صفحات الناس

السوريون في مواجهة لهيبين !

null
خلال الأسابيع الماضية اكتوى السوريون بلهيبين، الأول لهيب الحر الذي اجتاح المنطقة وأماكن عديدة من العالم، والثاني لهيب الغلاء الذي ازداد تفاقمه في شهر الصوم.
وإذا كان اللهيب الأول راجعا لأسباب طبيعية كما هو مستقر في الأذهان، فقد نبّه البحث العلمي إلى دور العوامل البشرية المضافة إليها، بخاصة في توليد ظاهرة الاحتباس الحراري المعروفة . وهذا الدور إن كان متعاظما في الدول الصناعية المتقدمة، فلاشك أنه يتحدد محليا بالسياسات السورية اللامسؤولة والطويلة الأمد في التعامل مع قضايا الزراعة والمياه والسكان،
الأمر الذي أشار إليه بصورة لافتة مؤخرا الكاتب السوري “ياسين الحاج صالح” *. وهي سياسات أضافت العجز الكهربائي المزمن إلى متلازمي الجفاف والتصحر اللذين لحقا بالبيئة في سورية، فأصبح تفاقم الحر سمة جديدة تطبع تدهور مستوى حياة السوريين ونوعيتها ، بحيث صار من الشائع الحديث عن حياة سورية خليجية حارة بدون ميزات الخليج المعروفة .
أما اللهيب الثاني ، فكان ناتجا عن تصاعد الغلاء، والذي ثبت طويلا فشل النظام السوري في ضبطه، ودوريا مع قدوم شهر رمضان المبارك، بخاصة مع لجوء النظام إلى التخلي عن رقابته التموينية ضمن سياسة تحريرالأسعار وتركها تحت رحمة قانون العرض والطلب. وهي السياسة التي اندرجت في إطار التبني الرسمي لاقتصاد السوق الاجتماعي من قبل المؤتمر القطري الأخير للحزب الحاكم .
لهيبان إذن وقع المواطنون ضحيتهما، وندفع بابا مفتوحا عندما نذكر بدور النظام الحاكم منذ مايقارب النصف قرن في ذلك. لكننا اليوم لسنا بصدد تكرار ذلك الكلام عن المسؤولية في كلها أو بعضها ، فذلك لا يعني سوى تحويل الأمر إلى دروشة صوفية أو تعويذة، لا تفيد بدورها إلا بالتهرب من مسؤولية العمل.
من ثم، أليس جديرا بنا ألاننتظر مسؤولية النظام أوإصلاحاته، التي ترددت كثيرا ولم تأت. بل أن نبادر كأفراد ومؤسسات فنتوجه إلى مجتمعنا السوري، بهيئاته ونخبه وأفراده متسائلين عن أدوارهم في التصدي للمسألتين المركزيتين التاليتين :
أولا: حماية بيئة سورية ومياهها وزراعتها، وكل ما يتعلق بمستوى حياة السوريين ونوعيتها اليوم وغدا.
الثانية : تتعلق بالغلاء والأزمات المعيشية الناتجة عنه، وفي هذا المجال الانطلاق على الأقل من ضرورة أن تكون معادلة اقتصاد السوق الاجتماعي متوازنة . وكي لا يستمرالطرف الاجتماعي أعزل ومستباحا أمام وحش السوق المنفلت، فإن فاعليته لاتتحقق إلا بتمكين مؤسسات المجتمع المدني من الرقابة والنقد وكشف الفساد وممارسة الحرية في الرأي والتعبير . وذلك يطرح علينا جميعا الانغماس علنا في هذه الممارسة وبكل الأساليب الممكنة، بدءا من الدراسة العلمية الموثقة، وصولا إلى الدعاية والنشروالتحريض ضد مكامن الخطأ أينا وجد، ودفاعا عن مستوى المعيشة اللائق للمواطن السوري .
أخيرا، إذا كان هناك من هو قابع في انتظار إصلاح يهبط عليه من السماء، أو من فسحة أرضية ما متوهمة، فمن الحكمة أن لايبقى متعطلا وأن يبادر إلى إصلاحات ممكنة على أرض الواقع، جزئية كانت أو بسيطة لافرق، مادام هناك ثقة بأفق آت ولاريب فيه للتغيير الوطني الديمقراطي، الذي سيلبي حاجة كل السوريين إلى مستقبل أفضل!.
………………………….
*في «السياسة الطبيعية» والمشكلات غير السياسية، الحياة, 22 /8/ 2010
موقع اعلان دمشق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى