ما يحدث في لبنان

بانتظار الإعصار

ساطع نور الدين
تنهي مصالحة طرابلس معركة على الأطراف، لكنها لا توقف الحرب على المركز. هي ترسخ الزعامة السنية للنائب سعد الحريري، لكنها لا تحسم الاضطراب داخل الطائفة الكبرى، التي اكتشف مؤخراً هويتها الدينية وهي تسعى الى إسقاطها على جدول الأعمال الوطني تماماً كما تفعل بقية الطوائف بقدر من المواربة والمراوغة.
كانت معركة غير مبررة وخاسرة في الأساس، لأنها استندت الى رغبة بالانتقام لما جرى في بيروت في السابع من ايار الماضي، لكنها لم تأخذ في الاعتبار موازين القوى الفعلية، ولم تدرك على الفور حساسية الجغرافيا السياسية لعاصمة الشمال، وبلغت في مراحلها الأخيرة حد المس بالمحرمات الداخلية والخارجية الجديدة التي وضعت في أعقاب الخروج العسكري السوري من لبنان في نيسان عام .٢٠٠٥
نجت المدينة والمحافظة من كارثة محققة. قيل إنها كانت الثالثة من نوعها. بعدما جرى الانضباط التام من قبل جميع القوى السياسية والأمنية الشمالية بتوجيهات حاسمة من الخارج بالحؤول دون استمرار الاشتباكات بأي ثمن. ضغطت دمشق على فريق كان يفترض ان العودة العسكرية السورية الى لبنان سهلة ومتاحة. وضغطت الرياض والقاهرة على فريق آخر، كان يظن ان المغامرة محصورة في الزمان والمكان، وهي تقع داخل الحدود اللبنانية، وكان يخطئ في فهم الرسالة السعودية والمصرية التي تنص على ان الشغب على سوريا من هذه الزاوية غير مرغوب وغير مقبول… فضلاً عن انه بالغ الخطورة.
لكن هذا الإنجاز، الذي ينسب الفضل الأخير فيه الى الحريري، لا يعني ان المصالحة الداخلية العامة بين ما يسمى بالموالاة والمعارضة صارت وشيكة، كما لا يعني ان المصالحة الخارجية بين دمشق من جهة والرياض والقاهرة صارت ممكنة. ما حصل في طرابلس بالأمس هو اقرب الى صلح عائلي رعاه زعيم تيار المستقبل، وباركته ثلاث دول عربية، وليس صلحاً سياسياً بين تيارين متعارضين. ووثيقة التفاهم بين القوى الطرابلسية، والتي ليس فيها من السياسة شيء ولا يمكن إخضاعها لأي معيار سياسي، هي خير دليل.
المرجح ان ما حققته طرابلس يمكن ان ينعكس إيجابا على بقية المناطق اللبنانية، لكنه لا بد من الاعتراف بأن المصالحة الشمالية التي خضعت لشروط امنية معروفة، لا تنطبق بسهولة على المصالحات الاخرى المنتظرة، لا سيما في بيروت، التي تتحدد من خلالها وحدها الوجهة السياسية العامة للبلد كله… وهي وجهة كان التفاهم حولها ولا يزال مستحيلاً لأسباب لا تخفى على احد، وهي تبدأ من التشكيك المستمر بزعامة الحريري وقيادة تيار المستقبل، ولا تنتهي بالصراعات الخارجية على لبنان، التي لم تحسم بعد، وهي لن تحسم قريباً، برغم النوايا الحسنة التي أبداها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الاخير، والتي تعبر عن رغبة في تحييد هذه الصراعات.
الخلاصة هي أن الداخل اللبناني يتحرك في الاتجاه الصحيح، في لحظة خارجية حافلة بالتوتر والترقب… لإعصار يشعر الجميع انه بات وشيكاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى