الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

القاعدة البحرية الفرنسية في الإمارات: مسائل المنطقة والعالم

نهلة الشهال
تنتشر على طول الشاطئ، ما بين الكويت في قلب الخليج، وعُمان على البحر الذي يحمل اسمها، 10 قواعد عسكرية أميركية على الأقل، محيطة بمضيق هرمز من حيث يمر 40 في المئة من النفط إلى العالم، ومواجِهة على الضفة الأخرى القريبة، إيران وباكستان. لذا بدا إنشاء قاعدة بحرية جديدة، هذه المرة على يد الفرنسيين، عملا يتراوح تأويله بين احتمالات تبدأ بالرغبة الفرنسية في عرض وبيع أسلحة لدول الخليج الغنية، في هذه الأيام العصيبة من شح الموارد المالية بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، إلى إثبات الوجود على المسرح العالمي، مما لا يقل أهمية لدى الرئيس ساركوزي المولع بما يقول أنه «عظمة فرنسا»، فيما يظن كتاب وصحفيون ورسامو كاريكاتور فرنسيين، أنه هوسه الذي لا يقاوم بتوفير حضوره هــو في قلب الصورة دائما. وقد تقرر إنشاء هذه القاعدة مطلع 2008، وافتتحت فعلا بحضور الرئيس الفرنسي قبل أيام.
لم تخف فرنسا يوماً غايتها من إنشاء القاعدة كواجهة لأسلحتها («فيترينة» كما قالوا، حيث يعرض عادة أجمل ما يملكه المحل). وكان الرئيس ساركوزي يفاوض على بيع الإمارات ستين طائرة «رافال» تبدّل بها طائرات الميراج القديمة، ومعدات أخرى. وكان يأمل بإتمام الصفقة ليتمكن من الإعلان عنها أثناء تدشين القاعدة الفرنسية… ولكنه عاود اكتشاف المنافسة الأميركية! صحيح أن المسؤولين الإماراتيين يبدون اهتماما بتنويع وتوسيع دائرة «الأصدقاء الدوليين»، ويجدون في ذلك سندا لهم ضد «ما يمكن أن يحصل»، كما قال الرئيس الفرنسي بغموض في خطابه، سيما وأن هناك «اتفاقية دفاع مشترك» موقعة بين فرنسا والإمارات منذ منتصف التسعينات، تم تجديدها أثناء الزيارة، وأنه من المألوف إجراء تدريبات ومناورات بحرية بينهما.
لكن الأصح أن بيت القصيد في المنطقة – ليس في نظر الإمارات وحدها بل حتى سورية نفسها أيضاً – يبقى واشنطن. ولا يغير في ذلك تكرار الرئيس ساركوزي، قدر ما يشاء، أن القاعدة المفتتحة «تجسد المسؤوليات التي تنوي فرنسا، القوة الكونية، الالتزام بها إلى جانب شركائها المميزين، في منطقة حساسة للعالم»، كما لا يغير منه المقدار العالي من الفصاحة اللغوية، حيث كل كلمة مدروسة بعناية في هذا النص الذي اختار لفظ «شركاء» وليس «حلفاء»، تحبباً وتواضعاً، ولكن أيضا تجنباً للصفة العسكرية الفجة، وقال «لـ» العالم وليس «من» العالم (والفارق بينهما هو الرغبة في التأكيد على الأهمية الكونية المركزية لمنطقة الخليج).
هل يعني ذلك أن الخطوة الفرنسية، بكل ما صاحبها من ضجيج، مجرد استعراض والسلام (وبالمناسبة، قال ساركوزي أن غاية القاعدة هو «السلام»). يصعب الأمل بان يبقى الأمر كذلك في منطقة مرشحة لأعلى التوترات في المستقبل. فلجهة إيران، التي لم يذكرها الرئيس الفرنسي أبداً تصريحاً في كلامه، ولكنه لمح إليها بما يكفي ليفهم من لم يكن حتى لبيباً، تدور التخمينات حول مقدار معقولية جنوح إسرائيل منفردة إلى ارتكاب عمل عسكري. والنقاش الفعلي حول هذا الموضوع لا يخص القدرة التقنية، كما ركز عليها تقرير «مركز واشنطن للدراسات الدولية والإستراتيجية»، المنشور في آذار (مارس) الفائت، والذي شكك بنجاعة هذه الناحية نفسها، علاوة على ضعف احتمالها بالنظر إلى الموقف الأميركي الرافض لها. بل هو يخص النتائج المترتبة على عمل عسكري، أيا كانت قدرته على إصابة أهدافه بدقة وتدميرها. فهذه النتائج ستقلب، ولا شك، رأسا على عقب الأوضاع في دائرة واسعة من المنطقة، تتجاوز من بعيد توفير «أجوبة محددة وملائمة، بما فيها تلك العسكرية» للإمارات «إذا ما مُس أمنها وسيادتها ووحدة أراضيها واستقلالها»، كما قال الرئيس الفرنسي.
فالدائرة الموسعة تصل إلى الصين التي تملك مصالح إستراتيجية كبرى في المنطقة عموماً، من جهة، ومع إيران تحديداً، من جهة ثانية. ثم وقبل التوسيع الجغرافي، من ذا الذي يمكنه التكهن حقاً بما ستكون عليه منطقة الشرق الأوسط عقب هجوم عسكري من هذا القبيل، ومَن بعده سيتعرف على مَن، وكيف لواشنطن نفسها، وليس لباريس، توفير تدخل فعال…؟ فهذا الاحتمال هو، ومن دون أدنى مبالغة، أحد ابرز السيناريوهات التي ترد كصاعق تفجير يؤدي لاندلاع حرب عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر.
ومن جهة ثانية، هناك الوضع الرجراج في أفغانستان وباكستان القريبتين، وهو رغم كل شيء يحتوي على قدر من المفاجآت غير المحسوبة تماما، والتي قد تدفع الأمور إلى الإفلات من السيطرة. فإن كان الكلام عن احتمال استيلاء تشكيلات من حركات إسلامية على السلطة في إحداهما يتكرر، فإن كل المؤشرات تقول أنه لن يكون بالدرامية التي تحب أن تنسجها روايات بوليسية–سياسية مؤلفة للاستهلاك العام، والتي تسترسل في التخويف من وقوع القنبلة النووية الباكستانية بين أيدي «أصوليين إرهابيين». لا يمنع ذلك أن كل تغيير في باكستان خصوصاً، ستكون له ارتدادات كبيرة في محيطها، وصولا مجدداً إلى … الصين. وهذا ليس جديداً البتة، وهو تحكّم في السياسة في تلك المنطقة على امتداد النصف الثاني من القرن الفائت، فكيف به اليوم، وقد اكتست تلك المنطقة أهمية مضاعفة؟
فرنسا «قوة كونية»؟ يبدو هذا التأكيد مضجرا، ليس فحسب لعدم مطابقته للواقع، ولكن لأنه يستعيد مفهوماً بات من الماضي، لأسباب عديدة، أبسطها وأكثرها مباشرة هو رحيل الرئيس الأميركي السابق ومشاريعه لـ«حرب كونية على الإرهاب»، فيما يحاول الرئيس أوباما تهدئة المسرح. ثم من المؤكد – والمفارق – أن تعريف «الكونية» اليوم يحتاج إلى تدقيق!
يمكـــن لفــــرنسا أن تجد عزاء في الولع الإماراتي بتميزها الثقافي. فقد افتتح ساركوزي أثناء زيارته مشروع معرض اللوفــــر في الإمارات والذي سينتهي العمل بــــه خلال ثلاث سنوات، ليكون أول متحـــف من سوية عالمية في المنطقة. وعـــــدا «الكونية» هنا، فهذا على الأقل موقـــع لا يمكــن لواشنطن أن تنافس باريس عليه!
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى