زين الشاميصفحات سورية

إنه ليس أوان الربيع

null
زين الشامي
منذ أيام أعلن عن استقالة الناشط والمعارض السوري رياض سيف من رئاسة الأمانة العامة لـ «إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي»، وذلك بعد أقل من شهر على خروجه من السجن. سيف الذي سجن مرتين لنحو ثمانية أعوام، قال في كتاب الاستقالة انه قرر ذلك لأسباب «صحية وشخصية».
ومعروف أن النائب سيف البالغ من العمر 64 عاما والذي يعاني من مرض السرطان، قد أخلي سبيله في يوليو الماضي بعد أن أنهى الحكم الصادر بحقه لمدة عامين ونصف العام بعد أن ادانته السلطات القضائية السورية بتهمة «نقل أنباء كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة». وكان سيف أيضاً سجن قبل ذلك لنحو خمسة أعوام على خلفية نشاطه ومطالبته بالتغيير الديموقراطي.
ليس سيف وحده من سجن بسبب مطالبتهم بالتغيير، لقد ذاق هذا المصير على سبيل المثال لا الحصر كل من ميشيل كيلو، ورياض الترك، وأنور البني، وعلي العبد الله، وأكرم البني، والسيدة فداء الحوارني الناشطة القيادية في «إعلان دمشق» وابنة أحد مؤسسي «حزب البعث»، كذلك تم سجن الاقتصادي والأكاديمي عارف دليلة، والطبيب وليد البني، والصحافي فايز سارة، والفنان طلال أبو دان، فيما استطاع كتاب وصحافيون الخروج من سورية إلى دول المهجر خوفاً من السجن مثل الباحث رضوان زيادة، والناشط في قضايا حقوق الإنسان محمد العبد الله وغيرهما. وهناك الكثير ممن لاقوا المصير نفسه.
ان نظرة سريعة على مجمل النشاطات المعارضة اليوم، وعلى نشاطات المعارضين الذين خرجوا من السجن تشي بأن كل شيء قد توقف. فقط قلة منهم تمارس النشاط الكتابي في بعض الصحف العربية، فيما قررت الغالبية الصمت.
واليوم في سورية، لا يستطيع أحد أن يعبر عن معارضته، أو انتقاداته للسياسات الحكومية، أو المواقف السياسية، لقد اختلف المشهد تماماً عن عام 2000 والعامين اللاحقين حيث كانت دمشق والعديد من المحافظات السورية تشهد حراكاً ديموقراطياً، وهناك من كان يعتقد أن سورية بدأت مع وصول الرئيس بشار الأسد الى السلطة بطي حقبة طويلة.
من سوء الحظ أن الظروف والمتغيرات الدولية والاقليمية لم تساعد أبداً المعارضين وحركة المعارضة السورية في الوصول إلى مرادهم، أيضاً، وفيما لو اعتبرنا أن نوايا سليمة وطيبة عند القيادة الجديدة في إحداث التغيير والإصلاح قد كانت قائمة وموجودة، فإن تلك المتغيرات الدولية والإقليمية لم تشجع على ذلك أبداً.
كلنا يعرف أن مجيء الرئيس الأسد إلى السلطة تبعه الهجوم على مركز التجارة العالمي في نيويورك، وقرار إدارة الرئيس جورج بوش الابن وفريق المحافظين الجدد الذين وصلوا للتو إلى الحكم في الولايات المتحدة، شن حرب خارجية على أفغانستان، ومن ثم على العراق في إطار الحرب على الإرهاب. في مثل متغيرات دولية وإقليمية كهذه، كان من الصعب على القيادة السورية الجديدة والرئيس الشاب أن يمضيان بعيداً في أي مشروع سياسي أو اقتصادي للتغيير.
ما «زاد الطين بلة» أنه وفي سياق الحرب الأميركية على العراق، وبعد اسقاط نظام «حزب البعث» هناك، أن المحافظين الجدد تحدثوا عن إسقاط النظام السوري كخطوة ثانية، وهو الأمر الذي أقفل نهائياً أي أمل في إحداث التغيير من قبل القيادة السورية. لقد كانت المحافظة على أمن النظام اولى الأولويات.
أيضاً جاء المتغير الإقليمي الأكبر والأخطر فيما بعد لينهي ويضع حد لكل أمل في التغيير ويجعل السلطات السورية تتعامل بيد من حديد مع معارضيها، ونقصد بالطبع، جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وتوجيه أصابع الاتهام إلى النظام السوري بالوقوف وراء الجريمة، وتشكيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، واجبار القوات السورية على الخروج من لبنان.
كل ذلك كان يترافق مع اهتزازات داخلية كبيرة تمثلت في «انتحار» أحد أبرز وجوه النظام الأمني في سورية وهو وزير الداخلية غازي كنعان، الذي قيل الكثير عن هذه «الحادثة» وارتباطها بما يجري إقليمياً، وما يعد وما يخطط له دولياً ضد النظام السوري. ثم أتى خروج نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام من السلطة، وانتقاله إلى الصف المعارض، وتوجيه انتقادات للنظام بدعم وتغطية من خصوم دمشق الدوليين والإقليميين، ليدفع السلطات الأمنية نحو مزيد من التشدد بحق كل المعارضين والناشطين السياسيين دون أدنى تمييز في ما بينهم.
ان هذه الأجواء العامة كان من شأنها أن ترخي بظلال ثقيلة على الحراك السياسي الداخلي، لا بل ان هذه الأجواء كان من شأنها أن تقضي على كل أمل بالتغيير والإصلاح، وتقضي نهائياً على إمكانية الفعل المعارض حيث من غير المعقول أبداً في ظل هذه المناخات أن تقول السلطات والنظام السوري الذي يشعر بالتهديد الوجودي للمعارضين: تفضلوا وانزلوا إلى الشوارع لتمارسوا حقكم في التعبير والمعارضة والنقد.
لا ننسى أن المعارضة والمعارضين السوريين، ونظراً لافتقادهم إلى تجربة الفعل السياسي المعارض اسوة بما تقوم به المعارضات في الدول المتقدمة، ارتكبوا العديد من الأخطاء والمجازفات التي جعلت النظام ينظر بعين الريبة إلى نشاطاتهم ومطالبهم حتى لو كانت محقة وعادلة في المضمون. في تلك الأعوام كان سهلاً على المعارضين أن ينتقدوا بحدة نظام «البعث» ويصفوه بأسوأ النعوت، ويحملون من هم في النظام مسؤولية كل «الخراب في البصرة». لقد كان ذلك يمثل للنظام الذي لم يكن ضعيفاً أبداً في ذلك الوقت رغم كل الضغوط، خطراً داخلياً يجب درؤه فورياً.
من سوء الحظ بالنسبة للمعارضين السوريين ولمستقبل سورية نفسها، أن فرصة التغيير ماتت قبل ان تلد، لقد انتهى كل شيء باكراً، ومن يعتقد أن هناك إمكانية للتغيير، أو العودة إلى النشاط المعارض كما لو أن شيئاً لم يحصل خلال الأعوام المنصرمة، فهو على خطأ كبير.
لقد كان محقاً رياض سيف في «الاستقالة»، وعلى من يراقب الشأن السوري الداخلي أن يفهم ويتفهم لماذا قرر الكثير من المعارضين… الصمت.
إنه ليس أوان الربيع، وشتاء سورية طويل طويل على ما يبدو.
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى