أزمة النقاب في سورية

النقاب والإرهاب وجهان لعملة واحدة

كامل عباس
ما إن قرأت ما كتبته مجلة الثرى عن النقاب في سوريا حتى قفزت إلى مخيلتي ذكريات حزينة ومؤلمة عن بلدي ومدينتي. عدت إلى مدينتي اللاذقية في عام 1995 بعد انقطاعي عنها وعن المجتمع السوري لمدة تزيد عن خمسة عشر عاما، وفي أول جولة داخل أسواق المدينة شهدت المشهد التالي في ساحة اوغاريت أمام السينما التي تحمل اسمها.
مرّت بنفس اللحظة فتاتان أحدهما تعبُر الساحة من الشمال إلى الجنوب والثانية من الجنوب إلى الشمال، وعند تقاطعهما في منتصف الطريق ذَهلِت، كانت الأولى مسربلة بالسواد كالغراب تماما وتلبس نظارة على عينيها وتحمل كتب تدل على أنها طالبة جامعية، في حين كانت الثانية تغطي جزءا من جسدها بثياب أشد أغراء بكثير مما لو كانت تسير وهي عارية تماما
ترى ما الذي دفع بالمجتمع السوري إلى هذا الاستقطاب الحاد؟ سؤال مشروع على ما اعتقد. ان نظام العولمة الجديد وتصرف الأغنياء والأقوياء على هذا الكوكب فيه تصرف الشامتين والمنتصرين أصبح جزءا من المشكلة – ليس في سوريا بل والعالم بأسره – بدلا من أن يكون جزءا من الحل . أقّدم هنا شهادة احد الخبراء الاقتصاديين الأمريكيين جيفري جاكس الذي يقول في كتابه – نهاية الفقر . ترجمة احمد امين الجمل ص 352 – حرفيا ( ان مجموع دخل كل من بوتسوانا ونيجيريا والسنغال وأوغندة بلغ 57 مليون دولار في عام 2000وهو دخل 161 مليون شخص، بمتوسط 350 دولارا للفرد في العام، في حين أن 69 مليار دولار كان دخل أربعمائة شخص في الولايات المتحدة ) .
هذا الانقسام المريع بين الأغنياء والفقراء لم تسْلَم منه مدينتي اللاذقية، بدليل واقع شواطئها هذه الأيام الصيفية والتي أصبحت حكرا على الأغنياء، في حين لم يعد يستطيع الفقراء الوصول الى البحر للسباحة فيه كما كان الأمر قبل العولمة بدون دفع مال لا يملكونه ( للعلم ان رسم الدخول من اجل السباحة في منتجع الشاطئ الأزرق ألف ليرة سورية فقط ). زاد في الطين بلة اقتداء الولايات المتحدة بسوريا ومعالجتها الإرهاب الذي ضرب سوريا قبلها بنفس الطريقة ( طريقة القوة العارية المعتمدة على الأجهزة العسكرية والأمنية ) .
توجد صلة عميقة وغير مرئية بين الإرهاب والنقاب اللذان يسريان جنبا الى جنب ويشكلان موضوع الساعة في العالم ، مع فارق ان الإرهاب لا يقتصر على أبناء المسلمين في حين يعد النقاب ظاهرة إسلامية أصولية تخص الإسلام وحده . والإسلام الصحيح بريء منها مثلما هو بريء من الذين يقطعون الرؤوس بالبلطات والسكاكين لمن يخالفهم الرأي، الإسلام الأول أعطى دورا للمرأة في المجتمع قبل ألف وخمسمائة عام أكبر مما يعطيه لها مشايخ الإسلام الحاليين المشغولين بفتاوى تدور كلها لجعل المرأة جزءا من المطبخ وتابعة للرجل بكل شيء .
وجه الشبه الرئيسي بين الإرهاب والنقاب في كونهما ردة فعل على تصرف الأقوياء تجاه الضعفاء في المجتمع. احتجاج فيه الكثير من السذاجة والعفوية والتخلف الذي يطبع البلدان ذات الحضارة الإسلامية تحديداً، يلعب على وتره بذكاء أصحاب المصالح الضيقة في الدول الشرقية والغربية معا. على سبيل المثال لا الحصر ( ما يفعله رئيس الوزراء الإسرائيلي في الأراضي المحتلة من تهويد للأماكن المقدسة وتحدي سافر لقوانين مجلس الأمن يوّلِد الارهاب والنقاب معا في البلدان العربية المجاورة . يزيد في الطنبور نغما الضغوط الهائلة على القيادة الفلسطينية لكي تدخل مع نتانياهو بمفاوضات مباشرة يمرغها فيها بالوحل امام شعبها ) .
أعجبني قولان حول النقاب من بين متحدثين كَثر عنه في سوريا حاليا منشوران في مجلة الثرى .
الأول للصحفي يحي الأوس حيث يقول :
(اليوم – منظور حقوق المرأة- لم يعد ممكنا تفادي الاصطدام مع هذا المكون الغريب بوصفه شكلا من أشكال التطرف الذكوري المقيت الذي يحول المرأة إلى خيال بلا وجه معروف ولا شكل مألوف، بوصفه رمزا للخضوع أكثر من كونه تعبيرا صادقا عن الالتزام الديني، بوصفه تعبيرا حقيقيا عن المرأة مسلوبة القرار حتى وإن ادعت أن النقاب خيارها الذاتي. لأن الرجال وحدهم هم من يقررون متى يجب على المرأة أن ترتديه وإلى إشعار آخر!. ) .
تصديقا لهذا الكلام أورد الحادثة التالية التي تتكرر في جامع الرشيد الواقع أمام بيتي: يجري الجامع دورات تعليمية لفتيان وفتيات دون سن العشرة من أعمارهن . الفتيان يدخلون الجامع بالزي الاسلامي التقليدي والفتيات قسم كبير منهن متحجبات وقسم أقل قليلا منقبات وقسم أقل بكثير سافرات، بداهة ان الرجال في أسرهن هم من يحض ويرغب بناته في هذا اللباس مستفيد من مناخ عام كشكل من أشكال ديمومة مصالح المجتمع الذكوري عندنا.
الثاني قول الممثل المسرحي فايز قزق :
( إن فرنسا ساركوزي أقرت مبدأ منع النقاب مع بعض الدول الأوربية ليس من أجل قمع 2500 منقبة في فرنسا حيث مبادئ الثورة الفرنسية وحرية الفرد مصانة، وإنما بهدف إنبات الآلاف منهن في الشرق الأوسط، لأن فرنسا ساركوزي تدرك أن رد الفعل سيكون انفعاليا عاطفيا، كما حدث مع الرسوم التي أساءت للرسول، وعليه فستحاول الحكومات الأوربية وخصوصا اليمينية منها مثل حكومة ساركوزي وبيرلسكوني، وغيرهما سيحاولون انتزاع مصادقة شعوبهم …… ) .
حقيقة كان وما يزال هناك تناغم بين الغرب الرسمي والشرق الرسمي في السياسة من اجل المنفعة المتبادلة. الغرب دعم ويدعم الحكم الوهابي في السعودية – مصدر القاعدة والنقاب- وهو في معالجته الحالية لموضوع النقاب في بلاده يقدم دعاية إعلانية مجانية للظاهرة ويغذيها بدلا من العمل من اجل تلاشيها، كذلك يلعب قرار منع المنقبات في سوريا من التدريس في المدارس . ان طريقة إصدار القرار- الفوقية والمفاجئة – تصب الزيت على النار ولن تكون نتائجها على المدى الطويل أفضل من نتائج المعالجة الأمنية للإسلاميين في الثمانينات .
اذا كانت القيادة الفرنسية والقيادة السورية ( المتناغمتان سياسيا هذه الأيام ) تريدان حقا محاربة النقاب فهناك طريق آخر نوّه له الممثل قزق بذكاء وحنكة في مقابلته وأعتقد ان القيادتان تعرفانه أكثر منه ولكنهما غير راغبتين على السير فيه على ما يبدو.
الثرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى