اسرائيلصفحات العالمقضية فلسطين

ابتذال المفاوضات

حسام عيتاني
لا يباشر المتفاوضون في واشنطن عملهم بعد اكتشاف فرص جديدة تتيح لهم التقدم نحو السلام وطي صفحات الصراع. انهم يلتقون لسبب معاكس، هو انعدام قدرتهم على تحقيق السلام ويأسهم من حصول اختراق يفتح أفق الحل.
وما جمع بنيامين نتانياهو ومحمود عباس هو انقلاب التفاوض نمطاً للعلاقات بين جانبين يعجز كل منهما عن فرض حقائقه على الآخر، على رغم الاختلال الشهير والشديد في ميزان القوى. وما من شيء في المقدمات التي قادت إلى اللقاء في البيت الأبيض، ولا في الإخفاقات المتتالية للمفاوضات غير المباشرة وللجهود الأميركية والدولية، يبرر الدعوة إلى المفاوضات المباشرة غير تصورات الولايات المتحدة وإدارتها الحالية عن ضرورات تحسين صورتها في المنطقة بعد الكارثة التي أصابتها في العراق.
بيد أن الساذج وحده (أو ربما من يفوقه «براءة» وجهلاً) من يعتقد أن فشلاً مدوياً في العراق هو التمهيد اللازم للنجاح في فلسطين. وللأميركيين أن يقيموا جسور التفسير بين الهزيمة في بغداد والدعوة إلى المفاوضات في واشنطن بعد التخلي عن الوعود البراقة التي قطعت في جامعة القاهرة قبل عام ونيف. وتوفير الغطاء العربي الرسمي للمفاوضات، سواء عبر تأييد لجنة المتابعة في الجامعة العربية استئناف المفاوضات المباشرة أو حضور الرئيس المصري والملك الأردني للحفل الخطابي الافتتاحي، لا يعني الكثير في مجال تأمين نجاح الحوار الفلسطيني- الإسرائيلي. وبين الطرفين من الخلافات ما يعصى على العدد. وليست الموافقة الفلسطينية على المفاوضات المباشرة بعد طول ممانعة، سوى خدمة غير مستحقة تسديها السلطة إلى إدارة باراك أوباما.
القدس واللاجئون والحدود، من الأمور التي لن يقدم نتانياهو فيها شيئاً غير مواقفه المعروفة التي ترقى إلى مستوى الشروط المسبقة التي يردد انه يجلس إلى مائدة المفاوضات خلواً من أي منها. والمستوطنات لن تحضر سوى ضمن انهاء تجميد البناء فيها أو استئنافه في السادس والعشرين من الشهر الحالي، والأماكن التي «يجوز» البناء فيها وتلك التي يتعين الحفاظ فيها على التجميد. مع العلم أن المستوطنين في الضفة عادوا الى البناء بذريعة الهجومين اللذين شنّهما عناصر «حماس». وواحد من مكونات المدرسة الإسرائيلية في التفاوض هو تهديد الآخرين بانهيار للحكومة المفاوضة ومجيء «المتطرفين» (وكل حكومة جديدة في اسرائيل هي «الأشد تطرفاً في تاريخها»).
بكلمات أخرى، لن «تنزلق بعيداً» فرصة السلام، بحسب تحذير أوباما، لأنها – ببساطة – غير موجودة. واقتراحات التجميد الجزئي للاستيطان ليست أكثر من بهلوانيات لفظية لا طائل تحتها. بيد أن المشكلة هي أن الطرف الآخر، الفلسطيني والعربي، لا يملك حداً أدنى من التماسك التفاوضي والسياسي وليس في وارد توظيف أي نشاط ميداني، سواء من الصنف الذي يقوم به الناشطون المدنيون ضد جدار الفصل أو العمليات المسلحة التي تنفذها فصائل المعارضة الفلسطينية، في آلية التفاوض واكتساب الوزن.
هو، إذاً، ابتذال المفاوضات أو سخفها، بحسب التعبير الذي استخدمته حنة آرندت في كتابها «آيخمان في القدس: تقرير حول سُخف الشر». وإذا كان الشر النازي – الشمولي عند آرندت ينفذه أناس عاديون لا يتميزون عن غيرهم بأمراض نفسية أو رغبات شريرة، فينتجون فظائع الأنظمة الشمولية في سياق عملهم العادي واليومي، فإن المفاوضات على ابتذالها وسخفها، لن تنتج سوى تطبيع العنف والاستيطان والاحتلال، أو تأبيد سمات عبثية تلاحق شعوبنا كالقدر.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى