صفحات سورية

الديموقراطية الباكستانية تعرّض أميركا لـ”11 أيلول” آخر؟

null
جاكسون ديهل
من السهل أن نتخيّل ابتسامة الحبور على وجه برويز مشرف. فالحاكم الأوتوقراطي لباكستان من تشرين الأول 1999 حتى شباط 2008 لا يزال يقيم في المنزل الواسع المخصّص لقائد الجيش على الرغم من تخلّيه عن المنصب العام الفائت. ولا يزال رئيساً على الرغم من أنه خسر الجزء الأكبر من سلطته لمصلحة حكومة مدنية منتخبة. طوال سنوات، قاوم مشرف الضغوط التي مارستها واشنطن للعودة إلى هذه الديموقراطية، قائلاً إنه الوحيد الذي يستطيع أن يكون شريكاً موثوقاً في الحرب على تنظيم “القاعدة” وحركة “طالبان”.
والآن يمكنه أن يشير إلى نتائج الديموقراطية: ائتلاف برلماني مشاكس تشلّه صراعات سياسية بيزنطية؛ ومحامون وقضاة متمرّدون نظّموا الأسبوع الماضي مسيرة نحو العاصمة؛ وارتفاع شديد في أسعار المواد الغذائية ونقص في الطاقة الكهربائية مما يهدّد بتململ جماعي.
في هذه الأثناء، يمتنع الجيش والقوى الأمنية في باكستان عن التحرّك ضد مواقع “طالبان” و”القاعدة” في الأراضي القبلية على طول الحدود الباكستانية مع أفغانستان. تُستعمَل تلك القواعد لشن هجمات على الجنود الأميركيين في أفغانستان، وتشكّل نقطة الانطلاق الأكثر ترجيحاً لشن هجوم إرهابي جديد على الولايات المتحدة. وقد أظهر تبادل النار على الحدود والذي ساده إرباك الأسبوع الماضي، إذ تسبّبت القوات الأميركية ربما بمقتل جنود باكستانيين، أن البلدين لا يزالان بعيدين جداً عن التعاون الفعال ضد التهديد المتربّص.
قد يقول الجنرال “هل رأيتم؟ هذا ما سبّبته مطالبتكم بالديموقراطية في باكستان”.
السؤال جدي – ولو كان مشرف قد أحجم عن طرحه في العلن. هل عرّض الدفع في اتجاه إحلال الديموقراطية في باكستان، الولايات المتحدة لخطر أكبر بحدوث 11 أيلول آخر؟ هل جعل بلداً مسلماً يعاني أصلاً من الهشاشة ويملك ترسانة نووية، أكثر عرضة لاندلاع ثورة إسلامية أو للانهيار والتحول دولة فاشلة؟
تساعد الحاجة إلى إجابات على تفسير السرعة التي يجول بها حسين حقاني في واشنطن. في 6 حزيران الجاري، قدّم المستشار السابق لرئيسة “حزب الشعب” التي قضت اغتيالاً، بنازير بوتو، أوراق اعتماده سفيراً جديداً لباكستان في واشنطن. وفي غضون ساعات، راح يتنقّل بين وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) والبنتاغون ووزارة الخارجية والكونغرس في محاولة لشراء التسامح – والوقت – لحكومته الضعيفة.
يقول حقاني إن “إرث الماضي هو أن الحكومات الديموقراطية في باكستان مصيرها الفشل”. يتصرّف الجنرالات من دون استشارتها – على غرار ما فعله قادة الفرق العسكرية والاستخبارات الذين يعيّنهم مشرف، فقد وقّعوا هدنة مع زعيم “طالبان” الشهير، بيت الله محسود، ومن ثم سمحوا له أن يعقد مؤتمراً صحافياً وعد فيه بتكثيف الهجمات على الأميركيين في أفغانستان.
تسبّب مشرف بالجزء الأكبر من الاضطرابات السياسية في إسلام أباد عبر رفض الاستقالة من الرئاسة مما أطلق جدلاً حول الخطوة التي يجب القيام بها: هل يجب عزله أو طرده من خلال إعادة العمل بالمحكمة العليا التي أقال أعضاءها العام الماضي، أو دفعه تدريجاً نحو التقاعد؟
يقول حقاني “يستنفد هذا كله الكثير من الطاقة ويحوّل الأنظار عن أمور كثيرة أخرى”. فعلى سبيل المثال، وضعت الحكومة الجديدة خطة من خمس نقاط لمحاربة التطرّف في المناطق القبلية، وتشمل التنمية الاقتصادية والإصلاحات السياسية والمفاوضات مع زعماء القبائل الذين يمكن دفعهم إلى الانقلاب على “طالبان”. وقد علّقت المفاوضات مع محسود وأعلنت أنها لن توافق على أي وقف للنار لا يشمل وضع حد للهجمات في أفغانستان وباكستان، وطرد المقاتلين الأجانب – والمقصود بذلك عناصر “القاعدة”.
يعتبر حقاني أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تستثمر في نجاح حكومة مدنية قد تبدو ضعيفة ومقسّمة الآن، لكن من شأنها في حال تعزيزها أن تحقّق أكثر مما حققه مشرف. قال في زيارة إلى مكاتب “واشنطن بوست”: “من الصعب على الناس التعوّد على الأمر، لكن في النهاية من الأفضل للولايات المتحدة أن تعمل مع ديموقراطية باكستانية وليس مع جنرال واحد”. وتابع “بدلاً من أن يكون هناك شخص واحد يقطع وعوداً لا يفي بها” – هذا هو سجل مشرف باختصار – “يصبح هناك مراكز قوة متعددة تتوصّل إلى توافق ومن ثم تطبّقه”.
يقول السفير إن الإدارة الأميركية تنسجم مع هذا الطرح في بعض النواحي. فهي تحاول تمرير الاتصالات بالجيش والاستخبارات من خلال مدنيين في الحكومة مثلاً، بدلاً من التحدّث مباشرة مع القادة العسكريين. لكن المشكلة هي أنه ما دام يُسمَح لتنظيم “القاعدة” بالحصول على ملاذ في الأراضي الباكستانية، فهو يشكّل تهديداً مستمراً لباكستان والولايات المتحدة.
سألت حقاني إذا كان هو والوزراء الجدد في إسلام أباد قد فكّروا في ما قد يحلّ بباكستان وديموقراطيتها الحديثة العهد في حال نجح تنظيم “القاعدة” في شن هجوم كبير على الولايات المتحدة وتبيّن أن مصدره المناطق القبلية. فأجابني “ما الذي يحرمني النوم برأيك؟ نعمل من أجل الحؤول دون حصول ذلك”. ثم انطلق إلى المحطة التالية
في جولته، كي يلتمس الصبر من جديد.

عن “واشنطن بوست”
ترجمة نسرين ناضر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى