صفحات الشعر

مختارات لبيدرو ليثكانو

null
الحقيبة

(مدريد 1920- جزر الكناري 2002)

ها هي الحقيبة جاهزة
حقيبة كبيرة، من الخشب؛
حملها جدي معه إلى هافانا،
وحملها أبي إلى فنزويلا.
ها هي جاهزة: أربع صور فوتوغرافية،
طاسة بيضاء، طبق، كتاب لـ جالدوس،
وقميص جديد تقريبا.
ها هي مقفلة ويحيطها
خيط من البيتيرا.

لقد نفعت في كل شيء:
كمقعد سفر على سطح سفينة.
وكمائدة، وإذا ما أردتم الدقة
فكتابوت عليهم دفني داخله.

لا أعرف أين أمدّ جذوري
كنت قد مددتها في القرية.
تركت المحراث والسكين الكبير،
قراريط أمي الأربعة…
قالوا لي إن الفندقة جيدة
وأخذت الصينية
نعم سيدي، لا سيدي
تحت أمرك
المائدة جاهزة…
كي أحيا بين أهلي يمكنني
أن أفعل أي شيء.

رأيت نساء الشمال الشاحبات
يستشطن غضبا كمحرقة
بوجوههن التي تشبه أطباق السمك بالمرق
إلى درجة أنهن لا يتركن
حمرة عند الخجل…

رأيت سواحلنا تباع في صفقات
ليس هناك من لا يفهم فيها
كان ألماني بييع وكان أسوجي يشتري
وكانت أرضي ما يبيعه
لكن لا يهم، بقيت مغروسا
هنا ولدت، ومن هنا لن يطردني أحد
(حتى عرفت الأمر منذ أيام
ومن جديد أعددت الحقيبة)

عرفت أنه قريبا سيأتي من الخارج خبراء
كي يحيطوا الأفق بأسلاك شائكة
كي يكبلوا الرمال
كي يقيموا أعشاش موت في عمائرنا
كي يسمموا الأرض والبحر
كي يستبدلوا غيتاراتنا بالطبول
بالخطب رقصنا وغناءنا
بالإنذارات النهائية كلمات الحب
بالقبور ترعاً.

لو أقام خبراء الكراهية
فوق منحدرات جبالنا،
فإن الأطفال الأفارقة،
المؤرقين تحت مشمع خيماتهم،
سينظرون برعب الى الجزر السبع
ليس كنجمات سبع
بل كأوبئة سبعة
كجماجم سبع
من حيث ينوون موتنا وموتهم
الى الأبد.

أنا، من جانبي
سآخذ الحقيبة
الحقيبة التي حملتها الرحلة
إلى الأميركتين
في قارب بمقدمتين
يا لشجاعة قوارب الصيد هذه!
لديها مقدمتان في كل جانب
كي لا ترجع القهقرى أبدا
تذهب حيث تذهب
فدائما ما تتقدم.
من ذكر المؤخرة؟
إلى الأمام وبأقصى سرعة!
أما أنا فسوف أذهب، متقهقرا
سوف أترك لكل الأعشاب الضارة
أن تنمو فوق هذه الأرض
سوف أولي ظهري للغريب
الذي سيأتي بآلاته الحربية
ليوسخ بالصدأ الفجر
وبالخوف النفوس.

بعد إمعان التفكير
سوف أخرج من الحقيبة
الكتاب والطاسة والقميص والطبق
وسوف أقوم بدهن خشبها البالي وتلميعه
سوف أنزع عنها الخيط
وأضع لها قفلا جديدا
وبالحقيبة فارغة سأذهب إلى إيسليتا
وسأهديها إلى أول أجنبي من رسل الموت
تطأ قدماه الأرض
ستكون له نهائيا
وليستعملها ولا يرجعها قط
لا أريد حقائب أكثر
في تارخ هذا الشقاء الجزيري.
هم هم
ليأخذوا الحقيبة
غزاة كناريا الآمنة
ليأخذوا الحقيبة
الذين يبيعون أراضي غيرهم
ليأخذوا الحقيبة
أولئك الذين يبثون الموت فيما هو آت
ليأخذوا الحقيبة
ليأخذوا الحقيبة
ليأخذوا الحقيبة إلى الأبد.

اليوم الدراسي الأول

لم أتخيل قط رؤية اسمي مطبوعا
على صفيحة معدنية
ما لم تكن في البيت الأخير
حيث كنا جميعا نرى بعضنا.

لكن أن يكون فوق ينبوع الحياة هذا،
المشتل الإنساني لمدرسة،
فإنني لم أحلم بذلك قط
ولا حتى في أكثر أحلامي جنونا.

اليوم لا أريد أن ألبس تكريمي
الملابس الرسمية.
إن أي تواضع سيكون الآن غطرسة.
أريد أن أمضي اللحظات الحرجة مبتسما.

أرى الأطفال يمرون والأعوام تمر
متعاقبين في الزمن.
سيكون لحي خينامر حدائق عامة،
مياه وكهرباء ومحال نظيفة.
سيهبط الأطفال كسيول صاخبين
ومتقافزين وضاحكين.
وعند مروري من أمام واجهة المدرسة الجميلة
سينظرون إليَّ ببعض النفور
رافعا هذه اللافتة
رمز الدراسة التي تبدأ واللعب الذي ينتهي.

طفل فضولي سيسأل المعلم
ما إذا كان الاسم الذي يظهر على المبني
هو اسم المالك
وسيجيب المعلم: إنه لرجل كان يكتب أشعارا.

وتمضي أعوام أخرى وأطفال آخرون
وواحد منهم، مستاء من انتهاء العطلة،
بعينين مضببتين من النعاس
وبرمية حجر محكمة
سيسقط لقبي العائلي.

وسيتبقى فقط: مدرسة بيدرو.
من تراه يكون دون بيدرو هذا؟
والمعلم يحك رأسه بأظفاره
ويجيب مضطربا:
كنت أعرف ذلك من قبل
لكنني لا أتذكر الآن.

والمعلم يستشير لاحقا مدير المدرسة
ويتفقان على تكلمة اللافتة واضعين:
بيدرو كريسبو
أو أي اسم آخر يمكن أن يثير في الصبية
الاحترام الواجب.

ترجمة أحمد يماني

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى