين معاً وهمام قام بدور كبير عام ونصف وهو يعرض بشكل متوالي لمسرحية واحدة ،أنا شخصياً لست ضده ولكن مسرحيته تافهة.
ـ حصلت على جوائز كثيرة ونلت وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة هل تظن أنك نلت التكريم الذي تستحقه ومتى نقول أن الأديب يستحق التكريم؟؟
أنا فوجئت عندما نلت وسام الاستحقاق لأني (لست قبضان حالي) وأنا أنتظر التكريم حتى لعشر سنوات أخرى لكرّمت أكثر ،وأنا أخجل أن أقرأ في كتبي وأكتشف أنني سيء وأخاف أن أقرأ في كتبي فأكتشف أنها ليست جيدة وعندما أكتب لمرتين وثلاثة وهنا شكراً لأني كرمت وأنا أخشى أن الشخصيات الحكومية الصديقة أن تؤثر على تكريمي ،وأصبحت أشك في نفسي هل أستحق ذلك ،وعندما فزت بجائزة العويس فوجئت لأنني لم أتوقع أن أحد في الخارج يعرفني وأحسست أنه ياريت لم أأخذ جائزة العويس لأنني تباطأت لفترة ستة أشهر وأنا أناقش نفسي هل أستحق أم لا !! وأنا أكره الثناء لأن الثناء قاتل ،وأنا أشكر الناس الذين يهاجمونني ،ويوجد أناس تعاملوا معي بنوع من التكريم وخاصة من العائلة يتركوني وشأني لأنني أعتبر كل شيء كتبته هي بروفات وأنا صانع بروفات جيد ولست كاتب جيد.
ولا أخفيك لدي إحساس أن اللازم أعمله لم أعمله بعد لأن ذلك يجعلني متحفز أكثر ، كان لدي صديق صحفي يحبني و(معجب فيني) كان كلما صدر لي كتاب يمتدحني ولكني اعتبرت ذلك مذمّة لأنه لا يوجه لي النقد ،وما أريد أن أقوله أن كل الأدب العربي عايش على مائدة الثقافة العالمية ولم نقدم أطباقاً جديدة لهذه المائدة ونحن لا نشارك في المائدة سوى أننا نشارك في الآكل .
في إحدى زياراتي ذهبت إلى نيويورك حيث قدم أحدهم بدراسة علمية هي (رسالة دكتوراه) عن أدب وليد إخلاصي في جامعة نيويورك وترجم لي عدة نصوص منها مقام إبراهيم وصفية وعندما قمت بزيارة رئيس قسم الدراما في جامعة نيويورك وأثناء وقت الغذاء وبحضور أساتذة القسم عرفني رئيس القسم عليهم أنني وليد إخلاصي الذي كتب روميو وجوليت العربية (مقام إبراهيم وصفية) ،فقلت له لا تقارني بشكسبير هذه حالة خاصة بعيدة عن شكسبير عملي إبداعي خاص ،وعملي بعيد جداً عن عمل روميو وجوليت.
ـ هل تدخّلت الرقابة بانتاجاتك الأدبية ؟وهل لديك رقيب ذاتي ؟
التدخل كان ضعيف جداً قد يكون لأنني لم أنتسب إلى أي حزب وأخذت أعمالي على حسن نية وفي داخلي يوجد رقيب ولكنه خبيث وأتحايل عليه بقضايا الرمز والمهارة في الكتابة لأني أعتقد شخصياً أنه لا توجد لدي عداء للأشخاص بل عداء للقيم وهل يمنع وصفي للظلم ودفاعي عن الحرية وبالنتيجة السلطة لا تمانع ،والرقيب لا يراقبني بشكل كامل بل قد أكون أكثر دبلوماسية من الآخرين وتعكس شخصيتي وعندما أتكلم عن حاكم عربي أو عن وزير لا أقول أن فلان سيء بل أقول وصف أخر بشكل مهذب أكثر ،والذي حصل أن كثير من الأشخاص الماركسيين يعتبروني كاتب برجوازي وميال للمصالحة مع الدولة ،لكنني أكثر عداءً لأنظمة الدولة الفاسدة وأكثر دفاعاً عن الطبقات المستغلة أو الفقيرة وآخرون تراجعوا فوصفوني أنني ليبرالي وهو انحصار لموجة حادة في سورية وكان أحد أسباب عداءهم لي هو الغليون الذي أدخنه أو لأنني أحلق دقني وأتغسل كل يومين ،وأنا أستغرب هل يجب أن أكون بوليتاري وأكل من القمامة.
القضية أنني أعتبر كل شيء كتبته بحياتي دفاعاً عن قيم الحرية والعدالة والدفاع عن المظلومين ويعنيني أكثر شيء هو دفاعي عن المرأة ولا اعتبر أصلاً أن المرأة شيء والرجل شيء أخر وليس لدي فروق مثل الجنس.
ـ تعطي لنفسك الحق بالدفاع عن قضايا المرأة ويوجد جدل حول تأثير الأدب النسوي ما هورأيك وكيف تتعامل مع محيطك؟
أنا اكره تعبير الأدب النسوي وهنا أقول إن كان يوجد أدب نسوي هل يقابله أدب رجولي !!! وأشياء كثيرة متداخلة أصبنا بحمّاها وأنا أقول دائماً أنني لست برجوازي بل إنني ارستقراطي وأنا مفلس وهنا أعني أرستقراطية الفكر وهي التعالي عن السوقية ،وأكثر شيء يغضبني بحياتي التفكير السوقي ,واكره ما اكرهه الشخص الذي حمل دكتواره وتفكيره سوقي لابد من الكاتب الفنان السياسي ويمتلك الشخصية الاجتماعية إن كانت مفلسة أو لم تكن مفلسة وأنا أحافظ على التقاليد وأنا شخصياً أأكل بمواعيد معينة وأنام بساعات معينة وأنا لا أقبل دعوة إذا اختلت بموازين حياتي وحين أذهب لعرس أحب التنظيم لنفسي وأنا مرتاح وأنسجم وأتصالح مع نفسي ولكن لست راض عن نفسي لأنني أحس بالنقص الدائم كوني لم أقدر أن أشاهد فيلم أو أقرا كتاب ،وأنا لست مكلف بقراءة كتب الدنيا لكن توجد ثغرة أحس بها وأنه يوجد عجز معرفي ،وعندما تذكر أسماء علماء لا اعرف أسماءهم أتضايق لأنني لم أعرفهم أو لم أطلع على مؤلفاتهم وأحس هنا بنقص ,و يعجبني الإحساس بالنقص لأنه يجعلك بالاتجاه نحو الأفضل وعندما تشعر بالرضا الكامل فهذا يخيفني.
ـ تحولت مسرحيتك الأخيرة مقام ابراهيم وصفية إلى عمل تلفزيوني هل أنت راض عن ذلك ؟؟
المسلسل ليس له علاقة بالمسرحية ،لكن المسلسل ليس مكتمل الشروط وهم وضعوا لي اسمي على الشارة وعملوا لي دعاية فقط .. لا غير وأروي لك قصة أنني كنت راكب بالتاكسي بدمشق متجه للمؤسسة العامة للسينما قال لي السائق أنني أعرفك وقرات لك إبراهيم وصفية أما بالنسبة للسيناريو فإن محمد أبو معتوق صديقي وكتب المسلسل بمعزل عن المسرحية والمسلسل أجبرت على رؤيته وأنا لست من رواد المسلسلات وشاهدت عشرة منها وأتابع مسلسلات لأسامة أنور عكاشة منها (وقال البحر ) وهو عمل كبير على طريقة نجيب محفوط أو الدراما اليونانية القديمة مثل الراية البيضاء وكثيراً لا يعتد بذائقتي الفنية بالمسلسلات والمسرحيات لأنها صعبة جداً وأقول عن نفسي (لا يعجبني العجب أو الصيام برجب) ..
ـ هل أنت مع تحويل العمل المسرحي إلى عمل تلفزيوني ؟؟
الأدب إن كان مسرحية أو رواية يمكن أن ينتج عنها سهرة تلفزيوني ويكفي لأن المسلسل سيوقع الكاتب بمطب أما الرواية لنجيب محفوظ مثل الحرافيش كان جيداً ولكن المسرحية لا تحتمل التطويل والأفضل أن يقوم كاتب السيناريو بتأليفها بنفسه ،وأنا كلّفت من العديد من المحطات الفضائية من أجل كتابة مسلسلات ولكنني رفضت لأنني لا أؤمن أنني صالح للكتابة التلفزيونية.
كأس الشاي أضع له معلقتين سكر و هي المادة الدرامية الأساسية لكن المعلقتين ذاتهما لا توضعان في برميل وهو المسلسل التركي لأنها تقتل روح الدراما في المسلسلات وهذا خطير ويضيع المفهوم العام للدراما التي ضاعت من بين أيدينا وفي الحقيقة شاهدت عدة حلقات من مسلسل (الضيعة ضايعة) ولاحظت أن المخرج والكاتب ذكيين ،لأنهما قدما عمل من الأعمال الطويلة كان البناء الدرامي سليم وحقيقي وممتاز وألاحظ أن بعض كتاب المسلسلات ومنهم ريم حنا لفتوا انتباهي ,وانا شخصياً أحرّم على نفسي الكتابة للتلفزيون ،لأن الدراما رمز من رموز النمو في الحياة والدراما الساكنة القابعة في مكانها تعني ذلك الموت وهو أمر خطير أن تقوم بهذه اللعبة ،وأنا إلى الآن أرفض الكثير من العروض لكتابة المسلسلات وأفوت على نفسي الكثير من النقود.
ـ هل تؤمن بالألقاب التي تعطى للأدباء أو المثقفين وتصنفهم ؟؟
الروائي الوحيد أو الروائي الكبير .. هذه ألقاب لا تعطي جدوى لأنه هذا الأديب ليس وحيداً لأنه يوجد شباب يكتبون وعمرهم (25) تذكّرني بتلك المحلات التجارية التي تبيع الحلوى أو التي تصنع الأقمشة وغيرها مثل ملك الحلويات حتى أمير الشعراء أحمد شوقي ليس بذلك المستوى لأنه شاعر عظيم ،وأنا أجد المتنبي شاعرا عظيما وكذلك محمود درويش، واعتبر ان نجيب محفوظ صاحب الكتابات المدهشة من أحد أهم الروائيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى