زين الشاميصفحات أخرى

الدراما السورية والدين… ما عاد خطاً أحمر

زين الشامي
يسجل للدراما السورية أنها ما زالت تحافظ على موقع متقدم عند جمهور المشاهدين العرب مقارنة بقريناتها العربيات، وبخاصة الدراما المصرية والدراما الخليجية، كما أنه يسجل للدراما السورية اقترابها أكثر من إشكاليات الواقع العربي المعاصر والظروف التي يمر بها الجمهور العربي، رغم أنها تسقط أحياناً في فخ التقريرية والديماغوجية السياسية، مثل ما حصل في الجزء الرابع من مسلسل «باب الحارة» في العام الماضي حين أسقط المسلسل الواقع السياسي في قطاع غزة على أحداث المسلسل بطريقة سمجة ومفتعلة بغية كسب الجمهور، وحين اشتغلت مسلسلات أخرى على الصراع والحرب الاستخباراتية مع إسرائيل مختلقة أحداثاً و«انتصارات» لا نعلم مدى صدقيتها وواقعيتها وتاريخيتها نظراً لغياب الوثائق التي تؤكدها، وغياب الشفافية في الحياة الأمنية والسياسية العربية بشكل عام, وفي ما خص الحرب والصراع الاستخباراتي بين سورية وإسرائيل بشكل خاص، فكل ما تختزنه ذاكرتنا عن ذلك هو «الانتصارات» والاختراقات الإسرائيلية لأمننا العربي بشكل متواصل، ولم نسمع بانتصارات استخباراتية عربية سجلت في مرمى الاستخبارات الإسرائيلية.
هذا العام حققت الدراما السورية خرقاً كبيراً حين تناول أحد المسلسلات ظاهرة التدين الكبيرة والواسعة التي شهدها ومازال يشهدها المجتمع السوري، وهي ظاهرة ليست غريبة ولا طارئة عن المجتمع تاريخياً بقدر ما هي ظاهرة تتسم بالتسييس والتطرف، وهذا أمر جديد وطارئ على المجتمع، ليس في سورية فقط بل في الكثير من الدول العربية التي عانت من مشاكل أمنية خطيرة.
ورغم أنه يسجل أن الدراما السورية سبق ورصدت ذلك عبر مسلسل «الطريق إلى كابل» قبل نحو خمسة أعوام والذي لعب بطولته الفنان عابد فهد، لكن هذا المسلسل تم إيقافه من قبل القنوات التلفزيونية التي كانت تعرضه بسبب كثرة الضغوط عليها من رجال الدين وبعض الجهات المتطرفة التي أرسلت بعض التهديدات لتلك القنوات ولبعض الممثلين ما جعل خيار الاستمرار في عرض المسلسل محفوفاً بالمخاطر. لكن اليوم، وحتى كتابة هذه السطور، مازالت بعض الفضائيات العربية ومنها الفضائية السورية، مستمرة في عرض مسلسل «وما ملكت أيمانكم» للمخرج نجدت اسماعيل أنزور، رغم كل الضغوط والانتقادات التي وجهت للمسلسل من قبل بعض رجال الدين.
الملفت في هذا المسلسل أنه يتناول بدقة وحرص شديدين ظاهرة التدين والمغالاة به لدرجة أنه بات يحكم العلاقات الاجتماعية بين مختلف شرائح المجتمع السوري رغم أنه مجتمع متنوع ومتعدد الطوائف والثقافات، المسلسل لم يغفل أيضاً عن ظواهر أخرى كالفساد والانهيار الأخلاقي لبعض شرائح المجتمع، والفقر، والبطالة، وانعدام فرص العمل، وهي كلها تشكل مجتمعة بيئة خصبة لأفكار التطرف الديني وغير الديني.
لكن ما هو مستغرب في المسلسل هو سماح السلطات السورية بعرضه، لا بل تبنيه من قبل الفضائية السورية وهي قناة رسمية حكومية، في وقت كلنا يعرف حساسية تناول الموضوع الديني في سورية، أو ظاهرة الحجاب والنقاب، وفي وقت كلنا يعرف كيف أن هذه السلطات غضت النظر عن ظاهرة التدين لأعوام طويلة وسمحت للكثير من رجال الدين باستغلال الحيز العام وحقول النشاط الاجتماعي والثقافي لتعبر عن آرائها السياسية والدينية منذ أكثر من سبعة أعوام مضت. المسلسل أيضاً يتزامن مع تشدد السلطات السورية في منع ظاهرة النقاب في الجامعات ومعاهد التعليم العالي، وصدور تعليمات مكتوبة في هذا الصدد وهي المرة الاولى التي تشهد سورية مثل هذا التعامل الواضح مع هذه الظاهرة، حيث جرت العادة أن يتم منع أي شيء عبر تعليمات شفهية أو سرية للغاية يتم تمريرها من قبل أصحاب القرار إلى الجهات التنفيذية في الوزارات والمؤسسات السورية.
قبل كل شيء يجب أن نتذكر أن السلطات السورية سمحت وشجعت التدين ورجال الدين في الفترة التي أعقبت الاحتلال الاميركي للعراق، ووقتها كانت هناك مخاوف كبيرة من المشروع الأميركي في المنطقة الذي وضع النظام السوري كهدف ثان على أجندته بعد إسقاط النظام العراقي، وعليه كان هناك مصلحة كبيرة في «أسلمة الشارع» وتجييشه وتعبئته دينياً ضد ذلك المشروع، أما اليوم، وحسب المؤشرات الأخيرة التي تطرقنا إليها، ونقصد منع النقاب والسماح بعرض مسلسل درامي ينتقد بعض مظاهر الدين، فيبدو أن هذه السلطات قد تخلصت من مخاوفها وباتت على أتم الاستعداد والجهوزية لإعادة ترتيب بيتها الداخلي و«شارعها» الذي ذهب بعيداً في مغالاته وتدينه بما يتناسب و«العلمانية» التي نادى بها «حزب البعث» والدستور السوري لتكون نهجا للدولة.
مشكلة أنظمتنا العربية أنها «تتعلمن» و«تتدين» حسب تغير الطقس ودرجات الحرارة… وتغير الدستور وقت ما تشاء، ولأنها كذلك فاسمحوا لنا ألا نصدق شيئاً تلعب هي دور البطولة فيه.
كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى