صفحات العالمغسان المفلح

نحن واليهود والأتراك في تصريحات سارازين

غسان المفلح
أدان زعماء بالحكومة الألمانية مسؤولا تنفيذيا بالبنك المركزي الأحد الماضي للإدلاء بتصريحات معادية للسامية قبل يوم من نشر كتاب له نزل الأسواق في اليوم التالي ينتقد فيه أيضا هجرة الأتراك والعرب إلى ألمانيا. حيث قال وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله ووزير الدفاع كارل تيودور تسو جوتنبرغ إن” تيلو سارازين خرج عن النهج فيما يتعلق بتصريحاته عن اليهود،وكان سارازين قد قال في تصريحات لصحيفة فيلت أم زونتاج “كل اليهود يشتركون في جين خاص، والباسك يشتركون في جين معين، وهذا يفصلهم عن بقية الناس” وذلك قبل نشر كتابه “ألمانيا تلغي نفسها”. ويقول سارازين في كتابه المنتظر نزوله الأسواق إن المسلمين يقوضون المجتمع الألماني ويتزوجون “عرائس مستوردة” ويتسمون بسلوك سيئ وقال إن الشباب المسلم يتسم بالعداء بسبب الإحباط الجنسي. ونفى سارازين أنه يحض على العنصرية، لكنه واجه انتقادات عنيفة لإدلائه بتصريحات تحط من قدر المهاجرين المسلمين، كما أثار ضجة مرارا وتكرارا لانتقاده الأتراك والعرب في ألمانيا. ويعيش ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص من أصل تركي وما يقدر بنحو 280 ألفا من أصول عربية في ألمانيا.
صحيح أن الرجل في كتابه هذا، يريد أن تكون ألمانيا موحدة عرقا ولونا، لهذا اختلط عليه الأمر بين التمييز بين الديانة اليهودية المغلقة، وبين تناوله لليهود جينيا وهذا أمر لا شك في نازيته. أما ما قاله عن الشباب المسلم، وإن كان فيه شيء من الصحة، خاصة في قضية” العرائس المستوردة” لكنه لا يشكل الحالة العامة، ولا يجعلهم مكان نظرة عنصرية، لأنه لم يسأل نفسه السؤال التالي” هل لازال الشاب المسلم قادرا على الزواج من ألمانية، خاصة بعد هذا التصعيد الإعلامي والسياسي الفظيع للإسلاموفوبيا؟ حتى المسيحي العربي يعاني من هذه المسألة! الغريب في الموضوع أن الرجل وزير مالية سابقة في أحد الحكومات الألمانية المحلية، وخبير مالي مهم ما الذي جعله هكذا في مفاجأة غير سارة للأقليات في المجتمع الألماني أن يقوم بهذا الأمر، تأليف كتاب يحمل هذه الأقليات خوفه على نقاء المجتمع الألماني، ولكن طبيعة عمله تجعل المرء يستشعر أنه يحاول ان يبين نتائج وجود هذه الأقليات على الاقتصاد الألماني، وربما ألحق العرب والأتراك باليهود، لأن الأموال اليهودية في المانيا لا تقارن بأموال العرب والاتراك، ودور رجال الأعمال اليهود أيضا أكبر بكثير من دور بقية الأقليات مجتمعة والمتواجدة في ألمانيا. دون أن ننسى استمرار المبالغ الطائلة التي تقدمها الحكومات الألمانية سنويا لإسرائيل من مال دافع الضرائب الألماني، كتعويض عن الهولوكوست.
ما يهمني هنا هو تبيان أن السيد سارازين هو الآن ناطق بثقافة أكثرية الشعب الألماني، ولكن لكون الأقلية اليهودية أكثر تنظيما وقوة ومحمية دوليا، سيجبر هذا الرجل إما على الاعتذار كما فعل قبل فترة وجيزة المخرج العالمي أوليفر ستون، ويتراجع عن كتابه هذا ويسم نفسه إما بالجنون أو بالخفة أو بالجهل. ولكن إن تراجع فلن يتراجع إلا عما قاله في حق الأقلية اليهودية، وربما نقول ربما يتراجع عما قاله بحق الأقلية التركية، أما الأقلية العربية فسيكون وضعها كشعار” الله حاميها” أي لن تجد قوى دولتية تدافع عنها. فالسلطات العربية شامتة بالجاليات العربية لما تتعرض له، وشامتة بالنخب الأوروبية التي قبلت هذه الجاليات، وتجلس متفرجة على معركة تخدم استمرارها فلم تدافع عن جالياتها؟ وكذا الحال بالنسبة لأكثرية فاعلي الجاليات العربية، فهم يستفيدون من وضعهم بالغرب، ويدافعون بنفس الوقت ويبيضون وجه الاستبداد العربي في بلدانهم أمام النخب الغربية، ومنهم أحيانا كمخبرين رخيصين للنظم المخابراتية العربية.
ومن جهة أخرى لا بد ان يتفاجأ بعض فاعلي الجاليات اليهودية في أوروبا عموما والمانيا خصوصا بذلك، لأنهم كانوا ولازالوا يساهمون في الحملة ضد العرب والمسلمين. وهذه المساهمة ليس لأن كل هذه الفعاليات اليهودية عنصرية، بل لأن الوضع السياسي الدولي عموما، ووضع إسرائيل خصوصا يحتاج، إلى قضية كبيرة دوما تشغل بال الرأي العام الأوروبي، ولا تتعارض مع مصالح كثير من نخبه المالية والسياسية والثقافية. ولم يجدوا أكثر من قضية الإسلام فوبيا مادة، أو العرب فوبيا دون تمييز بين أديانهم، كما كان عليه الحال أيام الحرب الباردة والشيوعية فوبيا.
****
هذه القضية المثارة الآن توضح قضية طالما تم الحديث عنها مرارا وتكرارا، بدء من ماركس وهي ما يعرف” بالمسألة اليهودية” هذه المسألة التي أنتجت المأساة الفلسطينية وساهمت في هذا الخراب الشرق أوسطي. لهذا لا تسمح كثير من نخب اوروبا مطلقا مهما كانت النتائج، أن يُفكر بحل للمسألة اليهودية دون أن يكون على حساب الفلسطينيين.
نعم نحن بنظر كثير من النخب الاوروبية” يهود وعرب واتراك” ولكن الفارق بيننا وبين اليهود وحتى الاتراك، أنهم أقوياء، لهذا تتمسح كثير من النخب الأوروبية، وخاصة أيام الانتخابات في دولها، تتسمح بأكمام الفعاليات اليهودية المالكة للمال من أجل دعمها ماليا لتنجح في الانتخابات، هذه ليست شتيمة وإنما واقع حال قسما من السياسة في بعض دول أوروبا كفرنسا والمانيا..فكيف يمكن لهذه النخب التي تنجح بالمال اليهودي أن تنصف الفلسطينيين؟ صحيح أن الفلسطينيين لم ينصفوا أنفسهم ولازالت أمراضهم سلطوية وحمساوية وإقليمية عربية وإيرانية كما هي، ولكن أيضا الطرف الآخر الأوروبي هكذا يعمل.
فشكرا للخبير المالي الألماني لأنه وضع العرب في نفس المرتبة مع اليهود والأتراك!
في النهاية نتمنى أن نطلع على هذا الكتاب قريبا، لنعرف أكثر كيف يفكر ألماني أصيل!
ملاحظة – في اثناء كتابتي للمقال قرات مادة للكاتب العراقي المقيم في ألمانيا علي عجيل منهل، يؤكد فيها أن مؤلف الكتاب قد اعتذر..ولكن الكتاب قد نشر كما هو…
ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى