صفحات سورية

كارثية النظام لن تقتصر على الشعب السوري فقط

null
عبدالرحمن جليلاتي
إن حقيقة ضعف المعارضة السورية لا يعكس بالضرورة قوة النظام الحاكم أبداً فالحقيقة أن كلا الطرفين ضعيف جداً أمام التحديات الحقيقية التي تواجه البلد عموماً،
فواقع سوريا اليوم للأسف واقع طائفي لجهة أن جميع مفاصل الدولة بيد الطائفة وخصوصاً الدفاع والداخلية والحرس الجمهوري وقادة المخابرات والفروع الأمنية التي تحكم سوريا فعلياً، ومن جهة أخرى الأغلبية السنية التي عانت من التهميش على مدى عقود و بدأت تدرك مؤخراً أن الأمن النسبي الذي يتمتع به الداخل السوري وإبداء حسن النية لم يجرا عليها إلا خيبة الأمل بمسائل شديدة الحساسية تخص الطائفة السنية وحدها دون غيرها من مكونات الشعب السوري، ويتزامن ذلك مع إنقراض الطبقة الوسطى والأزمات الاقتصادية والزراعية والمائية وفساد القضاء الذي عليه المعول بالإصلاح والفساد المستشري بكافة الدوائر الحكومية كل ذلك لا يمكن أن يستمر فدوام الحال من المحال وهو ما يدركه سدنة الحكم فتراهم يحاولون عبثاً قدر المستطاع تجميل النظام من جهة وإحكام القبضة الأمنية من جهة أخرى للحفاظ على مستوى الأمن الحالي وبنفس الوقت يجمعون أكبر قدر من المكاسب التي تعيلهم وأسرهم خارج سوريا عند تقاعدهم أو انتهاء دورهم ، كما أن الجميع في داخل سوريا أيقنوا أن لا معول على الرئيس بشار بالإصلاح لأنه أخذ كل الفرص المتاحة بعد مضي أكثر من عشر سنوات على سدة الحكم وحديثه عن الفساد بات نكتة سمجة يتندر بها السوريون بعد أن زج بالمدافعين عن القضاء والمطالبين بإصلاحه في غياهب السجون والبديهي أن لا محاربة للفساد دون إصلاح السلك القضائي وحياديته عن جميع السلطات.
أما بالنسبة للمعارضة السورية فحالها يختلف عن كل المعارضات السياسية على مستوى العالم أجمع فهي تواجه نظاماً قدم ويقدم لكل الطامعين بالأمة العربية ما لا تستطيع أن تقدمه أي معارضة ، فكل تحالف لهذا النظام من أجل الخروج من أزمات زج نفسه بها يتم دفع فاتورته من الشعب الذي ضاق ذرعاً بتصرفات النظام ، فالأرض السورية متاحة للإيرانيين من شرقها إلى غربها يمارسون فيها ما يشاؤون دون اعتراض ويتم تمليكهم بل وتجنيسهم أيضاً لقلب ديموغرافية الشعب ، والانفتاح على تركيا ضمن لها لواء الاسكندرون وصمت سوريا عن المطالبة بحقوقها المائية وفتح الأسواق السورية على الصناعة التركية التي لا تستطيع الصناعة السورية المنهكة على مدى عقود بقرارات ارتجالية وكيدية أحياناً منافسة نظيرتها التركية التي تحظى بكل الدعم من حكومتها ، وعلى الجانب الإسرائيلي فلا أحد في المعارضة يستطيع مستقبلاً الدخول بحالة اللاسلم واللاحرب القائمة حالياً بين نظام الأسد وإسرائيل منذ ما يقارب الأربعين عاماً لم نستطع خلالها ليس استعادة الأرض فحسب بل حماية أراضينا من هجمات إسرائيل رغم كل ما يقتطع من الميزانية السورية بدعوى تسليح الجيش استعداداً لحرب التحرير التي لن تأتي ، والإسرائيليون مطمئنون إلى حالة الضعف القائمة حالياً ومن الواقع على الأرض فهم يستغلون الموارد بكل ما لهذه الكلمة من معنى .
أما على صعيد المجتمع الدولي فالكل مرتبط بمصالحه والتي يقدم فيها النظام أقصى ما يمكن أن يقدم من خدمات ولعل تعاون شركة شل الأمريكية في قطاع النفط أكبر دليل على ذلك والتعاون الأمني رغم كل ما يقال فهو مرضٍ بالنسبة للغرب عموماً الذي لا يسعى في الوقت الراهن إلى دخول المنطقة في انفلات أمني جديد خصوصاً بعد تصريحات الأسد في هذا الصدد أكثر من مرة ، فلا يمكن أن يكون هناك واقع أمني كالموجود في العراق مثلاً في سوريا لأن سوريا تحد إسرائيل والتي لن تسمح بدورها إطلاقاً بمثل هذا الانفلات من باب الحفاظ على أمنها القومي من جهة ومن جهة أخرى تخسر تفوقها الديموقراطي في المنطقة فإسرائيل تدرك جيداً أن لسوريا قبل البعث ماض ديموقراطي عريق لو استطعنا العودة له لفقدت حجتها التي تدعيها عند الغرب وهي “واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط” ، فمن هذا الواقع يبقى التعويل على دور للغرب بملف حقوق الإنسان في سوريا ضرباً من الخيال ، وكل حديث عن دعم للمعارضة السورية بعد ذلك هو حديث لا أساس له من الصحة لأن أي دعم عادة يكون ذا شقين إما لمصلحة مستقبلية أي بعد تولي السلطة وهو أمر غير مغرٍ لأن النظام لا يعارض أبداً أي مصلحة لأي أحد فتراه يعرض أربعين بالمئة من مساحة سوريا للتنقيب عن النفط للجميع دون أي تحفظات على أحد ، والشق الثاني هو دعم الديمقراطيات الناشئة وهو ما لا يستوي في معارضة كالمعارضة السورية الغالبية العظمى منها بين يمين إسلامي ويسار شيوعي !!
وهنا لا يجب أن ننسى الصمت العربي على ما يحدث في سوريا بحجة عدم التدخل بالشأن الداخلي بين الدول الشقيقة و عدم الدخول بمهاترات مع نظام أرعن سبق أن تورط في غير مرة مع دول شقيقة انتقاماً منها لأنها آوت الفارين من سيفه الذي يقطر من دماء السوريين ورفضت تسليمهم ، وأيضاً عدم تورعه عن اللعب على الشق الطائفي البالغ الحساسية عند بعض الدول العربية في حال ثبت تورط هذه الدول في دعم معارضيه .
مأساوية هذه الحقيقة تدفع الأكثرية داخل سوريا إلى مزيد من الإحساس بأن الجميع قد تخلى عنها منذ أن تم الصمت على الجرائم البشعة التي ارتكبت في سوريا وهذا الإحساس بلغ أشده مؤخراً وهو ما يدفع الناس إلى التمسك أكثر بخصوصيتها والتمسك أكثر بتفاصيل هذه الخصوصية ثم الوقوع في التشدد وهو النتيجة الحتمية لواقع الحال في سوريا ، وللأسف فإن النظام وهو المسؤول عما آلت إليه الأمور بدأ يروج بكل وضوح أنه خط الدفاع الأول ضد الأصولية وهو المدافع عن علمانية الدولة!!!! ( علماً أن كلمة علمانية لم تذكر أبداً في الدستور السوري بل على العكس ذكر أن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام وهو المصدر الأساسي للتشريع، كما يؤخذ به بالمعاملات المدنية والأحوال الشخصية )، وهنا تجدر الإشارة إلى أن محاولة أي نظام تغيير أديولوجية شعب هو أمر عبثي مستحيل فقد أثبتت التجارب الغير بعيدة عنا أن فور سقوط الإتحاد السوفييتي عاد الشعب لممارسة طقوسه الدينية وبناء دور العبادة وإرسال المسلمين أبنائهم إلى الدول الإسلامية لكي يعوضوا ما فاتهم من خير وكأنهم ظمأى لكل ما يتعلق بهذا الدين رغم ممارسة الشيوعية أبشع صور الغسيل الفكري عليهم لمدة تسعين عاماً.
هذا هو واقع الأمر الذي على الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي أولاً وإسرائيل ثانياً والعرب ثالثاً أن يدركوه وهو أن الشعب السوري ذو أغلبية سنية متمسكة بخصوصيتها وشعائرها وهي معتدلة أثبت التاريخ أنها تعايشت مع كل الطوائف الموجودة في سوريا على مدى قرون لم يحصل خلالها أي صدام طائفي أبداً ، وعليه فإن ما يروج له النظام الطائفي الحاكم حالياً هو محض افتراء وتزوير للحقائق ما يثبت أنه متأزم خائف ضعيف ، ومع استمرار هذا النظام إغلاق أبواب الحوار أمام الشعب وفرض حالة الطوارئ منذ ما يقارب الخمسين عاماً (لم ترفع إلا يومين عند تعديل الدستور للأسد الابن ) وإنكار حق المواطنين بالعيش الكريم دون المس بكرامتهم وانتفاء تقديم اي مساعدة حقيقية للشعب المعتقل داخل أسوار الوطن لم يبق أمام شبابنا الكثير من الحلول وهو ما يجعلهم عرضة لكل الأخطار التي لن تكون نتيجتها حكراً على الشعب السوري فقط بل على الجميع.
وأخيراً لم يبق عند إخواننا في الدول العربية الكثير من الوقت قبل أن يدركوا حجم انحياز نظام بشار وارتباطه بإيران وهو ما سيظهر قريباً للشقيقة السعودية التي ستدرك أن رهانها كان خاسراً وأن مصالح النظام الخاصة أهم عند بشار من مصالح الأمة العربية جميعها وعلينا أيضاً بالمعارضة أن نثمن دور مصر الحالي المدرك للخطر الذي يهدد أمننا القومي العربي .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. للأسف الشديد ياأخ عبدالرحمن جليلاتي أنك تستنجد بالسعودية ومصر لمساعدة المعارضة السورية ضد بشار الأسد – أنت مخطئ خطأ جسيماً بل وقليل خبرة في السياسة إن كنت تظن أن هناك عداء بين بشار الأسد من جهة وحسني مبارك وملك السعودية من جهة أخرى فهم ياسيدي وجهان لعملة واحدة هي : عملة الخيانة والتواطؤ مع أمريكا على المصالح العليا للأمة – وخلافاتهم بينهم لالالالالالالالالالالالالالالالالاتفسد للود قضية أبداً – ياسيدي أنت كالمستجير من الرمضاء بالنار – الحكام العرب الحاليين غسّل يديك منهم جميعاً – فوالله إن أحدهم يبيع البلاد والعباد في سبيل البقاء في الحكم ولو على خازوق – مش ولو – لأنهم فعلاً كل واحد منهم على خازوق لايستطيع النزول عنه إلا بإنقلاب تدبره أمريكا عندما تنتهي صلاحية أحدهم – أو بالموت الذي لاراااااااادّ له – ولذلك ياسيدي لايوجد في عالمنا العربي مصطلح الرئيس السابق بل هما كلمتان فقط : الرئيس المخلوع أو الرئيس الراحل أو بالأصح الرئيس الفاطس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى