صفحات مختارة

حين تُختزل «أسلمة» القضايا بجلباب وحجاب!

ماجد الشيخ
اعتادت حركة «حماس» اتخاذ مواقف النفي في معرض إثباتها ما أرادت أو تريد أن تنفيه، وهي لذلك تلجأ إلى اتخاذ قرارات شفوية أو مكتوبة، تنكرها أو تنكر أنها اتخذتها من قبيل قرارات إقامة حد السرقة، وغيرها التي اتخذها نوابها في المجلس التشريعي قبل العدوان الوحشي الإسرائيلي على قطاع غزة أواخر العام الماضي، أو فرض ما يتوهمونه «زياً إسلامياً»، أو إصدار تشريعات على هيئة قوانين تتعلق بتطبيق ما تطلق عليه «الشريعة»، أو «الشرع» الذي تلحق به توصيفها له كونه إسلامياً، وغير ذلك من «تشريعات» تتنافى وقيم المجتمع الوطني الفلسطيني التعددي قديماً وحديثاً.
وللحفاظ على «خط الرجعة» أو للخروج من «المحكمة».. محكمة الناس، لابسة لباس «العفة» و«الطهارة»، انسجاماً مع «تقية» أضحت تجيدها بعض أجنحة الحركة وتياراتها المتلاطمة تطرفاً، انسجاماً مع نزعاتها التسلطية، وانسياقاً خلف أطروحات التكفير «الجهادية»، لسلفية تتعدد انتماءاتها، فقد أخذت التعليمات في شأن «الأسلمة» الصادمة، كما أمست تعتقد بها هذه التيارات، ومن خلفها حركة سياسوية بمشايخها الدينيين الأكثر سياسوية في تماسكهم على «أفكار» و«نهج» التكفير والأدلجة الصارمة، بعد أن ران صمت القبور على نتائج هيمنتهم الانقلابية على قطاع غزة، استنفذوا عبره «أفكار» و«نهج» التخوين. ها هم يلجأون وبشكل شفوي إلى إصدار تعميمات لها علاقة بكل الناس، الذين لم تمنح أغلبيتهم تلك الحركة وكالة حكمها لهم، فما بالنا ونحن في مواجهة إصدار أوامر وتشريعات وقوانين، تدخل في الصميم بجوهر ومضامين حياتهم وسلوكهم، وفرض زي مخترع أو متوهم، عليهم وعلى أبنائهم.
اللجوء لـ«النص» الشفوي تعميماً وتبليغاً، ليست خطوة حصيفة، وهي كمن أراد حجب الشمس بغربال، خشية أن تدان بوثائق ومستندات مكتوبة، وخوفاً من اتهامها بأنها لا تختلف عن حركة طالبان، في توجهاتها لإكراهات الفرض القسري لنوع من أنواع «الأسلمة» المتشددة أو المتطرفة، في الوقت الذي بات يعرف القاصي قبل الداني، أن القيادات بمعظمها هي من النوع «الطالباني»، وإن حاول ويحاول البعض منها الادّعاء زوراً بأنهم من النوع «الأردوغاني»، نسبة إلى رئيس الوزراء التركي، في الوقت الذي يظهر السلوك السياسي والديني لأولئك «الدعاة الإخوانيين» ومن يشابههم، أن بحراً من الأنوار الساطعة يفصل بين سلوك حزب أردوغان في تركيا المعاصرة، وبين أصحابنا في غزة، الغارقة في بحر من الظلم والتظلمات، والظلمات وإطلاقيات الإظلام الأيديولوجي المفروض بقوة السلاح، وقوة ادعاء احترام المقدس.
إن موقف مديرة المدرسة الثانوية التي أعلنت بمكبر الصوت، أنها ستطرد أي طالبة لا ترتدي الجلباب الأزرق الداكن (الكحلي) وغطاء الرأس، ابتداءً من أول يوم دراسي صادف يوم الاثنين (24/8) بدلاً من الزي القديم (تنورة من الجينز وقميص)، هذا الموقف يختزل موقف حركة سياسوية ـ دينية، يشكل سلوكها وممارستها اعتداءً صارخاً على الحرية الفردية والجماعية لطلبة المدارس، بل وعلى المجتمع الوطني الفلسطيني في غزة، القابعة بأكملها داخل أقفاص أدوات تلك الغزوة الانقلابية المقيمة.
وإذ تأتي القرارات الشفوية من قبل مديرية التربية والتعليم التابعة لحركة حماس بفرض «الزي الموحد» على جميع الطالبات في المرحلة الثانوية من دون استثناء، إلى جانب سعي وزارة التربية والتعليم، إلى «تأنيث» المدارس «أي جعل كل مدرسيها وإدارييها من النساء، هذه القرارات والمساعي في محاولتها إدخال «الأسلمة» المؤدلجة إلى كل نطاقات الحياة في غزة، تحمل من المظالم والانتهاكات للحقوق الفردية والجماعية والاجتماعية والمجتمعية الكثير، بحق أبناء هذا القطاع المضطهدين مثنى وثُلاث ورُباع.
نفي وزير التربية والتعليم في الحكومة (المقالة) محمد عسقول، لفرض ارتداء «الحجاب المجلبب» على الطالبات، لم يصمد أكثر من 48 ساعة، بعد أن حرصت حركة «حماس» على نفي سعيها إلى إقامة «إمارة إسلامية» عبر قراراتها الشفوية التي تسعى من خلالها إلى «أسلمة» المدارس وإدخالها حظيرة الأدلجة الصارمة، وإخضاعها نطاق هيمنة أبوية بطريركية وزبائنية أضحت تتنامى، خاصة بعد أن أبادت «إمارة المقدسي» المنافسة التي استعجل أصحابها الإعلان عنها، قبل اكتمال عديدها وعدتها.
لهذا جاء تبرير الوزير للقرارات الشفوية، ونفيه فرض ارتداء (الجلباب) على الطالبات، باعتبار «أن المجتمع الفلسطيني ملتزم بطبعه، ولا يحتاج إلى قرارات تُفرض عليه». وقد فات الوزير واقع أن هناك من يفرض نفسه على هذا المجتمع، دون التزام حقيقي وجاد بقضاياه وهمومه ومشاكله الداخلية (الوطنية).
يا دعاة «التأسلم»، وما أدراكم ما الإسلام و«الأسلمة» التي تريدها الشعوب وقواها المجتمعية، الأكثر انفتاحاً وعقلانية وتفهما لمآلات حالها وأحوال بيئتها ومحيطها القريب والبعيد! في ظلالكم وتحت أجنحتكم وبرعايتكم نمت وتنمو غيلان التطرف والإرهاب، والإمارات غير المسالمة، وغير المتصالحة؛ حتى مع أقرب المقربين منها. وها انتم تبلون البلاء الحسن في حرث المجتمع وتهيئته للخضوع لاستبدادكم، المنطلق من استغلالكم «المقدس» في توجيه الرؤوس.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى