صفحات سوريةمازن كم الماز

كلمات في غياب مراقب الإخوان المسلمين السوريين السابق

null
مازن كم الماز
تعرفت على الرجل عن بعد طبعا من خلال دوره في أحداث الثمانينيات الدموية في سوريا و أخيرا من كتابه عن الإخوان في سوريا الذي حاول أن يؤرخ من الداخل لمسيرة الإخوان السوريين التي كان عدنان سعد الدين من رجالها البارزين . الحقيقة لا يمكن نقد هذا الكتاب باختصار لأنه ينتمي إلى وقت مضى , إلى زمن الحرب الباردة , ينتمي إلى وقت كانت فيه الحقيقة تبدو “شديدة الوضوح” , بسيطة و سهلة المنال , و لا تنفصل أبدا عن سياسة حزب ما أو سياسة قيادته بالأحرى . إضافة إلى ذلك فقد سقط الكثير من أبطال ذلك الكتاب , غاب صدام مثلا و ضربت تماثيله بالأحذية , نفس الحذاء الذي لاحق قاتله في زيارته الأخيرة لبغداد , الملك حسين , الذي عاش الراحل حياته في المنفى في مملكته , لفظ أنفاسه الأخيرة و هو يلهث وراء ورقة “سلام” فلسطينية – إسرائيلية , و حافظ الأسد نفسه الذي يلقي بظلاله على الجزء الأخير و الأكثر مرارة من كتاب الراحل نفسه غاب مخلفا وراءه ابنه الشاب الذي كان حدثا عندما وقعت تلك المواجهة الدموية بين النظام و الإخوان . ما يمكنني قوله باقتضاب عن كتاب الراحل أنه يعيد نفس أخطاء و نواقص السياسيين أو محترفي السياسة , هذه ليست سبة , إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه النواقص هي مرض عام يصيب كل السياسيين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار , خاصة الانتقائية و المعايير المزدوجة التي تفرضها السياسة اليومية و المصالح المتبدلة , لا شك أن النظام السوري طائفي و أنه من أهم أسباب عودة الطائفية بقوة إلى الوعي الجمعي و الفردي السوري بمعناها الإقصائي الاستئصالي , لكن الإخوان هم النموذج الآخر الطائفي المعاكس في الاتجاه لكن المساوي في درجة تبني الطائفية كأولوية أو كنقطة مركزية في تصنيف البشر وصولا إلى استئصالهم , و المكمل إلى حد كبير , لطائفية النظام . مارس الراحل في كتابه اتهام الخصوم و تبرئة الحلفاء بشكل انتقائي أيضا و مزدوج الأوجه , عند الحديث عن فلسطين و أمريكا و إسرائيل كان يخص خصومه بالنقد دون حلفائه , النظام العربي الرسمي , اليوم كما في الأمس , بكل أنظمته , مارس و يمارس سياسة الاستخذاء تجاه أمريكا و إسرائيل , عرفات نفسه و الأردن , تاريخيا , من بين الذين يقدمهم الراحل بصورة إيجابية في كتابه تفوقوا على النظام السوري في هذا المجال , ناهيك عن نظام مبارك و أنظمة ال.. التي إن لم تظهر بصورة إيجابية في كتاب الراحل فقد قدم لها صورة محايدة لا تعكس حقيقتها و لا حقيقة سياساتها , هذا أيضا يظهر في قضية الحريات داخل تلك الدول , لقد مارس الراحل عموما عملية تأويل الحقيقة لتتناسب مع الاصطفافات الأهم بالنسبة إليه : من معنا و من ضدنا , الحقيقة هنا هي الضحية الأولى كما العادة . لنعد قليلا إلى الثمانينيات , عندما حاول الإخوان , ربما للمرة الثانية في تاريخهم , إقامة ديكتاتورية ثيوقراطية , في سوريا هذه المرة , و في سبيل هذا الهدف أبدى الإخوان شجاعة و دموية تتناسب مع عظم المهمة , لا شك أيضا أن النظام قد مارس قمعا همجيا غير مسبوق حتى سوريا بدرجته ضد الإخوان بالدرجة الأولى و ضد الناس العاديين البسطاء بالدرجة الثانية , لكن الإخوان أيضا استخدموا عنفا منفلتا ليس فقط ضد من اعتبروهم خصوما لهم , و بينهم الكثيرون ممن هم خارج النظام , كان من الممكن أن ينقلب الأمر لتحل مدينة أخرى مكان مدينة حماة و سجن آخر و مسجونون آخرون مكان سجناء تدمر العزل الذين حصدهم قمع النظام الأعمى , كان من الممكن أن نكون أمام نسخة كربونية عن ممارسات النظام و جرائمه لكن هذه المرة بتوقيع الإخوان أنفسهم . لقد كان التاريخ رحيما و رؤوفا جدا بالإخوان عندما حرمهم من إقامة هذه الديكتاتورية , لقد أنقذهم أنهم كانوا في موقع الضحية لا الجلاد يومها , و إلى اليوم , أنقذهم من أنفسهم , من أن يسجل اسمهم إلى جانب طغاة معدودين في التاريخ ابتداءا بنيرون و حتى ستالين و صدام و … , على عكس الإخوان , ضحك التاريخ طويلا على هؤلاء إذ سمح لهم بأن يجلسوا لفترة طالت أو قصرت على عرش الديكتاتورية المطلقة فقط لتداس تماثيلهم و تحطم و ليلعنوا في وقت لاحق , و حتى نهاية عالمنا ربما , فمادام ما فعله الإخوان يومها لا يرقى بأي حال من الأحوال إلى ما فعله النظام , فإن هذا قد أنقذهم من لعنة التاريخ و لعنة ضحايا الاستبداد و القمع المنفلت الهمجي . يقول الراحل أنه في دولة الثورة الإسلامية يمكن تشكيل الأحزاب بحرية لكن بشرطين : ألا تتناقض مع الإسلام ( هذه عودة في الحقيقة لفكرة الحزب الواحد أو القائد يقرؤها الراحل على أنها تعريف جدي للحرية السياسية ) , و ألا ترتبط بالخارج , هذا الخارج الذي ارتبط و يرتبط به الجميع من النظام إلى المعارضة ( بما في ذلك الإخوان أنفسهم ) كشرط ضروري و أساسي لسياسة النخب التي لا تستطيع أن تعيش دون ثلاثة أشياء رئيسية : فهم و تفسير انتقائي للواقع و ارتباط ما بقوى مؤثرة خارجية أو قمع و عنف فوقي و منفلت كشرط لموازنة الضعف العام في مواجهة داخل صامت و مستباح و مهمش و مقموع لكنه عدائي ضمنا بالضرورة تجاه النخب سواء التي في السلطة أو المعارضة النخبوية . طبعا يمكن في ظل أي نظام كهذا إبادة كل الشيوعيين في سوريا , نظريا على الأقل , و معهم كل طوائف الغلاة الهراطقة , فعل ذلك مثلا سوكارنو في أندونيسيا و حاول بينوشيت أن يفعله أيضا في تشيلي , احتاج الأمر إلى إبادة مليون أندونيسي لكن أي رجل سياسي مؤدلج سيرى في هذا العدد من الضحايا عددا معقولا و ربما ضروريا أمام فداحة المهمة . لكني أحب أن ألفت انتباهكم إلى أن سوكارنو الذي أباد الشيوعيين الأندونيسيين تحول إلى مزبلة التاريخ حتى قبل أن يموت فعليا و أن بينوشيت بالكاد نجا من لعنة الضحايا و أنه اضطر إلى أن يستعطف ضحاياه باعتباره شيخا مسنا . هذه ليست محاولة لتفضيل الشيوعيين مثلا كقراءة انتقائية منحازة و مؤدلجة هي الأخرى , فقد مارس الشيوعيون و الأصح قادتهم , سواء المتحالفين مع النظام و بدرجة أقل لكن بدرجة معتبرة من هم في معارضته , ذات القراءة الانتقائية للواقع و سعوا وراء , و حصلوا أيضا , على دعم خارجي ( سواء دعم النظام الذي أعتبره خارجيا بالنسبة للجماهير , أو دعم البعثات الجامعية و المنتجعات المخصصة للقادة الذي خلق و غذى الانتهازية في الحركة الشيوعية السورية و بالتأكيد العالمية أيضا أو دعم عرفات و العراق و أية قوى معادية للنظام انتهاءا بأسرة الحريري في الماضي القريب للمعارضة ) , لكن ليس هذا فقط هو كل الحقيقة , إن عصرنا هو عصر استيقاظ الشعوب و هذا ليس كلام دعائي و هو بالتأكيد لا علاقة له ببوش و لا بخبله , لم يكن هناك أي محافظ جديد و لا قديم عندما انطلق آلاف آلاف الرعاع الذين لم يجرؤ معظمهم قبل ذلك اليوم حتى على الحديث في السياسة أو انتقاد أولي الأمر ليحطموا أسوار الباستيل ثم ليقطعوا رأس مليكهم قبل أن يزلزل ملايين العمال والجنود الروس الأرض تحت واحدة من أقدم الأنظمة الاستبدادية في العالم و أكثرها وحشية و غباءا ذات شباط فبراير من عام 1917 . طال الزمان أو قصر , فما دام الإنسان إنسانا سيكون من الصعب , إن لم يكن هذا مستحيلا بالفعل , أن يحكم بالحديد و النار إلى الأبد , من غير الصعب اليوم تحديد من انتصر : محاكم التفتيش أم جوردانو برونو , مرة أخرى أنقذ التاريخ الإخوان من أن يكونوا في موقع الحجاج و خصومهم “المهزومين” في موقع سعيد بن جبير , و أكثر من ذلك كم سيكون سخيفا لو أن إلها بهذه القوة و العظمة التي تتحدثون عنها بحاجة لبعض عبيده أي لكم ليثبت ألوهيته على أجسادنا , أو أشلاء أجسادنا , ألا يشبه هذا ما قاله إبراهيم الخليل ذات يوم , عن تلك الأصنام التي لا تستطيع أن تدافع عن نفسها ناهيك عن أن تدافع عن البشر . رغم أنني أرى بوضوح أن هناك بعض المتنورين خاصة في القيادة المصرية للإخوان تحاول التوفيق بين الإسلام و بين الديمقراطية فأنا شخصيا لا أعرف كيف يمكن التوفيق بين الإسلام و الديمقراطية ( أو الحرية لنبتعد عن لغة المحافظين الجدد الملغومة ) , فأنا لا أستطيع أن أرى أو أتخيل شكلا للحرية سوى أن يحكم الناس أنفسهم بأنفسهم و لا أستطيع أن أرى أية نخبة جديرة بالهيمنة على حياة الناس العاديين سواء أكانت علمانية أو دينية , و عندما سيحكم الناس أنفسهم بأنفسهم سيمكنهم أن يلبسوا الحجاب أو أن يخلعوه , أن يصلوا أو ألا يفعلوا , أن يبتكروا حقائقهم الخاصة و هويتهم الخاصة , أن يعيشوا كما يريدون دون أن يملك أي كان الحق في أن يفرض عليهم كيف يعيشون أو يفكرون . ما أنا متأكد منه أن التاريخ كان رحيما بالإخوان عندما حرمهم من إقامة ديكتاتوريتهم الثيوقراطية , في الحقيقة لقد منحهم التاريخ فرصة أخرى……..
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى