صفحات سوريةمازن كم الماز

عقد على خطاب القسم الأول للرئيس بشار الأسد

null
مازن كم الماز
اعتدنا , أو فرضت علينا هذه العادة , أن نحول هذه اليوبيلات أو المناسبات إلى مناسبة لتعداد “المنجزات” و هي كلمة فضفاضة تكاد لا تعني شيئا في العقود الأخيرة ( أو أن الإعلام الرسمي أصبح يستخدمها بشكل كوميدي ) لسبب بسيط جدا هو أنها محاولة تحويل ما هو فعل أو وظيفة عادية للسلطة إلى فعل غير عادي و استثنائي لهذه السلطة , و أن يحاول هذا الإعلام و نحن أيضا “تبرير” أو “تفسير” ما جرى و ما الذي يمكن أن يجري .  يتفق الإعلام الرسمي اليوم في سوريا على أن أهم منجزات النظام في العقد الأخير , أي تحت حكم بشار الأسد , كان هو استمراره في مواجهة ضغوط هائلة تعرض لها من الخارج , هذا ليس تعبيرا خاصا عن حالة النظام في السنوات العشر الأخيرة أي عن عملية إعادة إنتاج النظام و إعادة تشكيل بنيته في ظل القيادة الجديدة و إعادة إنتاج علاقته بالنظام الرأسمالي العالمي ( ما سنصطلح على تسميته بالخارج ) و بالقوى ( أو الأنظمة ) الإقليمية , إن هذه الفكرة في الأساس هي أصدق تعبير عن وعي البيروقراطية الحاكمة , فالبيروقراطي “الناجح” ( مدير الشركة العامة أو الوزير انتهاءا بالرئيس نفسه ) هو ذلك البيروقراطي الذي يستمر لأطول فترة ممكنة في منصبه , المنجزات تأتي في أهمية متأخرة وفقا لهذا المقياس , فالمنجزات الفعلية بالنسبة للبيروقراطي هي منجزات فردية , شخصية , رغم أنه عند الضرورة مستعد للحديث أيضا عن “منجزاته” ( رغم أن هذه المهمة تترك عادة للمرؤوسين لإكسابها شيئا من الموضوعية ) . يقول غي ديبورد في كتابه مجتمع الاستعراض Society of Spectacle أنه كلما ازدادت البيروقراطية قوة و سطوة كلما زعمت بقوة أكبر أنها “غير موجودة” , إن هذا “الخفاء” يقوم كما يقول ديبورد على كذبة “رسمية” , أو على “وعي زائف توليتاري ( شمولي) ” , أو ما يسميه أحيانا “الإيديولوجيا الحاكمة” . في الحقيقة في المواجهة التي استمرت طوال الحرب الباردة و رغم العداء الشديد بين الأنظمة الستالينية ( من روسيا إلى الصين ) و بين النظام الرأسمالي العالمي , انتقد منظرو الأخير الستالينية على أنها شر أخلاقي , أو فكري أو سياسي , لكنهم لم ينتقدوها أبدا على أنها شر اجتماعي , و لم يصفوها على الإطلاق بأنها بيروقراطية فاسدة , هذا هو أيضا موقف منظري هذا النظام الرأسمالي العالمي من الأنظمة العربية المكافئة للأنظمة الستالينية , لأن شتم البيروقراطية الستالينية لأنها بيروقراطية كان سيعني في نفس الوقت ليس فقط شتم الرأسمالية نفسها بل شتم تلك الأنظمة ذاتها التي كانت تواجه الستالينية و التي كان منظرو الرأسمالية يبشرون بانتصارها , فالرأسمالية نفسها كانت عرضة لبقرطة عميقة أعادت إنتاجها و إنتاج سلطتها بحيث أن مركز هذه السلطة انتقل إلى جهاز الدولة الرأسمالية و مدراء الاحتكارات الكبرى الذين يقاومون بشدة اليوم محاولة نزع بعض السلطة من بين أيديهم تلك التي اغتصبوها في سنوات صعود النيوليبرالية الأخيرة . كان مثل هذا النقد ليصبح شيئا ما أشبه بنبوءة مزدوجة , نبوءة حاولت البرجوازية منذ أن تحدث عنها الاشتراكيون الأوائل أن تسخفها و أن تلغيها من وعي الطبقات المهمشة و المقهورة . إنه أشبه بالنقد “العميق و الحاد” الذي يصبه كهنوت دين ما على كهنوت دين آخر أو على كهنوت سائر الأديان الأخرى , إن نقدا كهذا يجب أن يقوم على اعتبار الدين – الآخر ( أو الأديان الأخرى مجتمعة ) هي أديان مزيفة , دون توجيه أي نقد , أيا يكن تافها , لكهنوت تلك الأديان ككهنوت . إن أشبه الكائنات الاجتماعية أو الإنسانية بالبيروقراطية هي الكهنوت الديني , إن علاقة البيروقراطية بالإيديولوجيا “الحاكمة” , بالوعي الزائف الشمولي أو بالكذبة الحاكمة , تشبه تماما علاقة الكهنوت بالدين , فبقدر ما تشدد البيروقراطية على أنها ليست بيروقراطية بل مجرد “تجسيد” فعلي للإيديولوجيا الحاكمة , تشدد طبقة الكهنوت في أي دين على أنها ليست طبقة كهنوت أي أنها ليست بيروقراطية دينية أو مؤسسة بيروقراطية تختزل الدين و حتى الإله نفسه , تشدد طبقة الكهنوت أيضا على أنها “مجرد” تجسيد للدين أو للإله ( مهما كانت المنافسة قاسية و شديدة بين أصحاب المهنة الواحدة , فإنها لن تصل أبدا مهما بلغ الأمر حد الإساءة إلى المهنة نفسها ) . يمكن لهذه الكذبة الحاكمة أن تكون الماركسية اللينينية في روسيا و الصين أو القومية في مصر و سوريا و العراق أو العلمانية التابعة في تركيا أتاتورك أو ولاية الفقيه في إيران أو اليمين المسيحي الأخلاقي المعادي لليبرالية الأخلاقية و السياسية في ظل حكم بوش . إن البيروقراطية مضطرة لأن تحول هذه الكذبة الحاكمة إلى مصاف الحقيقة المطلقة , الأشبه بالحقيقة الدينية , لأنها كطبقة غير شرعية , لا كطبقة حاكمة و لا كطبقة مالكة , إنها تفتقد إلى الشرعية و تحاول أن تنتج هذه الشرعية من خلال مشهد عام ( استعراض , فرجة ) توجد في مركزها تلك الكذبة الحاكمة , لكن المطلق هنا ليست الإيديولوجيا الحاكمة المتغيرة باستمرار تقريبا بل البيروقراطية نفسها الثابتة دوما , لذلك فإن هذا المشهد يتأرجح باستمرار وفقا لطبيعة البيروقراطية الحاكمة و الظروف السائدة عالميا و محليا . لم يكن نظام بوش شرعيا حتى بالمقاييس الأمريكية ذاتها حتى وقعت الهجمات في نيويورك و واشنطن , منذ ذلك اليوم حاول النظام أن ينتج شرعيته و شرعية مشروعه الإمبراطوري من خلال الحرب على الإرهاب , نفس هذه الحرب التي أدت في النهاية إلى انهيار كل شرعيته و شرعية المشروع الإمبراطوري ذاته في مركز الإمبراطورية نفسها . حرب كحرب 56 أو 73 أو الحرب على إيران مثلا تستطيع هي أيضا أن تمنح شرعية ما لأنظمة بيروقراطية في مصر و سوريا و العراق على الأقل لبعض الوقت , و عندما تتغير “الكذبة الحاكمة” إلى اعتبار الغرب الرأسمالي مركز العالم “الحديث و المعاصر” و ربما حتى “العالم الحر” أو القوة الوحيدة المطلقة على هذه الأرض أي بالتالي المصدر الفعلي للشرعية تصبح زيارة واشنطن أو حتى اللقاء بالسفير الأمريكي مصدرا لمثل هذه الشرعية , من اعتبار الخارج قوة مطلقة و محاولة للتماهي معه إلى رفض مطلق له , من تأويل الهوية بشكل مغلق معاد للخارج ( الذي هو في الواقع النظام الرأسمالي العالمي ) إلى محاولة تعريفها بشكل فضفاض إلى الترويج لنظرية تخلفها و بالتالي ضرورة إلغائها , هذه الحوارات ليست إلا تعبيرا عن مصالح الطبقات السائدة أساسا , و في مركزها البيروقراطية , و التغيير المفاجئ و السريع في كثير من الأحيان في هذه الكذبة الحاكمة ( أو الإيديولوجيا الحاكمة ) يعكس تغييرا ما في هذه المصالح أو في علاقتها بالخارج . شاهدنا كيف تغير ستالين و ماو و صدام و عبد الناصر و البعث السوري خلال مسيرتهم الطويلة على عرش الحكم , كيف تغيرت أكاذيبهم الحاكمة من النقيض إلى النقيض , من التحالف المفتوح لستالين مع الكولاك مثلا إلى استئصالهم الدموي , من نقد ماو للتعايش السلمي الخروتشوفي إلى علاقات متميزة مع واشنطن ( أقرب للتحالف المشترك ضد السوفييت آنذاك ) , باختصار الانتقال الأشبه بحركة البندول من اليمين إلى اليسار و بالعكس , و إن صح هذا على نظام ما فإنه أكثر ما يصح على النظام السوري نفسه , حتى يكاد المرء لا يميز فعلا ما هو خطاب النظام الرسمي , هل هو ضد الغرب الرأسمالي أم لا , مع الهوية أم ضدها , هل يدعم المقاومة أم يسعى وراء إعادة المفاوضات مع إسرائيل . إن النظام اليوم أكثر أنظمة الأرض حماسة للخصخصة و سائر السياسات النيوليبرالية التي تعني أنه يستمد شرعيتها من النظام الرأسمالي العالمي و انتصاره المزعوم في الحرب الباردة بينما تجده في نفس الوقت أحد أكثر هذه الأنظمة قمعا حتى للحريات النخبوية الفارغة التي تسمى بالليبرالية . إنه ينتقد الغرب الرأسمالي و يغازل أحد ألد أعدائه أي تشافيز و في نفس الوقت يبدي استعداده لمصالحة شاملة مع هذا النظام , المؤسف في الموضوع أن هذه الميوعة السياسية بالتحديد هي ما يمتدحه ما يسمى بالمراقبين أو المعلقين في ممارسات النظام اليوم بمناسبة مرور عقد على تولي الدكتور بشار الأسد مسؤولية الحكم في سوريا……….

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى