اسرائيلصفحات العالمقضية فلسطين

المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية: قراءة في مواقف الأطراف المشاركة

محمد مشموشي *
لا جدال في أن لا أمل كبيراً في المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية المباشرة، بدءاً من 2 أيلول (سبتمبر) في واشنطن، حول الوضع النهائي للأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنه لا جدال في الوقت ذاته في أن لا بد من هذه المفاوضات لسبب بسيط، هو أن لا بديل لها في الحال الفلسطينية أو العربية الراهنة، أو أقله، كما قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، «لن نخسر شيئاً اذا فشلت»، بعد الخسائر التي لحقت بالقضية والشعب الفلسطينيين خلال العقود الماضية.
أكثر من ذلك، فإذا كان معيار النجاح والفشل هو ذلك الكم من الاتفاقات والبرامج وخرائط الطرق والبروتوكولات التي وضعت في الأعوام العشرين الماضية، منذ اتفاق أوسلو عام 1993، أو الوضع الحالي لإسرائيل بقيادة حكومة بنيامين نتانياهو الائتلافية بين تكتل «ليكود» وأقصى اليمينين الديني والعنصري، أو حتى الحال الراهنة لإدارة باراك أوباما التي ترعى العملية وهي تتعرض لضغوط كبيرة، اقتصادية ومحافظة ويهودية في الداخل، وعسكرية في العراق وأفغانستان وإزاء كوريا الشمالية وإيران، إذاً تأخذ صورة المفاوضات أكثر أشكالها سوءاً.
أما اذا كانت النظــرة أكثر شمولاً، وتأخذ في اعتبارها طمــوحات «الدولة العــظمى» في الــعالم (أقله كما تحدث عنــها أوباما قبــل وبعد انتخابه)، فيمكن إذاً، توقع مـسار آخر مختــلف لهذه المفاوضات وربما لنتائجها.
وما تحاوله السطور الآتية هو النظر من هذه الزاوية الأخيرة، وليس الى الإدارة الأميركية راعية هذه الجولة من المفاوضات وصاحبة الدعوة اليها، بل أيضاً الى موقف اسرائيل التي تعاني نوعاً غير مسبوق من العزلة الدولية نتيجة سياساتها الرعناء في الأراضي المحتلة وفي العالم، وكذلك الى موقف السلطة الفلسطينية، ومن ورائها الدول العربية وبعض دول أوروبا وروسيا والصين وغيرها من دول العالم.
عن الموقف الأميركي: تكرر إدارة أوباما، منذ بدء وقبل ولايتها بعامين، أن حدود الرابع من حزيران/يونيو عام 1967 هي حدود الدولة الفلسطينية المقترحة ضمن «حل الدولتين» الذي تلتزمه جنباً الى جنب مع اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسيا والأمم المتحدة)، وأن الاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية «غير شرعي وغير قانوني».
هذا الموقف، وان لم يمكن تجسيده واقعاً على الأرض نتيجة عدم الضغط بصورة جدية على حكومة نتانياهو، فاستمر الاستيطان وحديث اسرائيل عن «القدس الموحدة عاصمة أبدية» لها، من شأنه أن يشكل ورقة قوية في يد الفريق الفلسطيني الى المفاوضات إذا أحسن هذا الفريق استخدامها. وبينما تحرك اسرائيل أدواتها الضاغطة، في الكونغرس وعالمي المال والإعلام، ضد هذه السياسة الأميركية – وضد أوباما شخصياً، بوصفه مرة بأنه «مسلم» ومرة أخرى بأنه «معادٍ للسامية»، وإجراء استفتاءات شعبية حولهما – تصبح إجادة استخدام هذه الورقة واجباً فلسطينياً وحتى عربياً في هذه الفترة.
بل وأكثر، فإدارة باراك أوباما، في موقفها هذا، ليست وحيدة ولا ضعيفة في مواجهة أدوات الضغط الإسرائيلية، لا في الداخل الأميركي ولا في العالم الغربي المؤيد عادة لإسرائيل، في ضوء الأخطاء القاتلة، سياسياً وإنسانياً، التي ارتكتبها اسرائيل في الفترة الماضية، وأدت الى تبدلات عميقة في الرأي العام فيهما.
يضاف الى ذلك، كما قالت أكثر من صحيفة اسرائيلية في الأسابيع الماضية، أن «اتفاقاً» ما قد تم بين أوباما ونتانياهو، في قمتهما الأخيرة في واشنطن، حول «معالجة مشتركة» لملف ايران النووي (الهم الأول لإسرائيل، وتالياً لأميركا)، وأن جزءاً من «الاتفاق» يتعلق بعقد مفاوضات جدية و «ناجحة، خلال عام على الأكثر» بين الإسرائيليين والفلسطينيين تحت العنوان الذي وضعته واشنطن واللجنة الرباعية، ووافقت عليه حكومة اسرائيل يومها: قيام دولتين لشعبين تعيشان جنباً الى جنب بأمن وسلام.
وعملياً، فعندما تحدثت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وهي تعلن الدعوة الى اجراء المفاوضات في 2 أيلول/سبتمبر، عن «إنجاز خلال عام»، تكون قد أكدت في شكل أو في آخر ما ذهبت اليه الصحف الإسرائيلية بعد قمة واشنطن تلك.
لكن شبكة العلاقات، والتعقيدات، الأميركية – الإسرائيلية ليست بالسهولة التي يمكن المراهنة عليها، وتالياً فإدارة أوباما ليست طليقة اليدين، وقد لا تكون هي نفسها تريد أن تكون كذلك بينما الانتخابات النصفية الأميركية على الأبواب، والحملة على أوباما شخصياً على أشدها، الا أن الفرصة مؤاتية للمفاوض الفلسطيني – ومن خلفه العامل العربي – للعب دور يمكن أن يحقق ما لم يمكن تحقيقه في جولات التفاوض السابقة.
عن الموقف الإسرائيلي: لا جدال في أن حكومة نتانياهو فقدت، في الفترة الأخيرة، الكثير من عناصر قوتها السياسية في مواجهة العالم من ناحية، والمفاوض الفلسطيني من ناحية ثانية. لعل عنصر القوة الوحيد الباقي لها هو الضعف الفلسطيني الداخلي لجهة الانقسام بين رام الله وغزة، فضلاً عن إطلاق الصواريخ على مستوطناتها بين حين وآخر. وعملياً، كانت حربها على غزة، ثم تقرير لجنة غولدستاين في شأنها، وحربها الأخرى على قافلة الحرية التركية، بما فيها تدهور العلاقات بينها وبين اسطنبول ثم تشكيل لجنة تحقيق دولية حولها، وعملية تزوير جوازات سفر أوروبية وأميركية وأوسترالية في اغتيال القيادي في حركة «حماس» محمود المبحوح، الذروة التي أوصلتها الى ما هي عليه الآن من عزلة كبيرة في العالم… حتى مع أصدقائها التاريخيين فيه.
هؤلاء يرددون حالياً، وان بأسلوب ولغة مختلفين، ما أعلنه قائد المنطقة الوسطى الأميركية السابق بترايوس، عن حاجة الغرب الى انقاذ اسرائيل من نفسها فضلاً عن انقاذ الغرب من سياساتها التي تقف على النقيض من سياساته. وفي اسرائيل نفسها في هذه الفترة، من يردد الكلام ذاته: «اسرائيل ستكون الخاسر الأكبر في ما لو فشلت مفاوضات واشنطن، نتيجة تعنت حكومة نتانياهو هذه المرة»، كتب المدير العام السابق لوزارة الخارجية الاسرائيلية ألون لييل في صحيفة «هآرتس» قبل يومين،
ستلجأ اسرائيل، كما قال نتانياهو، الى محاولة استئناف البناء في المستوطنات بعد انتهاء فترة التجميد في 26 أيلول، والى الدعوة لاعتراف الفلسطينيين رسمياً بيهودية الدولة، والى رفض حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين، والى المماطلة والتسويف كالعادة في مسألة الحدود النهائية بين الدولتين، الا أن حدود مناوراتها كما يبدو واضحاً باتت ضيقة، وربما ضيقة جداً، هذه المرة. في دولة قامت أصلاً على الاستيطان وتشريد السكان، ثم على الفصل العنصري وانتهاك حقوق الانسان، ثم على التوسع والعدوان، ثم على الانتهاك الدائم للشرعية الدولية ومواثيقها وقراراتها، ليس أمر الوصول الى تسوية (أي تسوية) بالسهولة التي قد يتصورها البعض، حتى لو كانت حكومتها ممن يطلق عليهم وصف «الحمائم» أو حتى من «أنصار السلام» الذين اختفوا من الحياة السياسية في اسرائيل.
لكن الصورة العامة، كما تشي معالمها الآن، لم تعد بالقدر ذاته من الاستحالة، أو أقله لم تعد كما كانت خلال المراحل الماضية.
عن الموقف الفلسطيني: من نافل القول ان المفاوض الفلسطيني، على وهنه الحالي، يستطيع أن يبني على ما سبق دولياً واسرائيلياً، وأن ينتزع بالتالي بعض ما لم يقدر على انتزاعه من حقوق في خلال جولات التفاوض السابقة.
* كاتب وصحافي لبناني
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى