صفحات الناسمحمد ديبو

ماذا يحصل في جيرود؟ مد ديني متطرف أم استغلال لتسامح المدينة

null
محمد ديبو
تم مؤخرا تداول معلومات تشير إلى اعتقال حوالي ستين شخصا من أهالي مدينة جيرود بعد أن أقدم أحدهم على تفجير نفسه لدى محاولة قوات الأمن اقتحام المنزل.
الحدث بحد ذاته, والمعلومات التي تم تداولها أثارت الريبة والحذر والخوف في أهالي مدينة جيرود التي عرفت طوال تاريخها بانفتاحها على الغرباء وتسامحها, إلى درجة أن البعض كان يسميها في الستينات” موسكو” الصغرى, مما جعل العديد من المتابعين يتساءلون : هل وصل التطرف الديني إلى جيرود ؟ وهل مايقال عن امتداد التطرف إلى كل مكان هو حقيقة, أم أن الامر لايعدو أن يكون مجرد استغلال لحالة المدينة المنفتحة البعيدة عن الشبهات, كما يقول البعض!
أسئلة كثيرة يثيرها مايحصل : هل حقا أصبحت جيرود بيئة خصبة للارهاب أو ملاذا آمنا بحد أدنى, خاصة مع حصولنا على معلومات تشير إلى أن ابنة شاكر العبسي بقيت مختفية فيها لمدة سنة إذ كانت متزوجة من “محمد طيورة” من مدينة الرحيبة المجاورة لجيرود, والذي قتل في أحد المداهمات كما تقول معلومات غير مؤكدة, ليبقى السؤال : من جلب ابنة شاكر العبسي إلى جيرود؟ وكيف تمكنت من الاختباء لمدة سنة؟ من أمن لها الحماية والملاذ الآمن؟
ووصلتنا معلومات تشير إلى أن الجهات الأمنية استدعت ابنة شاكر العبسي للتعرف إلى أحد العناصر الذين تم القبض عليهم مؤخرا في جيرود, وخاصة “نذير القادري” وهو صاحب مكتبة ومدرس لغة عربية ظهرت عليه مظاهر الغنى خلال فترة قصيرة كما يقول أهالي جيرود.
منذ أيام نشرنا في شوكوماكو خبرا مفاده أن المخابرات المصرية بالتعاون مع القوات اللبنانية تعمل على تنسيق التيارات السلفية في طرابلس وشمال لبنان,بانتظار لحظة استخدامها لخلخلة المنطقة, وقد تحدثت المصادر عن انفجارات كبيرة ستحدث في لبنان في منتصف أيلول كمقدمة لتحرك تلك الخلايا النائمة.
سؤال آخر يسأل هنا : هل هناك علاقة ما بين خلية جيرود وماتحدثت عنه تلك المصادر؟ المعلومات المتوافرة حتى الآن لا تشكل أي دليل على وجود رابط ما, ولكننا ندرك عموما أن هذه الخلايا تشكل من قبل جهات ما, بانتظار لحظة استخدامها, الامر الذي يحيل إلى وجود جهات ما تسعى لخلخة المنطقة, تزامنا مع صدور القرار الظني من المحكمة الدولية ضد حزب الله, تمهيدا لتصفية تيارات المقاومة في المنطقة.
هذه المعلومات الأولية دفعتنا للذهاب إلى مدينة جيرود وسؤال أهلها عما حصل ويحصل في مدينتهم, والبداية كانت في منزل الشيوعي “محمود سمور” حيث التقينا عدد من مثقفي جيرود المهتمين بالشأن العام.
أهالي جيرود متفاجئون
قال “محمود سمور” لشوكوماكو: الحقيقة أن هذه البلدة كانت دائما تعرف بأنها صاحبة النضال الفكري والسياسي والتقدم والحضاري, ولكونها كذلك يبدو أن هذا التنظيم أراد ان يعمل بها وليس في المناطق المعروفة بميولها الدينية التي تضعهم تحت الشبهات”.
وتابع سمور قائلا :” أنا أستغرب هذه الظاهرة, لقد فوجئت بوجود غرباء ومعهم أسلحة وذخائر, وقيل لنا أنه عندما داهمتهم الدورية وجدوا هناك أسلحة ومتفجرات وأنقبة نسائية يستخدمها رجال التنظيم في التستر بزي نساء عند الحاجة”.
وبين سمور أن “التنظيم كان يتمتع بغنى مادي مما يعني أن هناك جهات ما تمدهم بالمال, ونحن نعلم أن هذه الجهات تعمل دائما على تشكيل خلايا نائمة, ولكن لم نكن نتوقع أن يكون الأمر بمثل هذه الخطورة وبهذا الحجم”.
ورأى سمور أن هذا التنظيم ” خطير لأنه تنظيم سري ويحمل سياسة مناهضة لسياسة الدولة, وهذا ليس مجرد كلام, لأنه بوجود أسلحة يتبين أن هذا التنظيم عنفي ويجسد فكرا منحرفا, برأيي لايوجد فكر منحرف دون سلوك منحرف ولا سلوك منحرف دون فكر ديني منحرف, إذن هناك دوافع فكرية وراء هذا التنظيم وهي دوافع دينية وهي من النوع السائد في العالم اليوم وهو فكر التطرف والقتل”.
ومن جهة ثانية, قال “جمال كاتبة” عضو الحزب السوري القومي الاجتماعي أن ” ظاهرة التطرف موجودة من فترة طويلة, ولكنها تكاثرت في الفترة الاخيرة, وبتنا نلاحظ انسياق الناس نحو الجامع والتحجيب, وهنا أسجل أن رجل الدين لم يساهم في مواجهة هذه الظاهرة بل على العكس قام بتبنيها”.
وقال الاستاذ والمربي فؤاد دعاس :” أن الوضع الحاضر مؤلم وصعب وجديد على جيرود, لأن جيرود كانت دائما مع التيار الوطني العام…أنا أرى أن كلمة التطرف الديني كبيرة على جيرود إلا اذا كان هناك شيء وافد من خارج جيرود”.
أسباب انتشار التطرف ..مسؤولية من ؟
رأى جمال كاتبة أن المسؤولية تتجه إلى “بعض العراقيين في المنطقة لأنهم ساهموا في اذكاء هذه الامور, فنحن لم نسمع عن وجود سني شيعي إلا بعد وجود العراقيين , حيث عاش المسيحون معنا طويلا ولم نسمع أي كلام طائفي, وهنا أسال أين مسؤولية الدولة في مراقبة هؤلاء؟
وتابع كاتبة قائلا :”برأي أن هؤلاء يعملون وفق أجندة معينة, وإلا ما الذي يدفع عراقيا من المفترض أنه هرب من الموت أن يتحدث بالطائفية ؟
وحمل “محمود سمور”  المسؤولية فيما حصل إلى رجال الدين في المنطقة, حيث قال:” أنتم أيها المشايخ الكرام لم تتطرقوا لأمور صحيح الدين بل جعلتم المساجد مفرخة للتنظيمات الارهابية , فلم تتكلموا عن أمور جوهرية في الدين بل حولتم المساجد من دور عبادة إلى مدارس دينية تنشر الفكر المتطرف”.
وأضاف سمور قائلا : ” أنا أحمل هذه الظاهرة التي وجدت في بلدنا لكم حيث تركتم الرفاق والشباب للفراغ والقلق والاضطراب”.
وتابع سمور قائلا أن المسؤولية ايضا تتجه نحو الحزبيين في المنطقة” لأنهم تحولوا إلى أصحاب مكاتب وتحولوا من النضال السياسي إلى موظفين في المكاتب وهنا الطامة الكبرى, أصبحوا يبحثون عن منافع وبالتالي بقيت الساحة لهؤلاء للعمل, لينشطوا وينشروا الفكر الديني المتطرف.
ورأى سمور أن أسباب انتشار التطرف تعود إلى تكبيل أيدي العلمانيين والاحزاب التقدمية إضافة إلى عدم الاهتمام بالشباب, مما جعلهم لقمة سائغة في أيدي الفراغ الذي دفعهم إلى الملاذ التقيلدي للبشر في حالات اليأس وهو الدين متمثلا في الجامع, لتستقطبهم التيارات الدينية المتشددة, خاصة أن نسبة الشباب في جيرود تصل إلى ستين بالمئة.
وأعاد دعاس أسباب انتشار التطرف إلى ضعف التربية, وتراجع دور وسائل الاعلام في فضح ظواهر التطرف.
ومن جهة أخرى, رفض دعاس اتهام رجال الدين والمشائخ بنشر التطرف, قائلا : هل تعتقد أن رجل الدين يتحدث من عنده, أليست الدولة ووزارة الاوقاف من يعين رجل الدين ؟ وحتى بالنسبة للنساء اللواتي يأتين من العاصمة هل تعتقد أنهن يأتين هكذا دون مراقبة؟ أنا أرى أن المسألة متشابكة ومعقدة, وأحيلها إلى وجود عناصر خارجية استغلت بعد هذه المدينة المتسامحة عن الشبهات, وأرى أن هناك عناصر متشابكة أبعد من الناصرية وجيرود.
الحلول والمعالجة
فيما يتعلق بالحلول المقترحة لمواجهة فكر التطرف والمد الديني المتزمت, قال سمور : بعد الانفجار بدأنا نتصل بالاصدقاء وخاصة البعثيين من أجل حثهم على أن نعمل شيئا, وفعلا جرى اجتماع بحضور أئمة المساجد لمناقشة هذا الامر, وهنا أطالب بالاهتمام بالشباب عبر ملء فراغهم عن طريق تنشيط الأندية الرياضية والرحلات العلمية والنشاطات الثقافية, إضافة إلى تأمين فرص العمل لمنع الشباب من الوقوع في أسر هذه التنظيمات تحت إلحاح الفقر والجهل.
وشدد سمور على منع اعطاء الدروس الدينية للأطفال والنساء في الجوامع, خاصة للنساء لأنهن يؤثرن على الجيل وتربية الابناء بين أيديهن, وهنا نسجل أن هناك نساء يأتين من العاصمة لاعطاء دروس دينية دون أن نعرف ماهية هذه الدروس, ومدى كفاءة من يعطيها.
ورأى سمور أن الحل لايمكن أن يكون أمنيا أبدا, فالحل هو ثقافي بامتياز.
واتفق كاتبة مع سمور في أن الحل يتمثل بالاهتمام بالشباب والسماح للأحزاب العلمانية بالعمل لمواجهة هذا المد, مؤكدا أن رجل الدين يحصل على مايريد في ربع ساعة في حين أننا نحتاج إلى ألف موافقة لاقامة محاضرة ذات بعد تقدمي, مشددا على عدم ترك المدارس والجوامع للشيوخ الذين لا نعرف مدى درجة تأهيلهم, مشددا على المدارس أيضا لأن المعلم في المنطقة مستلب الوعي وهو مشدود لرجل الدين فكريا وعقيديا.
وقال مصطفى خضرا مسؤول الحزب السوري القومي الاجتماعي في قرية الناصرية المتاخمة لمدينة جيرود أن الأمر يعالج بتنحية المشايخ الذين يدرسون الدين, مؤكدا أنه لايوجد متطرفين دون وجود شيوخ تدرس هذا التطرف.
رجل دين يهدد من على المنبر !
وعندما سألنا إن كان يملك دليلا على تطرف رجل الدين, قال :”
يوم 15/7/2010 أحيا الحزب السوري القومي اجتماعا في مدينة الناصرية بمناسبة استشهاد مؤسس الحزب “أنطون سعادة”, وتفاجئنا في يوم 16/7 أي بعد يوم بالخطيب الشيخ “راتب خضرا” يصعد المنبر ويصف الحزب بـ “حزب أبي لهب” وحزب أبي جهل”.
وتابع خضرا قائلا :”عندما قلت له : لايجوز أن تتحدث بالسياسة, أجابني : “أنا سأحكي بكل شي كما أنتم تعملون ناس ومجموعة ..أنا من حقي أن أعمل مجموعة لي” وذلك عبر مكالمة هاتفية بيننا.
وكشف خضرا أن نفس الشيخ, قال قبل عدة سنوات وهو على المنبر أن “بعض العقائد أنتجت عمليات استشهادية وبئس تلك العقائد”, وذلك أثناء حديثه عن إحدى العمليات الاستشهادية في فلسطين المحتلة.
وهنا نتساءل : هل من حق رجل الدين استخدام المنبر للهجوم على أحزاب أخرى؟ وهل يحق لرجل الدين العمل في السياسة أصلا؟
أخيرا, أعتقد أنه يمكن القول أن الأمر يمكن قراءته ضمن موجة التدين العامة التي ضربت المنطقة منذ التسعينات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي, ولكن هذا لايعني أن الامر بخير فالخواء والفراغ مرشح لأن يملأ بأي شيء, ولعل القبض على الخلية الارهابية يمثل جرس انذار مبكر لتشديد الامر باتجاه مراقبة مايقال في الجوامع وعلى المنابر, وخاصة الدروس الدينية التي تعطى في المساجد للأطفال والنساء, إضافة إلى تفعيل آليات العمل لمراقبة مستوى التطرف عبر تفعيل كوادر قادرة بالفعل على العمل والمراقبة, وتنشيط حرية العمل والنشاط المدني لأنها وحدها القادرة على مواجهة التطرف عبر نشر التنوير وفكر التنوير, إضافة إلى ضرورة الاهتمام بالشباب.
شوكوماكو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى