أزمة النقاب في سورية

النقاب وتحرر المرأة

زينب نبوّه
القرار الذي اتخذه وزير التعليم العالي في سورية أواخر الشهر الماضي، قرار هام ومسؤول يمنع بموجبه المنقبات من دخول الجامعات السورية العامة والخاصة، وينطبق هذا القرار على المدرسات والطالبات على السواء.
هذا القرار وإن جاء متأخراً جداً، كان ضرورياً وملحاً حيال تعاظم انتشار ظاهرة النقاب والحجاب بين النساء والفتيات في سورية، مما أثار قلقاً مشروعاً واستهجاناً كبيراً في الشارع السوري خاصة في أوساط القوى الوطنية والديموقراطية والعلمانية الحريصة على تطور البلاد وتقدمها، فسورية بلد علماني يتمتع شعبها بالوعي السياسي بالنسبة لشعوب المنطقة. وقد طالب العديد من أهالي طالبات الجامعة والثانويات بوضع حد لظاهرة الفتيات المنقبات اللاتي يحاولن التأثير السلبي على الطالبات الأخريات. كما اتخذت الحكومة السورية سلسلة أخرى من الإجراءات للحد من هذه الظاهرة التي تنامت بشكل ملحوظ خاصة في السنوات الأخيرة.
فقد اتخذ وزير التربية السوري قراراً بنقل أكثر من ألف معلمة من التعليم إلى وظائف إدارية أخرى، وصرح وزير الثقافة السوري السيد رياض نعسان آغا، بأن الحكومة أصرت بعدم ارتداء النقاب داخل الجامعات للتعرف على الهويات داخل أروقتها تجنباً للأعمال الإرهابية وحفاظاً على الحالة الأمنية في الجامعة، ولفت إلى أن النقاب جديد على المجتمع السوري قائلاً: ((أنا شخصياً لا أريد أن يختصر بعض المسلمين قضايا الإسلام في النقاب، خصوصاً أننا نواجه عداء مريراً للإسلام في بعض بلدان الغرب، وليس من صالح الإسلام أن يكون النقاب رسالته إلى العالم، وأضاف: شعبنا تفهم ما حدث لأن عقيدتنا الإسلامية وماتوارثناه يؤيدان أن وجه المرأة ليس عورة، مع معرفتي أنه بين المتشددين من يرى المرأة كلها عورة، وأنا شخصياً لا أرى ذلك))… وأوضح أنه تم نقل المنقبات من سلك التعليم إلى دوائر حكومية أخرى. فالرأي التربوي وجد أن عملية التعليم ليس بالصوت وحده، وإنما بتعابير الوجه أيضاً.
وأكد أنه لأسباب أمنية أيضاً يجب أن يتم التعرف على هوية من يدخل الجامعة ويتحرك في أوساط الطلاب والطالبات، فقد يندس معادون أو مجرمون تحت النقاب، لكن حكومتنا لم تصدر قراراً بمنع النقاب في الحياة العامة، فالناس أحرار في ما يلبسون ويرتدون.
ورأى سماحة المفتي العام للجمهورية السورية ان ((النقاب عادة تحولت إلى عبادة)) منذ سنين ليست بعيدة فكانت مناسبة للمطالبة بإعادة النظر ببعض العادات المشابهة التي تحولت إلى عبادات أيضاً، وأوضح أن هذه العادة دخيلة على المجتمع السوري.
إن قرار منع النقاب هو قرار وطني سياسي وموضوعي وإن جاء متأخراً جداً بعد أن أصبح النقاب ظاهرة فعلية وواضحة في المشهد العام السوري أدى إلى تكاثر المجموعات التي تغوص في هوس ديني، فبدأت بالحجاب منذ سنوات طويلة، ثم بالنقاب والجلباب، وشكلت تياراً اجتماعياً سياسياً وهو ليس محكوماً بنص صريح في الإسلام ولا علاقة له به، ويسيء إلى حرية المرأة وكرامتها.. أما الرجال السلفيون والمتزمتون الذين لايرتدون النقاب، فإن عقولهم جامدة يرفضون كل شكل من أشكال التحرر والحداثة والمساواة، ويلجؤون إلى تزييف الوعي وتأطير الممارسات وتوجيهها، هؤلاء أصبحوا في كل مكان، فكيف يمكن مواجهتهم وبأشكال قانونية؟ فالنقاب هو الظاهرة الأبرز بعد الحجاب للتيار السلفي الأصولي التقليدي الذي توسع مع تمدد الأصوليات المتنامية في بلادنا العربية، وهو يرمز إلى قضية أعمق بكثير من قضية غطاء يلف جسم المرأة من الرأس إلى أخمص القدمين.. ويعبر عن موقف وهوية وانتماء وثقافة وطريقة تفكير وأسلوب حياة متكامل. فهو حاجز مادي يؤثر في داخل البنى الفكرية والذهنية والعلائقية، ويحكم المرة بالجهل والأوهام والغيبيات. فالمشكلة الأساسية ليست في ارتداء النقاب وحسب، وإنما في صعود الإسلام السياسي الأشد ضرراً وضراوة. والذي يصب في كل جوانب الحياة، وأثره كبير على حرية المرة وحقوقها وتقدمها وتمكينها مما يقوض مكتسبات حققتها خلال تاريخها الطويل من النضال قام به رجال ونساء في بلادنا العربية تشهد له كتابات وممارسات كثيرة هي في صلب تراثنا وأدبياتنا العربية والإسلامية.
إن النقاب لم يأت من فراغ ولم يكن مجرد تداعيات لحادثة بعينها، وإنما هو نتيجة لتراكمات مزمنة على خلفية المظاهر الدينية التي لم تفلح الجهات المعنية بإيجاد حلول حاسمة لها، فما حصل مؤخراً كان أشبه بالشرارة التي فجرت تلك التراكمات وأشعلت مسألة النقاب وحولتها إلى قضية رأي عام.
والسؤال: لماذا تم تغييب الإصلاح الديني منذ سنوات طويلة لتظهر الجمعيات والمؤسسات الدينية، خاصة النسائية منها، التي تنشر في البلاد الجهل والتخلف والغيبية، لتظهر في النهاية على شكل ظواهر دينية مختلفة بعيدة كل البعد عن جوهر الدين في لبوس أصولي مدمر! لماذا لم تجسد أفكار التنويريين النهضويين منذ ما يزيد على قرن وتحويل أفكارهم إلى واقع تغيري قانوني راسخ؟ ولماذا لم يحقق إنساننا العربي مبادئ العدالة والمساواة وغيرها؟
كان من المستحيل في خمسينات القرن الماضي أن تصادف طالبة منقبة في جامعة دمشق أو في الشارع السوري وحتى اللواتي كن يرتدين البرقع الشفاف على القسم الأعلى من الوجه كن نادرات فقد كانت أكثرية الطالبات سافرات بصرف النظر عن انتماءاتهن الطبقية والاجتماعية أو الدينية. وكان فخراً كبيراً لسورية في تلك المرحلة الزمنية أن نساءها تعلمن وشاركن في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية وحاربن التعصب والانطواء.
لم تبذل السلطات الرسمية المعنية طوال السنوات الماضية أي جهد حقيقي في تصحيح هذه الظاهرة المقلقة وجرى غض النظر عن نشاط هذه الحركات والتيارات الإسلامية السلفية من منطلق فسح المجال لنشاطها مادامت لا تشكل أي تهديد للحكم أو للبلاد وأن أهدافها دينية صرفة وتعبر عن تأييدها المطلق للحكم، بل ربما يمكن توظيفها في خدمة أهدافه أحياناً.
ورأى البعض الآخر أن تجاهل أجهزة الأمن لهذه التنظيمات هو خوف هذه الأجهزة من أن تتهم بمعاداة الدين وقد استغلت التيارات الدينية خشية النظام من هذه التهمة فوسعت نشاطها إلى الحد ألأقصى، ومازالت، وواضح أمام القوى الوطنية والديموقراطية والعلمانية أن هذه الفئات التي تزعم أنه ليس لها أهداف سياسية هو في واقع الأمر موقف سياسي من قبل الإسلام السياسي موجه ضد النظام العلماني في سورية ويجد في هذه المظلة وسيلة لفرض وجوده وجرّ المجتمع السوري خطوات إلى الوراء وإلغاء الحداثة بكل ما فيها وناتج عنها.. وهي تخفي وراء هذا النشاط موقفاً مغايراً وخطيراً كما جرى في السابق.
ففي الأربعين عاماً الماضية بُني في سورية ألوف المساجد وحسب الإحصاءات يوجد حوالي تسعة آلاف جامع وأكثر من 150 معهداً للدراسة الدينية و600 مدرسة دينية عليا ملحقة بالمساجد للرجال والنساء، فيما تشرف الداعيات الإسلاميات على نحو 30 مدرسة تعليمية لكافة المستويات، بينما يجري التضييق على المنظمات النسائية الديموقراطية ويتعرض عملهن لصعوبات جدية وكذلك على القوى الديموقراطية والتقدمية والعلمانية، حيث تمنع المحاضرات التي لها طابع علماني وتغلق بعض دور النشر لنشرها مواد تتعلق بالخطاب الديني. ويتم التمسك بقانون أحوال شخصية مازال كما صاغه الفقهاء منذ مئات السنين.. في الوقت الذي يتابع فيه الدعاة والسلفيون نشر أفكارهم في أجهزة الإعلام ومنابر الجوامع المتعددة.
فالجدل حول النقاب هو نتاج لشكل من أشكال التحالف الضمني ما بين جماعات إسلامية عدة خصوصاً الحركة السلفية التي تعتقد أن الانطلاق الأول لبناء مجتمع إسلامي هو البدء بالهيمنة على المجال الخاص، وتحديداً على جسد المرأة وتحديد نظام للزي بسمات ومقاسات محددة.
إن تمدد الأصوليات الدينية في كل نواحي الحياة هو مشكلة تنعكس نتائجها على النسيج الاجتماعي للمجتمعات العربية، وتعبر عن الأوضاع السياسية والاجتماعية، وهي أزمات ظاهرة تمتد من السودان إلى اليمن والصومال ولبنان والعراق وفلسطين وعسى ألا تمتد وتتحرك أكثر.
ومن المؤسف ونحن في بداية القرن الحادي والشعرين أن نناقش قضية الحجاب والنقاب، بينما كان السجال في بدايات القرن الماضي حول نزع الحجاب والتوجه نحو العلمانية.
كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. استغرب حقيقة هذا الحقد الدفين على النقاب والحجاب والدعوة الى السفور
    اذا كنت ايتها الكاتبة سافرة فليس لك حق ان تطالبي بان يقلدك بقية النساء
    الدعوة الى السفور في بداية القرن العشرين لو كانت صالحة لاستمرت وعدم استمرارها يعني فشلها
    انبه ان اوروبا والغرب لم يصلوا الى التطور في نوادي الستربتيز ولا لان نساءهم كشفوا رؤوسهم وسيقانهم بل ان جميع علمائئهم نساء ورجالا هم من الذين لا يركضون وراء هذه التفاهات
    اذا كان كشف الرأس هو القيمة المفضلة لديك فلماذا لا تهاجمي الراهبات على مستوى العالم
    هل همت ان غطاء الرأس هو قيمة اخلاقية مرتبطة بكل الاديان
    والتي تكشف رأسها هي متحللة من القيم الاخلاقية التي تطالب بها الاديان
    ولا دمت بخير انت ولا امثالك

    انتم احرار فاتركونا وشأننا
    لماذا هذه الغيرة
    هل انت الا جسدا يلبسه شيطان
    ان المتحجبات فرضوا انفسهم واخلاقهم وعفتهم بكونهم وصلوا الى مراتب علمية عالية تتمنى الساقطات من امثالك ان تصل اليها
    ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لعنوا….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى