خلف علي الخلفصفحات سورية

أنا سوري للأسف

null
خلف علي الخلف
عندما يسألني شخص لايعرفني «من وين الأخ؟». اعتدت أن أجيب بتلقائية «سوري للأسف». تبدأ معاناتي بعدها.. فأمام دهشة السائل وعدم فهمهم للجملة الخبرية المتكونة من كلمتين كنت مضطرا دائماً للشرح، لماذا الأسف!
كنت أوضح أن البعض يقول «كويتي ولي الفخر» أو «أنا أماراتي وأفتخر»… لكن أنا سوري وأشعر بالأسف حيال ذلك، وليس لي يد في الأمر…
نعم أنا سوري للأسف حتى الآن؛
وباءت جميع محاولاتي للحصول على جنسية أخرى بالفشل! وآخر محاولة كانت للحصول على جنسية دولة صومالي لاند التي لم يعترف بها أحد، لكنها لم تنجح! وقد كنت أريد الحصول فقط على تعريف جديد «صومالي لاندي من أصل سوري».
أنا سوري للأسف؛ من البلد الذي ترتيبه 126 في سلم الفساد، واحتل المركز 165 من بين 175 دولة في مؤشر حرية الصحافة، والذي صنف من أكثر الدول قمعا لمستخدمي الإنترنت في العالم؛ والذي قال عنه بيان لمنظمة هيومن رايتس إن «أجهزة الأمن تلقي القبض على الناس دون مذكرات قضائية وتعذبهم دون التعرض إلى عقاب».
أنا سوري للأسف؛ من البلد نفسها التي يسجن فيها هيثم المالح (الشيخ الثمانيني) لأنه استطاع منفردا أن يزعزع هيبة «الدولة» ويوهن نفسية الأمة «العربية» [ذلك أن بعثنا الحاكم لايعترف بأمة أقل من الأمة العربية]، البلد التي يستطيع أي كاتب طائش من كتابها [وبمقال واحد] أن يوهن نفسية «أمته» ويزعزع هيبة «دولته».
أنا سوري وأشعر بالأسف الشديد؛ لأن القضاة في بلادي يأتمرون بأمر الأجهزة الأمنية ويصدرون أحكامهم «باسم الشعب»
أنا سوري للأسف؛ لأني من البلد التي قتلت فيها السلطات في بلادي عشرات الآلاف في حماة ومدن أخرى.. وقتلت آلاف السجناء العزل في تدمر.. وعشرات السجناء في صيدنايا.. البلد الذي فيه عشرات الآلاف من المختفين قسراً ولا يعرف أحد مصيرهم
أنا سوري للأسف؛ لأن هناك أكثر من مليوني مشرد في بلادي تحولوا إلى متسولين، بسبب سياسة الجوع والعطش في الجزيرة السورية، وينتظرون من المنظمات دولية «شوية معلبات وربطات خبز». وهي المنطقة نفسها التي تمد سوريا كلها بالقمح والنفط والكهرباء والفرات ودجلة..
أنا سوري للأسف؛ من البلد الذي يعمل مئات الآلاف من أبنائه في أدنى درجات المهن اليدوية في دول بلا موارد كـ لبنان والأردن ويحلم مئات الآلاف من أبنائه أن تستقر الأوضاع في العراق ليعملوا بناءون ومزفلتوا شوارع..
أنا سوري للأسف، البلد التي يكبر فيها مئات الآلاف من أبنائها الأكراد بلا جنسية ويهاجرون إلى بلاد الله الواسعة ليحصلوا على جنسية..
أنا سوري للأسف، لأن وضاح عبد ربه يحمل نفس الجنسية التي أحملها ولم يخجل من الحديث عن «غياب الحريات الأساسية للمواطن المصري والاعتقالات العشوائية والسجون التي تعم كل أرجاء مصر والانتهاكات اليومية لأبسط قواعد حقوق الإنسان التي سبق أن أدانتها كل منظمات العالم وكذلك البيت الأبيض الحليف القوي لمصر، والدول الأوروبية التي وجدت نفسها مضطرة للخروج عن صمتها لإدانة ما يتعرض إليه الشعب المصري» ويختم مقاله مباركا للشعب المصري «وجود زعيم عربي اسمه بشار الأسد قادر على الدفاع عن حقوق كل العرب أينما كانوا.»
أنا سوري للأسف، من البلد التي يتحدث فيها نائب رئيس اتحاد الصحفيين بكل صفاقة عن «أنّه لم يوقف أو يسجن أي صحفي في سوريا منذ العام 1970، وما يشاع في وسائل الإعلام الخارجي عن اعتقال صحفي أو توقيفه مجرد افتراء وإشاعة»
أنا سوري وأشعر بالأسف والمرارة؛ لأنني من البلد التي صدرت وتصدر الصحفيين والكتاب لكل الصحف العربية! بينما في بلادي حتى الجرائد الإعلانية يصدرها أبناء الأمن وأبناء أخوالهم… ولم يعد أمام الصحفيين ما يكتبونه سوى الهراء في جرائد بلادي! البلد التي أصبحت «الجزيرة» تدرب صحفييه على قراءة الأخبار وإعدادها، وتتبرع له دبي بـ «استوديو الأخبار»..
أنا سوري للأسف، البلد الذي حجبت فيه السلطات الأمنية موقع «ويكيبيديا» ومئات المواقع المفيدة التي لا يحجبها بلد آخر سوى بلادي [ولا أدري إن كان الإنترنت وصل إلى كوريا الشمالية]
أنا سوري للأسف، من البلد الذي خيرة كتابه هم إما سجين سابق أو حالي أو منفي أو صامت
أنا سوري للأسف؛ لأن رؤساء الجامعات وأساتذتها في بلادي تحولوا إلى مجرد بائعي أسئلة للطلاب بينما زملاؤهم في جامعات العالم ينتجون الساسة والاقتصاديين وعلاج الأمراض المستعصية
أنا سوري للأسف، البلد التي يرعى فيها رامي مخلوف الذي صفته الرسمية «ابن خال الرئيس السوري» رفع العلم السوري فوق أعلى سارية في العاصمة السورية دمشق في احتفال يحضره ناجي عطري الذي صفته رئيس الوزراء السوري ومحمد سعيد بخيتان الذي صفته الرسمية أمين قطري مساعد في الحزب القائد للدولة والمجتمع السوري..
أنا سوري وأشعر بالأسف والخجل الشديد؛ لأن وزير ثقافتي هو رياض نعسان آغا ووزير إعلامي هو محسن بلال ووزير ماليتي هو محمد الحسين ورئيس اتحاد كتابه الحالي هو حسين جمعة والسابق هو علي عقلة عرسان الذين يعتبرون أن مجرد حضورهم لمهرجان ترعاه زوجة الرئيس هو يوم من أيام العرب.. بينما تصريح لوزير المالية في لوكسمبورغ، «يلخبط» أسعار العملات في العالم
أنا سوري للأسف؛ لأن أعضاء مجلس الشعب في بلادي هم مجرد مسيرو معاملات شخصية، وجل طموحهم أن يوافق لهم مسؤول أمني على معاملة للحصول على رخصة قيادة دون حضور الفحص الميداني، أو استثناء لإسكان ابنة أحدهم أو أقاربهم في المدينة الجامعية… بينما أقرانهم في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وتركيا وماليزيا يقررون التشريعات السياسية والاقتصادية التي تسيّر العالم.
أنا سوري للأسف؛ لأن الوزير في بلادي أعلى طموح له أن يأتيه اتصالا من رئيس مفرزة أمنية يشكره فيه ويثني عليه.
أنا سوري وأشعر بالأسف والإحباط والذل؛ لأني أنتمي للبلد الذي يستطيع فيه عنصر أمن في القصر أن يسحل نائب الرئيس دون أن يتعرض لمسائلة من أي جهة
أنا سوري وأشعر بالأسف والخيبة لأن رموز معارضتي هم رفعت الأسد وأبناؤه وعبد الحليم خدام وأبناؤه.. و حسن عبد العظيم والناصر والغادري وأصدقاؤهم …
أنا السوري الذي تجاوز الأربعين من العمر.. أشعر بالأسف والخجل والخيبة والمرارة والذل لأن مجايلي الأمريكي عاصر ثمان رؤساء والفرنسي عاصر ستة رؤساء بينما «شقيقي» الجزائري عاصر ستة رؤساء وحتى شقيقي السعودي عاصر أربعة ملوك بينما أنا السوري لم أعاصر سوى الرئيس الأسد
لكل ذلك ولأشياء أخرى وكثيرة ومعروفة ولا يتسع المجال لسردها «أنا سوري للأسف»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى