صفحات مختارة

كيف ننجح في إرساء الديمقراطية؟

غي هيرميت
Guy Hermet
ترجمة : محمد صدّام
كيف تمّ إرساء الديمقراطية؟ قدّم المفكّرون السياسيون على التوالي ثلاثة أنواع من الرّدود: الأوّل عن طريق الثقافة، والثاني عن طريق العوامل الاقتصادية والاجتماعية. أمّا اليوم، فإنّ احترام حقوق الإنسان وإرساء قيم الليبرالية تبدو حاسمة.
كان هناك شعور دام لمدّة طويلة، بأنّ “الحكم الصالح” حسب الطريقة الأوروبية أو الأمريكية الشمالية يتطلّب استعدادات خاصّة. حوالي عام 1975، أوعز سقوط الدكتاتوريات في جنوب أوروبا أنّ الأسرة الديمقراطية قد وصلت إلى حدودها التي كان يعتقد بأنها غير قابلة للتجاوز. ثمّ في منتصف الثمانينات، أثار تراجع العسكر في أمريكا اللاتينية إلى ثكناتهم – وقد كان أقلّ توقّعا – الاستحسان والتعاطف. فهل بدأت ترتسم يا ترى ملامح عصر جديد تكون فيه الديمقراطية في البلدان الفقيرة منذورة لأن تحلّ محلّ حكومات تسلّطية مدانة، حتى ولو كانت قريبة من خطّ الاستواء؟ إلا أنّ هذا التغيير لم يكن كافيا للطعن في فكرة خاطئة تزعم بأنّ الديمقراطية ليست في متناول الجميع.
لقد كانت الفكرة قديمة. فبتحديده لشروط صارمة تتعلق بترسيخ سلوك ديمقراطي جدير بهذا الاسم، كان أليكسيس دو توكيوفيل (1805-1859) قد أكّد على أهمية الطابع الجمعياتي والمساواتي الذي ميّز الولايات المتحدة في زمانه، دون غيرها. بعد ذلك بفترة قصيرة، لم يفعل الانكليزي جون ستيوارت ميل (1806-1873) سوى التخفيف من هذا الافتراض الحصري بإضافة بلده إلى قائمة الشرف هذه، التي ظلّت أنجلوسكسونية وبروتستانتية. ثم إنّ العقول النيّرة بأوروبا اللاتينية والجرمانية والاسكندينافية – التي كان يكِنّ لها ج.ميل مشاعر الاحتقار- قلّدتهما بعد ذلك واعتبرت بدورها أنّ بلدانها تلبّي المواصفات المؤهِّلة لممارسة الديمقراطية. لم تبق إلا “الشعوب الاستوائية”، حسب رأيهم، وحدها محرومة منها، وهذا السبب بالذات هو الذي فرض الوصاية الاستعمارية عليها بدعوى أنّ الأمم الديمقراطية هي أمم متحضّرة.
الديمقراطية بشروط
هذه الرؤية تمّ التخلّي عنها حوالي سنة 1950 لفائدة تأويل أقل تعجرفا. وبالانتقال من التحيّز الثقافي إلى دراسة العوامل البنيوية، تم إقرار وجود علاقة وثيقة بين التنمية الاقتصادية ولازمتها الاجتماعية وتوافق الاثنين، في نهاية المطاف، مع الديمقراطية. كان بوسع هذا الاتّجاه الذي ينشطه بالخصوص سيمور مارتن Lipset الخبير في العلوم السياسية أن يسمّي نفسه “مدرسة المشروطية الاقتصادية”. ورغم استمرار وفائه للفكرة القائلة بقدر كلّ شعب في التمتّع أو عدم التمتع بنظام مقام على الحرية، إلا أنه كان يعترف، مع ذلك، بأنّ الإثراء المادي للمجتمع بإمكانه أن يخفّف من هذا القدر المحتوم.
وسواء كان ذلك حقيقة أم تزييفا، فإنّ المسلـّمة الجديدة تبقى أن مجموعة سكنية بائسة وضحية فوارق اجتماعية سحيقة، تشعر بالحاجة لضروريات الحياة الملحّة أكثر من الحاجة إلى الديمقراطية. غير أنّ إجحافا جديدا انضاف إلى ذلك: فبارتسام ملامح تنمية مادية حقيقية، تقلب هذه العملية أوضاع محيطها فعلا، إلى درجة إحداث حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي – لمدة معيّنة – لا تفضي إلى تعزيز الديمقراطية. غير أنّ التاريخ يتناقض مع ذلك مع هذا النمط الفكري. فخلال النصف الأوّل من القرن التاسع عشر، كانت دول غرب أوروبا وشمالها موصومة هي أيضا بالفقر والبؤس الشعبي والتباينات الاجتماعية، على غرار ما كانت عليه بلدان العالم الثالث في منتصف القرن الذي تلاه. لكن يبدو مع مرور السنين أن هذا التفاوت وهذا الفقر المدقع لم يقفا حائلا دون ظهور طبقة وسطى، بل شجّعا على بروزها. لقد شكل الاعتدال السياسي لهذه الطبقة ثقلا موازنا على حدّ السواء بالنسبة لمطالبات الأرستقراطيين والوجهاء المستبدة ولنوبات غضب البروليتاريين المدمّرة. والشعوب الأوفر حظّا – أي البلدان الصاعدة اليوم – هي التي أفلتت من “قدر الاستبدادية” بفضل التنمية الاقتصادية المولدة لرخاء مادّيّ استفاد منه الفقراء أقلّ بكثير جدّا من الأغنياء، ولكن أيضا أقلّ بكثير من تلك الطبقة الوسطى الحديثة، المتشبّثة بامتيازاتها الصغيرة الجديدة وغير المحكومة بالدوافع الثورية. وفي الأصل فعلا، ولدت الديمقراطية – ببريطانيا أو فرنسا في المقام الأول – من هذا التوازن الأوّلي بين فقر الجماهير، وتوسّع متواضع لنطاق رخاء بورجوازية صغيرة متكونة في نفس الوقت من سوق للصناعات وفئة سياسية منافسة للوجهاء التقليديين وقاعدة (اجتماعية) لحكومات معتدلة.
من تحولات الدقرطة إلى “توافق بكين”
هذه الرؤية الاهلقراطية لنشر الديمقراطية، الرائجة في المجتمعات القادرة على الانضباط لغاية الإثراء، انهارت مع سقوط جدار برلين في عام 1989. وأدت نهاية الحرب الباردة إلى الاعتقاد – لمدة وجيزة – أنّ عصر الديمقراطية قد فـُتح لجميع الشعوب، دون شروط مادية وثقافية مسبقة. ذلك أنه زيادة عن انقلاب الأوضاع المحرر للشرق انضاف إليه بالفعل انتشار العصيان المدني في أفريقيا. وفي حين كانت أمريكا اللاتينية تأخذ طريق الحرية، بقيت لوحدها آسيا والبلدان الإسلامية غائبة عن هذا الموعد، وما زلنا إلى اليوم نعقد الأمل بالنسبة للصين أو اندونيسيا في أن تلتحق بالهند المتدقرطة منذ عام 1947 أو بالفلبين التي تحررت في عام 1986 من الدكتاتور فرديناند ماركوس، عن طريق احتجاج كبير قام به سكان مانيلا — سلطة الشعب — بوحي من الجميلة والمؤثرة كورازون اكينو.
لم تدم هذه النشوة سوى بضع مواسم، حتى أكّدت المجتمعات الإسلامية تحوّلها إلى الأصولية المعادية للتعددية والتسامح. وفي إفريقيا، لم يحجب التغيير الذي تحقق بجنوب إفريقيا في عام 1994 التلاشي السريع الذي أصاب الديمقراطية في كلّ مكان تقريبا من هذه القارة. وفي الفضاء الشيوعي المنحل – أرجأت كل من روسيا وآسيا السوفيتية سابقا وبعض دول البلقان، إرساء الديمقراطية الحقيقية إلى آجال غير مؤكدة. في غضون تلك الفترة، عزّزت الصين اقتصاد السوق مع الحفاظ على جمودها السياسي. ثم بعد عام 1990، وطبقا لتوصيات البنك الدولي والدول الغربية، فرض “توافق واشنطن” نفسه كمذهب ملزم للسياسات الليبرالية والحكم الـ”شفّاف” في البلدان النامية. وينزع اليوم “توافق بكين” إلى تعويضه كخيار بديل يجسّمه نجاح الصين وقدرة قادتها على تحصين سيطرتهم السياسية ضد التغيير. إجماليا، كان بالإمكان أن ينتج عن ذلك توزيع جديد لقابلية الدقرطة أو لحتمية رفضها حسب ثلاثة خيارات: خيار التحوّل الديمقراطي المنجز بالفعل أو الذي هو بقيد الانجاز، خيار ثان، معروف جيدا للأسف وهو انعدام وجود “الشروط الأولية” الضرورية لدقرطة مستدامة، ثم خيار أخير وهو محدث ويتمثل في الانضمام لأحد النماذج المُنافسة مثل الإسلام السياسي أو “توافق بكين”. غير أن الأمر لم يكن بالضبط على هذه الصورة.
تحدّي حقوق الإنسان والليبرالية البالستية
حقا، إن الفكرة “الغير لائقة سياسيا” لفترة خلت، والقائلة أن جميع المجتمعات ليست مؤهلة للديمقراطية – لأسباب تتعلق بتوجهات ثقافية ودينية متعارضة مع قيم العلمانية والفردية أقل منها لأسباب تتعلق بنقائص اقتصادية – هذه الفكرة عادت لتطغى من جديد. نحن ندرك الآن أنّ الديمقراطية الهندية — وهي الأولى في كوكب الأرض من حيث عدد الناخبين – وجدت سندا ودعما لدى سكان على درجة كبرى من الفقر في أغلبيتهم العظمى. غير أنه وقع الإقرار أيضا وعلى حدّ سواء، بأن الديمقراطية لا تظهر فوائدها إلا في المجتمعات التي لم يعد فيها الأشخاص من الجنسين خاضعين لضغوط طائفتهم – أي أنهم أصبحوا”فردانيين” – والمجتمعات التي لم يعد فيها الدين – المقتصر فقط على شؤون الآخرة – يتدخل في الشؤون الدنيوية. ومن دون تضخيم نطاقه، فإنّ التعارض بين الهند الديمقراطية وباكستان التي تتميز بتعاقب الديكتاتوريات العسكرية والسياسية التي تحكمها وبالتفسيرات السياسية للقرآن، يعطينا برهنة على ذلك.
هذه العودة إلى مذهب الشروط المسبقة للديمقراطية، لم تعد تمثل مع ذلك الأساس، إذ تدخّل عامل غير متوقع في اللعبة. لقد حُرِّفت رؤيتنا بمشهد “النقلات الديمقراطية” التي جرت إبان ثورة القرنفل في البرتغال عام 1974 ومرحلة التفاوض بشأن إنهاء ديكتاتورية الجنرال بينوشيه في الشيلي، عام 1990. ويرمي اختيار كلمة “نقلة” للتأكيد أنّ التغييرات التي يغطـّيها هذا المصطلح جرت دون عنف ودون قطيعة باتة في الأصل، ثمنهما تواطؤ سرِّي بين مندوبين عن كل من شقيْ التسلطية والديمقراطية وقد كانا خصمين بالأمس. المشكلة هي أنه لا يمكن تكرار هذه السابقات في أماكن أخرى، نظرا للتباينات والاختلافات في الخلفيات التاريخية والاجتماعية والثقافية. وعلاوة على ذلك ، ومنذ احتجاز الجنرال بينوشيه في الإقامة الجبرية بانجلترا عام 1998 ، أعادت إيديولوجية حقوق الإنسان المنتصرة النظر جذريا في الطريقة القائمة على تواطؤ الأضداد لإنتاج الديمقراطية عبر عمليات ليست ديمقراطية في شيء.
وبالفعل، كانت الإستراتيجية “المُوصَى بها” للخروج من الديكتاتوريات خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين تتمثل في تفضيل المستقبل وفي توطيد النظم الديمقراطية الجديدة على حساب ماض خال من الديمقراطية وفي معالجة مخلفاته. ويعني هذا بوضوح أن نفضّل نسيان جرائم الحكام المتسلطين لتسهيل المصالحة الوطنية وتجنب إنصاف ضحاياهم أو عائلاتهم. ولكن، فجأة، في خريف عام 1998 في إطار مبادرة من القاضي غارزون تجاه الجنرال بينوشيه، وجدت تلك الوصفة، الموصَى بها بالأمس للقيام بتحولات ديمقراطية دون إثارة ذاكرة مؤلمة، نفسها مرفوضة وسط التنديد بانتهاكات حقوق الإنسان وبدسائس أشباه الديمقراطيين المخزية… نحن لم ننهض بعد من هذه الكبوة. لقد نزعت هيمنة القانون والقضاء الشرعية عن التحولات التي كانت تعتبر إلى ذلك الحين أفضل أمثلة الانتقال إلى الديمقراطية، بدءًا بالمثال الأسباني (أنظر الإطار أدناه). وهي تماشت أيضا مع إعادة توجيه الأولويات المسندة للدول الفقيرة أو الصاعدة، والتي أعطت المكانة الأولى لتنمية اقتصاد السوق ومحاربة الفساد — “الحكم الرشيد” – بدلا عن المطلب الديمقراطي الملح في السابق الذي ارتد إلى مرتبة ثانوية. وفي نهاية المطاف، نتج عن هذا أن المسائل التي تتعلق بشروط تحقيق الديمقراطية والأساليب المتبعة لهذا الغرض أصبحت ليس فقط ملحقات ثانوية، بل عديمة الفائدة. كان يجب أن نتصرف وكأن الدقرطة لا تطرح أية مشكلة. كان ينبغي فقط أن تكون لنا ميزانية، وأجهزة كمبيوتر لتنظيم انتخابات بأيّ ثمن، ثم نعلن إثر ذلك أن المباراة فاز بها (المرشح أو الاتجاه المدعّم من طرف “القوى الديمقراطية” طبعا).
” كونوا ديمقراطيين وإلا قصفتكم!”
كان ينبغي زيادة على ذلك، وحسب زعم بعضهم، فرض الأمور من هذا المنظور التبسيطي، كما حدث في عام 1945 لألمانيا واليابان. ثم دخلنا بعد ذلك، انطلاقا من سنة 2003، عصر الديمقراطية البالستية”. أصالة الرئيس جورج بوش كانت مرموقة على هذا الصعيد وشعاره كان يمكن أن يكون: “كونوا ديمقراطيين وإلا قصفتكم !”. وقبله، لم يكن أحد ليتصوّر أنّ أجهزة الموت يمكن أن تقنع سكانا متخاصمين، ليست لديهم تقاليد في الحرية، بأن يتصالحوا على ضوء الوحي الذي قد يأتيهم فجأة من الديمقراطية. بل يرشح الاعتقاد بأن يكون العكس هو الصحيح. فالتدخل المسلح للاعب أجنبي يبدو قادرا على تأجيج معارضة السكان المتضررين. وهذا ما حدث، إلى درجة لم يعد فيها للأمل الديمقراطي أي فرصة للنهوض من جديد. لم يعد أحد يتجرّأ على التساؤل كيف يمكن لشعوب ليست ديمقراطية أن تصبح يوما ديمقراطية. من أجل طرح السؤال من جديد، ينبغي على سكان الديمقراطيات القديمة الاعتراف بأن طريقة الحكم التي يتباهون بتصديرها بدأت ترثّ في عيونهم بالذات، وأنّ قيمتها الكونية بالخصوص أصبحت محلّ نقاش متزايد في نظر الكثير من الشعوب.
ثلاثة نماذج من التحول الديمقراطي
المكسيك: الفقراء يرفضون الهزيمة في الانتخابات
كشفت الانتخابات الرئاسية المكسيكية لعام 2006 عن تحوّل عميق في موقف الممارسين للتلاعب الانتخابي في أمريكا اللاتينية. كان العُرف السائد في هذه المنطقة أن نتائج الانتخابات تكون مقرّرة سلفا من قِبل طغمة حاكمة أو قوى أجنبية. في المكسيك في المقابل، حيث لم تحظ أيّ انتخابات أخرى سابقة بمثل تلك الشفافية العالية، نصّب المرشح المهزوم موضوعيا- أندريس مانويل لوبيز أوبرادور والمتحصل على دعم “الفقراء” الذي لا يقهر – نفسه منتصرا على فيليب كالديرون الذي وقع انتخابه مع ذلك بصورة قانونية في مكاتب الاقتراع. وبتحريض من بطلهم، لم يتحمّل الفقراء الهزيمة الانتخابية الحاصلة بفارق ضئيل.. فـ”الشعب” يرى أنه ينبغي أن يكون هو الفائز حتى لو كان أقليا. ومثله مثل ذلك التزوير المنظم في أعلى المستويات، فإنّ الازدراء النمطي لصناديق الاقتراع من قِبل الحركيين والمحرضين الثوريين في زمن التضاريس أصبح اليوم ساري المفعول من جديد.
اسبانيا: هل هي النموذج الأمثل للتحوّل الديمقراطي؟
غالبا ما يُطرح الانتقال الديمقراطي بإسبانيا (1975-1978) كنموذج ممتاز للتحوّل السياسي الذي يقع بلا ألم ولا ضغينة. ويأخذ الاهتمام بمستقبل التصالح بين خصوم الأمس الأسبقية على الاهتمام بالعدالة التي يجب توفيرها لضحايا هؤلاء وهؤلاء. وفي واقع الأمر، نجد أن نظام الحرية الجديد لم يقع التفاوض بشأنه إلا قليلا مع المعارضة وتمّ تعييره إلى حدّ كبير من طرف الملك خوان كارلوس وآخر جيل من القادة الشبان لديكتاتورية فرانكو، البعيدين عن كلّ التزام أيديولوجي حقيقي. يرتكز هذا الأفق الجديد للديمقراطية على الاعتقاد بأن الشعور بالمسؤولية تجاه الأجيال المقبلة هو الضامن في المستقبل لنتائج التحوّلات السلمية وهو المجنب للتشنّجات التي تسبّبت طويلا في الماضي في إجهاض الديمقراطيات (الناشئة).
أفغانستان: سبر للآراء “عند الخروج من مكاتب الاقتراع” كبديل للانتخابات
في أفغانستان، وخلال انتخابات كانت مقرّرة في جوان/يونيو 2004 ثم أجّلت عن ذعر إلى تشرين الأول / أكتوبر من نفس السنة، تخلى الفنّيون التابعون للأمم المتحدة المكلّفون بمراقبة الانتخابات – من تلقاء أنفسهم- عن تسجيل الناخبين والناخبات في مختلف المناطق التي يصعب الوصول إليها أو ذات الحساسية الأمنية. وذلك لأنّ الأمر كان أقلّ صعوبة وتعقيدا على هذا النحو. ثم إنّ وكالة مرتبطة بالحزب الجمهوري الأمريكي ومموّلة من طرف USAID (وهي منظمة أمريكية للمساعدة الإنمائية)، أعلنت في يوم الانتخابات، أنّ جولة انتخابية ثانية لن تكون ضرورية، لأنّ الرئيس المباشر حميد قرضاي، تحصّل على 82 ٪ من الأصوات وفقا لاستطلاعات رأي الناخبين عقب “خروجهم من مكاتب الاقتراع” وهي استطلاعات قامت بتحقيقها بنفسها في ظروف غامضة. ممثل الأمم المتحدة وسفير الولايات المتحدة، فضلا عن مراقبين من منظمة الأمن والتعاون الأوروبي (OSCE)، سارعوا بالإعلان عن صلاحية الاقتراع… وبعد هذا، إنّه لمريح باختصار أن نرى راشّ الماء مرشوشا بدوره ومعاملا بنفس المساواة في الوقاحة. فلانتباهها للتجاوزات التي طبعت عملية الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الأميركية خريف عام 2000، أرسلت نفس المنظمة المذكورة (OSCE) مراقبين لانتخابات 2 نوفمبر 2004 الأمريكية. والفرق الملفت مع ذلك هو أنّ أولائك المراقبين – ومن دون إثارة الفضيحة – مُنعوا في كثير من الأحيان من الوصول إلى مراكز الاقتراع في الولايات المتحدة.

غي هارميت Guy Hermet : مدير بحوث بمعهد الدراسات السياسية بباريس ودكتور شرفي بجامعة كومبلوتانس بمدريد. أصدر مؤخرا كتابين: “شتاء الديمقراطية أو النظام الجديد” (2008) و”تصدير الديمقراطية” (2008)

صدر المقال بمجلة “العلوم الإنسانية” عدد 204 – ماي 2009
موقع الآوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى