صفحات الحوار

المعارض رجاء الناصر :سورية مرشحة لمزيد من الاختناقات في غياب الإصلاح الجدي

null
هو قيادي وسياسي ومعارض سوري بارز ينشط في صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي إضافة الى ذلك فهو محام معروف إلا انه لم يتوقع يوما أن يكون محام لولده  الدكتور طارق الناصر الذي اعتقل في لبنان مع مجموعة اتهمت بأنها سلفية ، وتمت تسميتها بشبكة ال13 وهم من جنسيات عربية مختلفة ، وورد اسم طارق في اعترافات أحد الأعضاء “اللبناني هاني الشنطي” التي نشرتها بعض وسائل الإعلام ، وتردد أن الشبكة متهمة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ، إلا أن المحامي رجاء الناصر يؤكد  “ان طارق غير منتم إلى أية جهة حزبية أو حتى “جهادية” ” ، وانه “قام فقط بعلاج بعض الجرحى القادمين من العراق لدوافع إنسانية”  ، ويشير الى انه ضحية التجاذبات السياسية ، إضافة الى ذلك ففي اللقاء محاور أخرى مهمة حول حزب الاتحاد والمعارضة السورية.
لمحة في البداية عن حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي ولماذا يقال عنه انه حزب معارض في سورية؟
حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي حزب عريق في صفوف المعارضة الوطنية منذ نشأته عام 1964,حين تأسس في وجه حالة انفصال سورية عن الجمهورية العربية المتحدة كمعارض لانفراد حزب البعث بالسلطة وتراجعه عن مطلب إعادة الوحدة…واستمر يناضل في صفوف المعارضة حتى قيام  انقلاب ” 16 تشرين الثاني عام 1970 ,والتي رفعت شعار الانفتاح على قوى المعارضة ,وتشكيل جبهة وطنية تقدمية تعمل من اجل الوحدة العربية وبناء حياة سياسية سليمة,واستمر في تحالفه الجبهوي ومشاركته في السلطة  حتى عام 1973 حين انسحب من الجبهة الوطنية التقدمية وقدم وزراءه استقالتهم من الحكم بسبب عدم المشاركة الفعلية وتحويل الجبهة إلى مجرد أداة في يد السلطة التي انفرد بها حزب البعث عندما فرض المادة الثامنة من الدستور التي تقول أن حزب البعث قائدا الدولة والمجتمع ويقود جبهة وطنية تقدمية ,عاد حزب الاتحاد إلى موقعه في المعارضة مؤكدا  على أهدافه في الديمقراطية  والاشتراكية والوحدة العربية,ودعا إلى تشكيل تجمع سياسي وحدوي تقدمي معارض,وهو ما حدث فعلا عبر تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي  الذي ضم  الأحزاب الوطنية التقدمية  خارج اطر السلطة ,وكان للاتحاد الاشتراكي ولأمينه العام دور مميز في ذلك التجمع ,الذي شكل جبهة معارضة وطنية في مقابل الاصطفاف المذهبي و العنفي الذي مثلته السلطة الحاكمة من جهة وقوى الإسلام السياسي وحلفاءها من جهة أخرى,ومع نهاية الصراع الدموي الذي انتهى بتصفية المعارضة العنفية المسلحة,عاد التجمع الوطني الديمقراطي  وفي مقدمته حزب الاتحاد الاشتراكي ليمثل وجه المعارضة السياسية الأساسية في سورية ,رغم وجود قوى راديكالية أخرى مثلها في ذلك الوقت حزب العمل الشيوعي  والتنظيم الشعبي الناصري.
أعطى انتقال حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي إلى العلنية في عام 2000 حيوية لحركة المعارضة السياسية الوطنية التي رفدت بحركة نخبوية ثقافية وشكلت بعد استلام  الرئيس الأسد الابن للسلطة اثر وفاة أبيه ما عرف بربيع دمشق ,وهو ما ولّد الصيغة الراهنة لحركة المعارضة.
ونحن عندما نتحدث عن الموالاة والمعارضة فإننا لا نقصد الصيغة التقليدية  المعروفة في ظل النظام الديمقراطي التداولي ,حيث تتشكل الموالاة من الأحزاب التي تفوز بالأغلبية البرلمانية ,وتتشكل المعارضة من أحزاب الأقلية ,بل نتحدث عن المعارضة باعتبارها القوى السياسية التي تحمل برامج وتدعو لسياسات مختلفة عن سياسات وبرامج النظام الحاكم.
من هذا الموقع تأتي صفة الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي  كحزب معارض يؤسس معارضته انطلاقا من الأهداف والبرامج التي يؤمن بها,والتي يمكن تلخيصها بأنه يؤمن بنظام سياسي ديمقراطي برلماني يسمح بحرية العمل السياسي لكل القوى والتيارات على أن يكون الحكم لصندوق الاقتراع الدوري على قاعدة حق التداول لا الاحتكار ,وهذه الرؤية مؤسسة على نتاج تجارب النظم الشمولية التي لم تستطيع تحقيق الأهداف التنموية التي طرحتها تحت شعار التغيير الثوري,بل على العكس شكلت عامل إعاقة لها ,وبالتالي لم يعد من المبرر التضحية بالديمقراطية من اجل هدف لم يتحقق يتلك الطريقة,وعلى العكس فان تجارب ديمقراطية وطنية حققت نجاحات في دول ذات مستويات متقاربة معنا,وهو ما نراه في العديد من دول أمريكا اللاتينية,وعندما يدعو حزب الاتحاد الاشتراكي إلى التغيير الوطني الديمقراطي,فانه يستهدف تغيير البنى الحقوقية للنظام السياسي وليس عملية انقلابية ,بل على العكس يرى أن الديمقراطية وحق تداول السلطة مفتوح للقوى الحالية الممسكة بالسلطة على قدم المساواة مع الآخرين,وأكثر من ذلك يرى أن التحالفات لا يمكن إلا أن تتم على قاعدة البرامج المشتركة في ظل النظام الديمقراطي ,وهي مفتوحة للجميع الذين تجمعهم مشتركات فكرية أو سياسية أو اجتماعية  ويؤمن الاتحاد الاشتراكي بان أي تغيير يجب أن يكون وطنيا,أي انه مصنوع في سورية وبقوى الشعب في سورية  ومن اجل مصالحه,وهو بالضرورة تغيير يستهدف حماية الوطن والمجتمع ووحدتهما,ومواجهة المخاطر والتحديات الخارجية التي تتعرض لها سورية وفي مقدمتها تحدي تحرير الجولان ,والمشاركة في منظومة الدفاع عن الأمن العربي القومي,ومن هذا الموقع فانه معني ليس فقط بعدم الاستقواء  بالخارج (الأجنبي )بل أساسا بمقاومة  المشاريع الخارجية وفي مقدمتها المشروع الأمريكي –الصهيوني ,وبدعم تلك المقاومة على امتداد الوطن العربي وعلى المدى العالمي أيضا,وهو من هذا الموقف يدعو لتصليب الموقف الوطني ويؤمن بان ضرورات النظم  لا يجب أن تتعارض مع آمال ومصالح الشعوب وخياراتها, ومن هذا الموقع يرفض حزب الاتحاد الاشتراكي أية سياسات تصبّ في خدمة المشروع الصهيوني –الأمريكي,ولا يرى في الولايات المتحدة الأمريكية في ظلّ نخبها الحاكمة وسيطا نزيها في الصراع العربي –الصهيوني, ويرى أيضا أن الصراع العربي –الصهيوني صراع وجود لا يجوز أن تتم التفريط عبر إدارته بالحقوق الوطنية بما فيها حق الأمة باسترجاع كامل فلسطين مهما طال الزمن ومهما تعددت المراحل.
وعلى المستوى الاقتصادي تتأسس معارضة حزب الاتحاد الاشتراكي على رؤيته  بان النظام الاقتصادي يجب أن يكون في صالح الكتلة الأساسية المنتجة في المجتمع    وأصحاب الحاجة فيه, ويرفض منطق حرية السوق المطلقة لأنها عاجزة عن تحقيق العدل الاجتماعي ناهيك عن عجزها تحقيق النمو الاقتصادي في الدول المتخلفة بالخصوص, وهو يعارض تحكم طبقة الرأسمال الطفيلي بالاقتصاد السوري,ويدعو إلى تدخل الدولة عبر إجراءات محددة وواضحة  في القطاعات الأساسية,ولكن ليس تدخل أي دولة بل الدولة  الديمقراطية الرشيدة,ويعتقد الاتحاد الاشتراكي أن الوحدة العربية ممكنة بل هي ضرورة في عصر التكتلات الكبرى وعصر العولمة المتوحشة,وهو يدعو لإنتاج ثقافة تجديدية تلغي  التأخر التاريخي وتتجاوزه دون تغييب هوية الأمة.
من هنا فان معارضة حزب الاتحاد الاشتراكي تنطلق من كونه على يسار النظام وليس على يمينه,من موقع الوطنية,من موقع الطهارة والشفافية وليس أي موقع أخر إما عن موقع الحزب في المعارضة فهو يؤمن انه لا توجد معارضة واحدة,بل هناك معارضون للنظام من مواقع مختلفة وببرامج متباينة,هناك من يعارض من مواقع انفصالية,أو مذهبية أو من مواقع لا وطنية ,فهناك من دعا للتعاون مع العدو الصهيوني,وهناك من يطالب بالتنسيق مع أجهزة أمنية خارجية,وهناك من يعارض من مواقع ليبرالية ومن مصالح ذاتية,أو حتى  من مواقع ثأرية,ولعل هذا ما دعا الاتحاد الاشتراكي للوقوف بحزم ضد تلك التوجهات ورفض أي تعاون مع أصحابها أمثال فريد الغادري,أو عبد الحليم خدام,أو رفعت الأسد…الخ,أن هذا التجديد لا يمنع مقولة بناء معارضة وطنية ديمقراطية عريضة بل هي هدف  مطلوب لحشد القوى والخروج من ثنائية النظام الشمولي مقابل القوى اللاوطنية… ويعتقد الاتحاد الاشتراكي أن وجود المعارضة وقيادتها بالداخل السوري يجعلها أكثر حصانة ضد الارتهان للخارج,ويرى أن دوره في القلب منها فهو الحزب الأساسي في التجمع الوطني الديمقراطي,وهو يمثل التيار  القومي العربي في المعارضة على تلك القاعدة خاض تجربة ائتلاف إعلان دمشق,وهي تجربة لا يزال يؤمن بأنها غنية كفكرة وكمشروع رغم ما تعرضت له من رهانات خاطئة ومن قراءات غير صحيحة,وللأوهام التي رافقت مسيرتها ولعدم الشفافية بين عناصرها,وهذه المسائل أنتجت وثيقة الإعلان الرئيسية التي صيغت بشكل متسرع  فحملت الكثير من الأخطاء والرسائل الخاصة وأبرزها عدم وضوح موقعها في معاداة المشروع الأمريكي-الصهيوني,وموقعها في نضال أمتها من اجل التحرر ومقاومة الاحتلال ودعم مقاومته,كما أنها حملت مواعيد وتوقيتات بدا وكأنها تنسجم مع قراءة معينة وخاطئة لتطورات دولية وإقليمية,وإذا كنا نتحدث عن ماْل تجربة إعلان دمشق الذي تحكمه القدرة على تجاوز الأخطاء والعودة إلى التفاهم غير الملتبس وعلى قراءة واعية للأحداث المحيطة وللمشاريع المطروحة للمنطقة,وعلى تحديد المنظور لهوية سورية الوطنية العربية المتجاوز للانقسامات المذهبية والطائفية والاثنية ,وعلى قراءة نقدية من قبل الجميع لتلك التجربة,والعودة إلى سياسات توافقية بين التيارات والقوى التي يضمها الإعلان,واعتقد أن حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي أبدى ولا يزال استعدادا مخلصا للحوار من اجل التوصل إلى هذه المشتركات,لأنه يرى انه من المفيد جدا للوطن استخلاص دروس تلك التجربة ,والعودة إلى مستلزمات عمل وطني ديمقراطي  يصب في مصلحة المجتمع ويدعم الخيارات الوطنية,وان يكون برنامجه الوطني الديمقراطي هو الأساس في موقفه وهو لا يسعى للحوار من اجل الحوار ولا للعودة للإعلان دون الحصول على تلك التوافقات وهي أن حصلت ستشكل مكسبا للعمل الوطني ولسورية,فهي توحد المجتمع ضد العدواني الخارجي وتركز على مطلب الديمقراطية وعلى الخيار السلمي التدرجي.
ما اخبار الحوار حول وثيقة للتيار الوطني الديمقراطي  والى اين وصل وما هو هذا التيار المعارض؟
الحوار حول وثيقة للتيار الوطني الديمقراطي قطعت شوطا لا باس به, ومن المعروف أن التيار الوطني الديمقراطي لا يهدف في المستقبل المنظور على الأقل إلى إقامة ائتلاف جديد أو بديل لغيره إنما يهدف إلى تأسيس  مرجعية للقوى المشاركة فيه..وهي مرجعية تكون ضمانة لسلامة مواقف أطرافه أينما كانت مواقعها وتحالفاتها,واعتقد أن الحوار بين الأطراف المشاركة فيه اثبت مدى التقارب بينها ,ويعود ذلك إلى الشفافية وليس مجرد البحث على صيغ ملتبسة وعلى كل أرى أننا يجب أن نركز في عملنا الوطني على بناء قوانا واستعادة موقعها في الوسط الشعبي وان تبنى التحالفات بين قوى فعلية لها وجود حقيقي ولو نسبي,وعلى التعاون الميداني على مواقف مشتركة,وان يكون هذا التعاون والتنسيق المدخل لتحالفات على المدى المتوسط الأجل أو المديد,وارى من الضرورة أن تقوم جميع القوى السياسية بإجراء مراجعات نقدية جديدة وقراءات سياسية ناضجة بعيدا عن الأوهام وبعيدا عن قوى المعارضة  الراهنة فحسب بل هو يشمل بالقطع جميع القوى والشخصيات المتضررة من الفساد ومن الاستئثار بالسلطة والحريصة على منع الانقسام المجتمعي واحتمالات  تخمّر المناهج العنفية في وجه انسداد احتمالات المشاركة في العمل السياسي والوطني,أينما كانت مواقع تلك القوى والشخصيات الراهنة.
اسست تجمع لجان لنصرة العراق كيف تنظر الى هذه اللجان وما مستقبلها في ظل المستجدات ؟
بخصوص موضوع لجان نصرة العراق فان مقاربتي لما يجري تنطلق على مسلمات أساسية أولها:أن العراق خاضع للاحتلال ولا تزال قوات العدوان مسؤولة عن كل ما يجري هناك,وان إنهاء الاحتلال لا يتم إلا بخروج  أخر جندي أجنبي من أراضيه,وخروج كل ما قدم مع الاحتلال من أنصار ومؤيدين ,وكل ما خلفه من بنى وتنظيمات وتشريعات.
والمسلمة الثانية:أن الاحتلال يستوجب المقاومة,وهي تستمد مشروعيتها من الاحتلال ذاته ,وبالتالي فان دعم المقاومة يصبح ليس مشروعا فحسب وإنما أيضا واجبا وطنيا وإنسانيا وقوميا.
المسلمة الثالثة :العراق جزء من أمته العربية وهو ما تنص عليه معظم الدساتير التي عمل بها في المراحل السياسية المختلفة ,إضافة إلى انتمائه للجامعة العربية,ومن هذا المنطق ساهم العراق في الدفاع عن الأمن القومي العربي وخاض الحروب إلى جانب الجيوش العربية وخصوصا في حربي 1948 و1973,وهذا الانتماء يفرض التزامات متبادلة بين العراق وأمته,ومن بينها دعم العراق  في مواجهة أي عدوان يتعرض له,وبما أن الانتماء لا يقتصر عليه كدولة بل كشعب ,فان الالتزامات تتوجب على الأمة تجاهه كشعب وأفراد.
من هذه المسلمات تأسس تجمع لجان نصرة العراق منذ التحضير للعدوان عليه واحتلاله واستمر في تقديم الدعم الإعلامي لمقاومته والإنساني لشعبه ووقف ولا يزال إلى جانب  قضيته العادلة,ولم يثنه عن ذلك ما تعرض له من محاولات تشويه مقاومته ومن خلط بين العنف الإرهابي والفعل المقاوم,وبين المصالح الوطنية والتدخلات الإقليمية بل رأينا في ذلك كله نتيجة من نتائج الاحتلال وهدفا من أهدافه وبالمقابل رأينا في المقاومة العراقية القوة التي أوقفت سقوط أحجار الدومينو حاصرة الاحتلال بالعراق بعد أن كان يطرح صراحة نواياه بالتوجه شرقا نحو البحر الأبيض المتوسط,رافعا راية المشروع الشرق أوسطي الجديد,ورأينا فيها الخط الدفاعي الأول عن فلسطين…لا يغير من ذلك ما وقعت فيه من أخطاء حيث لا توجد مقاومة بدون أخطاء … وقلنا باستمرار بأهمية وحدة حركة المقاومة وتحولها إلى حركة تحرير وطني وبحصانة المواطنين الأبرياء.
إما عن المستقبل فان النضال من اجل تغيير طبيعة النظام الذي أتى به الاحتلال  وتحويله من نظام طائفي وأقوامي إلى نظام وطني ,والحفاظ على هوية العراق العربية هي جزء من مقاومة الاحتلال ومن معركة التحرير الذي لا يستكمل إلا بها بعد إخراج قوات الاحتلال .
من هذه المنظومة نعمل لدعم المقاومة الوطنية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب العراقي منطلقين من كوننا حركة شعبية تنطلق من مطالب الشعوب وليس من ضرورات الأنظمة التي هي أدرى بمصالحها.
ومن هذا المنطلق ندعم كل تحرك شعبي يتوجه ضد الاحتلال وعملائه وان كنا نقصر نطاق عملنا ودعمنا في مجال العمل الثقافي والإعلامي والدعم الإنساني.
ننتقل الى محور العلاقات الأمريكية السورية وخاصة في ظل مسؤولين اميركيين الى دمشق والتغيير في السياسة الاميركية
أعلنت الإدارة الأمريكية السابقة بصراحة  ووضوح أكثر من مرة أن هدفها هو تغيير سياسات النظام ,وليس تغيير النظام,وهذا الموقف كان محددا وواضحا خصوصا مع المقاومة التي واجهها احتلال العراق,وعدم قدرة الاحتلال على تقديم نظام سياسي بديل مغر لشعوب المنطقة للاقتداء به,وما طرحته عن” الفوضى الخلاقة” ظهرت أثاره السلبية على المشروع الأمريكي ذاته,فالمقاومة الشعبية ستكون لاعبا أساسيا في ظلّ الفوضى وغياب الدولة المركزية القوية… وتجارب لبنان وفلسطين والعراق قدمت نماذج عن أثار”الفوضى الخلاقة” وانعكاساتها السلبية ليس فقط على الأوطان التي تجري فيها  بل أيضا على أصحاب تلك الفوضى والتي يستفيد منها منافسي وخصوم الولايات المتحدة الأمريكية.
إذن في ظل مخاطر الفوضى الخلاقة والتكاليف العالية للاحتلال في ظلّ مقاومة شعبية أضحت مؤكدة مع الإقبال الشعبي على نصرة العراق ضد الاحتلال,بقيت سياسة الضغوط  لتغيير سياسات النظام لتصب في المصالح الأمريكية هو عنوان تلك الإستراتيجية الأمريكية,وكل ما جرى من إيحاءات وتسريب معلومات مغايرة تهمس في أذان بعض خصوم النظام على المستوى العربي والمحلي كان هدفها ابتزاز النظام عبر التهويل ,وهو ما انخدع به البعض عندما روج لسقوط عاجل للنظام على جانبي الصراع حين سعى البعض من داخل النظام لطرح  تنازلات جوهرية ,وسعى آخرون من خارجه لركوب موجة التغيير على الدبابات الأمريكية.
سياسة الدبلوماسية الساخنة التي اتبعتها إدارة بوش لتحقيق هدف تعديل سياسات النظام فشلت إلى حدّ ما- وليس فشلا مطلقا ,فقد أعطيت إشارات مهمة للإدارة الأمريكية مثل المفاوضات مع العدو الصهيوني ,وتبادل السفراء مع لبنان ,والانكفاء المحدود عن السياسة السورية السابقة تجاه لبنان- أن فشل السياسة الأمريكية .
لم تكن ساحته الرئيسية سورية لوحدها بل كانت ساحاته الرئيسية المحيط السوري (لبنان وفلسطين والعراق),ففي لبنان حققت المقاومة بقيادة حزب الله الحليف الأكبر للنظام السوري انتصارا مشهودا خلال حرب تموز 2006,وقبلها حققت المقاومة الفلسطينية انتصارا ديمقراطيا ترك أثاره على المنطقة كلها.وفي العراق كانت إيران أقوى من أمريكيا في اللعب بالسياسة المحلية إضافة إلى ارتفاع تكاليف الاحتلال وانعكاساتها على الوضع الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما ساهم بالتمهيد للازمة الاقتصادية,وكان لا بد أن ينتج عن ذلك تغييرا في السياسة الأمريكية ,وكان تعبيره الصارخ قدوم إدارة أمريكية جديدة تحت شعارات التغيير,ولكن المتابعة الدقيقة لما يجري يدرك من خلالها أن التغيير الكبير ليس تغييرا في الأهداف والاستراتيجيات بل تغييرا في الأساليب حيث لا يزال الهدف هو تغيير سياسات النظام السوري تجاه بعض القضايا التي تهم المصالح الأمريكية والصهيونية ,والتغيير الحاصل هو تغيير الأساليب,عبر إتباع سياسة الدبلوماسية الهادئة والناعمة.
وفي هذا  السياق يمكن قراءة الزيارات والاتصالات والتي تأتي كلها تحت عناوين العمل على فك الارتباط الاستراتيجي بين سورية وإيران,ودفع القيادة السورية لعدم معارضة السياسة الأمريكية في المنطقة,والعودة إلى التضامن العربي في ظل الاستسلام لإرادة الإدارة الأمريكية,وما يجري اليوم هو مجرد محاولة لتجميل صورة الولايات المتحدة الأمريكية بعدما انكشف الكثير من قباحتها  وخصوصا في العراق.
والمهم هنا أن يتم استيعاب هذا الموقف الأمريكي وفهمه بوضوح حتى  لاتتم رهانات خاطئة من الجميع,فالولايات المتحدة الأمريكية وبعيدا عما تطرحه في وسائل إعلامها ليست معنية لتحقيق انعطافات ديمقراطية حقيقية.ما لم تكن تلك الانعطافات قادرة على ولادة نظام أكثر ارتهانا للولايات المتحدة والكيان الصهيوني,وهي بالقطع لن تساعد على تحولات تؤدي إلى وصول أعداء الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الصهيوني وأصحاب المشروع الوطني القومي إلى مواقع السلطة,وهذا ما يمكن رصده من خلال موقفها من إتباع آليات ذات مسحة ديمقراطية في العراق وفلسطين.
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست معنية بالحفاظ على نظام ذا طروحات قومية على المدى الاستراتيجي مهما كانت رؤيتها له, ولا هي أيضا مهتمة بمساعدته لتحرير الجولان,بل هي تعمل على دفعه إلى نهجها وأبعاده عن خصومها ومنافسيها وبعدها يمكن لها الاستفراد به في ذات الوقت الذي تعمل فيه على خلق قوى من داخله وخارجه تشكل البديل الأكثر ملاءمة لها على المدى الاستراتيجي ولها تجارب كثيرة في هذا الاتجاه عندما تخلت عن الكثير ممن كانوا تابعين أو مستسلمين لها عندما وجدت أن هؤلاء لم يعودوا قادرين  على خدمة مصالحها.
ولكن ماذا عن تجديد العقوبات على سوريا؟
ان تجديد العقوبات على سورية يؤكد على أن الدبلوماسية الناعمة لا تعني عدم استخدام سياسة الضغط والابتزاز فهي السياسة المكملة للوعود والترغيب,أي سياسة تقديم الإغراءات بالتقسيط.
ما الذي تطلبه من النظام السوري كمحام ومعارض..
قد لا أكون معنيا بتقديم مطالب أكثر مما يعنيني طرح رؤيتي لمخارج من الأزمات التي تحيط بسورية وأمتها العربية..حيث اعتقد انه لا يجوز لمن يتعاطى الشأن العام التغافل عن الأزمات  التي بات معظمها مستعصيا ويحتاج إلى عمليات جراحية مؤلمة,فالاعتراف بتلك الأزمات هو المخرج الأول للبحث عن حلول لها, سورية تعيش انسدادات خانقة على أكثر من صعيد,على المستوى الوطني لا يزال أمنها مهدد فقسم من الأراضي السورية تحت الاحتلال منذ أكثر من أربعة عقود والعدو الصهيوني الذي يرابط على أراضيها وعلى حدودها الجنوبية يشكل تهديدا مستمرا لأمنها ولمصالحها ولطموحاتها القومية, والولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى في العالم هي حليف استراتيجي للعدو الصهيوني لا يغير من ذلك ما يبدو من بعض التعارضات الراهنة بين الإدارة الأمريكية الجديدة,وبين حكومة اليمن الأكثر تطرفا في الكيان الصهيوني,فهي تعارضات تنطلق من الخلاف حول ما هو أكثر مصلحة للعدو الصهيوني,وليس ما هو اقتراب من المصالح العربية.
وسورية أيضا تعاني من أزمات اقتصادية ومعيشية خانقة وهي مرشحة لمزيد من الاختناقات بغياب امن إصلاح جدي, فالقوى المهيمنة على النظام أضحت مصالحها في غير اتجاه الأغلبية الواسعة,وفي غير اتجاه نهوض تنموي,حيث الفساد الذي استخدم كسياسة لتامين الولاء والاستقرار أضحى غولا يأكل النظام ذاته عبر تدمير بنية المجتمع ,ما يطرح عن سياسة السوق وحريتها تبين أنها تساهم في تكوين نخبة مهيمنة لاقتلاع وابتلاع النظام في المستقبل غير البعيد ,وهي طبقة رأسمالية تابعة ومرتبطة وغير قادرة على البناء بل هي مولدة للازمات الاقتصادية والاجتماعية .
كما تعاني من انبعاثات لا وطنية…فئوية وقومية ومذهبية…بفعل السياسات الداخلية والظروف الإقليمية المحيطة والتدخلات الخارجية,ويأتي ذلك كله في ظل مناخات التأخر التاريخي,الذي يولد حالات عنف كامن أصولي أو فئوي قابل للانفجار في أي وقت..
أمام هذا  الواقع  لا بد من التغيير الديمقراطي الوطني المتدرج والسلمي,لأنه البديل للانفجار الذي قد ويستعصي على الإجراءات الأمنية المتشددة,وبديل على الاندحار في هوة التأخر والتخلف ولكن التغيير لا يمكن أن يأتي من الخارج لان للخارج مصالحه  المتعارضة بالضرورة مع المصالح  الوطنية والقومية ,وبالمقابل فان قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية في واقعها الراهن غير قادرة على إحداث هذا التغيير في المدى المنظور.. وبالتالي يصبح لزاما على قوى الإصلاح أينما كانت مواقعها وقوى المعارضة الوطنية  أن تبحث عن مخارج مشتركة في مواجهة عدو مشترك هو التحالف الضمني بين المشاريع الأمريكية-الصهيونية والغربية وبين قوى الرأسمال الطفيلي والانبعاثات مادون الوطنية والقومية,وذلك كله يجب أن ينطلق من إعادة الاعتبار للإنسان باعتباره مؤهلا للحرية,ولحماية حقوقه الأساسية والى تحقيق انفراجات واسعة وغير متأخرة على طريق الديمقراطية.
أنهى المعارض ميشيل كيلو فترة سجنه وأفرج عنه مارايك
طبعا أتوجه له بالتهنئة  للخروج  إلى رحاب الحرية,فليس أقسى من حجر الحرية على الإنسان  الراشد ,واجدها مناسبة لأؤكد على أن الأفكار لا يجوز أن تواجه بالقمع بل بالحوار..والأستاذ ميشال كيلو شخصيته وطنية تحظى بالاحترام ..وانه عومل بشكل لا يليق مع مفكر بوزنه ومكانته,ونأمل أن يعود ليساهم في العمل على بناء الوطن وحريته وتقدمه.
كيف تنظر الى موضوع  نجلك الدكتور طارق الناصر واعتقاله في لبنان
-بصفتي والده ومحاميه آمل أن يخرج الموضوع عن التجاذب السياسي,فما قام به لا يتعدى عملا إنسانيا وبدوافع وطنية وبخلفية ثقافية معادية للاحتلال والاستعمار.. وتحمّل نتائج ما أقدم عليه بشجاعة,وهو يريد أن يعود إلى وطنه وأسرته وليخدم أمته من خلال عمله المهني.. وكنت ولا أزال أرى أن البعض يريد النيل منه لأسباب تستهدف أشياء أخرى لا علاقة له بها فالبعض أراد استهداف فكرة المقاومة,وآخرون أرادوا استهداف سورية- وبعضهم أراد استهداف التيار القومي في المعارضة السورية,بينما أعلن هو صراحة انه غير منتم إلى أية جهة حزبية أو حتى “جهادية” وانه قام بعلاج بعض الجرحى القادمين من العراق لدوافع إنسانية ووطنية فحسب..واسمحي لي أن اكتفي بهذا القول وسيكون لنا حديث مفصل بعد انتهاء محاكمته أمام القضاء اللبناني وهو واثق من براءته مما اسند إليه.
ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى