خولة غازيصفحات الناس

السوريون في الفيس بوك : الطبل بدوما والعرس بحرستا

null
خولة غازي
عندما تقول لمحدثك أن ” الفيس بوك” محجوب في سوريا فأنت بحاجة إلى التأكيد أنك لا تمزح وأن ذلك أمر واقع! أما إذا كان محدثك من المناصرين لسياسة الممانعة في المنطقة التي تقودها “الجمهورية العربية السورية” بوكالة حصرية ، عليك أن تباغته أيضاً قبل أن يلتقط أنفاسه بأن ” اليوتيوب” أيضاً محجوب وأن كل مواقع التدوين محجوبة كذلك وأن…
وإذا كانت الجهات الحاجبة في سوريا (التي لا يعرفها أحد) لا تبرر ولاتقدم وليست مطالبة بتقديم سبب حجبها لموقع ما، فإن الأمر في حالة ” الفيس بوك” مختلف قليلا فقد ردت السيدة بثينة شعبان على استغراب وفد بريطاني لحجب الفيس بوك بأنه حجب “لأسباب أمنية”، وذكرت المستشارة (للوفد طبعا وليس لمواطنيها) أن “موقع الفيس بوك كان مفتوحا في البداية أمام الجميع في سورية لكننا اكتشفنا محاولات لجماعات إسرائيلية بفتح حوار مع مستخدمي الفيس بوك من السوريين وهذا ما لا نسمح به” وقد أضافت المستشارة في حينها أن “الخطوط الحمراء التي تفرضها أمريكا على الإعلام أكثر ما هو مفروض على (إعلامنا)”. وبالرغم من ذلك أو على الرغم منه أو رغم أنف الحجب فإن السيدة المستشارة لها صفحة “بروفايل” على هذا الموقع المحجوب لأسباب أمنية! ولا يقتصر الأمر على السيدة المستشارة بل أن السيدة اسماء الاسد لها صفحة أيضاً! وهناك ايضاً صفحة لوزير الثقافة الدكتور ياض نعسان اغا… هناك أيضا بعض مسؤولي الصف الثاني ممن يجيدون التعامل مع هذا الاختراع العجيب المسمى “الأنترنت”. وقد تنبه بعض الاعلاميين ممن هم في مواقع قيادية الى ضرورة وجودهم الى جانب المسؤولين “في الصف الأول والثاني” لتكتمل الصورة ” وتطلع حلوة” (مسؤولون وحاشيتهم )، فنجد رؤساء تحرير بعض الصحف مثل سميرة مسالمة ، وضاح عبد ربه ، ريم حداد ، اضافة الى اعلاميين مرافقين لزيارات الرئيس السوري في زيارته الخارجية…
الخصوصية السورية الفيسبوكية
وإذا خطر لك أن تجري مقارنة في طريقة وشكل استخدام الفيس بوك بين مسؤولي وإعلامي سوريا وبين ” الأشقاء” اللبنانيين ستجد عدة فروقات “بين الشكلين” لايوجد جائزة حتى لو كانت ترضية على اكتشافها، فعندما تقارن بين مرافقي الرؤساء اللبنانيين والسوريين ، ستكتشف “على سبيل المثال” أن صفحة الصحافي علي حمادة مزدحمة بالصور الشخصية له ولزملائه كما ستجد صوراً خاصة لرئيس الوزراء اللبناني، بينما لا يمكن أن تجد شيئا يذكر في صفحات المرافقين السوريين، ليبدو في صفحاتهم كأنهم في جولة ترفيهية ، لا علاقة لها بزيارة رئيس دولة، رغم ان جزء من عمل الفيس بوك هو الترويج والدعاية، ربما يخشون من تجسس “الأعداء” على الصور وعلى ملاحظاتهم أيضاً
بكل تأكيد فإن الفيس بوك حجب لأسباب أمنية وكل المواقع المحجوبة حجبت لهذا السبب فالسيدة المستشارة صادقة في هذا الأمر؛ لكن الاسباب لا تتعلق بالاسرائيلين كما زعمت السيدة المستشارة بل تتعلق بالخشية من استغلال واستخدام هذا الموقع “لنشر أخبار كاذبة تزعزع هيبة الدولة وتوهن نفسية الأمة” وهي التهمة التي تلصق بمن يخطر على بال السلطات السورية سجنه.
لكن بقليل من التدقيق نجد أن صفحات المعارضين السوريين تشبه صفحات المسؤولين ” السوريين أيضا” فهي الاخرى باهتة ، وخارجة عن أي اطار منظم ، وفيها الكثير من الحشو الكلامي الذي لا طائل منه ، وكأنهم يخاطبون أناس من الفضاء مجرد شعارت . لتكتشف دون الاستعانة بصديق أن الخشية الأمنية لم تكن بمحلها. فلم يستغل السوريون المنضويين تحت لواء الفيس بوك هذا الموقع في تعزيز الحراك أو حتى إيجاد،، ولا يبدو أنهم معنيين في ان يحولوه الى ساحة مطالب ضاغطة ، بعد ان اصبح الشبكة الاجتماعية الاكثر شهرة في العالم ، واستطاعت أن تساند الحراك العام والمطلبي في أكثر من بقعة في العالم منها مايشبهنا
يبدو هذا التمني في غير محله عندما نتحدث عن السوريين لاسباب كثيرة منها : ان بنية العمل المدني مغيبة عن الواقع وعمل المجتمع المدني مقتصر على اتحادات ومنظمات تابعة لحزب البعث ، وجمعيات تحت اشراف امني ضمن توجهات الحزب الحاكم ، ناهيك عن القبضة الامنية التي تحكم بنية المجتمع وذهنية الفرد ،مما يجعل عمل الافراد (الفيسبوكيين ) محكوماً بهواجس ” الأسباب الامنية” من ملاحقة ومتابعة وزج في السجون.
لا يقدم الفيس بوك إحصاءات خاصة بعدد السوريين المسجلين لديه(من يختار مقر إقامته سوريا) فقد حذفها من سلم الدول التي يمكن التعامل معها تجارياً وإعلانيا وهي الطريقة التي يمكن من خلالها الحصول على الاحصاءات. لم يأت الحذف نكاية بحجبها للموقع بالطبع بل لأن حكومة الفيس بوك تخضع لحكومة أمريكا التي لديها خطوط حمراء ” كما ذكرت المستشارة” في خرق العقوبات المفروضة على دول محور الشر. لكن هناك بضعة مئات من الالاف من السوريين مسجلين في الموقع، إلا ان المعارضة لم تفلح في كسب مناصرين حولها بسبب ضعف بنية عملها المقصور على اقوال تناهض النظام الحاكم في السوريين ، وفي هذه الحالة تكثر الشتائم ، متناسين ان الشتائم لا تصنع عملاً معارضاً مقبولاً كصيغة من الجميع ، فهناك حوالي اكثر من 23 مليون سوري ، لا يهمهم ذلك ، بقدر ما يهمهم إصلاح اجتماعي واقتصادي وسياسي ، فلم يعمل المعارضون على عمل مدني يهم المجتمع السوري كافة ، واقتصرت التجارب سابقاً على قضية الطفلة خولة التي اغتصبت في حلب من اكثر من عام وهي عمل لم يقم به المعارضون . اما ما عداها فهي تجارب قاصرة على مقاطعة سيرياتل ، وفك حجب الفيس بوك .
كما نلحظ أن الواقع السوري بأمراضه وعلله انتقل إلى صفحات الفيس بوك ، وهذا قد ينطبق على جميع المجتمعات الفيسبوكية العربية ،ولكن السوريين لم يفلحوا في تشكيل أي حالة مميزة لعمل مدني فاعل ، حتى مجموعة ( لا لظلم الجزيرة السورية ) التي أطلقها مجموعة من الشباب ، ما زال عملها ” افتراضياً” لم ينعكس على أرض الواقع رغم تمييزها .
بين مصر وسوريا …!
استطاع مستخدمي الفيس بوك المصريين ان يحولوه الى ساحة مطالب ، الى حراك حقيقي ، يهم كافة شرائح المجتمع ، وتلوناته السياسية ، بدءا من حركة شباب 6 ابريل في عام 2008 التي انشائها مجموعة من الشباب على الفيس بوك ودعت الى اضراب في 6 ابريل احتجاجاً على غلاء المعيشة والفساد والتعذيب في اقسام الشرطة ، واستطاعت ان تجمع خلال فترة قليلة 70 الف مشارك .
وبالمقارنة مع حركة اقامها سوريون على الفيس بوك حملت اسم : كفى صمتاً لم ينضم لها الا المئات التي لم تصل الا الـ 500 مشارك واقتصر نشاطها على خروج المعارضين السوريين خارج البلاد للوقوف امام السفارات .
وهناك صفحة خاصة بالدستور السوري فيها حوالي 50 مشارك ، بينما في نجد الرقم يصل الى الاضعاف في صفحة بعنوان : ارفعوا يد فراس ابراهيم عن محمود درويش .
ويبلغ عدد المشاركين في غروب افتخر اني سوري 24,845 وصفحة السيدة اسماء الاسد حوالي 42 الف مشارك .
ومما سبق نجد ان السوريين يتزايد عددهم في الغروبات الترفيهة الخاصة بالاعلانات ، وكارهي الممثليين .
فإلى الآن لم ينتقل المجتمع السوري الفيسبوكي من مرحلة التسلية والترفيه ،ولم يستطيعوا ان يجعلوا منه ورقة ضغط مدنية للكشف عن مشاكل حياتية يومية، كما فعل المصريين .
بين خالد سعيد ومحمد الكبيسي
في الوقت الذي قتل الشاب المصري خالد سعيد على يد مخبرين ، قتل الشاب السوري محمد الكبيسي داخل فرع الامن الجنائي في دمشق .
في حالة الشاب المصري قام المصريون بحملة ضغط من خلال الفيسبوك على الحكومة لفتح تحقيق في قضية خالد التي تحولت الى قضية رأي عام ، وانشأت عدة مجموعات انضم الآلاف لها، فجموعة “انا اسمي خالد سعيد” بلغ عدد المشاركين 260,626 ، وقد أجبر الفيس بوكيين المصريين إعلام بلدهم على تناول القضية على أوسع نطاق،بما في ذلك الإعلام الرسمي، بل أن الإعلام حينها كان يستقي معلوماته من نشطاء الفيس بوك في هذه القضية.
أما في حالة الشاب السوري فكان الوضع بائسا للغاية، مجرد كتابة خبر على صفحات بعض الناشطين ، لم يكترث لها الا قلة وجدت فيه مناسبة لشتم النظام ، وما عدا ذلك لم يحدث أي شيئ فنامت القضية ..
وبهذا يضيع الناشطين السوريين فرصة حقيقية ونظيفة لتغيير مجتمعي مطلبي في سوريا … ولم يستفيد المجتمع السوري ( الفيسبوكي ) من تجربة نظيره المصري ،واكتفى غالبية السوريين بالهرج والمرج على صفحات الفيس بوك وكأنهم مواطنين سويسريين .
هناك تعليق طريف في احد مجموعات رفع الحجب عن الفيسبوك لأحد الشباب السوريين يلخص ذهنية اليأس السائدة: ( يا شباب انعرف سبب الحجب القيادة اصدرت بيانا تقول فيه ان طريق تحرير القدس يبدأ من الفيس بوك .
ونظرا لان الفيس بوك من صنع الاستعمار الغاشم..ويستهدف بشكل مباشر منجزات الثورة..ارتأت القيادة حجب الموقع ولعمل على تضييق الوصول اليه بكافة الطرق الممكنة ودمتم للنضال والخلود لرسالتنا يا رفاق) .
هذا هو الفيس بوك السوري الذي يصح فيه القول : الطبل بدوما والعرس بحرستا .. وحتى يلتقي الخطان المتوازيان ،بالتأكيد سوف يلتقي السوريين على قضية واحدة على الاقل فيسبوكياً

كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى